مواطنو كبريات المدن يشتكون من نقص الماء حاولنا في هذا الروبورتاج أن نجري مسحا على كل بلديات الولاية ونعرف مدى التغطية بالماء الشروب، وهل تصل هذه المادة الحيوية والضرورية إلى كل مواطن دون عناء، إلا أن الحقيقة التي وقفنا عندها هو التناقض في التصريحات، فالمواطن في كثير من البلديات وفي عاصمة الولاية، أكد على غياب الماء في كثير من المرات، أو التذبذب في مواعيد وصوله وفي ساعة التوزيع وتتحول حياة المواطن مع كل صيف، إلى جحيم حقيقي بسبب ندرة وانعدام هذا العنصر الحيوي• وتعرف أحياء بلدية الجلفة، خصوصا أحياء برنادة، عين سرار، بلغزال، وجزء كبير من حي بوتريفيس أزمة كبيرة، تتمثل في نقص وانعدام الماء الشروب، وأكد كل السكان الذين التقيناهم أن تذبذب توزيع الماء وانقطاعه في فترات تصل إلى أسبوع، وفي كثير من المرات تصل إلى 20 يوما ليس بالأمر الجديد "فهو مسلسل نعيشه كل صيف"• وعن تدخل الهيئات المكلفة، أكد محدثونا أنهم اتصلوا أكثر من مرة بوحدة التوزيع، إلا أنهم في كل مرة يجدون نفس الرد، وهو "سنعمل على توفير الماء مستقبلا "• أما في بلدية حاسي بحبح (50 كلم شمال الولاية)، فحي 5 جويلية مثلا، يلجأ سكانه إلى الحنفية الموجودة على مستوى مسجد "خالد بن الوليد" للتزود بالماء، وقد أكد أحد السكان أن المعاناة لازالت متواصلة لدى سكان الطوابق العليا• ونفس الوضعية يعرفها حي المحطة• وتتشابه وضعية كل أحياء بلدية حاسي، بحبح في نقص الماء الشروب والتذبذب في التوزيع، ويرجع هذا المشكل إلى النقص الفادح في المحولات الكهربائية المستعملة في إخراج الماء من الآبار، كما تبقى نوعية الماء المتوفر محل غضب واشمئزاز من طرف السكان، بالمقابل يشكو سكان أحياء سي الحواس، علي بومنجل وهواري بومدين ببلدية حد الصحاري من انقطاع التموين بالمياه الصالحة للشرب لمدة تفوق الأسبوعين في غالب الأحيان، يعاني خلالها السكان من العطش ومن أتعاب التنقل للحصول على الماء من مناطق مجاورة أو من المساجد، أو حتمية شرائه من الباعة المتنقلين الذين يستغلون هذا الظرف لبيع الماء بسعر 500 دينار للصهريج، وقال بعض سكان هذه الأحياء أن مصالح البلدية تبرر الانقطاعات الدائمة بقدم شبكة المياه وكثرة التسربات والتدخلات المتتالية لإصلاحها، مما يضطرها لوقف التموين، بالإضافة إلى حالة التوسع العمراني التي عرفتها المنطقة في الآونة الأخيرة، بحيث أن أربع آبار لم تعد كافية لتلبية حاجيات كل سكان الجهة بهذه المادة الحيوية، خاصة في فصل الصيف، أين يتزايد الطلب عليها بشكل كبير، غير أن هذا المبرر لم يعد يقنع السكان الذين طالبوا ذات المصالح بمزيد من الجدية لوضع حد لمشكلة العطش التي باتت ظاهرة تميز هذه الأحياء، وتعرف أحياء بلدية عين وسارة 100 كلم شمال الجلفة، وبلدية مسعد 75 كلم جنوبالجلفة نفس الوضعية، خاصة عدم الإنضباط في التوزيع والإنقطاعات المتكررة، والتي تبقى لفترات طويلة تجعل السكان صيدا سهلا لأصحاب الصهاريج مرة، وللتعب والبقاء في الطوابير من أجل العودة بصفيحة ماء للبيت، خصوصا مع موسم الصيف، الذي يتطلب كميات إضافية مقارنة مع فصول السنة الأخرى• 40 ألف مواطن لا يصلهم الماء بمدينة الجلفة "اكتشفت أن كل المبالغ المالية التي كانت توجه إلى إعادة تأهيل قنوات الماء الشروب لم تصرف وفي كل مرة تعاد إلى الخزينة العمومية"، هذا التصريح لوالي الجلفة السابق السيد "عدو محمد"، خلال إحدى دورات المجلس الشعبي الولائي، وهذا التصريح قابله تصريح جديد من مديرية الري عن طريق مسؤولها الأول الذي قال: "منذ تعييني على رأس هذا القطاع، قلت أن المشكلة الكبيرة ليست جلب الماء، بل هو استحالة التعامل معه حين وصوله إلى الأحياء"• وأرجع مدير الري السبب لقدم وعدم صلاحية قنوات الشرب التي لا يمكنها أن تستوعب مستوى الماء المتوفر• وقال محدثنا أن الجلفة استفادت من مشاريع كبيرة أهمها مشروع جلب الماء من آبار وادي الصدر إلى مدينة الجلفة على مسافة 22 كلم ووصلت تكلفة المشروع إلى 200 مليار سنتيم• وفي ذات السياق كشف مدير الري أنه تم تسجيل مشروع لدراسة إعادة إنجاز قنوات وأسندت الدراسة لمكتب دراسات فرنسي "سافاج " بالتنسيق مع الجزائرية للمياه بمبلغ 20 مليار سنتيم• وعن عدم وصول الماء لكثير من الأحياء الحضرية، خصوصا سكان الطوابق العليا، أكد مدير الري أنه من "المستحيل التكفل بهؤلاء السكان كوننا إذا أضفنا في مستوى الضغط سنصطدم بالتسربات التي تحدث على مستوى القنوات، التي أصبحت لا تساير مستوى الماء المتوفر"، مشيرا "تم إحصاء كل الأحياء وهي المسجد الجديد، الفصحا، الزريعة، بوتري فيس، وسننتهي من إيصال الماء لهذه الأحياء بعد أشغال القنوات"، وأكد أن مشروع وادي الصدر تم إنجازه في آجال قياسية (9 أشهر) "كما تم توفير مبلغ 46 مليار سنتيم وجهناه ل 7 خزانات وبعض التوصيلات بالتنسيق مع مكتب الدرسات "سافاج"• وعن مستوى تغطية الأحياء بالماء الشروب، قال مدير الري أن 240 ألف مواطن في مدينة الجلفة يصلهم الماء بطريقة منتظمة فيما يبقى 40 ألف مواطن دون ماء• وعن نوعية القنوات المستعملة والتي أثارت مؤخرا الكثير من الحديث بعد إرجاع سبب انتشار داء السرطان بالولاية إلى مادة "الأميونت"، أكد مدير الري أنه لا توجد لديه معلومات رسمية وأكيدة عن هذا الموضوع وأضاف "إننا سنقوم بتغيير القنوات في كل الحالات طبقا لتوصيات مكتب الدراسات"• وفي سياق آخر، كشف مدير الري "أن هناك مشاريع ضخمة وبرامج ندافع عنها ونسعى إلى إقناع السلطات المركزية، خاصة وزارة المالية، بضرورة تسجيلها كتحسين نوعية الماء لسكان بلدية الزعفران 50 كلم شمال غرب الجلفة على مسافة 40 كلم من منطقة "كاف حواس" بالإضافة إلى مشروع حماية المدن من الفيضانات بقيمة تقديرية تصل إلى 300 مليار سنتيم"• من جانب آخر، كشف مدير الري أن الجلفة ستستفيد من مشروع ضخم يضاهي مشروع وادي الصدر وهو إعادة تأهيل محطة تصفية المياه، وأكد أن المشروع موضوع الآن أمام وزارة المالية "بعدما انتهينا من الدراسة والمخطط"، ولم يخف المدير أن "تسيير هدا المشروع ليس بالسهل إلا أننا نرفع التحدي بإطارات المديرية وبتوصيات وزير الموارد المائية السيد "عبد المالك سلال"، الذي، أضاف محدثنا، أعطى لهذه الولاية الكثير من الأهمية والرعاية من خلال المشاريع والمتابعة الدورية لكل كبيرة وصغيرة"• وعن قضية السطو المنظم والنزيف الذي يهدد المياه الجوفية داخل المدن بفعل الحفر غير القانوني بعيدا عن التراخيص، قال مدير الري أن نتيجة النهب تعود للأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد وأكد أنه مستعد أن يصدر قرارات تحد من هذا الفعل الذي يهدد المخزون المائي ولا يمانع من تقديم طلبات و"نحن كمصالح مختصة نقوم بالموافقة والرفض طبقا للمصلحة العامة وحفاظا على الثروة الباطنية"، أضاف السيد "الهاشمي"• وعن مستقبل ولاية الجلفة في القضاء على أزمة الماء التي تعرفها، اكتفى مدير الري بتوفر شرط الاجتهاد والعمل المشترك بين كل الجهات من مديرية الري، إلى الجزائرية للمياه، إلى المواطن الذي يعتبر هو الآخر شرطا مهما للحفاظ على هذه المادة وضرورة تحمله،" لأن إيصال الماء إلى الأحياء لا ينجز في ظرف قياسي ولا نملك خاتم سليمان"، أضاف مدير الري • قدم القنوات يهدد السكان بالأمراض عرفت ولاية الجلفة خلال سنة 2007 انتشارا رهيبا للعديد من الأمراض منها (التيفوئيد) التي صرح بعدها المسؤول الأول على القطاع "عمار تو" من خلال ندوة صحفية عقدها بالعاصمة، أن الجلفة أحصت 140 حالة، في حين أنه وفي نفس اليوم يصرح مديره التنفيذي بالجلفة أن عدد الإصابات هو 40 فقط وهذا التضارب في الأرقام خلف حالة توتر كبيرة لدى السكان• وقد استقبل مستشفى الجلفة عشرات الحالات من المصابين بداء التيفوئيد من أحياء (بن جرمة - الضاية - البرج - عين الشيح)، وهي أحياء شعبية أغلب سكانها من الفقراء، وسجلت مصالح المستشفى 408 مصاب، تلقوا العلاج المركّز بمصالح الاستعجالات، ولم يتم معرفة مصدر انتشار الداء لتتحرك مصالح مشتركة بين البلدية ومديرية التجارة وتقوم بمصادرة مادة "الخس" بقرية "الزينة" شمال الجلفة وإتلاف 7 هكتارات من "الخس" بعد أن حامت الشكوك حول هذه المادة، ليشخص مكمن الداء فيما بعد بمياه الحنفيات التي اختلطت بالمياه القذرة بحي "بن جرمة" وبالقرب من المساكن المجاورة لمقر الدائرة، ليؤكد عدد من السكان أن السبب راجع لاختلاط مياه الشرب بقنوات الصرف الصحي جراء قدم القنوات وعدم صلاحيتها، التي لم تتجدد منذ إنشاء المدينة، انتشار "التيفوئيد" توسع ليصل إلى بلدية سيدي لعجال شمال الجلفة وتم تسجيل 42 حالة إصابة في أوقات متباينة أثارت العديد من الشكوك حول "الفيروس" الذي سكن أجساد المرضى وبقي المرض مجهولا إلى أن صرح والي الولاية أن "التيفوئيد" انتقل عبر شباب كانوا مصطافين وفي طريق عودتهم سبحوا ببركة بمستغانم حملوا منها فيروس التيفوئيد• ورغم نفي كل من وزير الصحة ووزير الموارد المائية بعد سؤال توجهت به "الفجر" خلال زيارتهما للجلفة عن الوفايات بهذا الداء إلا أنهما نفيا قطعيا وجود أي وفاة، في حين أن الشاب " ب• مراد " من بلدية حاسي بحبح توفي بسبب هذه الحمى، حسب تصريح وتأكيد شقيقه ل "الفجر" وقد علمت "الفجر" ساعتها أن محاولات كبيرة قامت بها مصالح الدائرة والمستشفى من أجل إقناع أهل المتوفي بالتكتم عن سبب الوفاة• وحسب التصريحات التي جمعناها من مختلف الأحياء فإن حياة المواطنين مهددة إذا ما لم تتحرك السلطات المحلية وتسرع في إعادة تجديد قنوات مياه الشرب، خصوصا وأن الصهاريج التي تحولت إلى أمر واقع تحولت إلى مركز خطر حقيقي على صحة المواطن بعد القرارات التي أصدرتها بلدية الجلفة بغلق الكثير من الآبار كونها تحمل جراثيم ومكروبات ضارة ولازالت الأسئلة قائمة: لماذا لم تنفذ القرارات؟ ومن يحمي هؤلاء الذين يتاجرون بأرواح المواطنين ويبقى جهل المواطن لمصدر الماء المنقول عن الصهاريج يمثل هو الآخر سلبية من طرف المواطن لعدم سؤاله وتحريه عن الماء الذي يستهلكه ومصدره، "الجزائرية للمياه" وعن طريق مسؤولها الأول السيد "زيان" أكد أن نسبة التغطية وصلت الى 70 بالمئة و"أن طموحنا لإنهاء الأزمة لا يمكن أن يتحقق إلا بالإنتهاء من مشروع إعادة شبكة المياه"• وعن علاقة المؤسسة بالمواطن، رد مدير "الجزائرية للمياه" أن المؤسسة حديثة النشأة وعلى المواطن ان يلتزم بدفع مستحقات المؤسسة من أجل توفير خدمة محترمة وأن يعطي للماء الأهمية الحقيقية• وكشف أن "التنسيق متواصل بيننا كمؤسسة وبين مكتب الدارسات الفرنسي من أجل الوصول الى تحقيق الإكتفاء لدى المواطنين"•