تتعرض البرازيل إلى ضغط كبير بسبب تخوف البلدان التي ستشارك في أولمبياد 2016 بريو دي جانيرو (بين 5 و21 أوت) من فيروس زيكا الذي يعرف انتشارا كبيرا، رغم حالة الطوارئ التي تعيشها البرازيل لمحاربة المرض المميت. وتصطدم البرازيل، بحكم أنها ستكون قبلة لأكبر تظاهرة كونية شهر أوت القادم، بتلويح أكثر من بلد بإلغاء مشاركته في الألعاب الأولمبية التي تعتبر أكبر مهرجان رياضي عالمي تعيشه الأرض مرة كل 4 سنوات، على خلفية التداعيات الخطيرة لفيروس زيكا. جاء تلويح كينيا مؤخرا بالانسحاب من الأولمبياد القادم ليغذي جدلا أكبر كان مُثارا أصلا قبل أيام، بعد اكتشاف وجود الفيروس في البرازيل، وفي حال نفذت كينيا تهديدها، فإن مستوى منافسات ألعاب القوى في الأولمبياد سيكون متدنيا، كما سيكون صعبا على الجماهير الاستمتاع بتحطيم أرقام قياسية، باعتبار أن كينيا تعد من أكبر البلدان المسيطرة على "أم الألعاب"، لاسيما في السباقات الطويلة ونصف الطويلة، كما تملك كينيا عددا من أفضل عدَّائي المسافات المتوسطة والطويلة في العالم، وتصدرت جدول ميداليات بطولة العالم العام الماضي. ونقلت الصحافة العالمية تصريحا لرئيس اللجنة الأولمبية الكينية كيبتشوجي كينو قال فيه "بالطبع لن نجازف باصطحاب متسابقي كينيا هناك إذا وصل فيروس زيكا لمعدلات وبائية". مخاطر الفيروس ترهن أحلام النجوم مع محاولات مسؤولي الصحة في العالم السيطرة على تفشي زيكا، فإن الرياضيين الأولمبيين يوازنون بين الرغبة في الفوز بالميداليات في الأولمبياد، والمخاوف الصحية المحيطة بالفيروس الذي ينقله البعوض في البرازيل. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدوى زيكا الفيروسية تمثل حالة طوارئ دولية تهدد الصحة العامة، كما أوضحت أن الفيروس ربما يصيب نحو 4 ملايين شخص في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. ولم ينظر المشاركون إلى المشكلة من نفس الزاوية، بما أن مدرب المنتخب الهندي للرماية روناك بانديت أكد تجاهله للفيروس، وقال "من وجهة نظري من الأفضل الموت في سبيل ميدالية ذهبية أولمبية بدلاً من الخوف والجلوس في المنزل". وبدت الدنماركية آن ماري ريندوم المشاركة في منافسات الشراع غير خائفة أيضاً، وقالت "سأقوم بشراء وسائل قوية لإبعاد البعوض، هذا ما فكرت فيه، لا أشعر بالقلق من الأمر". لكن العديد من الرياضيين أبدوا قلقهم من الوضع. وقال العداء الأمريكي جاستن جاتلين "مما شاهدته وقرأته، فإنه يشكل خطورة كبيرة على الحوامل"، وتابع "أحاول تحقيق الفوز والمجد في الأولمبياد، أتمنى أن تتم السيطرة على فيروس زيكا قبل أوت المقبل". وستقام تجارب الأولمبياد في ريو قبل انطلاق الدورة، وسارعت اللجنة الأولمبية الدولية إلى طمأنة المشاركين بالقول إن الدورة ستكون خلال فصل الشتاء، ما يجعل الأجواء جافة وأكثر برودة، ما يقلل من وجود البعوض وخطر التعرض للفيروس. الأمريكيون متحفظون حيال الوباء وقالت اللجنة الأولمبية الأميركية للاتحادات الرياضية إن الرياضيين والمسؤولين الذين يشعرون بقلق على صحتهم بسبب فيروس زيكا يجب عليهم دراسة عدم الذهاب إلى أولمبياد ريو دي جانيرو في أوت المقبل. وأفاد رئيس الاتحاد الأميركي للرماية دونالد أنطوني بأن الرسالة جاءت بين مسؤولي اللجنة الأولمبية الأميركية والاتحادات الرياضية في البلاد أواخر الشهر الماضي، وأضاف أنه تم إبلاغ الاتحادات بعدم تنقل أي شخص إلى البرازيل "إذا لم يشعر بالراحة عند الذهاب. هذه خلاصة الأمر". وتوضح هذه الخطوة أن المسؤولين في اللجان الأولمبية يتعاملون مع خطر زيكا بشكل جاد، ما يشير إلى أن بعض الرياضيين قد يواجهون صعوبة في اتخاذ قرار المشاركة في الألعاب الأولمبية القادمة. وفازت الولاياتالمتحدة بغالبية الميداليات في آخر دورة أولمبية في لندن 2012 وسيتسبب غيابها عن الدورة القادمة في إرباك المنظمين، وإذا قاطعت بلاد "العم سام" الدورة الأولمبية، فإن الألعاب ستتعرض لضرر كبير، ما يجعل الأولمبياد القادمة دون روح في غياب الأمريكيين الذين يسطيرون على الألعاب الأولمبية منذ نشأتها. وتشتبه سلطات الصحة العالمية بأن الفيروس الذي ينتقل عن طريق البعوض تسبب في تشوهات في المخ للمواليد الجدد. ولهذا السبب، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ مطلع الشهر الجاري، ونصحت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، والحوامل بتجنب السفر إلى المناطق التي ينتشر فيها الفيروس. وأكد الناطق باسم اللجنة الأولمبية الأميركية مارك جونز أن مدير الأداء الرياضي آلان آشلي أبلغ رؤساء الاتحادات بتوصيات المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، وأن العمل مستمر من أجل ضمان وصول أي تطورات جديدة للرياضيين والمسؤولين في المنتخبات الأميركية. ولم تصدر اللجنة الأولمبية الأميركية توصياتها الخاصة للرياضيين والمسؤولين بعيداً عن التوصيات التي أعلنتها المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أو منظمة الصحة العالمية. وإلى جانب كينياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، تدرس ألمانيا وبلدان أخرى كل الاحتمالات للتعامل مع الفيروس في الألعاب القادمة. وفي هذا الخصوص، أكد الاتحاد الألماني الأولمبي أنه سيتعاون بشكل وثيق مع الاتحادات الرياضية لتحديد ما إذا كان يتعين نقل أماكن معسكرات التدريب. وقال ديرك شيملبفينغ رئيس الاتحاد الألماني لتنس الطاولة، ورئيس قسم التأهيل البدني في الاتحاد الأولمبي الألماني، إن الاتحاد ينظر لهذا التطور بقلق. وأضاف أن الاتحاد الأولمبي الألماني سيتعاون بشكل وثيق مع الاتحادات الرياضية، مشيرا إلى أن كل اتحاد يعرف مسؤوليته عن رياضييه ومدربيه ومسؤوليه "يتعين أن ننظر إلى هذه المسألة عن قرب.. وحتى الآن ينصب التركيز على النساء الحوامل، وسوف نخطر رياضيينا ونقوم بإعدادهم من أجل تقليل حجم المخاطر". وقال مسؤولو منظمة الصحة العالمية إنه قد يكون هناك 1.5 مليون حالة إصابة بفيروس زيكا في البرازيل، حيث بدأ ظهور المرض العام الماضي، وإن عدد الحالات في الأمريكتين يمكن أن يرتفع إلى 4 ملايين في غضون 12 شهرا. محاربة المرض يتطلب سنوات قال مختصون إن الوقت الذي تستغرقه محاربة الفيروس يتطلب وقتا أطول مما هو متوقع "التوصل لعقار لفيروس زيكا قد يتطلب سنوات، وفي وقت قالت اللجنة الأولمبية الدولية إنه لا توجد مناقشات حول إلغاء الدورة أو تأجيلها، فإن بعض الخبراء الطبيين أشاروا إلى أن ذلك يجب أن يحدث". بطاقة تعريفية بالفيروس ويشكو الأشخاص المصابون بفيروس زيكا من الحمى الخفيفة والطفح الجلدي (الطفحية) والتهاب الملتحمة. وعادة ما تستمر هذه الأعراض لمدة تتراوح بين يومين و7 أيام. ولا يوجد حالياً أي علاج محدد لهذا المرض أو لقاح مضاد له. وتتمثل أفضل طريقة للوقاية منه في الحماية من لسع البعوض، ومن المعروف أن الفيروس يسري في كل من إفريقيا والأمريكتين وآسيا والمحيط الهادي. وقد اكتُشف لأول مرة في أوغندا في عام 1947 لدى قرود بواسطة شبكة رصد الحمى الصفراء، ثم اكتُشف بعد ذلك لدى البشر عام 1952 في أوغندا وجمهورية تنزانياالمتحدة، وقد سُجلت حالات الإصابة بفيروس زيكا في إفريقيا والأمريكتين وآسيا والمحيط الهادئ. ويمثل البعوض وأماكن تكاثره عاملاً مهماً من عوامل خطر العدوى بفيروس زيكا. وتعتمد الوقاية من المرض ومكافحته على تقليص أعداد البعوض عن طريق الحد من مصادره (إزالة أماكن تكاثره وتعديلها) والحد من تعرض الناس للبعوض. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام طاردات الحشرات؛ واستخدام الملابس (تحبذ الألوان الفاتحة) التي تغطي أكبر قدر ممكن من الجسم؛ واستخدام الحواجز المادية مثل الحواجز السلكية، وإغلاق الأبواب والشبابيك؛ واستخدام الناموسيات عند النوم. عادة ما يكون مرض فيروس زيكا خفيفاً نسبياً ولا يتطلب علاجاً محدداً. وينبغي للأشخاص المصابين بفيروس زيكا أن يحصلوا على قسط كبير من الراحة، وأن يشربوا كميات كافية من السوائل، وأن يعالجوا الألم والحمى باستخدام الأدوية الشائعة. وفي حال تفاقم الأعراض، يتعين عليهم التماس الرعاية والمشورة الطبيتين، رغم خلو الصيدليات من لقاح مضاد لهذا المرض في الوقت الراهن. ويُعتقد أنه يتسبب في حدوث تشوهات عند الولادة بسبب انتقال العدوى من الأم إلى الطفل، في ضوء وجود نحو 4180 رضيع ولدوا برؤوس صغيرة بشكل غير عادي خلال تفشي الفيروس في البرازيل. وهناك أيضا ارتفاع في الحالات، ومن أعراضها ضعف العضلات. البرازيل تؤكد عدم إلغاء الدورة مثلما وجدت نفسها تحت ضغط الشارع قبل مونديال كرة القدم 2014، بسبب الاحتجاجات الداخلية على الوضعية الاجتماعية والمهنية، ستجد البرازيل نفسها مجددا مضطرة للتعامل مع حالة طارئة بسبب فيروس زيكا قبل احتضانها الأولمبياد، ورغم التهديدات بالمقاطعة فإن السلطات البرازيلية أكدت عدم إلغائها الدورة، وقالت إنه لا يوجد خطر يهدد الرياضيين والجمهور، باستثناء السيدات الحوامل، خلال الحدث الأولمبي القادم. وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت في وقت سابق من أن مرضا مرتبطا بفيروس زيكا يشكل حالة طوارئ صحية عامة عالمية، ما يستدعي استجابة موحدة، وقد جرى الربط بين الفيروس وحالات صغر الرأس التي تتمثل في مواليد مصابين بتخلف عقلي، ويساور الخبراء قلق من أن الفيروس الذي ينتقل عن طريق البعوض في أمريكا اللاتينية ينتشر سريعا وعلى مساحات كبيرة، الأمر الذي ينطوي على عواقب مدمرة. وترتبط الإصابة بعدوى الفيروس بآلاف الحالات من ولادات الأطفال بأدمغة غير مكتملة التطور. ونقلت وكالة "رويترز" عن جاك واغنر، رئيس هيئة موظفي مكتب الرئيسة ديلما روسيف، قوله "يجب أن نشرح لهؤلاء الرياضيين القادمين إلى البرازيل أنه لا خطر يتهددهم طالما أنك لست امرأة حاملا". وكانت الرئيسة روسيف قد أمرت من قبل مفتشي الصحة باستخدام كل القوة لو لزم الأمر لدخول المباني الخاصة، في إطار جهود الحكومة الرامية للقضاء على المناطق التي يتوالد فيها البعوض، وخاصة المياه الراكدة. ويمكن للمفتشين الآن استدعاء الشرطة لو قضت الضرورة، وتم نشر أكثر من 200 ألف جندي لاستكمال مهام التفتيش. وتقول وزارة الصحة البرازيلية إن حوالي 25% من منازل البلاد البالغ عددها 49 مليون قد خضع للتفتيش. وانتشر "زيكا" في أكثر من 20 دولة في نصف الكرة الغربي وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وهو ما يثير المخاوف من سرعة انتشار الوباء، الأمر الذي يربك حسابات اللجنة المنظمة للأولمبياد. ووفقا لصحيفة "تلغراف"، فإن جميع الفرق الأسترالية والروسية والأمريكية والبريطانية المعنية بالمشاركة في الأولمبياد تراقب الوضع الصحي في البرازيل بعناية. ويرى باحثون في البرازيل أن الفيروس توغل إلى البلاد خلال مونديال 2014، عندما تدفق مئات الآلاف من الزوار إلى البرازيل.