* 28 تاجرا فقط يصارعون من أجل البقاء هو نظام تجاري بدائي يرتكز على تبادل البضع والسلع بين المجموعات والأفراد دون تدخل النقود كوسيلة للتعامل، أين يتم الاستبدال العيني للبضائع، أي بيع سلعة بسلعة. تلك هي ما يعرف في الاقتصاد بتجارة المقايضة ،التي رغم التطور الذي يشهده العالم في أساليب المعاملات التجارية والتطور التكنولوجي الكبير الذي شمل مختلف جوانب الحياة، حتى وصلت الدول المتقدمة إلى جيل جديد من التجارة يطلق عليه اسم التجارة الإلكترونية، إلا أنها لاتزال متواجدة وجاري التعامل بها إلى وقتنا الحالي بين تجار المناطق الحدودية – تمنراست وغيرها - الجزائرية وتجار دولة النيجر. ”كانت الأمور تسير بشكل عادي وجميل، والتعامل التجاري بين تجار المقايضة بتمنراست ونظرائهم في دولة النيجر يسير بشكل أفضل، إلى أن صدر قرار غلق الحدود بين الجزائر وجيرانها كالصاعقة على تجار المقايضة بعاصمة الأهڤار”.. هكذا تحدث لنا الحاج توجي محمد، تاجر مقايضة من مدينة تمنراست، الذي لم يعرف مهنة غيرها، مضيفا:”أصبنا بخيبة أمل وحيرة في أمرنا، كيف يمكن لنا أن نعيش وكيف لنا أن نصفي معاملاتنا العالقة مع تجار دول الجوار ، كيف يمكن لنا أن نصفي ديوننا مع التجار المحليين، أسئلة وغيرها كانت تجول في فكرنا”. ويتابع المتحدث:”كان عددنا كبيرا، فهي تجارة توارثناها عن أجدادنا ولم نعرف غيرها، إلى أن أصبحنا نعد على الأصابع، فنحن اليوم 28 تاجر مقايضة فقط”. يقول الحاج توجي محمد:”قبل غلق الحدود كنا نساهم في الاقتصاد الوطني بشكل جيد، وكنا أفرادا فاعلين في المجتمع، فقد كنا نصدر التمور العادية بما أن الممتازة منها ممنوعة، وكذا البطانيات والصناعة التقليدية المحلية والخشب والجلود المعالجة والبلاستيك والخردوات ومواد البناء والحلويات والألبسة الجاهزة بمختلف أنواعها وغيرها، كما كنا نستورد الماشية الحية والشاي الأخضر والتوابل وغيرها”. فحسب الإحصائيات الجمركية التي تحصلنا عليها لسنة 2011، أي قبل غلق الحدود، فقد بلغت فاتورة التصدير أزيد من 1 مليار دينار تساهم بها تجارة المقايضة في الخزينة العمومية، هذا المبلغ المعتبر الذي كان من المفترض أن يضاعف إلى أكبر من هذا، شهد ركودا كبير كانت له آثار جانبية، حيث تضرر بائعو التمور الذين لم يجدوا أين يسوقوا تمورهم كونها عادية ولا تستهلك في السوق المحلية، في وقت كانت لها سوق تسوق فيها، كما عرف سوق الماشية ارتفاعا في الأسعار وكذا التوابل والفول السوداني وغيرها”. وحسب الحاج التوجي محمد:”ما زاد من معاناة التجار، أن مصالح التجارة والجمارك قامت بمنع تصدير بعض السلع رغم توفر الجزائر عليها كالملح الصناعي وكذا الحلويات المصنعة محليا والمشروبات الغازية المصنعة محليا”. بالإضافة إلى ذلك عرفت ولاية تمنراست غياب تظاهرة ما يعرف ب (الأسيهار) لعامها الثالث على التوالي، والذي يعد تظاهرة تجارية مهمة على مستوى الولاية، وحدثا اقتصاديا وثقافيا كبيرا يجمع فيه المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين والمتعاملين الاقتصاديين للدول الإفريقية تحت الصحراوية، أين تلتقي فيه البضائع والسلع وتتمازج فيه العادات وتختلط فيه الثقافات لترسم الرابط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين شعوب المنطقة، حيث كانت تنعقد هذه التظاهرة التجارية الدولية مرة واحدة في كل سنة لمدة لا تتجاوز 21 يوما، تُعرض فيها سلع خاصة كالفواكه وأقمشة وأواني وصناعات تقليدية إفريقية وغيرها، وبالتالي غابت إحدى أهم التظاهرات التي اشتهرت بها عاصمة الأهڤار في الوطن. ومع أن السلطات أعطتنا بصيص أمل بالسماح لنا بمزاولة تجارتنا في إطار ضيق، حيث خصصت لنا - يقول محمد الصالح حمودة، تاجر مقايضة - اليوم الخامس عشر من كل شهر لتصدير سلعنا واستيراد غيرها في اليوم ال 30 من كل شهر، إلا أننا مازلنا نعاني، حيث إذا تأخرنا عن موعد الخروج أوالدخول بيوم واحد، يترتب عن التأخر شهرا كاملا، حيث أن السلطات لا ندري إن كانت نسيت أوتناست أن المسافة التي تفصل عاصمة الولاية عن الحدود تقدر ب 400 كلم، ومع الشاحنات والحمولة التي تحملها كيف يمكن ليوم أن يكفينا، ما أنهكنا وفي الكثير من الأحيان أضر بتجارتنا، ومع ذلك ظللنا نطالب بضرورة تمديد المهلة، إلا أن أجوبة المسؤولين ظلت وعودا تنتظر التجسيد، مما جعلنا عوض أن نطالب بفتح الحدود أمامنا لإنقاذ هذه المهنة من الزوال، أصبحنا نطالب بإضافة أيام للتصدير وأيام للاستيراد لإنقاذ أنفسنا من البطالة والإفلاس”. وفي حديثنا مع نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة بالهڤار، العلوي الوافي، أكد أن مصالح الغرفة ناشدت السلطات بضرورة فتح الحدود أمام تجارة المقايضة من أجل مواصلة التجار لمهنتهم وكذا المحافظة عليها، خاصة أن المنطقة حدودية للقضاء على التهريب، أين تم في هذا الصدد إضافة يوم لتصدير السلع ويوم لاستيرادها، حيث أصبح بإمكان تجار المقايضة تصدير سلعهم على مدى يومين في الشهر و استيرادها في يومين. وأبدى بعض المواطنين استغرابهم من الإجراءات التي قامت بها السلطات اتجاه تجارة المقايضة، ومواصلتها للتضييق عليها خاصة مع تقليص قائمة السلع المصدرة، مع العلم أن هذه السلع تنتج محليا ويمكن أن تدر أموالا كبيرة على الدولة وتساعد التجار على توسيع أنشطتهم وتطوير تعاملهم الاقتصادي. واعتبروا أن منع بعض السلع من الاستيراد كالفول السوداني والتوابل أثّر على القدرة الشرائية للمواطن البسيط، خاصة أنها عندما كانت تستورد في إطار تجارة المقايضة كانت تباع بأسعار معقولة. وأكد حمودة محمد الصالح أن مواصلة هذا التضييق وتقليص قائمة السلع المصدرة سيضر بأصحاب المصانع والمستثمرين المحليين، حيث أن سلعهم لن تجد سوقا آخر غير السوق الإفريقية بما أنها لا تستطيع أن تنافس في الأسواق العالمية.