خلف قرار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بتكليف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمد اشتية، بتشكيل حكومة جديدة ردود فعل قوية، وانقسم الشارع الفلسطيني بين من يرى أن الحكومة الجديدة ستمكن من تحقيق المصالحة وبين من يحذر من أنها ستعمق الانقسام، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون خطر صفقة القرن والأزمة الاقتصادية. وكلف محمود عباس اشتية بتشكيل حكومة جديدة، بعد إقالة حكومة الوفاق الوطني برئاسة، رامي الحمد الله، واعتبر خبراء سياسيون أن تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة يمثل خطوة نحو تعميق الانقسام الداخلي، بينما رأى آخرون أنها فرصة لتحقيق مصالحة وطنية. واستند الرأي الأول إلى أن حكومة السيد اشتية ستتجاهل الأطراف الأخرى، ولن تخرج عن برنامج الرئيس الفلسطيني، زعيم فتح، محمود عباس، ولن تشمل قطاع غزة، مما يمثل تعميقا لحالة الانقسام، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون صفقة القرن والأزمة الاقتصادية. أما الرأي الثاني، فيعتقد أن الحكومة الجديدة سيكون فيها من الكفاءة ما يمكنها من تطبيق أولوياتها الوطنية الأولى، وهي إنهاء الانقسام، وستبدأ هذا المسار عبر الإعداد للانتخابات والذهاب باتجاه الوحدة في حال قبلت حماس. من جانبه، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمد اشتية، إن مهمة حكومته هي تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام واستعادة غزة للشرعية الوطنية. وتعيش فلسطين انقساما داخليا بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2007، حين سيطرت حماس على غزة ضمن خلافات مع فتح لم تفلح وساطات واتفاقات عديدة في معالجتها، وتتبادل كل منهما اتهامات بالمسؤولية عن استمرار الانقسام الفلسطيني. ومباشرة بعد إعلان تنصيب أشتية كرئيس للوزراء خلفا للحمد الله، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، أعلنت حماس رفضها الاعتراف بالحكومة الجديدة، ووصفتها بالانفصالية كونها خارج حالة التوافق الوطني. وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، في بيان له، إن الحكومة الجديدة هي وصفة عملية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وترسيخ الانقسام، معتبرا أن تشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني هو سلوك تفرد وإقصاء وتهرب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة. ودعا برهوم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة وشاملة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني). وفي ذات السياق، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي رفضها للحكومة، ورأت أن الحديث عن تشكيل حكومة يتناقض تماما مع الحديث عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، معتبرة أن ذلك دليل على عدم جدية السلطة لخوض الانتخابات. كما اعتبرت أن هذه الخطوة انتهاك لكل اتفاقيات المصالحة وترسيخ للانقسام وتساهم في فصل غزة عن باقي الوطن. من جانبها، قالت حركة الأحرار إن تكليف،اشتية، بتشكيل الحكومة هو استمرار للتفرد وانقلاب على الإجماع والتوافق، وبدورها، قالت حركة المجاهدين الفلسطينية، إن تكليف اشتية بتشكيل حكومة جديدة في رام الله خطوة نحو تعزيز الانقسام. ولم يكن قرار إقالة حكومة الوفاق الوطني برئاسة الحمد الله سهلا، حيث شهد تجاذبات سياسة بين أعضاء حركة فتح نفسها حول اسم رئيس الحكومة الجديد، بين من يرى في، أشتية، الرجل المناسب للمنصب، وبين من يحبذ إعادة تكليف، الحمد الله، لكن أشتية كان الأوفر حظا لما يتمتع به من كفاءة على الصعيد السياسي والاقتصادي والدولي، بحسب ما ترى قيادات فتح. ويشغل اشتية حاليا منصب رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار، وكان قد شغل منصب وزير الأشغال العامة والإسكان، وانتخب عضوا للجنة المركزية لحركة فتح عامي 2009 و2016. ولعل أهم ما يشغله اشتية حاليا هو منصب المفوض المالي لحركة فتح، وذلك منذ المؤتمر السادس للحركة عام 2009، أي إنه لا يتم صرف أي مبلغ مالي في إطار الحركة من انتخابات أو مصاريف أقاليم وغيره، إلا بموافقته. وقال مسؤول التعبئة الفكرية في حركة فتح، بكر أبو بكر، إن الذي يملكه أشتية ولا يملكه بقية أعضاء مركزية فتح، هو أنه رجل اقتصاد ولديه علاقات دولية وهو أيضا رجل سياسة لكونه مقبولا تنظيميا وداخليا. وأضاف أنه قادر على تقديم شيء جديد في الملف السياسي والاقتصادي والوحدة الوطنية، وحاليا على عاتقه الكثير من الملفات الصعبة منها الوحدة الوطنية والملف الاقتصادي. وحول ما تعيشه الساحة الفلسطينية من تطورات، قال خبراء سياسيون إن الساحة الفلسطينية مرتبكة إلى حد كبير، وليس فيها ما يشير إلى إمكانية تحقيق توافقات وطنية، واعتبروا أن كل طرف من طرفي الانقسام، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، يتخذ الإجراءات والسياسات التي يراها مناسبة بشكل فردي. وانتقد خبراء تشكيل حكومة جديدة، لأن ذلك يعني تعميقا لحالة الانقسام مرة أخرى، وتجاهل الأطراف الأخرى، سواء حماس أو الجهاد الإسلامي أو من يرفض المشاركة في الحكومة من الفصائل الأخرى، وحذروا من أن هذه الخطوة تشكل تعقيدا جديدا فيما يتعلق بموضوع المصالحة الداخلية. وفي سياق متصل، قال محللون ومراقبون، إن مهمة أشتية ستكون شائكة وبالغة الصعوبة، خصوصا وأنها جاءت في ظل أزمة اقتصادية ومالية تعصف بالسلطة الفلسطينية، التي قررت عدم تسلم جميع أموال عائدات الضرائب التي تجمعها حكومة الاحتلال بموجب اتفاق باريس الاقتصادي، بعد قيام الأخيرة بقرصنة ملايين الدولارات بذريعة أنها تذهب مخصصات لأسر الشهداء والأسرى والجرحى. وإلى جانب الأزمة المالية والاقتصادية، تواجه الحكومة الجديدة، ملفات سياسية داخلية أبرزها ملف المصالحة، وأخرى خارجية في مقدمتها صفقة القرن التي تهدف إلى إجهاض القضية الفلسطينية، وهو عبء ستتحمله فتح لوحدها في ظل مقاطعة عدد من الفصائل الفلسطينية للحكومة المقبلة. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فلطالما دعا إلى إنهاء الانقسام الداخلي، وتحقيق الوحدة والمصالحة لمواجهة التهديدات التي تواجه القضية الفلسطينية.