لحظات قبل الثورة... السرية التامة قبل الإعلان عنها ما الذي حدث في آخر اجتماع قبل إعلان الثورة؟ جاء قرار تفجير الثورة التحريرية المجيدة نتيجة أحداث تاريخية تراكمت في ظل استمرار الجروح العميقة التي أحدثها المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر، والذي عمل على إيقاف النمو الحضاري للبلاد لمدة 132 سنة، وسعى إلى طمس الهوية الوطنية للجزائريين، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها المجتمع الجزائري، من خلال اتّباع سياسة تستهدف دينه ومعتقده الإسلامي، غير أن الشعب الجزائري رفض هذه السياسة في جميع جوانبها، وخاض مقاومة شرسة ضد المحتل، أتبعها بإعلان الكفاح المسلح وثورة عظيمة سجلت مسيرتها بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ المعاصر، وانتهت إلى مبتغاها الذي أراده مفجروها الذين جعلوها ثورة حتى النصر. قاوم الشعب الجزائري الاحتلال الفرنسي منذ أن دنست أقدامه أرضه الطاهرة في جويلية 1830، وحارب سياسة العنصرية والتفرقة التي أرادت إدارة الاستعمار الفرنسي فرضها على الجزائريين، لا سيما في المناطق التي عرفت ضغطا فرنسيا مكثفا لتحويل اتّجاهها الوطني، حيث اختار الشعب الجزائري طريق المقاومة الشعبية، ثم بعدها الكفاح المسلح الذي كان نتاج حراك سياسي مكثف، قادته أحزاب الحركة الوطنية على اختلاف توجهاتها العقائدية وقناعاتها. بعد أن وصلت الحركة الوطنية الجزائرية سنة 1954 إلى طريق مسدود بسبب أزمة حركة اتصال الحريات الديمقراطية، كان قرار إعلان الثورة التحريرية هو المخرج الوحيد الذي تبنته مجموعة من عناصر شابة متحمسة لاختيار الكفاح المسلح خاصة مع ملاءمة الظروف الدولية والإقليمية والداخلية. اجتماع المجموعة ال22 للتحضير للثورة انبثق على الاجتماع للجنة الثورية على الوحدة والعمل التي قام أعضاؤها بتكثيف الاتصالات فيما بينهم قصد البحث عن مخرج للأزمة الخانقة التي عرفتها حركة انتصار الحريات الديمقراطية والانتقال إلى مرحلة التحضير والإعداد لثورة أول نوفمبر 54. اتفقت نخبة من المنظمة الخاصة المكونة من مصطفى بن بلعيد العربي بن مهيدي ديديوش مراد ومحمد بوضياف على خوض غمار الثورة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي والبدء الفعلي للتخطيط لها، ودعت إلى عقد اجتماع لدراسة المستجدات الجديدة وإتخاذ موقف موحد لإنقاذ المشروع الثوري واتفق الجميع على دعوة أعضاء المنظمة السرية الملاحقين من طرف الإدراة الفرنسية المتواجدين عبر أنحاء الوطن والمؤمنين بحتمية الكفاح المسلح. انعقد هذا الاجتماع التاريخي في 2 من شهر جوان 1954 بمنزل المناظل ادريس دريش بحي المدنية، حضره مصطفى بن بلعيد محمد بوضياف العربي بن مهيدي ديديوش مراد رابح بيطاط، عثمان بلوزداد، محمد مرزوقي، الزبير بوعجاج، بوجمعة سويداني، احمد بوشعيب، عبد الحفيظ بوصوف، رمضان بن عبد المالك، محمد مشاطي، عبد السلام حباشي، رشيد ملاح، سعيد بوعلي، يوسف زيغود، لخضر بن طوبال، عمار بن عودة، مختار باجي وعبد القادر العمودي. ترأس مصطفى بن بلعيد الاجتماع، بينما تولى محمد بوضياف عرض التقرير العام أمام الحاضرين والذي ضم لمحة تاريخية عن المنظمة الخاصة والمهام التي باشرتها من سنة 1950 حتى 1954، كما مس التقرير حصيلة القمع والاضطهاد الذي تعرّض إليه المناظلون من قبل الإدارة الاستعمارية وتحديد أسباب الأزمة التي أدت إلى الإنقسام في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية بين المصاليين والمركزيين وموقف اللجنة الثورية منه، إضافة إلى المطالبة باتّخاذ قرارات تتلاءم والوضع السياسي في الجزائر والأوضاع في البلدان المجاورة. بعدها شرع الحاضرون في مناقشة القضايا المطروحة وتبلور النقاش في موقفين، موقف يدعو إلى مباشرة العمل المسلح دون تأخير وموقف يتبنى مبدا الكفاح الثوري والانتظار إلى حين الوقت المناسب، ليختتم الاجتماع بالخروج بقرارات أهمها الحياد أو عدم الدخول في نقابة المركزية والمصاليين، العمل لتوحيد الصفوف للمّ شمل المناضلين المتنازعين إضافة إلى تفجير الثورة في تاريخ تحدّده لجنة مصغرة مع انتخاب مسؤول يتولى هذه الأخيرة. ولتجسيد تلك التوصيات والقرارات، تم اتّخاذ محمد بوضياف مسؤولا وطنيا وتكليفه بتشيكل أمانة تنفيذية تقود الحركة الثورية وتطبق القرارات المتخذة في اللقاء. وفي اليوم التالي للإجتماع، شكّل محمد بوضياف لجنة الخمسة التي عقدت أول اجتماع لها بمدينة الجزائر بمنزل المناضل عيسى شيدة الواقع بشارع بربروس بالقصبة ومن القرارت الحاصلة التي توصل اليها أعضاء اللجنة هي مواصلة ضم الأعضاء السابقين في المنظمة الخاصة لهيكلة التنظيم الثوري الجديد، استئناف التكوين العسكري، تنظيم تربصات تكوينية للقنابل استعداد لتفجير الثورة اضافة الى الإجماع على مبدأ القيادة الجماعية لتسيير الثورة المسلحة. باشرت اللجنة مهامها بتكليف ديدوش مراد باقناع جماعة منطقة القبائل بالإنظمام إلى مجموعة ال22 لما للمنطقة من أهمية استراتيجية لمباشرة الكفاح الثوري، وبعد عدة اتصالات إنظمت منطقة القبائل الممثلة في الشخص كريم بلقاسم إلى اللجنة المنبثقة عن اجتماع ال22، فأصبحت تسمى بلجنة (الستة) بعد انظمام جماعة القاهرة محمد بوضياف، احمد بن بلة، محمد خيذر التي أسند لها مهمة الدعاية للثورة خارج الوطن. لجنة الستة تباشر التخطيط للكفاح إبتداء من شهر سبتمبر 1954، باشرت لجنة الإعداد للثورة، لجنة الستة في تكثيف تحركاتها وإتصالاتها داخل البلاد وخارجها حيث عقدت سلسلة من الإجتماعات لدراسة القضايا نتائج الاتصالات والتحركات، قضية التنظيم السياسي والعسكري، وكذا قضية السلاح والأموال وكيفية الحصول عليها. 23 أكتوبر 1954.. آخر إجتماع قبل إعلان الثورة واصلت الاتصالات بالأحزاب لجسّ نبضها والتعرف على مواقفها فيما يخص تفجير الثورة حيث عقد اجتماع في ال23 أكتوبر 1954 والذي عقد بمنزل المناظل مراد بوقشورة وهو آخر لقاء عقدته لجنة (الستة) ليتقرر تحديد تاريخ إعلان الثورة وإبقائه سرا، الاتصال بمناظلي المنظمة الخاصة السابقين وإشعارهم بالاستعداد لساعة الصفر، مع ضبط وصيانة الأسلحة القديمة المخزنة بمخابئ المنظمة الخاصة التي لم تكتشفها الشرطة سنة 1950، إضافة إلى وضع خارطة عسكرية مرفقة بقائمة توضيحية عن أماكن تواجد الماء والمخابئ بالجبال والأودية زيادة على تحديد مواقع تواجد القوات الفرنسية ومراكز الشرطة والدرك وحراس الغابات المسلحين، وأماكن تواجد العملاء والمتعاونين مع الإدارة الفرنسية. تقسيم الجزائر إلى 6 مناطق تمّ تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها، ووضع اللمسات الأخيرة لخريطة المخطط الهجومي لليلة الفاتح نوفمبر، أسفرت هذه المهمة عن ضبط 5 مناطق، تتمثل الأولى في الأوراس بقيادة مصطفى بن بلعيد، الثانية منطقة الشمال القسنطيني بقيادة ديدوش مرادن الثالثة منطقة القبائل بقيادة كريم بلقاسم، الرابعة منطقة الوسط بقيادة رابح بيطاط، أما الخامسة فتمثلت في منطقة الغرب الوهراني بقيادة العربي بن مهيديو السادية بمنطقة الجنوب تقرار تعيين قادتها إلى وقت لاحق إذاعة بيان أول نوفمبر تمّ تعيين منسق بين المناطق وبين الداخل والخارج وكلف بذات المهمة محمد بوضياف الذي إلتحق عقب ذلك بالقاهرة لربط القيادات المذكورة بأعضاء الوفد الخارجي وإطلاعهم على القرارات المتّخذة وإذاعة بيان أول نوفمبر على أمواج (صوت العرب) بالقاهرة، بالإضافة إلى مسؤولية تمرير السلاح إلى المنطقة الغربية وفي القاهرة تم تعيين أحمد بن بلة مسؤولا عن إدارة مكتب الثورة للدعاية للثورة الجزائرية وتنوير الرأي العام إلى جانب جمع الأسلحة. كما تم إعطاء تسمية لتنظيم جديد يحلّ محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وتم الاتفاق على تسميته بجبهة التحرير الوطني ويشترط الانظمام في صفوفها فرديا وليس حزبيا وتسمية جناحها العسكري بجيش التحرير الوطني وتهدف المهمة الأولى للجبهة للاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة من حركة وطنية قصد حثها على الالتحاق بصفوف الثورة وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي. إطلاق أول رصاصة تمّ تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية والذي كان منتصف ليلة الأحد إلى الاثنين الفاتح من نوفمبر 1954، كتاريخ لإطلاق أول رصاصة التي سمحت للجزائر بعد حرب ضروس، دامت أكثر من سبع سنوات، من التخلص من استعمار غاشم طال وجوده ل132 سنة، فكانت نتائجها أن أرغمت فرنسا الإستعمارية على التفاوض الذي توج بإعلان عن وقف إطلاق النار واستقلال الجزائر سنة 1962.