يعتبر الأمير عبد القادر سباقا في الحوار ما بين الأديان بتدخله لإنقاذ آلاف المسيحيين من الموت في سوريا، حسبما ذكره أول أمس بمعسكر، جون كيزر المؤرخ والمدرس بجامعة فيلادفيا (الولايات المتحدةالأمريكية). وفي تصريح على هامش المؤتمر الدولي حول (الأمير عبد القادر بين الضفتين) المنظم من قبل جامعة معسكر، أبرز ذات المؤرخ الأمريكي أن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة كان سباقا في الحوار ما بين الأديان وإنسانيا حقيقيا ومدافعا عن حقوق الإنسان بتدخله لإنقاذ حياة أكثر من 15.000 مسيحي كانوا يعيشون بسوريا. (لقد دخل الأمير عبد القادر التاريخ العالمي عندما دافع مع رفقائه عن المسيحيين السوريين الذين كانوا مهددين من طرف الدروز)، حسبما ذكره جون كيزر، مبرزا أنه بفضل الأمير عبد القادر تم اجتناب حمام من الدم حقيقي. (لقد كان من بين الشخصيات الأولى التي أثارت مسألة حقوق الإنسان وكان دوما يناشد السلام والحوار بين المسلمين والمسيحيين مثلما جاءت به تعاليم الإسلام والقرآن الكريم)، حسبما أوضحه ذات المتحدث. وبالنسبة لهذا المؤرخ الأمريكي، فإن الأمير عبد القادر يعتبر شخصية متعددة الأبعاد ومتميزة بالعمق وكان رجلا ذا شجاعة وأخلاق وعلم. وسمحت له تربيته الصارمة المستمدة من الدين الإسلامي بأن يصبح أميرا مقاوما وانسانيا وهذا ما كان عليه دوما. (وقد قاد الأمير عدة معارك ضد المحتل الفرنسي وضد الجهل واللا تسامح. لقد كان رجل نضال لم يفقد أبدا إنسانيته)، حسبما أكده نفس المتحدث. وإعتبر جون كيزر بأنه من الضروري إبراز بالولايات المتحدةالأمريكية أعمال وكفاح معارك الأمير عبد القادر. (يوجد النزر القليل من الدراسات والأعمال التي أنجزت بأمريكا وتناولت هذا الوجه التاريخي رغم أن مدينة أمريكية القادر تحمل اسمه تقديرا لإنجازاته)، حسبما أشار إليه ذات المؤرخ الأمريكي، لافتا إلى أنه (لا يزال يتعين بذل المزيد من الجهد لإبراز هذه الشخصية). كان صاحب مشروع ثقافي وفكري متكامل وأكد أساتذة وباحثون جامعيون، يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة، بمنتدى يومية المجاهد الذي خصص لإحياء الذكرى 186 لمبايعة الامير عبد القادر، أن الأمير كمؤسس للدولة الجزائرية الحديثة كان صاحب مشروع ثقافي وفكري متكامل، إلى جانب مسيرته الكفاحية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي. واعتبر الدكتور جمال يحياوي مدير المركز الوطني للكتاب في مداخلته أن شخصية الأمير العالمية لم تحظ بالدراسة والمكانة التي تستحقها واقتصرت على الدوائر الأكاديمية الضيقة، وتم التركيز عموما على الجانب الجهادي في حياته وإغفال الدور الحضاري الذي كان يتمتع به الأمير. وقال المتحدث أن الأمير قدم خلال القرن 19 ميلادي صورة متكاملة عن الرجل العربي المثقف وحمل خصالا أبهرت أعدائه، متطرقا إلى حوصلة عن رأي الصحف الفرنسية فيه وقتها حيث ذكرت أنه (رجل مفكر ومثقف ومتفتح) وأنه (رجل الأدب). واسترجع الدكتور يحياوي أبرز ما تميّز به الأمير عبد القادر في مشروعه الفكري والثقافي من أجل تعميم التعليم في وسط الجزائريين، حيث سعى إلى جمع المخطوطات في كل المناطق التي مر بها من أجل إنشاء مكتبة مغاربية شاملة. وحث الأمير جنوده على التعلم كما اهتم بنسخ المصاحف وكرس مجانية التعليم. وبالرغم من كل ظروف المقاومة الصعبة، إلا أنه عمل على توفير منحة للطلبة تتفاوت حسب مستواهم من أجل تشجيعهم على طلب العلم والتفوق. وأشار المتحدث إلى أن (الزمالة) المدينة الحاضرة التي استحدثها الأمير عبد القادر كانت عاصمة للثقافة بتركيبة متكاملة مع فكرته الجهادية واهتمامه بالعلوم العسكرية. وأبرز ما ميّز هذه الاخيرة أي الزمالة أنها أتاحت الفرصة لإنْصهار الروح العصبية والقبلية بين الأعراش، حيث جسدت فكرة الامير في التعايش والنظام المدني. ويتوجب اليوم من أجل تثمين دور هذه الشخصية الفذة -كما قال- أن يعاد الاعتبار (للمشروع الفكري الجزائري) الذي قدّمه الأمير، والذي كان مميزا عن كل ما قدمه مفكري العرب في حينه. من جهته، اعتبر الدكتور والباحث، محمد طيبي، أن الدراسة النقدية لأفكار ومشروع الأمير عبد القادر بعيدا عن الحالة الوصفية لهذه الشخصية التاريخية تبين أنه كان صاحب فكرة متكاملة برزت من يوم بيعته، حيث أراد لعلماء أن يؤرخوا لذلك الحدث، من أجل اقامة دولة على فكرة وليس على الشعارات فقط، محددا في نفس الوقت مفهوم الوطن بعيدا عن النعرات القبلية التي كانت سائدة حينها. وأجمع المشاركون في منتدى المجاهد من أعضاء مؤسسة الامير عبد القادر كمحمد بوطالب وعمار بلخوجة، أنه يتوجب استغلال أفكار الأمير عبد القادر وتثمينها، وإيصالها للأجيال المقبلة، فيما أكد محمد عباد رئيس جمعية (مشعل الشهيد) التي بادرت إلى إحياء ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر أن شخصية الأمير تستحق وقفة عرفان وتخليد نظير كل ما قدمه من تضحيات استمرت لسنوات.