يعتقد كثير من الكتاب والمفكرين، العرب والأجانب على حد سواء، أن أمريكا اليوم هي أشبه ما تكون بالإمبراطورية الصليبية بعدما أصاب رئيسها مسٌّ جعله يقول إنه يتلقى توجيهاته في تدمير العالم من السماء ولذا لم يجد حرجا في تسمية حملته على أفغانستان بالحرب المقدسة، حتى وإن استبدل الكلمة - بعد أن أغضب بعض أصدقائه المسلمين - بمصطلح الحرية المطلقة، الأكثر دلالة دينية على المسعى والتوجه والنية المبيتة• يبدو أن المحافظين الجدد في أمريكا نقلوا ولاياتهم المتحدة إلى مواقع موحشة لم تعد معها تلك الأرض المفتوحة على الحرية التي يأتيها الناس من كل حدب وصوب من غير أن يعوقهم اختلاف دياناتهم وإيديولوجياتهم وألوانهم ولغاتهم ليبدعوا في العلم والتكنولوجيا والمال والفن، كما لم يصبح ذلك العالم الغربي الجديد جنات يحلم بالهجرة إليها كل المخنوقين في أوطانهم مهما اتسعت مساحتها بعدما ضاقت على أفكارهم وآمالهم وطموحاتهم، ولا أعتقد أن هذا التحول الجذري للولايات المتحدةالأمريكية من جغرافية ليس لها حدود إلى جزر مخيفة هي أقرب إلى "منتجع" غوانتانامو لكل ذي بشرة أو فكرة مختلفتين أو دين أو معتقد آخرين، جاء نتيجة الزلزال الذي ضربها في 01/09/11 كما يحاول البعض أن يسوق المبررات لجنون المجانين، إنما كان ذلك بداية الرحلة السريعة التي قطعها المتطرفون الذين اختطفوا القيم النبيلة التي كانت البشرية - على الأقل - تعرفها عن أمريكا• في أقل من عشرية من الزمن، شنت أمريكا المحافظة حربين عالميتين دشنت بهما دخولها إلى الألفية الثالثة وأظهرت أساليب الحكم الجديد نزوعا لضرب الحريات هو أقرب إلى حكم الاستبداد والإقصاء الذي تمارسه أبشع أنواع الديكتاتوريات المعششة في جيوب متعفنة من العالم، ولم يعد هناك فرق بين المتداوليْن على حكم الشعب الأمريكي والتحكم في مصير البشرية قاطبة، فإذا كان الحزب الجمهوري استطاع أن يضلل الرأي العام الأمريكي والغربي على حد سواء ويقنعه بضرورة الانخراط في حرب صليبية جديدة بدأها الرئيس بوش بغزو أفغانستان، فإن زعماء الحزب الديمقراطي- وهم يخوضون حملتهم الشرسة لكسب ود الناخب الأمريكي تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة - ساروا على نفس النهج، بل يعتقدون أن الإطاحة بخصمهم السياسي تمر أساسا عبر المزايدة عليه في تفعيل المصطلحات الصليبية والعنصرية• ذكرت الدار الإعلامية الأمريكية ميديا تينور - media tenor في مسح إعلامي علمي امتد من بداية جانفي 07 إلى شهر مارس 08 أن 40 % من الأمريكيين يتوجسون خيفة من إسلام تصوره وسائل الإعلام الأمريكية كمصدر للشر، ونتيجة لذلك فإن المسلمين يعتبرون جميعا خلايا نائمة سيأتي وقت انفجارها الفجائي في المجتمع الأمريكي وربما في كافة أنحاء العالم، ومن ثم فإن محاربة الفكر الإسلامي هي عمل مقدس على الغرب كله أن ينضم إلى أمريكا الصليبية في تدميره، ولم تتغير الصورة الآن بل يمكن أن نعتبرها ازدادت وضوحا في سلوك الساسة الأمريكيين، ولن نتحدث عنهم جميعا فسجلاتهم تجاه الإسلام والمسلمين يؤكدها تكاثر بؤر التوتر واشتعالها في المناطق الإسلامية بشكل خطير، ولكن لنأخذ مرشح الديمقراطيين إفريقي ومسلم الأصل، كيف خصص كثيرا من جهده ومنطقه في الاستدلال على أن جذوره الدينية لم تكن يوما إسلامية، وربما انتسب أكثر كما يفعل اليهود إلى أمه البيضاء وقد تنصل من عرقه الإفريقي، ولم توقظه فرحة الأفارقة العارمة بانتصاره على هيلاري كلينتون - التي رفضت منحة من جمعية أمريكية لأنها إسلامية - ولا صلواتهم ودعواتهم له بالوصول إلى البيت الأبيض الأمريكي، ولا إطلاقهم إسمه على مواليدهم الجدد الذكران منهم والإناث، كما لم تستطع صورة جدته المسلمة وقبيلته الكينية أن توقد فيه شعلة إفريقية لا تعني إلا إضافة إيجابية للأخلاق الفاضلة الأمريكية التي عبث بها المحافظون الجدد• "باراك أوباما" في آخر إنتاجاته الترويجية لحملته الانتخابية منع مناصرتين أمريكيتين ترتديان الحجاب من خلفيته التلفزيونية، وقهرهما مقربوه بل أخرجوهما ليس من الإطار فقط، بل من مكان التجمع، ولم يعتذر لهما إلا حينما أصبحتا قضية مطروحة أمام مسلمي أمريكا خاصة والمسلمين في عموم العالم، بينما لم يحدث مثل ذلك مع القلنسوة اليهودية التي زاد -لأصحابها - على سابقيه في الدفاع لهم عن إسرائيل أكثر من الدفاع عن أمريكا ذاتها أو بعد ذلك كله يكتفي بعض الكتاب والمفكرين بالقول إن أمريكا صليبية فقط ! إنها عنصرية صهيونية السياسة والهوى أيضا •••