حيزبون متزمتة هكذا تبدو في مشيتها وفي تنوراتها القصيرة البنية اللون والتي اقتنتها في السبعينيات، أما قمصانها فكان أحمر لينذر بالخطر طيلة أيام الأسبوع، كانت تنظر إلى الفتيات نظرة يملؤها الغرور والكبرياء تجول قاعات المطالعة ذهابا وإيابا، صباحا ومساء وكأنها قائد في ثكنة عسكرية وليس في مؤسسة ثقافية تنهر تلك وتوبخ الأخرى بمناسبة وبغير مناسبة، فكم كان يسليها ويفرحها شتم العاملات لا لشيء إلا لتظهر لهم في كل مرة أنها رئيستهم الشرعية وولية أمرهم بل وصل بها الأمر إلى أبعد من ذلك، فقد كانت تهددهم بأنها قادرة على فصلهم من مناصبهم عند أول خطأ أو تعرض لشخصها الموقر وحضرتها المبجلة• وصعدت بخطى متثاقلة إلى الطابق الثالث حيث اشتغل بل حيث رمت بي الأقدار التي تعبث بنا من حيث لآخر؟ ووقفت شاردة متعبة، تنهدت بعمق والمرارة تملأ حلقي فلا أكاد أبصر إلا بعض الكتب المبعثرة على الرفوف والتي يجب علي تصنيفها وترتيبها صباح كل يوم جديد، أي قبل أن أجلس على الطاولة المركونة في إحدى زاوايا القاعة لألبي طلبات القراء وأعيرهم الكتب التي يحتاجون إليها• تمر ساعة أو بعض ساعة لست أدري فالزمن عندي لم يعد له قيمة منذ أن ابتليت بهذا العمل الذي ليس من اختصاصي ولم أرغب فيه يوما، لكن ماذا يفعل الأسير حيال جلاده القاسي وماذا يفعل العصفور إذا اصطادته الأيادي الآثمة وسجنته داخل قفص من حديد فحرمته حريته إلى الأبد• وأقرأ آخر الأخبار الثقافية والسياسية على شاشة الكومبيوتر المثبت فوق طاولتي وعبر الأنترنت، أتنفس بحزن وأسى شديدين وأنا أردد بعض القصائد الشعرية المنشورة حديثا•• كلمات رائعة ومعانٍ سامية وينفطر قلبي إذ أتذكر وفجأة أني كاتبة وضعتني الحياة على هامشها وحولني عملي بهذه المؤسسة إلى حطام امرأة لكن لا خيار لي• أغرق في تفكير عميق وتملأ الدموع أحداقي لكني أحبسها وأتمالك نفسي عندما أحس بحفيف خطوات مقبلة نحوي، أرفع رأسي لأرى من القادم فإذا بها هي نعم•• هي: كاترين دي مد سي الجبارة، وتتفحصني بنظرات ثاقبة ثم تحييني بابتسامة مصطنعة فأجيبها بترحيب كبير محاولة أن أخفي حنقي وغضبي الشديدين ثم أشرح لها كل ما قمت به من عمل وما سأقوم به بقية أيام الأسبوع، فتشير لي بالموافقة وبكثير من الازدراء والاحتقار وطيف الابتسامة المصطنعة لا يفارق ملامح وجهها القاسي• هكذا كانت عادتها دائما كلما حدثتها عن واجباتي وعن عملي لكن الويل لي إذا توعكت قليلا أو جادت علي قريحتي ببعض القصائد الشعرية أو النصوص النثرية فذلك بالنسبة لها من الأمور المحرمة بل تعده جريمة لا تغتفر•••