حاول المخرج كريم بودشيش مقاربة الوضع الأمني والسياسي وما مرت به الجزائر خلال العشرية السوداء وإرهاصاتها، مع إعادة فتح ملف المصالحة الوطنية ومحاسبة من كانت لهم يد في المحنة ولو عبر القصاص بعيدا عن القانون والعدالة. قليلة هي الأعمال المسرحية التي تطرقت لموضوع العشرية السوداء، وتلك الحقبة الدموية التي مرت بها الجزائر، ”ليلة الدم” واحد من النصوص الذي كتبه الحبيب السايح وأخرجه مسرحيا كريم بودشيش، وعرض في المنافسة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته ال11، وشارك في التمثيل كل من محمد دلوم، عبد الله حملاوي، رمزي لبيض، كمال فراد، جمال مزواري، نجلاء طارلي، عتيقة بلزمة، حسان بولخروف وأسامة بودشيش. المشهد الأول من المسرحية يوضح لنا ملامح العرض الذي يتمثل في قصة الشاب ”عزيز” الذي يعود من أداء واجب الخدمة الوطنية فيصدم بخبر مقتل والديه وأخته على يد الإرهابي ”ابن نوارة”، فيقرر الانتقام وغسل الدم بالدم بعد عودته، هذه العودة التي تتزامن مع فترة الوئام المدني والمصالحة الوطنية فيختار الثأر لنفسه والقصاص بيده بعيدا عن القانون والعدالة ويقوم بقتل ”ابن نوارة”. يطرح العرض مجموعة من التساؤلات الناقمة على الوضع السياسي وبعض الخيارات التي لا تزال بدون مبررات مقنعة، وتغوص المسرحية في عمق الحياة الاجتماعية والسياسية والتاريخية، حيث يعود بنا كاتب النص إلى الثورة التحريرية والتضحيات التي قدمها الشهداء، ويربطها بما يجري حاليا من استغلال لمكتسبات الاستقلال، فأبطال المسرحية إما مجاهدون وإما أبناء شهداء، ف”عمي بلقاسم” ناقم على السياسة التي تمشي بها البلاد ويساند برفقة ”حمدان” ما قام به ”عزيز” من خلال قتله ”ابن نوارة”، ويسعيان لإقناع الضابط ”علي” بأن ما أقدم عليه ”عزيز” أمر صائب ولا يجب أن يحاسب على فعلته، في وقت يدعوانه لمساعدته على الخروج من المدينة بحكم الطوق الأمني الذي نصب من أجل القبض عليه. وظف المخرج ومصمم العرض كريم بودشيش بعض الأرشيف من صور القتل الذي ذهب ضحيته الأبرياء في العشرية السوداء، كما اعتمد على تقنيات سينمائية في العمل كالشاشات والأرشيف، وهو خيار من أجل خلق فعل درامي يتوازن مع الفعل المسرحي. اعتماد المخرج على تقنيات السينما جعله يضيع بين السينما والمسرح لكون المسرح له شروطه ومعاييره وعناصره حتى يكتمل العرض، فيما أن المخرج لم يوفق في خياراته ما جعل الجمهور لا يحس باللحظات المسرحية التي كادت أن تكون غائبة عن العرض، فيما قتل العرض بالخطاب المباشر وغياب الأداء المسرحي الذي بدا عشوائيا خصوصا إطلاق الرصاص هكذا وهو فعل عشوائي غير مبرر في المسرحية يجعل الفعل المسرحي غير متوازن. يلاحظ المتابع للعرض أن كاتب النص نسب المحنة الأمنية التي مرت بالجزائر إلى عوامل سياسية ولم يربطها بالجانب الديني، وهو الأمر الذي وضحه الكاتب الحبيب السايح قائلا: ”ما وقع هو النتيجة ولم يكن ضروريا التطرق إلى المسببات في المحنة، فالأزمة سببها السياسيون من مختلف الأطياف التي لها اليد الطولى فيما حدث”.