يتربص شبح الفشل بالجولة الثانية من المشاورات التي أطلقها رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، بعد إعلان كبرى الأحزاب السياسية المعارضة والشخصيات الوطنية مُقاطعتها لها، انسجاما مع مطالب الحراك الشعبي الرافض لبقاء رموز النظام السابق وإشرافهم على الرئاسيات. وتفاوتت مواقف الطبقة السياسية في الجزائر بخصوص دعوة رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، لإجراء جولة ثانية من الحوار والمشاورات، فبينما اعتبر البعض أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتقريب وجهات النظر في هذه المرحلة الحساسة، رفضت جل الأحزاب السياسية دعوة الحوار الشامل، بدعوى أنها تنكر لمطالب الحراك الشعبي الرافض لبقاء رموز النظام السابق وإشرافهم على الرئاسيات. و لا تزال قوى المعارضة وحتى أحزاب من الموالاة تتشدد في رفض تمسك رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في الرابع من جويلية المقبل، كما رفضت، مرة أخرى، دعوة وجهها لإجراء جولة ثانية من الحوار والمشاورات. وردت المعارضة بالرفض القاطع للحوار مع بن صالح وحكومته التي يقودها نور الدين بدوي، إذ وصف رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، دعوة رئيس الدولة للحوار والتمسك بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها ب المؤامرة على الشعب الجزائري . وقال جاب الله، في منشور على صفحته في فيسبوك: سبق وأن رفضنا دعوته للحوار وسنرفضها اليوم كذلك، وأتعجب من شخص لم يحضر للجلسة التي دعا إليها سابقا بأن يطالب بالحوار من أجل إجراء الانتخابات في موعدها . وسبق تصريح جاب الله صدور بيان لجبهة العدالة والتنمية، أكدت فيه رفضها المشاركة في أي حوار تديره السلطة السياسية الحالية. كما رفض حزب العمال دعوة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح للحوار، مؤكدا تواجده في هذا المنصب أصلا غير شرعي لكونه مرفوض شعبيا. وقالت التشكيلة السياسية للويزة حنون في بيان لها أمس: على السلطة أن تستجيب لمطالب الشعب الواضحة والمتعلقة اساسا بحقه في انشاء الدولة المنشودة منذ 1962 . بدورها، هاجمت جبهة القوى الاشتراكية خطاب بن صالح واعتبرت أن الحوار الحقيقي لا يمكن ولا ينبغي القيام به مع أو من خلال شخصيات يرفضها غالبية الشعب الجزائري قطعيا وجذريًا. أما حركة مجتمع السلم، فوصفت دعوة بن صالح إلى جولة حوار جديدة، والتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، بأنها خطوةٌ في هواء، ورقصة على ماء، وتخبط بهلواني . وقال القيادي في الحركة نصر الدين حمدادوش، إن خطاب بن صالح فارغ ولم يأت بجديد، وهو نوع من الهروب نحو الأمام، ومحاولةٌ لفرض الأمر الواقع، والإصرار على الخيارات الأحادية، وكأنه يعيش خارج الزمن، مضيفا أنه بالرغم من اعترافه بالمطالب المشروعة للشعب الجزائري، إلا أنه يقفز على أهم وأكبر مطالبه وهو رحيله في حدّ ذاته. وفي السياق، اعترض رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، على إقامة أي حوار مع السلطة قبل رحيل بن صالح وحكومة بدوي. وقال سفيان، في ندوة سياسية نظمها مؤخرا، إن بن صالح وبدوي من رموز نظام بوتفليقة، وكانا شريكين في خدمة سياساته، وليس ممكنا أن يكونا جزءا من الحل. الحوار هو الحل الوحيد بالمقابل، رحب حزب جبهة التحرير الوطني، على لسان القيادي في الحزب أبو الفضل بعجي، بما وصفه الدعوة إلى الحوار مع جميع الفاعلين السياسيين، حيث يرى أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتقريب وجهات النظر خاصة في هذه المرحلة الحساسة. وقال في تصريحات صحفية: الجولة الأولى من الحوار التي باشرتها رئاسة الدولة لم تنجح، لأن شروط النجاح لم تكن متوفرة ، إلا أن القرارات الصادرة عن مؤسسة الجيش، والتي تناغمت مع مطالب الحراك من شأنها أن تساهم في نجاح الحوار، لاسيما أن الشعب تأكد بأن القطيعة مع الماضي انتهت وتم محاسبة كل من كان يعتقد أنه فوق الحساب، في حين يرى أن قضية تأجيل الانتخابات ليست من صلاحيات رئيس الدولة، وإنما هي أحد مخرجات الحوار التي تكون بالتوافق مع الجميع. بالمقابل، يرى حزب عهد 54 أن القرارات سياسية يجب ان تكون المفصل في هذه المرحلة الحساسة، وهذا باقتراح حلول وفتح المجال إلى مناقشة سياسية مع كل القوى الحية في البلاد، حيث جاء في بيان صادر عن الحزب، أمس، أن الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، يمر عبر تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، قبل نهاية السنة. اما رئيس حركة البناء، عبد القادر بن قرينة، فقد عبر عن تمسكه بالبقاء في اطار الدستور وشدد على ضرورة تشكيل لجنة مستقلة بكامل الصلاحيات للإشراف على الانتخابات الرئاسية، وأيضا يرى بن قرينة إلى انه لا يوجد مانع في تأجيل الانتخابات لمدة 3 اشهر على أقصى تقدير لتدارك التأخر في الإجراءات الإدارية، مع ضرورة التحضير لذلك بإجراءات للبقاء في إطار الدستور. وحتى الساعة، لم تُصدر باقي أحزاب التحالف الرئاسي سابقاً أي موقف حيال الدعوة الجديدة لرئيس الدولة المؤقت، عقب مقاطعتها اللقاء الأول، حيث رفض حزب تجمع أمل الجزائر الذي يرأسه الوزير السابق عمار غول، دعوة بن صالح إلى الحوار والتشاور. وقال الحزب في بيان: تبعاً للدعوة التي وجِهت إلى حزب تجمع أمل الجزائر من طرف رئاسة الجمهورية للمشاركة في ندوة تشاورية، نظم المكتب السياسي للحزب لقاءً عاجلاً ترأسه عمار غول وقرر عدم المشاركة . كما رفض عمارة بن يونس، رئيس الحركة الشعبية الجزائرية ، المشاركة في اللقاء التشاوري الجماعي، بداعي أن المناخ العام غير ملائم لإجراء أي انتخابات، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الموعد قريب جداً ولا يمكن أن يلبي المطالب المشروعة للحراك الشعبي، وهو تغيير النظام وإنشاء جمهورية جديدة. ودعا بن صالح، كما هو معلوم، القوى السياسية والمدنية إلى جولة مشاورات سياسية ثانية لبحث آليات توفير ظروف سليمة لإجراء الانتخابات الرئاسية، وقال: يبقى الحوار الذكي والبناء ذو النية الصادقة هو السبيل الأوحد لبناء توافق مجدٍ وواسع، يسمحُ بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحدّدة .