ثلاثة أشياء منذ القدم تشغل الإنسان: الحب والمال والموت• ذلك بالنسبة لإنسان الأمس •• أما إنسان اليوم فهو مشغول بالحب والمال والكرسي• ولهذا الكرسي أحكام وشر من نوع خاص •• وفي عصرنا هذا ازدهرت الشيطنة بأنواعها وتطورت صناعة الشر مقابل كساد وتدهور صناعة الخير •• أصبحت للشر تقنيات عالية جعلته يتخذ أشكالا وأصنافا غاية في الجودة والإتقان، حتى أنه ليبدو كالخير أحيانا كثيرة ويختلط عليك الأمر ولا تعرف إن كان هذا الشر شرا وإن كان هذا الخير خيرا•• الشر لم يعد ذاك الشر البائن الذي يعرفه أسلافنا ويخافون منه ويدعون عليه، الشر اليوم بات كالشر •• والخير بات كالخير •• حتى أنه كثيرا ما يظهر بقناع الخير •• أشكالا كثيرة صار الشر يستعرض بها نفسه وكل أمله أن يبقى ويخلد ويملك ويأكل ويسيطر ويحكم إلى ما لا نهاية، لذلك نراه يعشق تغيير الأقنعة ولا يتعب من التنكر والظهور بمظهر آخر في كل مرة •• وكي يحافظ الشر على وجوده ويؤمن حياته، عليه أن يبقى مخفيا عن الأنظار بعيدا عن الأنوار •• الوصفات العفنة باتت في وقتنا هذا مطلوبة، يتهافت عليها كل متعطش للوصول أو للثراء أو للتملك وممارسة السلطة بأي طريقة •• إنسان هذا العصر أصبح يعيش خلطة من القيم غابت فيها المعاني الحقة للخير واختلطت في رأسه الأشياء، مما جعله في حيرة من أمره، في خوف على نفسه وعلى زمنه •• خوفه من الغامضين •• من الملغمين من الذين جعلتهم أسباب ما في مكان يرون من خلاله الآخرين قطعانا بشرية لابد من التعامل معها هكذا وإلا ما بقيت وما بقينا •• وكلما انصاع القطيع كلما تجمدت ضمائرهم وختموا على أعمالهم بختم مزور للخير والحق• والشر على العموم يحب أن تتوحد أشياء بعينها أولها المادة والنفع الشخصي الذي لا يمكن للشر إلا أن يحرسه ويسهر على بقائه ووفرته•• كذلك الجنس وسطوة الشهوات المنحطة التي يرعاها الشر مستعملا كل أدواته، ما ظهر منها وما بطن •• وغالبا ما يتصور صاحب المال أنه أحسن فارس في عالم النسوة والشهوة مهما كان شكله أو سنه •• تراه يعيش بذال الشيء في داخله الذي لا يتعب من قول : عليك بالمزيد •• بالأكثر عليك بهذا وهذا •• وذاك •• عليك بالآخر والآخر •• عليك بكل الدنيا •• والسلطة طبعا وهي الأحب إلى الشر ولا يمكنها أن تستغني ولا أن يستغنى عنها ولا أن يفترق عنه ولا أن تفترق عنه مهما كانت الظروف ••إنسان اليوم •• الإنسان العربي خاصة هو بأشد الحاجة إلى أن تتوضح لديه الأشياء وتتبين لديه الرؤية بصفة جلية •• يريد فقط أن يعرف أين الشر؟ وأين الخير وما هو الخير؟ وما هو الشر؟ وكيف السبيل لتجنبه وعدم الوقوع في قبضته ؟ وما هي طرق التخلص منه والقضاء عليه؟ ولا أخطر من ولا أخوف من هذه التساؤلات التي من شأنها زعزعة القيم الأخلاقية والإنسانية وعندها يصبح فعلا الخير والشر في خطر وتعم أخلاق المخافة وأخلاق القطيع التي لا شيء مثلها يعبد طريق الحضيض الحضاري•