”... ومما يثير الانتباه والإعجاب أن موريسكيين في أمريكا اللاتينية بقوا على حد قوي من التشبث بديانتهم الإسلامية إلى حد القيام بالدعوة سرا للإسلام في مناطق إقامتهم مُخاطِرين بحياتهم التي فروا من أجل الحفاظ عليها من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى ”العالم الجديد”. في العام 1560م، على سبيل المثال، أُدين في مدينة كُوسْكُو في البِيرُو بَغَّال موريسكي يُدعى لويز صولانو (Luis Solano) ابن الموريسكي خوان صولانو (Juan Solano) والزنجية الإفريقية منسية أو منثية (Mencia) بشُبهة اتباع العقيدة ”المحمدية” سرًّا والترويج ”لديانة مُزَيَّفة”. ”في اليوم ذاته، في ال: 30 من نوفمبر 1560م، أُدين بالتهمة ذاتها موريسكي آخر يُدعى آلْبارو غونثاليث (Alvaro Gonzalez) المعروف ب: هرناندو دياز (Hernando Diez) المنحدر من ”هورناتشوس دي كاسْتِيَّا” (Hornachos de Castilla)” في إسبانيا. وسُلِّم المتهمان للسلطات المعنية لتنفيذ حُكم الإعدام فيهما حرقا بالنار. أما المتهم الموريسكي الثالث لوبي دي لا بيفْيا (Lope de la Pefia) المنحدر من وادي الحجارة أو غْوادالاخارا (Guadalajara) فقد سَلِمَ من الإعدام لاتهامه بالممارسة السرية فقط لتعاليم الإسلام دون العمل على نشرها والدعوة إلى اعتناقها. وبالتالي حُكم عليه بالسجن المؤبَّد و”ارتداء الزي المُخزِي مدى الحياة”. في العام 1569م، عاشت العاصمة البيروفية ليما محاكمةً مثيرة في قضية انتماء سري إلى الديانة الإسلامية والدَّعوة إليها المتهم الرئيسي فيها هو مارتِن روميرو دي خِيبْرالْتارْ (Martin Romero de Gibraltar) الذي سبق له أن قضى 16 عاما في الأسْر ”بَرْبَارْيَا” ثلاث مرات. وقد حُوكم أمام محكمة التفتيش بسبب تَفَوُّهِه بسِرِّ عقيدته الإسلامية خلال خُصُومَة. احتفظ لنا الأرشيف والمؤلفات القديمة في أمريكا الوسطى والجنوبية بحكايات كثيرة عن موريسكيين بقوا يمارسون ديانتهم الإسلامية في الخفاء إلى أن اكتُشِف أمرهم صدفة في غالب الأحيان. بعض هذه المغامرات الخطيرة لا يكاد يصدقها العقل. ماريا رويز (Maria Ruiz) المرأة الموريسكية المولودة في العام 1551م في فحص البلوط (Albolot)، ذي الغالبية الساحقة من السكان من أحفاد الأندلسيين، في منطقة جبال البشرات في غرناطة ألقى بها قدرها في المكسيك حيث تزوجت من مسيحي من المسيحيين القدماء (Cristiano Viejo) وليس من المنحدرين من الأندلسيين. ماريا التي تلقت تربية إسلامية منذ الحادية عشرة من عمرها في فحص البلوط بغرناطة تشير تجربتها لوحدها إلى شيوع الوجود الموريسكي الإسلامي في ”العالم الجديد”، ولو في الخفاء. كانت في مسقط رأسها الغرناطي برفقة أهلها ترتل القرآن أو ما كان يسميه الإسبان ”La oraciôn de Vezmela” (ترتيل صلاة باسم الله) وتصوم رمضان وتصلي وتساعد إخوتها على نحر أضحية العيد وتؤدي مختلف الشعائر الإسلامية باطمئنان باستثناء يوم قدوم الراهب وممثل محكمة التفتيش في مهمة تعليمية للتعاليم النصرانية وتفتيشية أيضا للتحقق من أن هذه الديانة راسخة في البيوت والقلوب في الوسط الموريسكي. في هذه الوسط الذي عاشت فيه إلى غاية بلوغها 14 عاما من العمر نشأت على ممارسة التقية وإخفاء انتمائها الإسلامي خوفا من العقاب الذي كان جماعيا في غالب الأحيان. وكانت هذه السنوات ال: 14م من عُمر ماريا الموريسكية برفقة أهلها كافية لأن ترسخ بعُمق في قلبها الديانة الإسلامية إلى غاية بلوغها 27 عاما من العمر على الأقل. هكذا عاشت الموريسكية ماريا قبل أن تبدأ متاعبها إثر زواجها في الرابعة عشرة من العمر بمسيحي إسباني وانتقالها برفقته إلى أمريكا الجنوبية حيث اضطرت لمضاعفة الجهود لإخفاء إسلامها إلى غاية بلوغها السابعة والعشرين. في هذا السِّن، انكشف سرها في إحدى الكنائس في مكسيكو عندما قررت البوحَ به للراهب وطلبَ العفو نظرا لشعورها بالذنب من ممارسة هذه الحياة المزدوجة التي لم يكن يعلمها أحد، بمن في ذلك زوجها. لكن الراهب أبى إلا أن يُبلِّغ عنها محكمة التفتيش المحلية المخوَّلة لوحدها، من وجهة نظره، بالتوبة عنها أو معاقبتها. واضطُرَّتْ ماريا الموريسكية إلى الذهاب بنفسها إلى المحكمة الدينية لتبوح رسميا ب: ”ذنبها” وهي غارقة في البكاء. وكان من حسن حظها أن المحكمة اقتنعت بصدقها فسلطت عليها عقوبة مالية بدلا من القتل حرقا، وتم ذلك في سرية تامة حتى لا يعرف زوجها وغيره من الناس بهذه القضية، التي كانت من أخطر القضايا بمقاييس ذلك العهد، حفاظا على سمعتها ومستقبلها في بيتها وخارج بيتها... حالة ماريا رُوِيزْ لم تكن حالة استثنائية ولا نادرة حسب المؤرخين بل عُثِر على حالات أخرى متعددة مثيرة، على غرار قضية نجل أحد المسيحيين القدماء كان يمارس التعاليم الإسلامية سرا برفقة موريسكية مُتواضعة الحال، حيث تمت محاكمتهما. وهناك أيضا حالة فرانسيسكو مينيث (Francisco Minez) الذي جيء به إلى ”العالم الجديد” مُعَاقَبًا كجدَّاف على سُفن الإمبراطورية الإسبانية بعد وقوعه في الأسر في معركة ضد السواحل الإسبانية. فرانسيسيكو كان من الاندلسيين المنحدرين من مُرسية لجأ إلى منطقة المغرب العربي هروبا من الاضطهاد الإسباني قبل أن يسقط في الأسر في آخر معركة له ضد أعدائه الإسبان النصارى....”.