ظهر رقم مرعب على الساحة الاجتماعية والذي يمس شريحة الطفولة المحرومة التي تسببت فيه سلوكيات غير مسؤولة لبعض الآباء والأمهات، والذي قارب نحو 500 ألف طفل مسعف ومحروم، أدخل الجميع في حالة طوارئ قصوى إستدعى دراسة أسباب ودوافع الحقيقية التي تقف وراء ظاهرة التفكك الأسري وتشرد الأبناء من بينها غياب الآباء بسبب دخولهم زنزانات السجون وغرق الأمهات الخائنات في أحضان عشاقهن تاركين وراءهم فراغا أسريا يؤدي بالطفل إلى فقدان الرعاية والتنشئة السليمة ووقوعه هو الآخر في مخالب مستنقع الإنحراف والجريمة الأمر الذي يطرح سؤالاً حول دور الدولة إزاء الأطفال الصغار ضحايا أخطاء الكبار لذلك غاصت "السياسي" في أغوار عالم الطفولة المنهكة تحت جرائم يرتبكها الكبار وتذهب ضحيتها براءتهم وأثارت تساؤلات موضوعية حول الخلفيات والأسباب والدوافع وكذا المعالجات اللازمة لهذا الملف الشائك الذي يخص الأجيال القادمة. نوارة جعفر: الجزائر حققت عدة إنجازات والحكومة اعتمدت مخطط خاص للطفل يمتد إلى غاية 2015 أكدت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة نوارة جعفر في تصريح ل "السياسي" أن الجزائر حققت خلال السنوات الأخيرة خاصة مع وصول رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى قمة هرم الدولة عدة إنجازات هامة وكبيرة على غرار اعتماد الحكومة الجزائرية مخطط العمل الوطني للطفولة الذي بدأ في تطبيقه منذ بداية فيفري 2008 والذي سوف يمتد الى غاية 2015 والذي يشمل كل اهتمامات واحتياجات الطفل الجزائري ويلبي رغباته ويحمي طفولته وبراءته وفي سياق نفس هذا المخطط كشفت الوزيرة نوارة جعفر أنه تم تطبيق وإنجاز مخطط خاص بالإتصال لترقية ومتابعة الطفل الذي بدأ سنة 2009 وينتهي مع نهاية هذا العام الذي كان فرصة إلى توسيع المعرفة الخاصة بحقوق الطفل والتي جاءت بمرافقة الأسر والعائلات والمربين والمهنيين والإعلاميين الذين تلقوا تكوينا في التأهيل والنوعية المتصلة بعالم الطفولة. وأشارت المسؤولة الحكومية أن مسألة حماية الأطفال من الإنحراف وبراثين الآفات الإجتماعية مهمة الجميع بلا إستثناء »لذلك لابد أن نركز على ضرورة إعادة إحياء وإعتبار اللجان والخلايا الجوارية التي تلعب دورًا بارزًا في حماية الطفولة ومع توفر السلطات العمومية لقوانين حماية الطفولة من كل أشكال الإنحراف. وهي النصوص القانونية التي تعاقب وتجرم عمالة الأطفال والمتاجرة بهم والترويج للمخدرات من خلالهم أو إدخالهم عالم الرذيلة والدعارة والإعتداءات الجنسية بدون أن ننسى أن الجزائر صادقت على عدة إتفاقيات وبروتوكولات دولية تحمي الطفل الجزائري من الكثير من التجاوزات في العديد من مجالات الحياة. الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى": 1359 اعتداء جنسي من بينها 781 على فتيات هذا العام أكد رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" عبد الرحمان عرعار أن جمعيته تستقبل يوميا وبأعداد متفاوتة من الحالات الإعتداء على الأطفال وبمختلف أشكاله "ليتم توجيههم، بمساعدة فريق من المختصين النفسانيين والمحامين والأطباء، حيث سجلنا لغاية الآن قرابة 1359 اعتداء جنسي من بينهم 781 على فتيات صغيرات كما أحصينا أكثر من 8043 مكالمة هاتفية مند عامين عبر تخصيص رقم أخضر خاص بالطفولة المحرومة". واعترف عرعار بوجود ترسانة من القوانين والتشريعات التي تحمي الأطفال ببلادنا إلا أنها تبقى غير مفعلة ومعتمدة على أرض الواقع كما أن بعض المتسببين من هذه الجرائم في حق البراءة من حتى الوالدين يبقون بدون عقاب أو متابعة خاصة عندما يتعلق باعتداءات جنسية ضد أطفال ذكور إذ يصعب طبيًا إثبات الإعتداء ومع هذا أكد نفس المسؤول في الشبكة المتخصصة في حماية عالم الطفولة الجزائرية أن جمعيته »ندى« ما فتئت تنظم أيام دراسية ومنتديات إعلامية تهدف الى تعميق التفكير حول الأسس الفعالة المتعلقة بضرورة تعزيز قدرات التدخل وربط الفاعليين المحلين بالشبكة من أجل ترقية حقوق الأطفال ومكافحة إستغلال الجنسي ضدهم . العميد خيرة مسعودان: "الأم هي السبب الرئيسي في هذا الإنحراف" من جهتها قالت عميد شرطة السيدة خيرة مسعودان المكلفة بالمكتب الوطني لحماية الطفولة وجنوح الأحداث بمديرية الشرطة القضائية إن 4612 طفل ومراهق كانوا ضحايا مختلف أشكال العنف ما بين جانفي وأكتوبر 2011 منهم 2698 ضحية عنف جسدي مشيرة إلا أنه من مجموع ضحايا العنف تعرض 1359 طفل لعنف جنسي من بينهم 781 طفلة في حين تعرض 374 آخرون إلى سوء معاملة وأضافت المسؤولة الأمنية أن 17 طفلا ومراهقا، ذهبوا ضحايا القتل العمدي و 157 آخرون ضحايا إختطاف وأكدت العميدة أيضا أنه من مجموع 4612 طفل ومراهق وقعوا ضحايا العنف يترواح 1620 منهم ما بين 16 و 18 سنة في حين يترواح مجموع 1502 آخرين ما بين 13 و16 سنة فيما يقل سن 848 طفل ضحية عن 10 سنوات مؤكدة أن هذا العدد من الضحايا المسجلين يمثل الحالات المصرح بها مضيفة أن عدد الأطفال يعانون في صمت ودعت الى توعية المواطنين بضرورة الإبلاع عن أعمال العنف التي تقترف في حق الأطفال وأن التبليغ عن هذه التصرفات سيساهم في مكافحة هذه الظاهرة. وأشارت العميدة خيرة مسعودان أن مصالح المديرية العامة للأمن الوطني وخاصة مكتب الوطني لحماية الطفولة والجنح المتعلقة بالأحداث يستقبل يوميًا عدة حالات إعتداءات الجنسي كل القصر غالبًا تتراوح أعمارهم ما بين 4 الى 16 سنة وأجزمت المتحدثة أن الوالدين والأم بالخصوص هي السبب الرئيسي في تعرض ابنها أو ابنتها للإعتداء فضلاً عن غياب الحس المدني بين أفراد المجتمع والإنحراف الذي أصبح يطبع بعض شبابنا. المؤسسة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام": حوالي 10 آلاف اعتداء على الطفل سنويا بالجزائر وذكر رئيس المؤسسة الوطنية لترقية الصحة والتطوير البحث »فورام« مصطفى خياطي أنه يتم تسجيل سنويا اعتداء على حوالي 10 آلاف طفل وذلك استناد إلى تقارير صادرة من مصالح الأمن وإدارات المستشفيات، وأشار خياطي أن عدد حالات الإنحراف والإعتداءات الحاصلة على الطفولة في بلادنا مرشحة للإرتفاع وأغلبها غير مصرح بها لأسباب مختلفة ومتعددة وكشف ذات المتحدث أن تم إحصاء أكثر من 4800 حالة توقيف في حق منحرف قاصر من بينهم أكثر من 167 فتاة متورطين في أكثر من 3393 قضية وذلك كله في السداسي الأول من العام سنة 2011 والجزائر العاصمة سجلت أكبر عدد القضايا والضحايا. المحامية والقانونية بن طيب لويزة: "الوضع كارثي" ذكرت المحامية والقانونية الأستاذة بن طيب لويزة أن الوضع المتعلق بأثار سجن الآباء كارثي كونه متصل بحالات مماثلة في المجتمع الجزائري وإن كانت كوارث التفكك الأسري لا تقتصر أسبابها فقط على غياب الآباء والأولياء، فهي بالنسبة للآباء المساجين ظاهرة تستدعي تدخل الدولة بأدوات قانونية وتشريعية واجتماعية من شأنها ضمان تطبيق القانون ومعاقبة كل من يستحق العقاب من جهة ومن جهة أخرى حماية الأسر والعائلات والأبناء على وجه الخصوص من التأثيرات السلبية لسجن الآباء والأمهات المعاقبين، واعترفت المحامية بالصعوبة التي يتلقاها المحامون والقضاة في التعامل مع حالات الجريمة المؤدية لسجن أحد الوالدين أو الإثنين معًا فالمنطق يقتضي معاقبة كل من يرتكب خطأ يستحق العقوبة في حين أنه لا ينبغي أن يذهب الآخرون لاسيما البراءة ضحية انحراف الكبار، وهنا توضيح الأستاذة بن طيب لويزة أن المشرع الجزائري ينص على تدابير لفائدة الأم المحكوم عليها كتأجيل سجنها الى ما بعد وضع حملها إن كانت حامل أو إتمام فترة الرضاعة إن كانت مرضعة لكن العقوبة الصادرة ضدها يجب أن تنفذها في حقها. وذكرت نفس المتحدثة أن هذا الإجراء غير كاف للتكفل بالعائلات فمثلاً توضح أن هناك أباء سجنوا وتركوا أبنائهم في أوضاع الفقر وتدهور المعيشة وهنا يوجد فراغ رهيب في بنية المجتمع والكلام لها. تؤكد المحامية أن الخطأ ليس في تطبيق العقوبة المستحقة ولكن في كيفية تعامل المجتمع مع من هم في ذمة وتحت مسؤولية السجين وتقترح المحامية الإهتمام بهذه المسألة من خلال دراسة معمقة تأخذ في الحسبان منع تأثر الأطفال الصغار بأخطاء الكبار وهذا بتعزيز أدوات الرعاية الإجتماعية وإنشاء ما يكفي من مراكز الإستقبال والرعاية الإجتماعية للتكفل بالمصدومين إجتماعيًا ونفسيًا وحمايتهم من مخاطر الإنهيار والتشرد والإنحراف الناتج عن عدم تحمل الآباء بمسؤوليتهم وإتباع نزواتهم الشخصية ضاربين بعرض الحائط كل المعاني التي تحمدها الطفولة البريئة. مئتي ألف طفل جزائري غير مسجل في المدراس سنويًا من جانبه صرح الأستاذ تركوي سليمان أحد المسؤولين في قطاع التربية الوطنية أن حوالي 200 ألف طفل جزائري غير مسجلين على مستوى المدارس سنويًا و500 ألف طفل أخرين يتركون مقاعد الدراسة بسبب ظروف متعلقة بسلوك الأم وانحراف وإدمان الأب. وأوضح ذات المتحدث أن من أهم أسباب التسرب المدرسي في صفوف التلاميذ هي وجود أسباب من بينها إنعدام الرعاية الأولياء ووجود خلافات وصراعات عائلية ووقوع الأب أو الأم في فخ الإنحراف والإدمان وحيث يوجد حوالي من 15 إلى 16 بالمائة أسباب تتعلق بعدم توفير الآباء لمستلزمات الحياة للطفل من أدوات مدرسية وإطعام وصحة كما يشكل عامل الطلاق والتفكيك الأسري نسبة 14 بالمائة - أم ترتبط برجل خارج القانون بعد سجن زوجها، أم تشتغل موظفة إلا أنها ألفت حياة الرفاهية كون زوجها يعمل إطارا بإحدى المؤسسات، لكن الأقدار شاءت أن يتورط هذا الأب في قضية إنتهت به خلف أسوار السجن وما إن أمضى سنتين من العقوبة أو ما يزيد بقليل حتى نفد صبر زوجته بحسب ما إستقيناه من المحامي حتى إرتبطت الزوجة علنا بشخص آخر قدمته في البداية على أنه صديق زوجها يقدم لها مساعدات ثم تحول الى عشيق ثم الى أن أعلنته زوجا جديدا لها ولأن القضية أذهلت المحامي الضحية الزوج »السجين« حاول إبقاءها طي الكتمان لكنه قدمها لنا لكي يضعنا في صورة ما يحدث في المجتمع. وبما أن الزوجة الخائنة ألفت حياة الرفاهية والرخاء التي وفرها لها زوجها السجين بفضل الأموال التي يوفرها هذا الأخير ولكن بعد دخوله السجن وتوقف راتبه ضاقت الزوجة ذرعًا بتدهور معيشتها فلم تتحمل الوضع ولم تتقبله أيضا فلجأت إلى ربط علاقة آثمة وغير شرعية مع شخص صاحب ثروة وتحول العلاقة الى إنحرفات جنسية محرمة وحاولت هذه الزوجة استصدار وثيقة طلاق مع زوجها الموجود بالسجن ولأن القانون يمنع ذلك إضطرت الى الإبقاء على علاقتها المحرمة وممارسة حياتها معه من منطق المعاشرة الزوجية واعتباره زوجًا ومنحته كفالة أبنائها الصغار، ولما كبروا وبدأو يكتشفون الحقيقة إحترفوا الهروب من البيت والعيش خارج المحيط الأسري وإندمجوا في عالم الرذيلة والإنحراف والمخدرات وكل أنواع أشكال الجريمة. وبقي أن نقول أن ضيق ذات اليد والتسرب المدرسي والإنحراف السلوكي ثلاثي خطير يضرب الأسرة الجزائرية والطفولة على وجه التحديد وذلك نتيجة الزج بأحد الأبوين أو الاثنين معًا بالسجن فهل انتبه المشرع الجزائري لهذه الحالات الإجتماعية التي تعرض يوميًا على المحاكم ومجالس القضاء المختلفة أم نترك الوضع تحت رحمة مجتمع طغت عليه المادة ولم يعد يعير أدنى إهتمام للتضامن والتكافل الإجتماعي رغم المجهودات الجبارة التي تبذل لتكريس مبدأ الحياة الأفضل للطفل الجزائري من طرف بعض الفاعلين في البلاد.