تصدر خلال الأيام القليلة القادمة طبعة ثانية لروايتي ”يوم رائع للموت” و”الحالم” لسمير قسيمي عن منشورات الاختلاف الجزائرية وضفاف اللبنانية، في وقت ستصدر رواية ”حب في خريف مائل” باللغة الفرنسية الشهر القادم. وتأتي الطبعة الثانية من هذه الأعمال بعد النجاح الكبير الذي حققته في العالم العربي، والدليل نسبة المبيعات والكتابات النقدية التي مدحت كثيرا روايات سمير قسيمي. ويتناول سمير قسيمي في روايته ”الحالم” قصة رضا خباد، بطل الرواية الذي يحضر عبر أزمنة وأمكنة متخيلة، تحفر حيناً في ذاكرته بحلوها ومآسيها، وتغوص أحياناً أخرى في خيالات هي في الحقيقة أحلام لم تتحقق. هكذا يبني الكاتب عالمه الروائي عبر خيال البطل الذي يبقى متوارياً عن هويته حتى النهاية، لكنك تعرفه فقط إن حاولت التركيز على بعض المشاهد دون غيرها. قسيمي في ”الحالم” لعب على الغموض، وبين الكلمات والجمل المبهمة تتضح معالم النص، يحلم البطل بأن يعيش على أمل أن يتحقق له حلم المعرفة. في بداية العمل، يستوقفك اعتراف الكاتب سمير قسيمي المقحم داخل الرواية بصفته الراوي العليم، والمقدمة وحدها تجعل القارئ يزداد شغفاً لتتبع الطريق التي يرسمها الروائي كي يعرف إلى أين ستقوده في النهاية، وسيظل يطرح الأسئلة حتى الخاتمة.. من هو البطل؟ من هو كاتب الرواية؟ لماذا يلعب الكاتب على عنصر المصادفة لولا رغبته في مزيد من التشويق والإثارة والغموض؟ يتحدث الراوي في المقدمة عن نفسه بأنه سمير قسيمي الروائي الذي كتب أربع روايات، ويشير إلى حوار صحافي أجرته معه صحافية ليتبين أنه لم يسرق رواية ”ثلاثون” من روائي آخر. يمهد الكاتب للخوض في مسألة ظلت الشغل الشاغل للفلسفة، وهي قضية الوجود الإنساني وسؤال الزمن بين الحقيقة والزيف، أو فكرة الوجود والعدم، ورغبة الإنسان في الخلود مقابل مواجهته لعقدة ظلت آسرة مستبدة بفكره وهي الانمحاء والتلاشي ”عقدة الفناء”. وفي رواية ”يوم رائع للموت” يروي قسيمي قصة صحفي (حليم بن صادق) تدفعه مغامرة عاطفية فاشلة إلى الشعور بإحباط وخيبة عميقين يدفعانه إلى التفكير في الانتحار، حيث يشرع فعلا في هذا الأمر بعد أن هجرته حبيبته (نبيلة ميحانيك) لتتزوج أحد أصحاب ”الشكارة”، وما أكثرهم في واقعنا. وحتى تكون ذكراه أسطورية يكتب حليم إلى نفسه رسالة يبين فيها أسباب انتحاره ويرسلها إلى نفسه في البريد، حيث قدر أنها لن تصله إلا بعد أسبوع من انتحاره في أحسن الأحوال. وهكذا ستتحدث عنه الصحافة مرتين، مرة بعد انتحاره، ومرة أخرى بعد وصول رسالته التي توضح أسباب موته، وكأنها بُعثت من قاع القبر أوحُملت على أجنحة الموت. إلا أن القدر تكون له ترتيبات أخرى تحول دون انتحار هذا الصحفي في نهاية الرواية، لينفتح باب الأمل أمامه من جديد. تدور أحداث الرواية في بيئة شعبية، حيث يغوص مضمونها في واقع الطبقات السفلى داخل المجتمع، أو ما يُطلق عليه في مصطلحات أقصى اليسار ”الحُثالة”، بما يشمل المخنثين والمنحرفين بل حتى سلوكيات المجانين أومن يراهم المجتمع هكذا. ولم يكن للكاتب بدٌ وهو يدخل دهاليز باش جراح والكاليتوس الغارقة في الشعبية، من أن يمتلك الشجاعة على كسر الكثير من الطابوهات، وعلى رأسها الثالوث المُحرم في المتن الروائي العربي والذي ما يزال متربعا على عرش المجتمعات العربية والإسلامية: الدين والسياسة والجنس. للإشارة رواية ”يوم رائع للموت” دخلت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية وحققت نجاحا كبيرا. ويقترب سمير قسيمي بروايته من ذائقة القارئ العربي، الذي لايزال حائرا أمام مفاهيم كثيرة كالدين والجنس والسياسة، ويدفعه لطرح مجموعة من الأسئلة حول المصائر الإنسانية، حيث يقدم قسيمي للقارئ شخصيات معافاة من خوف الاقتراب من الممنوع، وتفتح الأبواب أمام مشاهد إنسانية غامضة مليئة بالتساؤلات. وما يميز رواية ”حب في خريف مائل” هي الجرأة في الطرح عند قسيمي مع قدرة فائقة في الحيل الفنية والسرد القصصي الرائع والمشوق، ناهيك عن اللغة البسيطة البعيدة عن التكلف، وهو ما اعتاد عليه الروائي في كل رواياته، ربما باستثناء ”الحالم” التي يمكنها تصنيفها ضمن خانة الروايات الفلسفية التي تعتمد على العمق وقوة التحليل. ووقع الروائي الجزائري سمير قسيمي عقد ترجمة روايته الأخيرة ”حب في خريف مائل” الصادرة عن منشورات الاختلاف، إلى اللغة الفرنسية، والتي ستصدر عن دار النشر الفرنسية العريقة ”editions du seuil”، حيث قام بالترجمة المترجم الجزائري لطفي نية تحت إشراف الفرنسي إيمانويل فارلي. ”حب في خريف مائل” تبقي القارئ يقظا ومنتبها لكل أحداث الرواية حتى تكتمل لديه ملامح الصورة النهائية نظرا لتداخل القصص وتسلسل الأحداث، وصعوبة الوصول إلى النهاية، ما يزيد من حدة التشويق عند القارئ الذي يسارع لاكتشاف نقطة النهاية. ويروي قسيمي حكاية ”قاسم” الذي بدوره يقص حياته لنورالدين بوخالفة، بعد أن عرفه في يوم خرج فيه تحت تأثير أسئلة ومشاعر وجودية، حول الموت والحياة، ومصيرها إن خلت من الحب. فيأتي ما يرويه (قاسم) كجواب عن أسئلة الأزمة التي يمر بها بوخالفة، بحيث تنتفي الفوارق بين الشخصيتين، ليصبح قاسم هو نفسه بوخالفة. يمضي قاسم جل وقته في القراءة وعلاقة ملتبسة بالمرأة، إذ يقيم علاقات شبه يومية دون شعوره بالحب، فهو يملك رؤية خاصة عن الحب والوطن والدين، مستعينا بما تلقاه من صديقه عبد الله طرشي، الذي عاش في روسيا أيام الاتحاد السوفييتي وفي الجزائر والهند.