ما أصعبَ على المرء أن يكذب عينيه، يكذب واقعاً أصبح مغلوطاً ومشوهاً، ربما جلس الإنسان منا بعض الوقت، يحاول أن يترجم ما يشاهده من مغالطات، أو تجاوزات، أو مبالغات وصلت حد الاستهتار في قيمة الأشياء من حولنا، من نعم وأرزاق، وكأننا أمام مسرحية تعرض على المسرح قد جن أفرادها. جميعنا شاهدنا مقطع ”يوتيوب” انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي لأفراد يتباهون بغسل أيديهم بدهن العود؛ للتباهي والتفاخر والعنصرية البغيضة، وهل دهن العود قادر على أن ينظف ما علق بذلك القلب، أو ذلك العقل من وهن ومن وهم؟ أهذا يعتبر من باب الكرم أم هو لأجل التباهي والتفاخر البغيض، وإثبات الهوية بالقوة والاستعراض أم هو الجهل بعينه والشعور بعقدة النقص؟ هناك من تفنن في تضخيم الولائم، وتعددها بشكل عشوائي ومبالغ. في أعراسنا واحتفالاتنا تذبح تلك الذبائح بصورة مبالغة، ومسرفة، ومجحفة في حق الإنسانية، تكون نهايتها في براميل القمامة مرمية، أو إنشاء جمعيات خاصة؛ لأخذ هذه النعم والبحث من جديد لإعادة استهلاكها للفقراء والمحتاجين، ولماذا لم نوفر الأسلوب والطريقة المختلفة عن ذلك، كيف لنا أن نبذر ثم نهرع للبحث عن فقراء لإطعامهم؟! تستهلك كل تلك الأشياء عشوائياً باسم الكرم، والكرم منها بريء، بل هو التباهي المهين للإنسان في القرن ال21، بل في قرن تتصدر فيه الحروب والمجاعات والفقر أنحاء العالم. تجاهلنا كل ذلك ولم نأخذ العظة والعبرة.. ماذا بقى للأسف؟ اختلَّت الموازين وأصبح اللعب بالنعم بعد الشبع، ونسينا قول ”الحمد الله”. ما يحدث لا يصدقه عاقل. إننا خلصنا من قضيانا المهمة وتفرغنا للتبذير والتفاخر والتصوير، وعرضه على الملأ، أي ما عُدنا نخجل. الخوف أن يأتي يوم نخجل جميعنا ولا نجد من يستر جهلنا وضعفنا. هذه صور (الأنا) الطاغية التي طالما تحدثت عنها في مقالات عدة، تأخذ يوماً التفاخر والتبذير، ويوماً العنف والترهيب، ويوماً الضحية والتبعية. إن لم نصحُ ونشاهد من حولنا من مآسٍ هزت الجبال، وجرت الأرض والوديان بسفك دماء الأبرياء في المدن المجاورة، تصلب حالهم، وضعف شأنهم، وضاع قوتهم وعزوتهم، بين صرخات أمهات ثكلى، وجوع أبنائهم. أين نحن من سورية والصومال والسودان وفلسطين واليمن. إن لم نأخذ العبرة بعد ذلك فلا نأمن الغد إذاً. الاعتزاز المفترض يكون بإنسانيتنا، وقدرة عطائنا للآخر، مساعدة المساكين والمحتاجين، هذه هي القيمة الحقيقية لوجودنا على هذه الأرض، كيف نزرعها ونحصدها؟ ويساند بَعضُنَا بعض في كل أمور حياتنا، بالكلمة الطيبة، والأفعال الحميدة، والتعاون الشريف، والتواضع الحميد، في توعية عقولنا فيما علينا من واجبات لأنفسنا من علم، ومعرفة، ومهارة، وتوعية الآخرين. كيف تتفتح العقول للعبور على هذه الأرض بسلام، وعطاء، ومحبة، وأخوة، وتواضع، وتعاون؟ كل بحسب جهده في عمله وماله وحياته، من دون أن يطغي أو يتكبر. ألم يحن الوقت لأن نقول لكل هذه التصرفات غير المسؤولة: كفى! أن نعري هذا الاستخفاف بالنعم التي أوجدها الله لنا لسد جوعنا وعمارة أرضنا.