تعاني قسنطينة من عجز كبير في ترقية البيئة والمحافظة عليها ومن نقص ملحوظ في فضاءات الترفيه والتسلية، وهو ما حتم على سكانها التوجه صوب ولايات مجاورة بحثا عن الراحة والإستجمام. الغطاء النباتي والغابي تقلص بفعل الطبيعة والبشر، والسلطات تبحث عن مخرج ببرمجة مشاريع واعدة بدأت ملامحها تلوح وتبرز بأبعاد اجتماعية واقتصادية من شأنها أن تعود بالفائدة على المجتمع والمستثمرين وتساهم في الدخل العمومي. في ظل هذه المعطيات هل يمكن الحديث عن تنمية مستدامة لبلوغ الرفاه الاجتماعي المنشود في ولاية تعاني من مشاكل مختلفة وتزخر بمواقع أثرية وطبيعية مغرية؟. تشهد الولاية منذ مطلع السنة الجارية حركية مميزة في مجال المحافظة على البيئة وإقامة فضاءلت للراحة والتسلية، فمن يلج مدينة الصخر العتيق والجسورالمعلقة يدرك حجم المشاريع الهامة المنجزة والمسجلة على السواء، وتبرز فضاءات للراحة والترفيه في مناطق مختلفة بالولاية التي تسعى جاهدة لبلوغ هدف ”مدينة بيئية خضراء” ضمن إطار تحقيق السعادة الاجتماعية، ناهيك عن تأسيس مؤسسات عمومية محلية تختص بالمساحات الخضراء وصيانتها بكل بلديات عاصمة الشرق. أم الحواضر - كما ينعتها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة - هي اليوم بمثابة فضاء مفتوح على مشاريع هامة في الحفاظ على البيئة وتوسيع أماكن الراحة والترفيه والتسلية. الرهان الأكبرللمسؤولين المحليين، وفي مقدمتهم الوالي عبد السميع سعيدون، يكمن في بلوغ ”مدينة بيئية خضراء” من خلال إعادة الاعتبار لمحمية شطابة الشهيرة وغابة البعراوية ومنتزه المريج وبعث نشاط حظيرة التسلية والترفيه لجبل الوحش قريبا، وجعل حظيرة باردوالتي أنجزت على أنقاض مئات السكنات التي تم ترحيل أصحابها إلى مدينة علي منجلي الجديدة عملية بداية من السنة المقبلة 2018، شأنها في ذلك شأن ملعب للغولف وفضاء للراحة بمنطقة زواغي بأعالي عين الباي. وهي مشاريع تطرح بشأنها جملة أسئلة تتعلق بإمكانية الخروج من وضع أخرها كثيرا مقارنة بولايات مجاورة أقل منها إمكانيات وسمعة . وحتى إن سلمنا بأن منتجع المريج التي يعبر الطريق السيار شرق - غرب جزءا منه صار منذ بداية السنة الجارية كلؤلؤة مضيئة و قبلة للباحثين عن الراحة والابتعاد عن ضوضاء المدن، بعد أن بارحت منذ سنوات قليلة طيش المنحرفين وبطش المجرمين لتعود إلى أحضان العائلات وسط أمن وطمأنينة ليل نهار بفضل التواجد المكثف لرجال الدرك ونشاط تجاري حثيث، إلا أن واقع الحال يقر أن الولاية بحاجة إلى استثمارات فعالة حتى تصير غابة المريج وغيرها من غابات عاصمة الشرق، كشطابة والبعراوية وجبل الوحش، غابات للألفة والفرح بدلا عن الوحشة والعزلة. والي قسنطينة الجديد عبد السميع سعيدون أكد، في لقاء جمعنا به، أن قسنطينة قطعت أشواطا معتبرة في الحفاظ على البيئة: ”رغم أنني لم أطلع بشكل واف على ملف المحافظة على البيئة وتوسيع فضاءات الراحة، إلا أنني وقفت منذ تنصيبي واليا على هذه الولاية الكبيرة والهامة، على أن هناك تحسنا ملحوظا، لاسيما على مستوى نظافة المحيط وتوسيع المساحات الخضراء، وهذا شيء مهم. مدينة قسنطينة اليوم نظيفة، ويكفي أن تتجول في أكبر شوارعها لتحس بأن هناك الكثير من المساعي لتحسين الوضع، كما أن هناك جملة من المشاريع الهامة لترقية فضاءات الراحة والوصول إلى السعادة الاجتماعية..”. مديرة البيئة: ”نراهن على رسكلة النفايات كبديل اقتصادي وبيئي” ترى مديرة البيئة لولاية قسنطينة أنه تم تحقيق نتائج ملموسة وتحسنا ملحوظا في قطاع البيئة بصفة عامة خلال السنتين الأخيرتين، والوضع مرشح للتحسن أكثر بالنظر لجملة مشاريع غاية في الأهمية ستسلم مطلع سنة 2017. وقالت عبلة بلحسين، في لقاء مع ”الفجر”، أنه تم تسطير برنامج يخص البيئة الصناعية والبيئة الحضرية والتنوع البيولوجي والتربية البيئية، وأن هناك مشاريع حققت تقدما ملموسا على غرار حظيرة باردو بنسبة جاوزت 65 بالمائة، وكنا قادرين على تسليمها لولا ما حدث في مارس 2017، حيث تم تحويل المشروع بأمر من الوالي السابق كمال عباس لمديرية البناء والتعمير، موضحة أنه تم إنجاز كل المساحات الخضراء ومقر التعاونية البيداغوجية للتربية البيئية التي تجمع مختلف الحيوانات الأليفة كالدواجن والقطط ودار البيئة، أين يلتقي أصدقاء البيئة والناشطون في القطاع، ولم يبق في الوقت الراهن سوى مسرح الهواء الطلق. مديرية البيئة تحدثت أيضا عن حظيرة زواغي، مبرزة أن المشروع مسجل وخصص له 40 مليار سنتيم وسينجز على مساحة تقدر ب 22 هكتارا، وأن العائق الأكبر تمثل في وجود قناتين لنقل الغاز من الحجم الكبير، أحدهما عملي والآخر تم تجاوزه بالتعاون مع مؤسسة سونلغاز، يضاف إلى ذلك مشكل آخر مع ورثة، وقد فصل القضاء لفائدة مديرية البيئة صاحبة المشروع. وبخصوص حديقة التسلية لجبل الوحش، أوضحت بلحسين أن هناك مشروعا حديقة بيئية لحماية كل أنواع الأشجار الموجودة والنادرة وللمحافظة على التنوع البيولوجي ستنجز حديقة أخرى على شاكلة حديقة التجارب بالعاصمة مع تحسين وضعية البحيرات. وعرجت مديرة البيئة على واقع مراكز الردم التقني وعلاقتها بترقية البيئة والمحافظة عليها وكيفية معالجة النفايات الخاصة والنفايات الخطيرة والنفايات الهامدة، حيث أشارت إلى أن قسنطينة حازت مشروعا ضخما للنفايات الهامدة سينجز على أنقاض محجرة بعلي منجلي، وهو ما يمكن من القضاء نهائيا على مشكل الردوم بالولاية. مخطط لإعادة تشجير الغابات وتهيئتها لتوسيع مناطق الراحة من جهته أفاد سايغي بدرالدين، رئيس مصلحة حماية الثروة الحيوانية والنباتية بمحافظة الغابات لولاية قسنطينة، أن الغطاء النباتي لعاصمة الشرق في تراجع وليس في حجم ما تحوزه الولايات المجاورة وغيرها، والولاية تحصي 29 ألف هكتار من الغابات أكبرها غابة شطابة ب 2463 هكتارا. كما تحوز الولاية حظيرة بيولوجية ومخبر في الهواء الطلق ب20 هكتارا يتواجد بدرع الناقة في غابة جبل الوحش الشهيرة ويتوفر على أصناف مختلفة من النباتات والأشجار وبه حوالي 72 قطعة، وهو فضاء مفتوح لأبحاث الطلبة والمختصين من جامعة منتوري قسنطينة 1 ناء على اتفاقية وقعت سابقا بين الجامعة المذكورة ومحافظة الغابات، والعمل جار لإعادة تهيئة وتأهيل محيطات غابية كثيرة، مضيفا في سياق حديثه أن أكبر بلدية غابية هي بلدية ابن باديس وأصغرها حامة بوزيان. وتساهم غابات قسنطينة في المحافظة على البيئة والتنوع البيولوجي من خلال ما تحوزه من حيوانات ونباتات وطيور، وقد تم السنة المنقضية وحدها إحصاء 3 آلاف طائر و 27 صنفا من الطيور التي تعيش في الأحواض والبرك المائية وداخل الغابات وأشجارها الكثيفة، حسب ما أكده ذات المسؤول. كما أن هناك عددا معتبرا من الحيوانات كالخنازير والذئاب والقنفذ والضباع والسلاحف والزواحف ونباتات مميزة في الزينة والعطور، إضافة إلى أشجار البلوط الفليني بغابة الهداج في بلدية ابن باديس. وتقوم المحافظة في استغلاله حاليا إلى جانب الصنوبر الثمري الموجود بكثافة في غابة جبل الوحش، وتحديدا بمنطقة بني يعقوب، وهناك مساع للاستثمار في هذين المجالين لخلق الثروة والمساهمة في دفع الاقتصاد الوطني. وتحدث سايغي بأسى وحزن عن حرائق 2017 التي أثرت على البيئة والغطاء النباتي والتوازن الإيكولوجي، خاصة أن غابات قسنطينة تعد مصدرا للتنوع البيئي. انطلاق أشغال إعادة الاعتبار لحديقة التسلية بجبل الوحش الزيارة التي قادتنا بحر الأسبوع المنصرم إلى حديقة جبل الوحش، أبانت أن الأشغال انطلقت لإعادة تهيئة حديقة التسلية، في أعقاب الانتهاء من إجراءات إمضاء العقد مع المستثمر الحائز على المزايدة، وقد قطعت عملية إنجاز سور الإحاطة الخارجي مراحل متقدمة. كما أن أشغال التهيئة من الداخل بدأت وينتظر أن ترتفع وتيرة العمل مع مرور الأيام، حسب ما أطلعنا عليه من قبل العمال. مدير أملاك الدولة بولاية قسنطينة أوضح في تصريح ل”الفجر”، أول أمس، أن المستثمر الجديد تحصل على عقد استغلال لحديقة التسلية بجبل الوحش من خلال مشاركته في مزايدة الكراء، بمبلغ مالي قدرة 4.2 مليار سنتيم سنويا، مقابل عقد استغلال لمدة 33 سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، على ألا تتعدى المدة الإجمالية 65 سنة مثلما يحدده القانون، مضيفا أن العقد مرتبط بدفتر شروط يحدد في مواده كيفية استغلال الملك العمومي للدولة، حيث حمل الكثير من التغييرات مقارنة مع المرات السابقة. يذكر أن حديقة التسلية بجبل الوحش ظلت مغلقة أمام العائلات القسنطينية منذ سنوات طويلة، بسبب فشل المستثمرين السابقين في إدارة المرفق، حيث لم يستطع كافة المتعاقبين عليه الصمود سوى لأشهر قليلة، قبل أن يعلنوا انسحابهم بسبب عدم قدرتهم على مواصلة استغلالها، ما اضطر سكان قسنطينة إلى التنقل إلى حدائق التسلية بولايات مجاورة، على غرار باتنة، سطيف و جيجل وتشهد غابة البعراوية في فصل الصيف حركة كثيفة كل مساء، حيث يقصدها القسنطينيون من مختلف الأعمار لممارسة أنواع متعددة من الرياضات، خصوصا بعد الحملات المتكررة لتنظيفها من قبل بلدية الخروب أو من طرف السكان المجاورين، ما جعلها قبلة لمن يرغبون في ممارسة الرياضة. ولفت انتباهنا منذ الوهلة الأولى لدخول الغابة وجود رجال من مختلف الأعمار، حيث أن الذين يتراوح سنهم بين 60 إلى 65 سنة كانوا يمارسون رياضة المشي بخطى سريعة بطريقة تناسب سنهم. أما الشبان فقد كانوا يمارسون رياضة الجري بسرعات متباينة، وكان من بين المتواجدين بعض النساء حيث أن البعض منهن يركضن بريتم متوسط. ويعد مشروع الحظيرة الحضرية الواقعة بحي زواغي سليمان، بمساحة إجمالية قدرها 11 هكتارا، من بين المشاريع الهامة التي حازت عليها ولاية قسنطينة وستحتضن هذه الحظيرة فضاءات لممارسة الرياضة والمغامرة، إلى جانب منطقة للاسترخاء والترفيه وأخيرة لألعاب الكبار، على غرار الكرة الحديدية والغولف، شانها شأن حظيرة باردو المشروع، الذي خصص له قرابة 400 مليار سنتيم. ولم يخف رئيس جمعية حماية الطبيعة والبيئة ”آبنو” لولاية قسنطينة عبد المجيد سبيح، في حديثنا معه، أن هناك تحسنا ملحوظا في قطاع البيئة بالولاية، وهو ما يبرز أن الحملات التوعوية والتحسيسية أعطت أكلها بدليل تضاعف عدد حاويات القمامة وشاحنات رفعها على مستوى البلديات ال12 بالولاية. كما كشف في سياق حديثه ما تتعرض له غابات قسنطينة من حالات نهب لثرواتها، وقد تم مؤخرا وضع حد لنشاط عصابات تتاجر في تهريب الصنوبر الثمري من جبل الوحش صوب دولة شقيقة. وواضح أن المشاريع المسجلة والجاري إنجازها في إطار المحافظة على البيئة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي، في مدينة ظل سكانها محرومون من فضاءات لائقة لقضاء أوقات فراغهم وسط مناظر ومواقع طبيعية تحتم تثمينها لتكون ذات مردود اقتصادي، وتساهم بقسط كبير في ترقية ودفع النشاط السياحي.