l أشخاص لا صلة لهم لا بالثقافة ولا بالسياحة يسيرون معالم تلمسان تحوز مدينة تلمسان الواقعة بأقصى الغرب الجزائري، بأكبر كم من المعالم الأثرية الإسلامية بالجزائر، بحيث تقدر نسبة المعالم الأثرية التي تعود إلى الحقبة الإسلامية بمدينة تلمسان بأزيد عن 70%، وقامت وزارة الثقافة الجزائرية في سنة 2011 بالتزامن مع احتضان المدينة لعاصمة الثقافة الإسلامية بترميم جل المعالم الأثرية وإطلاق استراتيجية تربط بين الثقافة والسياحة، بحيث يتم استغلال المعالم الثقافية لاستقطاب أكبر عدد من السياح وجعل من المعالم الأثرية أحد أهم محركات الثقافة والسياحة بالجزائر، ولكن هذه الإرادة السياسية لم تخرج عن نطاق التصريحات وبقيت حبرا على ورق، وحبيسة للعقلية البيروقراطية، ففي أرض الواقع يصطدم الفرد بطريقة تسيير لم تتغير منذ سنوات التسعينيات. ويتيه الزوار القاصدين المعلم التاريخي الإسلامي لمدينة تلمسان، المسمى بقلعة المشور وسط أسوار القلعة بقلب تلمسان الملقبة بجوهرة المغرب العربي، بحيث يخلو المكان من أي لافتات تشير إلى تاريخ المكان وإلى عراقته، وتنعد بالمشور العديد من الخدمات السياحية منها والثقافية، على غرار التوجيه والإرشاد وكذا الخدمات الأساسية، كتوفير نقاط تحتوي على المطاعم والمقاهي، يمكنها أن تثري ميزانية المكان وتوجيه هذه الأموال إلى التسيير والتطوير والصيانة، وأيضا ينعدم المكان حتى لأبسط المرافق كالمراحيض. واكتشفنا لدى زيارة قادتنا إلى مدينة تلمسان، أن جل المعالم الثقافية بالمدينة تعيش على نفس الإيقاع، فمعلم سيدي بومدين الذي يحتوي على مسجد ومدرسة مر منها العالم ابن خلدون، أصبح مزارا للنسوة الباحثات عن البركة والتي تمارس فيه بعض الطقوس الغربية. ولا يمكن أن تزور مدينة تلمسان دون أن تتوقف أمام العشرات من المعالم والآثار التاريخية بهذه المدينة الجميلة، الشاهدة على تعاقب حضارات كثيرة، تذكرنا بحضارات زالت، لتبقى تلك الشواهد التاريخية العريقة، من قصور، ومنازل، ومساجد، وساحات وحمامات، تروي لنا حكايات وأساطير الشعوب والسلاطين الأولين، لكن ينتابك الحزن والألم عند مشاهدتك للكم الهائل من الآثار الشاهدة وهي غير مستغلة ومستغلة على طريقة الإدارات بحيث تغلق معظمها الأبواب على الساعة الرابعة زوالا في أعز الموسم السياحي، على غرار متحف مدينة تلمسان الواقع بمحاذاة المعهد الثقافي الفرنسي لمدينة تلمسان، وتتحسر عندما تعلم أن المعهد الأجنبي يسطر برامج ثقافية وفنية يومية، والمؤسسات الثقافية الجزائرية تغلق أبوابها ولا تسمح للقاصدين حتى بزيارتها. وتعد قلعة المشور بتلمسان، أو القصر الملكي الزياني أحد أهم الآثار الإسلامية بالمدينة، والذي يستقطب يوميا العشرات من الزوار، فيتصادف كل من يزور قصر المشور بمدينة تلمسان، بقسوة أعوان الأمن وقلة احترافية المرشدين إن وجدوا، وكذا سوء الضيافة، بحيث يصاب الزائر لقصر المشور الشاهد على حضارة إسلامية أندلسية، ضاربة في عمق التاريخ، بالخيبة لانعدام حسن الاستقبال. ويتفاجأ السائح عند زيارة القلعة المتواجدة وسط مدينة تلمسان، من سعر الزيارة والتي يقدر ثمنها ب200 دينار، ما يمثل سعرا جد باهظ لعائلة تتكون من خمسة أفراد، فكيف يمكن فرض مثل هكذا سعر كون الزيارة تقتصر على القصر ومساحات خضراء يحاذيها مسجد، وتخلو من أماكن الترفيه كالمقاهي والمطاعم والمراحيض ولافتات ومناشير ومجلات وأيضا محلات لبيع التحف، خاصة أن منطقة تلمسان تزخر بالحرف التقليدية، ولا تزال بعض العائلات محافظة على تقاليد أجدادها، لتبقى متمسكة بثقافتها، في ظل غياب دعم الدولة. وعندما استفسرنا عن الإستراتيجية الثقافية السياحية التي يسير المعلم على نهجها، لم يقدم لنا المسؤولون عن القلعة أي تفسير، واكتفت ”ا. ف” إحدى المرشدات السياحية بقلعة المشور، بالقول: ”المعالم الأثرية بالجزائر كلها تسير من طرف أشخاص لا يملكون الكفاءة في التسيير، فنحن مثلا كمرشدين نواجه العديد من المشاكل اليومية التي تعيق عملنا وترجح كفة الإهمال على تقييم ما تمتلكه الجزائر من ثروة تاريخية”. ونشير أن قلعة المشور تابعة لقسم حماية الآثار لولاية تلمسان، فمنذ سنتين تسير القصر مديرية الثقافة للولاية عوض قسم حماية الآثار، لتتعاقد المديرية مع شركات خاصة كلفت بتسيير القصر، لتمارس عملية تجارية على حساب الثقافة. ونشير إلى أن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، قد وعد في العديد من المرات خلال الندوات الصحفية عن بعث وزارة الثقافة الجزائرية للسياحة الثقافية، ووقعت الوزارة العديد من الاتفاقيات مع وزارة السياحة، تؤكد كلها على المضي في اتباع إستراتيجية بعث سياحة ثقافية تجعل من الجزائر بلد الضيافة والكرم، ومن هنا نطرح السؤال: كيف يمكن بعث سياحة ثقافية بدون احترافية وبتشغيل أشخاص لا صلة لهم لا بالثقافة ولا بالسياحة.؟ وعوض تسيير الممتلكات الثقافية وفق استراتيجية وزارة الثقافة، نجد أن كل صرح ثقافي يسير نفسه على طريقته الخاصة، فمثلا لزيارة المواقع الأثرية بمدينة تلمسان، يجب على الزائر دفع ثمن باهظ لكل زيارة وعند كل موقع عوض دفع تذكرة موحدة مثلما هو معمول به في البلدان السياحية، فمثلا بعملية حسابية بسيطة لزيارة كل الأماكن الأثرية بالولاية لعائلة تتكون من خمسة أفراد يجب عليهم دفع ما قيمته 5000 دينار جزائري، بحساب تذاكر دخول المواقع الأثرية ودخول مواقف السيارات، وهذا دون احتساب تكلفة التنقل لهذه المواقع الأثرية وأيضا مصاريف الأكل. ونشير أن نفس الشيء نجده بالمواقع الأثرية لمدن وهران وقسنطينة والجزائر العاصمة وعنابة وتيبازة، وكل المدن الجزائرية التي تزخر بمواقع أثرية يمكنها جلب مئات الزوار يوميا، بحيث لا يجد الزائر للمواقع الأثرية، لا مقاهي ولا مطاعم ولا تذاكر موحدة ولا حتى وسائل نقل تربط بين تلك المواقع الأثرية والمتاحف. وتخلو الاستراتيجية التي تتبعها مديريات الثقافة، من استحداث المناسبات لجلب السياح وأيضا من إحياء المسالك والدروب القديمة، فمثلا بمدينة تلمسان العديد من المسالك السرية المتواجدة تحت قصور المدينة مغلقة ولا توجد أية نية لإعادة استغلالها وفقا لاستراتيجية تخدم السياحة الثقافية، كما تغيب بمدينة الفن والثقافة الأندلسية الوسائط الثقافية من فرق موسيقية وفرق مسرحية وفنون أخرى تمثل التراث الأدبي والاجتماعي والموسيقي للمنطقة، والتي تعد مادة ثقافية سياحية حية ومعبرة عن واقع البلاد كالنشاطات الثقافية المتنوعة والتي تقام بالمواقع الأثرية وتجعل من السائح يقيم بالمدينة لفترة، على غرار المحاضرات والحفلات الموسيقية بالمواقع الأثرية طوال أيام السنة. وتعد الجزائر واحدة من البلدان الغنية بموروثها الثقافي فهي متحف للتراث، الذي يستوجب استثماره بطريقة مثلى، علما أن السياحة الآن وفي معظم دول العالم أصبحت تتجه أكثر فأكثر إلى الخصوصية الثقافية، وأصبحت تمثل حوالي 37 بالمائة من إجمال سوق السياحة الدولية.