قال الشاذلي بن جديد: إن المرحوم بومدين اختاره لتنسيق قيادة الجيش والأمن عندما كان مريضا في الإتحاد السوفياتي.. وأن الرئيس بومدين أرسل هذه التعليمة أو القرار لأعضاء مجلس الثورة مع شخص لم يذكر الشاذلي إسمه.. وبالتأكيد أنه لم يكن من أعضاء مجلس الثورة الثمانية وهم: بوتفليقة ويحياوي وبولهوشات ودراية وبن شريف وبن جديد والطيبي العربي وعبد الغني، لأنه لم يكن أي واحد منهم في موسكو مع الرئيس بومدين سوى بوتفليقة ..! لا يمكن أن يكلف بومدين بوتفليقة بمهمة تبليغ أعضاء مجلس الثورة باختيارات الشاذلي. وأغلب الظن أن يكون الشخص الذي كلفه الرئيس بومدين بإبلاغ رسالته لأعضاء مجلس الثورة هو المرحوم قاصدي مرباح رئيس المخابرات آنذاك أو عبد المجيد اعلاهم رحمه الله مدير التشريفات ..! وأغلب الظن أن الرسالة المذكورة كلف مرباح بإبلاغها لأعضاء مجلس الثورة، وليس غيره، والدليل أنها بقيت في الكتمان.. ولم تبلغ للعقيد الشاذلي إلا لاحقا عندما طرحت مسألة التنسيق بين أركان الجيش والأمن .! ولهذا عقد اجتماع المدرسة الوطنية للمهندسين في برج البحري دون علم الشاذلي كما يقول.! لأن مرباح لم يكن متأكدا من قبول أعضاء مجلس الثورة لما قرره بومدين. وقد تكون عودة بومدين المفاجئة من موسكو رغم حالته الصحية المتدهورة يعود لكونه علم من مرباح بموقف مجلس الثورة أو بعض أعضاء مجلس الثورة تحديدا، ولذلك عاد بنفسه وهو في حالة صحية غير لائقة لحل الإشكال. وبالفعل عاد بومدين من موسكو وهو لا يقدر على الوقوف، وقد حكى لي المرحوم مرباح أنه عاد إلى الجزائر وهو في حالة صحية متدهورة.. وطلب من اعلاهم ومرباح بإحضار أعضاء مجلس الثورة والحكومة إلى بيته.. وجلس هو فوق كرسي واضعا "زاورة على رجليه".. وعند انتهاء اللقاء الذي دام مدة قصيرة طلب من مرباح أن يعينه على الوقوف.. والصعود إلى غرفة النوم.! وكان بومدين قد طلب أن لا يستقبله أحد في المطار حتى لا يظهر للناس في حالة متدهورة.! وقبل أن يعود بومدين من موسكو بأيام طار إليه عبد العزيز بوتفليقة كي يأخذ التعليمات والتوجيهات بخصوص الموقف في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد برئاسة حسن البكر، وخصص لتدارس تداعيات زيارة السادات إلى القدس .. وفي مطار بغداد حضرت تصريحا صحفيا لوزير خارجية الجزائر آنذاك بوتفليقة الذي قدم من موسكو لحضور القمة العربية وتمثيل بومدين في هذه القمة.. وفي تصريح بمطار بغداد ذكر بوتفليقة لأول مرة رسميا أن بومدين يتواجد بموسكو للعلاج.. وهو أول تصريح رسمي يتحدث عن مرض الرئيس.. وكانت الصحافة الفرنسية آنذاك حاضرة بقوة في مطار بغداد.! وفي حديث صحفي أجريته مع المرحوم مرباح، قال لي خارج التسجيل، أن أعضاء مجلس الثورة كانوا يريدون دفن بومدين في فالمة وبدون جنازة رسمية.. أي أن يتم دفنه من طرف عائلته.. وحجتهم أن الوضع الأمني في البلاد لا يسمح بتنظيم جنازة محترمة للرئيس الراحل، وقد تنفلت الأمور، ولكن مرباح أصر على تنظيم الجنازة وقال لأعضاء مجلس الثورة: أضمن لكم الجانب الأمني .. فلن يقع أي مكروه .! وتمت الجنازة التي لم يكن الكثير يريدها..! وتحدث مرباح أيضا على مسألة حسم مجلس الثورة في خليفة بومدين.. وقال إن أعضاء مجلس الثورة أجروا انتخابات شارك فيها ستة من أعضاء مجلس الثورة، وجاءت النتيجة متعادلة بين يحياوي وبوتفليقة بحيث صوّت بولهوشات ودراية لصالح يحياوي.. وصوّت الطيبي العربي وعبد الغاني لصالح بوتفليقة، ولم يحضر الشاذلي وابن شريف عملية التصويت هذه .! وسعى يحياوي إلى البحث على شخص من خارج مجلس الثورة فكان اقتراح المرحوم بيطاط، رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس الدولة بالنيابة آنذاك.. ولكن الدستور لا يسمح له بالترشح .. وجرى التفكير حتى بتعديل الدستور بجلسة برلمانية.. ولكن الأمور حسمت من طرف مرباح لصالح الشاذلي باعتباره يتمتع بسلطة بتنسيق بين قيادات الجيش.. وهي القوة المنظمة الوحيدة آنذاك.. الآن وقد رحل إلى دار الحق نصف أعضاء مجلس الثورة، نتمنى أن يتكلم النصف الباقي، أطال الله أعمارهم، كي يعرف الرأي العام حقيقة ما حدث. ولعل خرجة الرئيس الشاذلي خطوة على الطريق..!