لم تلجأ الحكومة في مسودة قانون المالية للسنة المقبلة لرفع الضرائب والرسوم الجبائية، على خلاف ما جرت عليه العادة في السنوات التي صاحبت أزمة أسعار المحروقات، وهو الأمر الذي اثار ارتياح المواطنين و فتح الباب أمام عودة التفاؤل للمحللين الاقتصاديين بشأن امكانية عودة سنوات البحبوحة المالية مجددا، خصوصا بعد ارتفاع سعر البترول ووصوله لمستويات مقبولة نسبيا. و رفعت الحكومة السعر المرجعي للنفط في مشروع قانون المالية لسنة 2019 إلى 60 دولارا للبرميل، لتستفيد من الانتعاش النسبي لأسعار المحروقات الحالية في السوق الدولية، كما قدرت سعر صرف قدره 118 دينار مقابل دولار واحد، بالإضافة إلى ذلك ، يتوقع المشروع معدل نمو للاقتصاد الوطني بنسبة 2.6 في المائة خلال 2019 معدل تضخم قدره 4.5 في المائة. وتشير المسودة الأولية لمشروع قانون المالية 2019، في توقعاتها إلى زيادة طفيفة في إيرادات الدولة، مع تقليص في حجم الواردات وعجز الميزان التجاري تبعا لذلك، على الرغم من تواصله، مقابل انخفاض حاد في الإنفاق العمومي، وتتوقع المسودة أيضا أن تواصل المحروقات على السيطرة على الصادرات الوطنية، إذ من المتوقع أن تبلغ 33.2 مليار دولار، وهو ما يمثل انخفاض قدره 1 في المائة مع نهاية العام 2019، وفي عامي 2020 و 2021، ينتظر أن ترتفع الصادرات إلى 34.5 و 35.2 مليار دولار على التوالي. وعلى هذا الأساس، من المقرر أن يسجل الميزان التجاري تحسن من خلال تسجيل تباطؤ في العجز خلال الفترة 2019-2021، حيث ينتظر أن يبلغ العجز 10.4 مليار دولار العام المقبل، لتصل إلى 8.2 مليار دولار ثم 6.4 مليار دولار في عام 2020 و2021. أما بخصوص ميزان المدفوعات فمن المتوقع أن يبلغ خلال نفس الفترة -17.2 مليار دولار، ثم -14.2 مليار في عام 2020 و-14 مليار دولار في عام 2021. ونتيجة للتأثير المباشر بميزان المدفوعات، فإن احتياطيات العملة الأجنبية سوف تتأثر وتتقلص عند 62 و47.8 و33.8 مليار دولار على التوالي في 2019 و2020 و2021. بالمقابل فضل الجهاز التنفيذي مواصلة سياسة الدعم أو ما يعرف ب"السوسيال" بنفس نهج السنوات الماضية، حيث كشفت الوثيقة الأولية لمشروع قانون المالية لسنة 2019، رصد 1772 مليار دينار كغلاف مالي لإجمالي التحويلات الاجتماعية، أي 177200 مليار سنتيم وهو ما يعادل 17 مليار دولار، وككل سنة تعتزم الحكومة تخصيص حصة الأسد من هذا الغلاف، وتحديدا أزيد من 64 بالمائة من هذه القيمة، لفائدة العائلات والسكن والصحة، . و قرّرت الحكومة بصفة رسمية تأجيل تنفيذ قرار مراجعة سياسة الدعم إلى ما بعد 2019 وهو ما تجسد من خلال مسودة مشروع قانون المالية 2019 الذي ناقشته الحكومة في اجتماعها الأحد الماضي وأنهت الحكومة رسميا الجدل الذي أثير عقب التصريحات التي أدلى بها وزير المالية بشأن مراجعة سياسة الدعم بداية من العام المقبل وزيادة أسعار الوقود والطاقة قبل أن ينفيها الوزير الأول. و ارتأت الحكومة عدم فرض أي زيادات في الضرائب والرسوم على المواد الطاقوية وعلى الكهرباء والغاز، والمواد الاستهلاكية الأخرى، عكس ما أشيع قبل أسابيع حين تحدثت بعض الأوساط الإعلامية عن نية الحكومة التخلي عن سياسة الدعم بداية العام المقبل، حيث لم يتضمن مشروع قانون المالية2019، الذي نوقش الأحد الماضي في اجتماع الحكومة، ، أي زيادات تمس جيوب المواطنين وتضعف القدرة الشرائية، بل على العكس من ذلك تضمنت المسودة التي ستخضع لقراءة ثانية قريبا، زيادة في مستوى التحويلات الاجتماعية.