من يقتل من في باريس؟ من حقنا أن نطرح هذا السؤال حيثما ضرب الإرهاب. هذه ثمار الإرهاب، تزرعها الأنظمة وتحصدها الشعوب. لم يقل لنا هولاند الذي كان أمس، نسخة من بوش يوم 11/ 9، إن كان منفذو عمليات ليلة أول أمس بباريس إسلاميين معتدلين أم متشددين؟ هل تدربوا على يد المخابرات الفرنسية والأمريكية في الأردن وفي العراق وتركيا، لإشاعة الفوضى في سوريا وليبيا وبغداد وكل منطقة استهدفها الاستعمار الجديد تحت كل المسميات؟! فرنسا كانت تتوقع عمليات بهذه الحدة منذ أسابيع، وقد سبق للقاضي المتخصص في قضايا الإرهاب تريفيديك منذ أسابيع أن حذر من عمليات بهذه البشاعة، حيث قال إن الأسوأ أمامنا، فداعش تحضر لمجازر في فرنسا، وأن الخطر على فرنسا من هذا التنظيم غير مسبوق، لكن يبدو أن الساسة الفرنسيين لم يأخذوا هذه التحذيرات مأخذ الجد، ربما كان مدير المخابرات الفرنسية باجولي مشغولا بتفكيك المخابرات الجزائرية وتحقيق مشروع الاستعمار الجديد لبلادنا على حساب ما يجري في الداخل من صراعات! عملية شارلي إيبدو حذرت منها المخابرات الجزائرية قبل وقوعها، فكانت آثار الجريمة محدودة، أما اليوم فقد أظهر غياب التعاون الجزائري، فظاعة العمليات الإجرامية. مَنْ مِنْ شعوبنا سيدفع ثمن هذه الجريمة البشعة، إذا كان العراق وأفغاستان دفعا ثمن 11/ 9، فمن سيدفع ثمن ”الجمعة 13” الأسود؟ ها هي باريس وشعبها الآمن وسكانها الأبرياء يجنون ثمار الربيع العربي، وتفكيك بلدان المنطقة، باريس تدفع ثمن السياسة الرعناء لساركوزي في ليبيا، وهولاند في سوريا، فهل سيتمسك بعد هذا هولاند بالإطاحة بالأسد؟! من هو بن لادن الجديد الذي سيقود هولاند فرنسا لحرب جديدة عليه، وهو يعلن أمس، حالة طوارئ وغلق الحدود الفرنسية؟ ليست فرنسا وحدها المستهدفة، ولا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها ستدفع ثمن جرثومة الإرهاب، سواء كان اسمه داعش أو القاعدة، أو الموساد. أليس لنتنياهو هو الآخر مصلحة في خلط أوراق فرنسا وأوروبا كلها؟ ألم يوجه غداة مأساة شارلي إيبدو والمتجر اليهودي، دعوة ليهود فرنسا للهجرة إلى أرض الميعاد لينعموا هناك بالأمان؟ صنعتم لنا إسلاما تدميريا وحاربتم إسلام النور والمحبة، فها أنتم أيضا تدفعون الثمن، مثلما حذرناكم مرارا من أن نار الإرهاب ستأكل الجميع، وسيدفع الجميع ثمن التواطؤ ضد الشعوب العربية! هذا ثمن سياسة التهجير المنتهجة في سوريا لإفراغها من سكانها، فمن ينفي أن الإرهابيين بالعشرات وربما بالمئات لم يتسللوا بين أفواج الهاربين من نار داعش؟! اليوم باريس وغدا لندن، وربما مدريد وبرلين، فعملية الأمس دليل على قوة التنظيم ودرجة الحقد الأعمى على الحياة! باريس لا! بيروت لا! بغداد لا! تونس لا! كلنا مستهدفون حيثما ضرب الإرهاب، وحيثما حقق نصرا على طمأنينتنا. قلوبنا موجوعة على ضحايا بيروت، مثلما هي موجوعة على ضحايا تعز وبغداد، وعلى الطفل التونسي أمس، الذي فصل إرهابيون رأسه عن جسده وأرسلوه إلى والدته، كلهم أبرياء وكلهم يشبهوننا بأنهم رهينة سياسات متواطئة مع المؤامرة ضد بلداننا وضد مصير شعوبنا! يؤلمني أن يتألم بان كيمون لضحايا باريس، ولا يبدي أدنى تأثرا لقتلى ضاحية بيروت قبل يوم واحد من فاجعة باريس. يؤلمني أن يتحرك زعماء العالم الذي يسمي نفسه حرا منددين بقتلى فرنسا، لكنهم يلوذون بالصمت لما يسقط ضحايا في بغداد أو في عدن أو بيروت، وعندما يضرب الإرهاب في باريس ونيويورك يسمى القاعدة أو داعش، وعندما يقتل عربا يسمى ميليشيات الأسد، أو الحوثيين أو بقايا صدام..! لن ننتصر على آفة الإرهاب، وستضرب مرات أخرى باريس، وتضرب لندن وبرلين وبلدان أمريكا مرات أخرى، ولن تكتفي داعش بتدمير سورياوالعراق، مثلما لن تكتفي القاعدة بعمليات محدودة. ألم يوص الظواهري باستهداف المطاعم ودور السينما في أوروبا وتفادي الأسواق لأن بها مسلمين؟ لن ننتصر على الإرهاب، ما لم نوحد مفاهيمنا ضده، وما لم تتوقف الأنظمة الغربية عن الاستثمار فيه كقنبلة موقوتة تفجرها فقط في قلب البلدان العربية، كأرخص سلاح لتدميرها والقضاء على أحلام شعوبها المتطلعة للحرية وللحياة الكريمة حتى لا تزاحم شعوب أوروبا على الثروات! يتألم قلبي لمشاهد الرعب في ليل باريس الحالك، لا أحب لعاصمة النور أن تتحول لياليها إلى ظلام كالذي يلف بغداد منذ سنوات، وكالذي يلف دمشق، ولف قبلها جزائرنا. في باريس مثلما في بيروت ومثلما في تونس لنا أحبة نخاف على حياتهم، وأماكن نشتاق إلى ارتيادها والتمتع بصحبة أهلها! على الشعوب، كل الشعوب أن تتوحد ضد آفة الإرهاب، كل أنواع الإرهاب، مثلما نتوحد ضد كل من يدعم ويمول ويبرر ويحمي الإرهابيين، وإلا فمصيرنا واحد وكلنا في نظر داعش كفرة تجب إبادتهم، وستبقى أمريكا وأنظمة الغرب تستعمل الشعوب حطبا لوقود سياستها وجشعها ولتبرير عدوانها في منطقة الشرق الأوسط الجديد، حيث أفسد عليها بوتين مخططها! على الشعوب، كل الشعوب أن تعي المخاطر وتحمي نفسها من أنظمتها!