يناقش الناقد الجزائري عبد الكريم قادري كتابه سينما الشعر/جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما” الصادر نهاية 2016، عن منشورات المتوسط بميلانو إيطاليا بمهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية بمصر، الذي ستنعقد فعالياته من 05 إلى 11 مارس 2017. قام الناقد عبد الكريم قادري من خلال هذا الكتاب بتحليل ودراسة ”اللغة في السينما” من خلال انعكاسها وارتدادها عبر النظرية الشهيرة، التي أطلقها الكاتب والسينمائي الإيطالي ”بير باولو بازوليني”، التي تناول فيها إمكانية إيجاد وخلق ”لغة في السينما”، عن طريق علم العلامات – الصور، أو ”السيميولوجيا” في السينما، وانطلاقا من هذا النظرية، قمنا تقريبا بدراسة جميع جوانب ”اللغة في السينما”، لتقديم فهم أفضل وأوسع لنظرية ”سينما الشعر”، وعليه كانت البداية بتقديم نظرة شاملة للعديد من المكونات والمصطلحات التي لها صلة بالنظرية، فقد وجد واضع الكتاب نفسه مُلزما بالذهاب بعيدا من خلالها، حيث ذهب إلى أصولها، وشرح أبعادها، وأهميتها في تكوين الدراسات الحالية، التي بات لها حلّة جمالية جديدة، وهذا انطلاقا من فهم وتفسير الصورة، التي باتت أحد المرتكزات المهمة والضرورية في حياة الفرد والمجتمع في العصر الحديث، من خلال تحليلها سيميولوجيا، كما يقوم هذا الكتاب بدراسة تطبيقية لفيلم ”كلب أندلسي” للمخرج الإسباني لوي بونويل، مع تقديم نماذج مختلفة كانت عبارة عن عينات علمية لنظرية بازوليني، ويتعلق الأمر بمخرجين عالميين، وهم جون-لوك جودار، ميكل أنجلو انتنيوني، وبرتلوتشي. وجاء هذا البحث، ”سينما الشعر... جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما”، ليُسهم في تسويد ورقة، من كتاب النقد السينمائي العربي الأبيض، أوراق فارغة تحتاج لجهود كبيرة، وسنوات من الكتابة، لصبغ جزء منها، وتقديمها للقارئ العربي، الذي يبقى في حالتي جوع وعطش معرفيّ كبيرين في هذا الجانب، وحتى في جوانب أخرى، لأنّ رفوف مكتبة البحث، والترجمة، والتأليف، في مجال السينما لا تزال خاوية، تبحث دائما عن من يضيف ورقة فيها، وهكذا حسبنا بحثنا هذا، حول ”سينما الشعر” الذي حلّلنا فيه النظريّة الشهيرة، التي أطلقها المُنظر والمخرج السينمائي الإيطالي الكبير بير باولو بازوليني، والتي تناول فيها إمكانية إيجاد وخلق ”لغة في السينما”، عن طريق علم العلامات – الصور، أو ”السيميولوجيا” في السينما، وانطلاقا من هذا البحث، قمنا تقريبا بدراسة جميع جوانب ”اللغة في السينما”، لتقديم فهم أفضل وأوسع لهذه النظرية، وعليه قمنا بتقديم نظرة شاملة للعديد من المُكونات والمصطلحات التي لها صلة بالنظرية، إذ كانت أولها مع الفكر الماركسي، أو ما يطلق عليه مصطلح ”علم الجمال الماركسي”، الذي انبثقت عنه الكثير من المذاهب، والنظريات، والحركات الأدبية والنقدية، أهمها البنيوية التي عنت بالدراسات اللسانية، وعلى رأسها ”اللغة” التي تعتبر محورا أساسيا لها، وقد كان دي سوسير أهم الدارسين لها، كما قام هذا اللغوي بثورة علمية، ونظرية، ناهيك عن النبوءة التي ساقها لطلبته، في أحد المحاضرات التي ألقاها عليه مطلع القرن العشرين، وهذا حين تحدث وأشار إلى علم مستقل، وهو علم العلامات ”السيميولوجيا”، بالإضافة إلى أنه دعا إلى النظر إلى ”اللغة” كروح، ومجموعة نظم ”اشارية ورمزية وعلامات”، هذه الأخيرة التي تسمى ”السيميولوجيا”، بما أنها جزء من تركيبة اللغة، وتحمل أهمية أساسية في نظرية ”سينما الشعر” وقد وجدنا أنفسنا ملزمين بالذهاب بعيدا من خلالها، حيث ذهبنا إلى أصولها، وشرحنا أبعادها، وأهميتها في تكوين الدراسات الحالية، التي بات لها حلّة جمالية جديدة، ألبست النصوص لباسا مغايرا تماما، وقدمت فهما باطنيا، وظاهريا، غير تقليدي للمُنتج الفني والأدبي، وقد تناولها رولان بارت بشيء من التحليل والتفسير، ودرسها بشكل واسع، وفقا لمتطلبات العصر الحديث، الذي تعتبر فيه الصورة أحد المرتكزات المهمة والضرورية في حياة الفرد والمجتمع، ليكون هذا الناقد الفرنسي أول من دعا إلى ”التحليل السيميولوجي للصورة”، عن طريق كتابه الذي صدر سنة 1964، والمعنون ب”عناصر السيميولوجيا”، وقد جاء قبل نظرية بازوليني بحوالي إحدى عشرة سنة كاملة، وبعد أكثر من نصف قرن تقريبا من محاضرة دي سوسير. من جهة أخرى تناول بحث بازوليني بشيء من التحليل والمُعالجة، كما نقلت النقاشات التي دارت بين مجموعة الكتاب ونقاد السينما حول هذا الموضوع، أهمها التي أفرزتها كتابات كل من كرستيان ميتز، وبيتر وولين، وامبرتو ايكو، بإعتبار - كما سبق وأشرت - أن ”السيميولوجيا” جزء من ”اللغة”، ولم أكتف بهذا بل قدمت العديد من المحطات التي مر بها كل من المخرجين الذين ضمنهم بحث بازوليني، الذين ساق بعض أعمالهم السينمائية، كأمثلة لتفسير بعض الجوانب المظلمة والعصية عن الفهم، ويتعلق الأمر بفيلم ”الصحراء الحمراء” لمايكل أنجلو أنطنيوني، و”قبل الثورة” لبرناردو برتلوتشي، ومحطات جان- لوك جودار، وأنا شخصيا وتعميقا للفهم، تتبعت مسار هؤلاء المخرجين الثلاثة، وقدمت دراسة مفصلة لأبرز محطاتهم الحياتية، وأعمالهم السينمائية، ومرجعيتهم الفكرية، لأخرج بخلاصة عامة كانت عبارة عن دراسة مقارنة لهم، كما دعمت هذا البحث بدراسة تحليلية اعتمدت فيها على التحليل السيميولوجي كدراسة تطبيقية، وهذا لمسار وفيلم المخرج الإسباني الكبير لويّ بونويل، لفيلمه ”كلب أندلسي” المنتج سنة 1929، إذ أشار له بازوليني كنوع من ”السينما الشعرية المُتطرفة”، ناهيك عن بعض المحطات الفكرية، والفلسفية، والفنية الأخرى، التي تناولناها في هذا البحث ”سينما الشعر... جدلية اللغة والسيميولوجيا في السينما”، خدمة للبحث، وإثراء له. يقول قادري من ناحية أهمية الكتاب، فالقارئ وحده من سيحكم على هذا البحث، الذي جاء ليختصر مسافات البحث في مفهوم ”سينما الشعر”، وتقريبها للمتلقي، حيث سيكون بمثابة المرجع الذي يمكن العودة له كلما دعت الحاجة لذلك، ومن جهة أخرى لا أستطيع أن أقول بأنه –أي هذا الكتاب- درة مصونة، وجامع شامل لجوانب ”اللغة في السينما”، وشرح مستفيض لنظرية بير باولو بازوليني، لكن بمقدوري أن أقول بأنه ربما سيكون بوصلة، تهدي التائهين في صحراء السؤال، وتفتح شهية الباحثين والنقاد لتقديم كتب وبحوث أخرى، خدمة لنفس البحث، وإغناء للمكتبة العربية الفقيرة جدا في مجال الفن السابع، كما سيسمح للمُتلقي/القارئ العربي، بأنّ يطلع على جوانب عدة من موضوع ”سينما الشعر”، وما يتصل بها من فروع اللغة السينمائية، من سيميولوجيا ومذاهب أدبية ونقدية أخرى، ناهيك عن الدراسات التحليلية والمُقارنة التي قمت بها كجانب تطبيقي، لتسهيل عملية فهم الجانب النظري المُعقد، وكل هذا يمكن العثور عليه في هذا البحث، بدل جمعها من عشرات الكتب، والمجلات، والصحف، والمواقع الإلكترونية، حيث سيُريح القارئ من هذه المشقّات، بمجرد حصوله على كتاب ”سينما الشعر... جدلية اللغة والسيميولوجيا”. للإشارة، عبد الكريم قادري ناقد وباحث سينمائي، أصدر العديد من المؤلفات، ونشر عشرات الدراسات المتخصصة في السينما بمختلف المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية، كما ساهم في تأسيس مجلة ”السينمائي” الورقية، ألقى محاضرات ومداخلات بمهرجانات سينمائية محلية ودولية، وقد دعا إلى خلق توجهين سينمائيين في العالم العربي، الأول يقوده المخرج من خلال تحقيقه ل”السينما المُثقفة”، والثاني يقوده الناقد من خلال دراسة ”العتبات السينمائية”، من أجل أن يتم خلق التكامل بين المخرج والناقد والمتلقي.