تعمق الأزمة المالية التي تمر بها البلاد جعل الحكومة تلجأ إلى اتخاذ تدابير استعجالية وتبني خطط لتطبيقها خلال السنوات المقبلة، بغية توفير مداخيل للخزينة العمومية خاصة بعد تقهقر احتياطي الصرف وكذا نضوب مدخرات صندوق ضبط الايرادات. يتضمن مخطط عمل الحكومة سلسلة من الإجراءات تهدف إلى تحسين الحكامة المالية للبلاد عن طريق عصرنة إدارة المالية والقطاع البنكي وسوق المالية، وكذا إجراء جديد يتمثل في اللجوء الاستثنائي ولمرحلة انتقالية للتمويل غير التقليدي الموجه حصريا لميزانية الاستثمار. أما فيما يتعلق بالمالية العامة يتمحور مسعى الحكومة الذي تضمنه مخطط العمل الذي سيعرضه الوزير الأول قريبا أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، حول ثلاثة محاور حيث سيتعلق الأمر بالتحكم في النفقات العمومية وتحسين عملية تحصيل الموارد الجبائية العادية وكذا تحسين تسيير أملاك الدولة. وجاء في ذات الوثيقة أن إعادة توازن الميزانية تمليها الصعوبات التي تواجهها المالية العمومية واللجوء الاستثنائي لمرحلة انتقالية (لمدة قدرها خمس سنوات) للتمويل غير التقليدي، لا سيما التمويل المباشر للخزينة من طرف بنك الجزائر، بغية الحفاظ على ديناميكية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. التمويل ”غير التقليدي” حصري لميزانية الاستثمار سيوجه اللجوء إلى التمويل غير التقليدي الذي صادق عليه مجلس الوزراء يوم الأربعاء الفارط بشكل حصري نحو ميزانية الاستثمار للدولة وليس نحو نفقات التسيير. وسيسمح هذا التوجه إلى ”الاستجابة بشكل عقلاني لحاجيات التنمية البشرية ولإنجاز المنشآت ومرافقة التطور والتنمية”، حسب نص الوثيقة. كما صادق مجلس الوزراء المنعقد يوم الأربعاء الفارط على مشروع قانون يتضمن تعديل قانون النقد والقرض والذي يسمح لبنك الجزائر ”بإقراض الخزينة العمومية مباشرة”. هذا وسيتطلب التحكم في النفقات العمومية أيضا عصرنة تسيير الميزانية من أجل التوصل إلى برمجة تمتد على عدة سنوات، ومواصلة عقلنة نفقات التسيير للدولة لتغطيها الجباية العادية فقط. عقلنة الدعم وتنويع عروض الخدمات البنكية كما ستعتمد الحكومة في مسعاها الرامي للتحكم في نفقات الميزانية أيضا على عقلنة النفقات العمومية المتعلقة بالدعم لصالح الشعب، حسب الوثيقة. وتتوقف هذه العقلنة فيما يخص الدعم المباشر على ”تحضير جيد للملف المتعلق بها متبوعة بتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ثم مع البرلمان”. ومن جهة أخرى، ستعمل الحكومة على تحسين تحصيل الجباية العادية من خلال عصرنة الإدارة الجبائية وتطوير الجباية المحلية ووضع إجراءات جديدة تسمح للإدارة الجبائية بتحصيل أسرع لمستحقاتها خلال عمليات التصحيح الضريبي وكذا تطوير نظام الرصد ومعاقبة المحتالين. أما في ما يتعلق بالمنظومة البنكية فإصلاحها متوقف على تكييف الإطار التشريعي والتنظيمي الذي ينظم هذا النشاط، ومواصلة عصرنة أنظمة الدفع وتعزيز الأنظمة المعلوماتية للبنوك وتخفيض آجال دراسة ملفات القروض من خلال تطبيق لامركزية اتخاذ القرار وتطوير سوق القرض. ومن بين هذه العروض، يركز مخطط عمل الحكومة على الايجار المالي وكذا على العروض المالية الاسلامية. كما سيتم التركيز على تطوير سوق رؤوس الأموال والبورصة بهدف تقديم بدائل لتمويل الاستثمارات وارتفاع رؤوس الأموال. الأزمة المالية تقضي على مدخرات صندوق ضبط الإيرادات كليا بلغت احتياطيات الصرف للجزائر في جويلية 2017 قيمة قدرت ب105 ملايير دولار، بينما نفذ صندوق ضبط الإيرادات كلية في شهر فيفري الماضي. كشفت الوثيقة المتضمنة برنامج عمل الحكومة التي تمت المصادقة عليها من طرف مجلس الوزراء أن هذه الاحتياطيات تنفد باستمرار حيث انتقلت من 193 مليار دولار في ماي 2014 إلى 105 مليار دولار في جويلية 2017. وعلى الصعيد الخارجي تبقى الجزائر سيدة اقتصاديا بفضل تراكم احتياطيات الصرف خلال السنوات الماضية. للتذكير، عرفت احتياطيات الصرف للجزائر في نهاية شهر جوان 2017 تراجعا قدر بثلاثة ملايير دولار في شهر واحد، فيما بلغت في نهاية ديسمبر 2016 قيمة قدرت ب 114.1 مليار دولار. وتحذر الوثيقة من أن وضع المالية العمومية على الصعيد الداخلي يعتبر مع ذلك ”مقلقا”. تعديل قانون المحروقات.. ”وارد” أشار مخطط عمل الحكومة بشكل واضح وصريح إلى احتمال تعديل قانون المحروقات، في القسم الخاص بتثمين المحروقات، حيث أوضح أن ”الحكومة ستظل في حالة الاصغاء الدائم لقطاع الطاقة بشأن أي مراجعة لقانون المحروقات، وذلك لتحسين تنافسية بلادنا باتجاه المتعاملين الأجانب، فيما يخص التنقيب عن المحروقات واستغلالها، إضافة إلى أن القطاع المنجمي الواجب تثمينه يبقى قطاعا هاما في مجال المحروقات”.