انتهى الناقد السينمائي الجزائري عبد الكريم قادري من كتابه ”مدخل للسينما الجزائرية”، في انتظار صدوره في أحد دور النشر الجزائرية أو الأجنبية، حيث يمثل الكتاب إضافة للمشهد السينمائي الجزائري من ناحية التوثيق خصوصا وأن المراجع الخاصة بالسينما الجزائرية تبقى قليلة جدا. الكتاب يحتوي على حوالي 300 صفحة تقريبا، مقسم إلى مقدمة وسبعة فصول، كل فصل فيها يوثق لمسيرة ونوع واتجاه معين من هذه السينما، موثق بطريقة علمية، معتمد على العشرات من الكتب والمراجع والمصادر والهوامش لتقوية المتن وإضفاء المصداقية على ما فيه. نقل عبد الكريم قادري في الفصل الأول أهم الإنجازات التي حققتها السينما الثورية الجزائرية، بداية من الولادة العسيرة التي جاءت في الجبال، إبان الثورة التحريرية الكبرى، مع تبيين مدى فطنة وذكاء قادة الثورة، الذين عرفوا مبكرا القيمة الحقيقية للصورة وقوتها، لذا ركزوا دعمهم لخلق شعبة السينما ومحاربة المستعمر من خلال الأفلام والصور، كما تم ذكر خصال أصدقاء الثورة من المخرجين والسينمائيين الأجانب، خصوصا الذين ساعدوا في خلق هذه السينما وتطويرها، مثل رونيه فوتيه وجاك شاربي، وسيسيل دي كوجيس وغيرهم. وينقل في الفصل الثاني جوانب مختلفة من إنجازات السينما الأمازيغية وما حققته، ويسجل أسبقية الجزائر مقارنة بالبلدان المغاربية الأخرى في تطوير هذه السينما، كما سلطنا الضوء على تجربة المخرج الكبير عبد الرحمان بوڤرموح الذي يُعد أب السينما الأمازيغية، إذ تتبعنا خطاه وعرفنا بأفلامه ومساره. ويسرد قادري في الفصل الثالث ما حققته السينما النسوية، من خلال نقل أهم الأفلام الجزائرية التي عالجت المرأة ك”ثيمة” رئيسية، والتعريف بالمخرجات الجزائريات اللواتي ساهمن في تطوير السينما وتسجيل أسبقيتهن في هذا، على غرار أسيا جبار في الفيلم الوثائقي وحفصة زناي قوديل في الفيلم الروائي، ناهيك عن التعرض إلى تجارب مخرجات جزائريات بالنقد والتحليل. ويعود في الفصل الرابع إلى مرحلة مهمة من مراحل السينما الجزائرية، وهي مرحلة سنوات الدم التي عرفتها الجزائر، وقد نتج عنها حركة سينمائية جديدة، أطلقت عليها ”سينما العشرية السوداء”، حيث تعرضت لأغلبية الأفلام التي عالجت وتعرضت لهذه الفترة، وكيف عالجتها ونقلتها. ويسلط الضوء في الفصل الخامس على أهم أفلام الإنتاج المشترك، بين الجزائر وغيرها من البلدان الأخرى، كما سلطت الضوء على تجارب مخرجين، مثل يوسف شاهين، وجوليو برنتكرفو، كوستا غافراس وغيرهم. وينقل في الفصل السادس العديد من التجارب والقضايا السينمائية الجزائرية، على غرار سرد مشوار الممثل الكبير سيد علي كويرات، وتحليل تجارب كل من رشيد بوشارب ولياس سالم، وعرض وتحليل بعض الأفلام التي كان موضوعها الجزائر، كفيلم ”العدو الحميم”، ناهيك عن سرد وقائع السينما الكوميدية الجزائرية ومراحل تطورها، وغيرها من المواضع والتجارب الاخرى، ابرزها تجارب محمد لخضر حمينة. أما الفصل السابع والأخير فينقل فيه عبد الكريم قادري أهم القوانين والأوامر والمراسيم التي تنظم قطاع السينما الجزائرية، حيث يجب على كل مهتم بالسينما سواء كان جزائريا أو أجنبي معرفتها، للتعامل معها. ”المراجع والكتب والبحوث التي تُروج وتُعرف بالسينما الجزائرية نادرة جدا إن لم أقل تكاد تكون منعدمة، رغم الأهمية الكبرى التي تكتسيها السينما الجزائرية، على المستوى العربي والعالمي، لكن وللأسف هذه السُمعة لم نعرف كيف نستغلها بالشكل الصحيح والمناسب، والآخر الذي يشهد دائما بتميز هذه السينما، لكنه لا يعرف عنها إلا القشور وبعض البيانات التقنية، لغياب ثقافة التوثيق والتأليف، وآليات التعريف، وقد جاء مخطوط ”مدخل إلى السينما الجزائرية”، ليقلص من عمق هذه الفجوة، ويُعرف بأهم إنجازات السينما الجزائرية، من خلال استنطاق ماضيها، حاضرها ومستقبلها، بالنقد والتحليل، كي نرى الصورة الحقيقية لهذه السينما. ويقول قادري في مؤلفه أنه رغم مرور أكثر من نصف قرن على بداية صناعة الأفلام في الجزائر، غير أن هذه السينما لم تصنع لنفسها تميزا وبصمة معينة، ما عدا سينما ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، وبقت حبيسة لتوجهات سينمائية معينة، ما أكسبها ضيقا في الأفق، وضبابية في الرؤى، حتى أنه من المفروض أن أي شيئا تقريبا يخضع لمبدأ التقدم الذي تقره عجلة الزمن غير أن السينما الجزائرية تتقدم خطوة إلى الأمام وترجع خطوتين إلى الوراء، مضيفا: ”وكي نسقط مبدأ التعميم الذي اعتمدناه، فيجب أن نقول بأن هناك بعض المخرجين العرب الذين بحثوا عن الجوهر وحققوه في أفلامهم، وكل واحد فيهم جسده بطريقته، فمثلا يوسف شاهين لم يقع تحت تأثير عجلة الإنتاج الحكومي للسينما والتي تخضع لحسابات معينة، أو شباك التذاكر الذي تُقره الأفلام التجارية، بل كانت معظم أفلامه إنتاجا مشتركا أو تمويلا جزئيا أو كليا من جهات معينة تؤمن بطريقة صناعته للأفلام أو رؤاه، لهذا كانت أعماله استثمارا للنفس البشرية التي فكك شيفراتها، إذ كشف فيها عن الألم، وطرق الظلم، وأسباب الانكسار الفردي والجماعي، وطبقات الحزن التي تسكن نفسية الإنسان، وطريقة ولادة البلاء فينا، لكن يوسف شاهين أو المخرجين الآخرين الذي تناولوا الجوهر في سينماتهم لم يصنعوا توجها عاما، وكانت أعمالهم عبارة عن حالات شاذة لا تصنع توجه عاما”. ويضيف قادري أن السينما الجزائرية إذا أرادت التطور والتميز، يجب على الحكومات العربية أن تُوسع لها من هوامش الحرية، وتدعمها بكل ما أوتيت من مال، بالإضافة إلى الإعلام الثقافي العربي الذي وجب عليه تعويد القارئ وتشجيعه على مشاهدة الأفلام الراقية التي تُعنى بالجوهر، وعدم جريه وراء الأفلام التي لا يهمها سوى شباك التذاكر والشهرة على حساب وعي جيل بأكمله، ناهيك عن الجهات الأخرى التي وجب عليها الوقوف مع سينما الجوهر، التي يمكن من خلالها أن نرى أحلامنا تتراقص، ونفهم بها نفسياتنا المشوشة، وماضينا المُلغم، ومستقبلنا المجهول. وعن الهوية في السينما الجزائرية يعتبر قادري أن الأفلام الجزائرية التي تناولت الهوية ك”تيمة” رئيسية لها قليلة، رغم أن الجزائر بلاد عانت من ويلات المستعمر الذي عمل بكل ما أوتي من قوة على طمس هوية كل بلد يحتله، لكنه فشل في الجزائر التي احتلها 132 سنة كاملة، لأن شعبها قرر التمسك بهويته، باستثناء البعض، الذين أصبحت ألسنتهم لا تنطق إلا باللغة الفرنسية، إذ جبلوا على الإستقواء بالآخر، حتى أنهم عندما يرون في المرآة لا يرون سوى فرنسا التي باتوا يقيسون مدى نجاحهم أو فشلهم بما تضعه هي من قوالب، في المقابل هناك نجاح ساحق وانتصار نموذجي للهوية ومدى التمسك بها، وهي تلك التي نقلها المخرج الجزائري عبد القادر مام في فيلمه الوثائقي ”كاليدونيا...مظلمة المنفى”، حيث عكس فيه مدى تمسك فئة من الشعب الجزائري بهويتهم وجزائريتهم. ويعتبر الناقد أنه لن تكون للجزائر سمعة ثقافية وسينما مؤسسة ومتينة تليق بها، إلا إذا بذلت الجهود، التي تسيرها سياسة رشيدة وحكيمة، لاسترجاع قاطرة السينما إلى سكتها الصحيحة، ولن يكون هذا إلا بالعمل وفق استراتيجية صحيحة مؤسسة، وبتحقيق جملة من المعطيات الهادفة.