* ”تهميش” الحكومة اعتماد المزارع الذكية يهدر استغلال 50 مليون هكتار * توظيف التقنيات الحديثة بالفلاحة فرصة الجزائر للتخلص من التبعية للمحروقات يستفيد الفلاح البسيط منذ أشهر بجنوب الجزائر من توظيف تقنيات ”التحكم عن بعد” في إحداث طفرة نوعية في إنعاش مزارع ”الذهب الأخضر”، في ظل ”تهميش” الحكومة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في القطاع الفلاحي التي تهدر سنويا استغلال 50 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة وتضيع فرص البحث عن بديل للنفط. ”الجيل الثالث”.. فأل خير يستغرب الرأي العام خلال السنوات الأخيرة، تحول ولايات بالجنوب الجزائري إلى جنات خضراء بمختلف أنواع المحاصيل الفلاحية وسط أراض تكسوها الرمال المتحركة، بعد أن كان إنتاجها حكرا على المناخ الساحلي، أضحت تحقق اكتفاء ذاتيا ومصدرا لتوريد البطاطا والفراولة والبطيخ إلى الأسواق الخارجية، وفضلا عن الجهود المُضنية للفلاحين من أجل استصلاح مئات الهكتارات من الأراضي ووفرة المياه، بدأ بالموازاة مهندسون في الإعلام الآلي وباحثون في الفلاحة في تطوير ما يسمى ب”المزرعة الذكية” والتي نالت براءات اختراع. حمتين عبد الباسط، زهير شيخة، مفتاح لخضر، شنة سفيان، هم أربع شبان أطلقوا التجربة في العديد من مزارع ولاية وادي سوف، قبل أن تعمم في الولايات المجاورة حيث كشفوا عن قيامهم يوميا بتركيب أجهزة المشروع الفلاحي، مع تسجيل تزايد في الطلبات وتوسع مضطرد في تجريبه على أرض الميدان، فكان إطلاق تقنية ”الجيل الثالث” عبر الهواتف الذكية ”فال خير” على تطوير المزارع بما يتوافق مع النشاط الفلاحي. تحكم عن بعد ويشرح المبتكر عبد الباسط حمتين ل”الفجر” المزرعة الذكية أكثر بكونها تتيح للفلاح البسيط التحكم بمزرعته عن بعد، كما تتيح التحكم التلقائي بالمزرعة حسب جدول توقيت يومي، وذلك باستعمال صمامات آلية لتوجيه مياه السقي، فتوفر المزرعة الذكية حماية للمحركات الكهربائية عبر إشعار الفلاح في برنامج ”أندرويد” في اللوح الذكي، يمكن للفلاح أن يستفيد من بعض الإضافات كالإشعار بوجود حركة في المزرعة أو حدوث حريق، كما يمكن للفلاح أن يطلع على درجة الحرارة والرطوبة بالمزرعة وكذلك نسبة سقي التربة. وهاته التجربة الفلاحية الحديثة أدرجت أيضا سلسلة من الحلول الجاهزة كالتحكم في خم الدجاج وغرف التبريد وحلول أخرى تتوافق مع ميزانية الفلاح البسيط. وينقل حمتين عبد الباسط أهمية الاختراع بكونه يمكن الفلاح من التحكم الجيد في السقي والحصول على أعلى نسبة منتوج. واختصار عشرات الكيلومترات يوميا وخاصة في الفترات الليلية، فضلا عن عدم السماح بتلف المحركات، وذلك بإيقافها وإشعار الفلاح في الحين، إضافة إلى السقي حسب حالة الطقس، وأيضا التقليل من تبذير الماء والكهرباء والموارد المتاحة، كما يمكن مراقبة المزرعة عن طريق الكاميرات الرقمية عن بعد، مستفيدا من أحدث وآخر التكنولوجيا المستعملة في المزرعة الذكية مثل برنامج ”أردوينو” واللوح الذكي، حيث يتم التحكم عن طريق الرسائل القصيرة أو عن طريق الأنترنت. وتخلى أصحاب المزارع بالجنوب ممن جسدوا التجربة عن العمالة المحلية، فيؤكد حمتين أنَّ الفلاح يختزل الجهد العضلي مقارنة مع ما كان يواجهه في السقي بالتقطير سابقا، إذ يكلفه العناء طول النهار لكي يغير مسار الماء ويشغل المحركات وبالأجهزة التي قدمناها يستغني الفلاح عن العامل، ويستطيع الغياب حتى يوم أو عدة أيام والمزرعة تسقى بواسطة الجهاز، ومن ناحية أخرى من حيث المادة توفر له بئر سقي، فقبل استعمال برنامج المزرعة الذكية كان الفلاح يستعمل بئرا لكل 2 هكتار وبالجهاز يستعمل بئر واحد لثلاثة هكتارات. وباستعمال البرنامج والصمامات الكهربائية يوفر الماء وكذلك يعطي المحاصيل الزراعية القيمة المناسبة لها من الماء وفق تعبيره. تناقضات عدم تعميم التقنية ويبقى من تناقضات تطبيق التجربة عدم تعميم التقنيات الحديثة المستخدمة في الزراعة، إذ مع انتعاش وفرة المنتوج الفلاحي، تعرضت المحاصيل مؤخرا إلى التلف بسبب قلة مراكز التبريد والإجراءات الإدارية المعقدة المفروضة منذ بداية العام الجاري في عمليات التصدير، حيث يأمل فلاحو المنطقة في تبسيطها حتى يصبح قطاع الفلاحة بديلا للنفط الذي يتعرض لنكسة في الجزائر، تسبب في تراجع مداخيلها السنوية من المحروقات إلى ما يزيد عن النصف، وفرض على الحكومة سياسة التقشف.كما أن قلع المنتوج الزراعي الذي سيوجه إلى الأسواق العالمية بوسائل بدائية يطلق عليها اسم ”الرباشة”، هو الآخر محل انتقاد أهل المهنة، حيث يذكر صاحب حقل بأن الوسائل المتوفرة حاليا على مستوى السوق الوطنية لاستخراج المنتوج لا تتلاءم مع الطبيعة الصحراوية الوعرة. فيما يتوقع أن يصل حجم الإنتاج الفلاحي خلال الموسم الجاري إلى 11 مليون قنطار بمعدل 25 بالمائة من إجمالي الإنتاج الوطني. ويأتي ذلك وسط تعالي أصوات كثيرة تطالب بأن تصبح مدن بالجنوب الجزائريعواصم فلاحية، بالإضافة إلى تصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج. بل طالب مهتمون بالقطاع الحكومة بالاعتماد عليها بالعمل على تنويع الصادرات الجزائرية. وتلفت هذه الأصوات إلى أنه بإمكان عدد من المناطق الجزائرية استيعاب آلاف العاطلين عن العمل، وبالتالي الاستجابة لمطالب الشباب عن طريق الاستصلاح الزراعي للأراضي الصحراوية القاحلة. لا سيما مع تراجع عائدات الجزائر النفطية بنسبة 70 بالمئة في أقل من عامين، وإزاء تراجع سعر النفط الذي بدأ في منتصف 2014، اعتمدت السلطات سياسة تقشف انعكست في رفع أسعار المحروقات والحد من الواردات والتخلي عن العديد من مشاريع البنى التحتية. واليوم تصب مجمل اهتمامات الجهات المسؤولة على محاولات التخلص من التبعية لقطاع المحروقات بنسبة 98 في المائة بالتوجه نحو تفعيل قطاع الفلاحة، إذ تمتلك الجزائر نحو عشرين مليون هكتار من السهول وتسعة ملايين هكتار من فضاءات الصيد البحري، و4.2 ملايين هكتار من الغابات. وتقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بالجزائر من إجمالي المساحة الكلية بنحو 3.1٪، في حين تقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية ب 2.6٪، وهو ما يراه مختصون مؤشرا ضعيفا ودليلا على أن أغلب الأراضي تعتمد على مياه الأمطار. مليون هكتار فقط مسقية بطريقة تكنولوجية في الجزائر ويلخص مختصون في الاقتصاد أسباب ”تخلف” القطاع في ضعف استخدام المكننة والتقنيات الحديثة، وفي هذا الصدد، يصنف كاتب الدولة السابق للاستشراف والخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، القطاع الفلاحي في الجزائر ونصيبه في القيمة المضافة من الناتج المحلي، ضمن القطاعات الراكدة بواقع 8.5 في المئة مقارنة مع التجارة ونصيبها 38 في المئة. ويتابع أن الأراضي الفلاحية 58 مليون هكتار قابلة للزراعة والجزائر لا تستغل سوى 8 مليون هكتار، أي 50 مليون من الأراضي مهدورة، وفي هذا واحد مليون هكتار فقط، أي 1.6 في المائة مسقية بالطرق التكنولوجية ”ونكتشف أن هناك تأخرا كبيرا في النمو بالقطاع الفلاحي وتأخرا في استغلال الأراضي” وفق ما أوضح مصيطفى. الجزائر تتحول إلى قوة فلاحية بنقرة واحدة وردا على سؤال حول سبب تخلف الجزائر في مجال تعميم تجارب التقنيات الحديثة في النشاط الفلاحي، قال الخبير الاقتصادي ل”الفجر” أن ”كل الدول التي حققت نهضة فلاحية على رأسها الولاياتالمتحدة ثم الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا، نجد بعض المعطيات التي لها علاقة بالتكنولوجيا الحديثة”، وعلى سبيل المثال ”المكننة فصحيح أن الإنسان لديه دور لكن الآلة التكنولوجية لها دور كبير في الحرث والحصاد والدرس، إذ يستعملون التقنيات المتطورة في الري، ففي الجزائر في أحسن الأحوال يعتمد على التقطير، في وقت تعتمد الفلاحة الحديثة اليوم على تقنية الري الصناعي المبتكرة وتقطير الماء الموجود في الهواء وتصنيف النباتات والحبوب قليلة المياه والزراعة بالبيوت البلاستيكية المتطورة وايضا تكنولوجيا مضاعفة الحصاد إلى أربعة مواسم. وينتقد مصيطفى عدم وجود المزارع العملاقة في الجزائر بسبب تهميش التكنولوجيا الرقمية، موضحا ”الجزائر لا توجد بها مزارع عملاقة، بحيث يتم التدخل عبر طائرات الهيلوكوبتر والبساط المتحرك وعبر الهاتف أو اللوح الذكي وكلها تسمح للدولة أن تصبح قوة فلاحية”. استغلال التكنولوجيات الحديثة يرفع مساهمة القطاع إلى 25 بالمائة في الاقتصاد ويؤكد الوزير السابق أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في الرفع من المردود الزراعي ”لو استعملنا التقنيات الحديثة فإن نسبة المساهمة في الاقتصاد الوطني سترتفع إلى 25 في المئة واستغلال الأراضي إلى 20 أو 25 في المائة كمرحلة أولى، ويمكن أن نحقق ريا صناعيا 100 في المائة ولا نحتاج إلى تساقط الأمطار عند تسيير السدود، لأن هذه الأخيرة تعتمد على الطرق التقليدية في التسيير بينما بالوسائل الحديثة يمكن استشراف امتلاء السدود إلى عشر سنوات من خلال معرفة الطقس والأحوال الجوية، ما يبعد سيناريو الجفاف وانعدام المياه، إذ يصبح الفلاح مطلعا على المعلومات عبر الأنترنت. رقمنة القطاع الفلاحي.. مكلفة وبالنسبة لموحوش إبراهيم، أستاذ في المدرسة الوطنية العليا للزراعة فرع الهندسة الريفية فإنه يرى أن ”استخدام التقنيات الحديثة حسب التجارب السابقة أثبت أن نتائجها لا يمكن أن تكونسوى إيجابية”، ولكن بالمقابل اعتبر أن اعتماد هذه التقنية رغم مردوديتها إلا أنها مكلفة بالنسبة للفلاح البسيط في ظل غياب دعم الحكومة والسلطات العمومية لتعميم استغلال التكنولوجات الحديثة ورقمنة القطاع الفلاحي، قائلا ”إن استثمار الفلاح في هذه التقنيات العصرية يحتاج إلى أموال كبيرة للربط بشبكة معقدة من الوسائل الحديثة لكي ترقى إلى مستوى الرفع من مردودية الإنتاج المحلي، وفي حال تعميمها ستسمح هذه التكنلوجيا للجزائر تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض من المنتجات سيخلص البلاد من التبعية لعائدات المحروقات وهو ما يعتبر رهان الحكومة في المرحلة المقبلة في ظل الانهيار المتواصل لأسعار البترول في الأسواق الدولية.