ليس درويش شاعر القضية الفلسطينية وحدها ، بل لا ينتمي درويش لأرض فلسطين وحدها ، فهو رغم أنه حملها في أشعاره وخلال أسفاره إلى كل الدنيا فهو كان شاعر العروبة في زمنها الرديء، في زمن الخنوع والهزائم المتكررة. لازلت أتذكر ما قاله يوما لحمراوي في حصة تلفزيونية وكان وقتها حديث العهد بالصحافة، عندما سأله: لماذا لا تهتم في أشعارك بقضايا أخرى كقضية جنوب إفريقيا التي لاتزال وقتها تحت رحمة الأبارتايد؟ فرد صاحب رائعة "سجل أنا عربي" قائلا: "يا بني العالم يبدأ من بيتك" وكان لدرويش بيوت متعددة وحيثما حل في الوطن العربي، وكيف لا وهو الذي نقف له مصفقين بالساعات في قاعة ابن خلدون وغيرها من الأماكن التي كان صوته الجهوري يجلجل بها وهو يلقي رائعته "حاصر حصارك لا مفر " و"مديح الظل العالي" التي أبكت جمال عبد الناصر و"أحن الى خبز أمي" التي أبكت كم من رجال . درويش الذي تربت أجيال وأجيال على أشعاره وجعلها تتعلق بالحرف العربي مثل تعلقها بالقضايا العربية، فكانت قصائده التي غناها مارسيل خليفة إنجيلا لشباب السبعينيات وبطاقة هوية لكل الشباب العربي الثائر، والواعي بالقضايا الدولية وبالخطرالامبريالي المحدق بالأمة. رحل درويش في زمن صارت الأحلام به كوابيسا والوطنية نكتة بايخة لا تضحك، الثورة جبن، وقضايا الأمة بيعت في سوق المصالح الشخصية. رحل درويش ونحن في أمس الحاجة لشاعر في جرأته، يهز العروش التي نسجت عليها العناكب نسجها، ونحن في حاجة إلى شاعر يعري جبننا وتخاذلنا، مثلما كان يفعل نزار قباني قبله، ومثلما كان يفعله شاهين بطريقته الخاصة. ما حز في نفسي أنه رحل وترك والدة ثكلى وهو الذي قال يوما "لأني إذا مت أخجل من دمع أمي".