ينتظر أن يلتقي طرفا النزاع في الصحراء الغربية، المغرب وجبهة البوليساريو، غدا بجنيف السويسرية، في مفاوضات تحت إشراف المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، هورست كوهلر، لمناقشة الخطوات المقبلة التي من شأنها إعادة بعث المسار السياسي، وتقييم التطورات المسجلة منذ وقف مسار منهاست في 2012. وسيجلس رئيس الوفد الصحراوي إلى مفاوضات جنيف، خاطري أدوه، في 5 و6 ديسمبر الجاري، وجها لوجه أمام وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في مفاوضات تكتسي أهمية خاصة، كونها الأولى منذ فشل مفاوضات منهاست بالولايات المتحدة في 2012، ولأنها تتم تحت إشراف هورست كوهلر، الذي أبدى استعدادا لوضع نهاية للنزاع القائم منذ 43 عاما، وبحضور الجزائروموريتانيا كدولتين مجاورتين. وجاءت المفاوضات نتيجة حتمية للضغط الذي مارسه مجلس الأمن مؤخرا، حيث شدد في اللائحة 2440 لشهر أكتوبر الماضي على طرفي النزاع في الصحراء الغربية: المغرب وجبهة البوليساريو للذهاب إلى مفاوضات، بإرادة صادقة وبدون شروط مسبقة، من أجل التوصل إلى حل يمكن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير. كما ربط المجلس عهدة مهمة المينورسو بمدى تقدم وفعالية العملية السياسية، ومن ثم تقليص عهدتها إلى ستة أشهر بدلا من سنة. ونجح كوهلر، المدعوم من طرف مجلس الأمن الدولي، في إقناع طرفي النزاع والمتمثلين في جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، والمغرب، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد، وهذا في مرحلة عرفت مستجدات هامة في الملف الصحراوي. ويقود الوفد الصحراوي عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو، رئيس المجلس الوطني الصحراوي، خاطري ادوه، الذي سيكون مرفوقا بكل من أمحمد خداد، منسق الجبهة مع بعثة الأممالمتحدة، لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، ومحمد عماري، ممثل الجبهة بالأممالمتحدة، وكذا فاطمة المهدي، الأمينة العامة للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، وعلي الزروالي، مستشار الأمانة العامة لجبهة البوليساريو. وبدوره، سيقود وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، وفد بلاده، مرفوقا على وجه الخصوص بمدير الدراسات والمستندات (الأمن الخارجي)، ياسين المنصوري. ويعود آخر لقاء بين جبهة البوليساريو والمغرب إلى مارس 2012 بمنهاست بالولايات المتحدة، والذي فشل في الوصول إلى نتيجة إيجابية، ليبقى مسار السلام الأممي متوقفا بسبب العراقيل التي وضعها المحتل المغربي للحيلولة دون تسوية النزاع على أساس مبادئ الشرعية الدولية واللوائح الأممية الضامنة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. واستعدادا لهذا اللقاء، أكد الرئيس الصحراوي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، ابراهيم غالي، أن الوفد الصحراوي سيحضر مفاوضات جنيف بإرادة صادقة للتقدم نحو الحل الذي يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، معربا عن أمله في أن يمتلك المغرب نفس الروح ونفس الإرادة. من جانبه، أكد المغرب أنه يرحب بأي مبادرات للحوار، وقال عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، حزب الأغلبية الحكومية، عبد العزيز أفتاتي: إن المغرب أعلن موقفه منذ البداية، وأنه يرى أن خيار المفاوضات المباشرة هو الأقرب والأفضل للتفاهم بين الطرفين لتصفية الاستعمار في آخر مستعمرة في إفريقيا . إعادة بعث مسار التسوية المتوقف منذ 2012 وفي الدعوة التي أرسلها إلى طرفي النزاع، أكد كوهلر أن الهدف المرجو من هذه المحادثات هو مناقشة الخطوات المقبلة التي من شأنها إعادة بعث المسار السياسي، ويتعلق الأمر كذلك بتقييم التطورات المسجلة منذ وقف مسار منهاست في 2012. وتأتي الدعوات الموجهة إلى طرفي النزاع: المغرب وجبهة البوليساريو، وكذا إلى الجزائروموريتانيا (البلدان المجاوران)، تطبيقا للقرار 2414 لمجلس الأمن الذي أكد دعم الهيئة الأممية لبعث المفاوضات المباشرة وغير المشروطة. وكان كوهلر، قد أكد في عرضه الأول حول الصحراء الغربية، قبل أشهر، أن دوره في هذا المسار يكمن في إيجاد منهج مستقبلي يسمح بالتوصل الى حل يقبله الطرفان ويضمن تقرير المصير للشعب الصحراوي. وقبل تحديد موعد جنيف، كان كوهلر قد التقى مع وزير الشؤون الخارجية، عبد القادر مساهل، الذي أكد أن قضية الصحراء الغربية، الاقليم المدرج منذ 1963 على قائمة الاقاليم غير المستقلة، هي قضية تصفية استعمار يجب أن يرتكز حلها على ممارسة الشعب الصحراوي لحقه الثابت في تقرير المصير طبقا لمقاربة وممارسات الأممالمتحدة في هذا المجال. وذكر مساهل خلال هذه المحادثات بالأهمية التي يكتسيها مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عند الاستقلال لجميع الدول الافريقية. كما التقى كوهلر بوزير خارجية موريتانيا، اسلكو ولد احمد ازيد بيه، ببرلين، في إطار المشاورات الخاصة بالمفاوضات المرتقبة في 5 و6 ديسمبر الجاري. وجاءت هذه اللقاءات بعد تلك التي عقدها كوهلر مع الوفد الصحراوي الذي قاده الرئيس ابراهيم غالي، ببرلين، والوفد المغربي الذي قاده وزير الخارجية، ناصر بوريطة، بلشبونة (البرتغال). وشهدت السنوات الماضية عدة محادثات بين المغرب وجبهة البوليساريو، انتهت في كل مرة دون التوصل إلى حل عادل وسلمي يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بسبب تعنت المغرب، المتنصل من التزاماته. وكانت آخر مفاوضات بين الطرفين في مارس 2012 بمنهاست بالولايات المتحدة، تحت إشراف المبعوث الأممي السابق، كريستوفر روس، في إطار اللائحة الأممية (3437 لشهر نوفمبر 1979). وكان وفدان من الجزائروموريتانيا قد شاركا في هذه المحادثات لإيجاد حل سياسي عادل ومستدام يسمح بتقرير مصير الشعب الصحرواي. وبالعودة إلى تاريخ اللقاءات والمفاوضات بين طرفي النزاع في الصحراء الغربية، نجد أنه لم يأت إطلاق مسار التسوية صدفة، بحيث أنه سبق بلقاءات ومحادثات سرية بين المغرب وجبهة البوليزاريو، منذ 1979 حتى 2012. وبخصوص المفاوضات المباشرة تحت إشراف الأممالمتحدة، عقد أول اجتماع بين وفدي المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1993 بالعيون المحتلة أعقبه لقاء لندن (جويلية 1997) ثم لشبونة (أوت 1997) قبل هوستن (سبتمبر 1997) وجنيف (جويلية 2000 حول برنامج إجراءات الثقة) وبرلين (سبتمبر 2000) ومنهاست (جوان وأوت 2007 جانفي ومارس 2008).