اختلفت الألوان والتيارات ووحد لغتهم الحوار منذ 22 فيفري الفارط، توالت المبادرات الداعية لإيجاد حلول للخروج من الأزمة السياسية للبلاد اختلفت ألوانها، وتعددت أشكالها واجتمعت فيها كل الأطياف على كلمة واحدة، ألا وهي الحوار ، فهي كلمة السر الصحيحة للمرور إلى استقرار سياسي يترقبه الجزائريين منذ شهور لحصاد ثمار حراكهم الشعبي والمضي قدماً في تحقيق مطالبهم التي تتمحور حول إرساء نظام ديمقراطي ومحاربة الفساد ومراقبة المال العام، فهل نجحت المفاوضات التي قادتها هيئة الحوار والوساطة في حلحلة الأزمة السياسية الحاصلة في الجزائر بعد أن تمخض عنها تحديد تاريخ 12 ديسمبر المقبل كموعد لاختيار رئيس جديد للبلاد؟. تمكن الحوار من توحيد صف الجزائريين منذ البداية، فقد كان الإجماع بأنه السبيل الأنسب للخروج من عنق الزجاجة، كما التفت الأحزاب السياسية والطبقة الجمعوية على أهمية تكريس الحوار البناء بين مختلف الشركاء من أجل الخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد، غير أنها تباينت في رؤيتها لآليات تجسيد هذا الحوار ، وجاءت هيئة الحوار والوساطة التي اعلن عنها رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، فكانت بمثابة البوصلة التي وجهت الحوار نحو الحلول المرجوة وهي الأقرب لفك خيوط معادلة تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، بعد شهور من الإنسداد، توالت في تلك الشهور المبادرات التي قادتها أحزاب سياسية وفعاليات جمعوية، يمكن اعتبارها أرضية انطلقت منها العديد من أفكار الحوار ، الذي شارك فيه أطياف سياسية وجمعوية وممثلين عن الحراك الشعبي. الحوار يوحّد الخطابات لخدمة مصلحة الوطن تشبث رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، في كل خطابته منذ توليه المنصب باعتبار الحوار الحل الأنسب للخروج من الأزمة، فيما لم يتوانى في وصفه رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بأنه الحل لكل مشاكل الجزائريين، مؤكدا أنه فرصة لتحقيق انتقال ديمقراطي ناجح. واعتبر رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، أن الحوار الوطني هو الطريق الأمثل لتلبية مطالب الشعب. ومن جهته، قال رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، أن الحوار الوطني يشكل الوسيلة الوحيدة التي من شأنها ضمان حل للأزمة السياسية التي يعيشها البلد، داعيا إلى وضع الجزائر فوق كل اعتبار. وكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائرين من السباقين الذين دعوا لضرورة الإلتفاف حول مبدأ الحوار ، حيث قالت في احدى بياناتها: ندعو إلى الفتح العاجل لحوار شامل يؤسس لمرحلة جديدة، عن طريق فتح الإعلام وإفساح مجال الحريات، وتولي عقلاء الأمة ونخبتها قيادة الشعب وتوجيهه نحو الحل الشامل والانفراج السياسي . وشدد وزير الشؤون الخارجية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، على أن الحوار الوطني من شأنه إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تمر بها. فيما كان موقف قيادة الجيش الوطني الشعبي واضحا، عندما قال الفريق أحمد ڤايد صالح، نائب وزير الدفاع، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، مضيفا: الحل يكمن في تبني نهج الحوار الجاد والجدي والواقعي والبناء والمتبصر الذي يضع الجزائر فوق كل اعتبار ، كما قال: سيادة الحوار تعني استعداد الجميع إلى الاستماع، بل الإصغاء إلى الجميع بكل هدوء والتزام وتطلع مخلص نحو ضرورة وحتمية إيجاد الحلول المناسبة دون تأخير . ورافقت فعاليات المجتمع المدني، منذ البداية، دعوات الحوار ، حيث أكد ممثلو حوالي مائة جمعية وطنية على ضرورة فتح الحوار وطني جامع، حيث دعوا، خلال ندوة حوار فواعل المجتمع المدني الذي نظمتها اتحاد الحركة الجمعوية والمواطنين تحت شعار الجزائر.. العهد الجديد ، إلى اتحاد جميع أطياف الشعب الجزائري من خلال فتح حوار وطني جامع يهدف إلى تأطير الحراك الشعبي وبلورة مطالب الشارع الجزائري في إطار منظم وبطريقة فعالة. فمن مبادرة المنتدى المدني للتغيير، التي قدمت 13 شخصية لإدارة الحوار الوطني للخروج من الأزمة الحالية، أبرزها المجاهدة جميلة بوحيرد، والدبلوماسي الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، والناشط السياسي إسلام بن عطية، إلى مبادرة أرضية مزفران ، التي احتضنتها غالبية الأحزاب من المعارضة وبعض منظمات المجتمع المدني، يبقى الحوار الجامع، فبالرغم من اختلاف شروطهم لضمانه وآليات تجسيده والشخصيات التي يثقون فيها لقيادته، إلا أنهم اتحدوا على أنه الضامن الوحيد لجزائر أفضل بعيدا عن أي انزلاقات قد تؤدي بالبلاد إلى مالا يحمد عقباه. الحوار يفكك خيوط الإنسداد السياسي نجح الحوار ، ولو بشكل جزئي، في حلحلة الإنسداد السياسي الخانق الذي كانت تتخبط فيه الجزائر منذ أشهر، حسب ما أكده عبد الرحمان عرعار، المنسق الوطني للمنتدى الوطني للتغيير، في تصريحات ل السياسي ، الذي أوضح أن الحوار سيكون بمخرجات أقوى مع تدابير التهدئة، مشيرا إلى أنه تمكن من تحقيق خطوات كبيرة وكسر جدار الصمت، مشددا على أهمية استمراره للمضي قدما في تحقيق الحلول السياسية حتى بعد الإنتخابات الرئاسية، مع ضمان مشاركة مختلف الأطياف السياسية والجمعوية للوصول بالجزائر نحو بر الأمان، مبرزا اهمية سماع صوت كل المقترحات، وأنه لا يجب ممارسة إقصاء قوة أي صوت. من جانبه، أوضح المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط، في تصريحات ل السياسي ، ان المفاوضات حققت مسار سياسي واضح بتحديد موعد الإنتخابات الرئاسية، مبرزا أن المؤسسة العسكرية تحملت مسؤولياتها ولم تبقى مكتوفة الأيادي، مشيرا إلى أن المسار الديمقراطي في البلاد هو مسار استثنائي مهما كانت سلبياته ونقائصه، الا انه انفراج بالتوجه نحو مآلات سياسية وللمواطن حق في اختيار بين الإنتخاب من عدمه. مشاورات مكثفة للتوجه نحو مآلات سياسية ناجحة كشفت الهيئة الوطنية للحوار والوساطة، في 28 جويلية الفارط بالجزائر العاصمة، عن خطة عملها للمرحلة المقبلة والتي تقوم على جولات من الحوار مع مختلف الفاعلين للخروج باقتراحات تتمخض عنها قرارات ملزمة للسلطات العمومية. ومع بداية شهر أوت، أعلنت الهيئة عن الشروع في جلسات الحوار ، وتوالت الخطوات نحو ايجاد الحلول بشكل متسارع، حيث وفي 8 سبتمبر الفارط، سلمت الهيئة تقريرها النهائي لرئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، بعد الاستماع والتحاور والنقاش مع 23 حزبا سياسيا، 5670 جمعية وطنية ومحلية، شخصيات وكفاءات وطنية على اختلاف أطيافها وفواعل الحراك الشعبي من مختلف أرجاء الوطن التي لبت دعوة الهيئة. ليأتي بعد ذلك المصادقة البرلمانية بالإجماع على مشروعي القانونين العضويين المتعلقين بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وبنظام الانتخابات، والذي حملا العديد من التعديلات الهامة. وفي 15 سبتمبر 2019، أعلن رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، عن إجراء الانتخابات الرئاسية يوم الخميس الموافق 12 ديسمبر المقبل، في خطاب موجه للامة، بعد أن وقع قبل يوم واحد على القانونين العضويين المتعلقين بالسلطة المستقلة للانتخابات وبنظام الانتخابات، وذلك بعد استيفاء كل الإجراءات التي ينص عليها الدستور، وبعد أن بلغ المجلس الدستوري رأيه حولها لرئيس الدولة. كما أنهى بن صالح، مهام الأمين العام للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، فؤاد مخلوف، وتمت تزكية وزير العدل الأسبق، محمد شرفي، رئيسا للهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، هذه الهيئة المكونة من 50 عضوا. فبالرغم من أن مسار الحوار عرف هزات قوية وواجه عدد من الإنتقادات، إلا انه أنهى حالة جدل كبيرة بعد أن وفق في الوصول بالجزائريين إلى انتخابات رئاسية لتحديد رئسيهم المقبل. ومهما اختلفت الآراء حول سبل وآلية تطبيق مخرجات الحوار ونقائصها، غير ان الدفع بخطوات ملموسة كان الهدف من تشكيل هيئة الحوار والوساطة منذ البداية، بعد أن كانت بوادر الحوار قد ظهرت عبر مبادرات هامة لأحزاب سياسية وفعاليات جمعوية، فبالوصول لتنظيم رئاسيات جديدة ستنطلق مرحلة جديدة من الحوار نحو تنفيذ المطالب الشعبية للحراك لمواصلة تفكيك الأزمة الحاصلة في البلاد، ومنع استغلالها من أي أطراف أجنبية كذريعة لضرب استقرار الجزائر.