احتضنت قاعة أوبرا الجزائر بوعلام بسايح، مساء أول أمس، حفل موسيقي مسرحي كوميدي، حمل عنوان ”ماديبا”، وهذا احتفاء بالمناضل الجنوب إفريقي الراحل، نيلسون مانديلا. وجسد العرض الموسيقي الكوميدي، جانباً من مسيرة المناضل الذي خاض معركة طويلة من أجل إلغاء التمييز العنصري في بلاده، حتى أصبح أول رئيس أسود لها، وحضر الحفل وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، وايضا جمهور غفير، خاصة أن تذاكر دخول العرض تم اقتناؤها في ظرف أربع ساعات. وجرى العرض الأوبرالي تحت إشراف وزارة الثقافة، والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، بالتعاون مع الديوان الجزائري لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وجسدت الأوبرا مسيرة الراحل مانديلا ”الملقَّب بماديبا)” والذي بدأ مشواره بالعمل في المحاماة للدفاع عن حقوق الإنسان، وأصبح لاحقاً زعيماً إفريقياً ورمزاً إنسانياً يعرفه العالم قاطبة، بسبب مناهضته للتمييز العنصري بين البيض والسود في بلاده والعالم. وسلط عرض ”ماديبا”، الضوء على مسيرة مانديلا النضالية ضد العنصرية من خلال قصة حب بين ”هيلينا” (شابة إفريقية بيضاء البشرة) و”ويليام” شاب أسمر، في الوقت الذي يرفض البيض هذا النوع من العلاقات مع أصحاب البشرة السمراء. إلا أن هذا العمل الغنائي الأوبرالي ”يبعث رسائل محبة وسلام ومساواة بين الشعوب، بغض النظر عن لون البشرة، ويدعو إلى التسامح والحرية”، بحسب المنظمين للعمل. وقدم الممثلون فصولاً تمثيلية، وفقرات راقصة منوعة، عن مسار مانديلا، صاحبتها موسيقى مستوحاة من الطقوس الإفريقية والموسيقى العصرية مثل ”الروك” و”البوب” وغيرها. وأحيا العرض الذي ألفه وأخرجه الكاتب الفرنسي ”جزائري الأصل” جون بيار حديدة، صور إطلاق سراح مانديلا من السجن مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد أن قضى 27 عاماً في المعتقل، فضلاً عن صوره كمحامٍ شاب تحول إلى زعيم وطني ورمز للمناهضين للعنصرية حتى اعتلائه سدّة الحكم (1994- 1999) كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. وقال مخرج العمل، إن ماديبا يعرض لأول مرّة في الجزائر، وإنه سعيد بذلك لا سيما أنه شخصياً يعود إلى وطنه الأم بعد غياب دام 55 سنة. وأضاف: ”العرض رسالة إنسانية إلى العالم من خلال شخصية مانديلا الفريدة، تلك الشخصية المتسامحة والديمقراطية والرافضة إلى العنصرية بين بني البشر”. كما عرض ماديبا في الجزائر له رمزية كبيرة، نظراً للعلاقة التاريخية التي جمعت مانديلا مع الجزائر وقادتها وثورتها التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 - 1962)، بحسب حديدة. و”ماديبا” هي الكنية التي عرف بها مانديلا في جنوب إفريقيا وصارت مرادفة لشخصه، وهو لقب أرستقراطي اعتمده أعضاء كبار السن من عشيرة ”الملكي” التي ينتمي إليها. وتلقى نيلسون مانديلا تدريبه العسكري في الجزائر، واستلهم منها الكفاح والنضال، وقبع في السجن 27 عاماً، معزولاً ووحيداً، بعيداً عن عائلته، لكنه واصل نضاله ضد نظام التمييز العنصري في بلاده. وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، وهو الأمر الذي تحقق عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة. وتلقى مانديلا الكثير من الإشادات الدولية لموقفه المناهض للاستعمار وللفصل العنصري، وحصل على أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام، وميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية، ووسام لينين من ”النظام السوفييتي”. يذكر أنه في ديسمبر توفي مانديلا في جنوب إفريقيا عن 95 عاماً، وأقيمت له جنازة شعبية ورسمية مهيبة حضرها عدد من رؤساء الدول وغطتها وسائل الإعلام العالمية.