فرض الله على عباده الحج مرة في العمر؛ لقوله تعالى: (ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ)، (آل عمران: 97). والحج طاعة لله وتزكية للنفس وتطهير للعبد من الذنوب والخطايا، وهو مؤتمر إسلامي جامع تتوافد إليه الجموع من كل بقاع الأرض. المناسب أن نستعرض في هذه العجالة بعض الجوانب الطبية المهمة، إذ إن هذه الجموع الهائلة من الناس قد تكون فريسة سهلة لشتى أنواع الأمراض والأوبئة، لذا وجب على الحاج معرفة كل ما يتعلق بحمايته من الناحية الصحية. وسنبدأ بأكثر الأمراض انتشارًا في موسم الحج، يجمعها عامل مشترك هو شدة الإزدحام. 1- الرشح والزكام سببهما حمات راشحة (فيروسات) متنوعة، والوقاية ممكنة عن طريق تجنب التبول الحراري المفاجئ، والإبتعاد عن مواجهة التكييف والتبريد المباشر، وتجنب العطاس والسعال في مواجهه الآخرين، وإلقاء المناديل وإتلافها في أماكن خاصة، والابتعاد ما أمكن عن لمس المصابين بالمرض، واستشارة الطبيب للعلاج. 2- إلتهاب الطرق التنفسية العليا سواء كان صحيًّا أو جرثوميًّا فإن أسبابه مشابهة لما سبق ذكره، غير أن الوقاية يجب أن تطبق بصرامة أكبر، وفي حالات دقيقة قد تحصل بعض الإصابات «بذات الرئة»، وتكون هنا الإصابة أكثر شدة، وتتطلب علاجًا صارمًا. 3- التهاب المعدة والأمعاء وأسبابها غذائية، طفيلية، حمية، فيروسية، جرثومية، وأعراضه غثيان وقيء، آلام بطنية، إسهالات ومتكررة، وربما صداع وارتفاع حرارة، والوقاية منها تكون بالإهتمام بالنظافة العامة والخاصة: غسل الأيدي، غسل الفواكه والخضار، تجنب تناول الأطعمة غير المطبوخة جيدًا والتي يشتبه بتلوثها، عدم تناول الألبان ومشتقاتها دون التأكد من صحة تعقيمها وتواريخ انتهاء صلاحيتها، عدم تناول الأغذية والسوائل بأوعية وأوانٍ غير نظيفة، أو أنها استخدمت من قبل آخرين، تناول المياه الصحية من مصادرها الرئيسية الخاضعة لرقابة صحية. 4- داء السماط ويحصل نتيجة التعرق الشديد والإحتكاك المستمر لثنيات الجلد مما يحدث انسلاخ واحمرار الجلد خاصة عند البدينين ولا سيما بين الفخذين وتحت الإبطين، وتحت الثديين عند النساء، وتكون الوقاية بتخفيف حالة التعرق والاحتكاك بتجنب المشي طويلاً وقت الحر ما أمكن، لبس السراويل الداخلية الطويلة لمنع الاحتكاك (خارج أوقات الإحرام)، استعمال المياه الباردة لغسيل المنطقة المعرضة للاحتكاك، استعمال بعض الوصفات والمراهم الطبية. 5- تشقق القدمين يظهر نتيجة المشي المستمر بالأحذية الكاشفة للأعقاب (الصنادل)، والتعرض للأتربة والأغبرة مما يؤدي إلى جفاف الطبقة المتقرنة من الجلد ثم إلى التشقق، والوقاية منه بغسل القدمين وتجفيفهما جيدًا، لبس الجوارب (خارج أوقات الإحرام)، مما يخفف تعرضها للأتربة والأغبرة، الضغط بكل القدم على الأرض واستعمال مراهم مطرّية. 6- الآلام والكولنغات الكلوية نتيجة فقدان السوائل والحر الشديد يتعرض البعض لحدوث الكولنغات الكلوية وآلام الخاصرتين والحصى الكلوية، أو ذلك لزيادة ترسب الأملاح والتبلورات بالطرق البولية نتيجة زيادة كثافة البول لا سيما عند من لديهم استعداد لذلك، ولتجنب هذه الآلام ينصح الحاج بشرب سوائل بكمية كبيرة لا تقل عن 3- 4 لترات يوميًّا، تجنب التعرض للتعرق الغزير والحر الشديد قدر الإمكان، مراجعة الطبيب بظهور الأعراض، اتّباع الإرشادات الطبية لمن لديه سبب مهيأ لحدوث الحصيات الكلوية. 7- متلازمات فرط ارْتفاع الحرارة والإعياء والإنهاك الحراري وضربات الشمس سببه المباشر الرئيسي هو التعرض للحرارة الشديدة وأشعة الشمس، وتبدأ الأعراض عادة بالحالات الخفيفة ثم مرحلة الإعياء الحراري وهو أكثر حالات فرط الحرارة حدوثًا، وقد يرافقه صداع وضعف ودوار وغثيان وقلة شهية وربما ميل للإغماء. أما الحالة الأشد خطورة فهي حُمَّى الحر أو ضربة الشمس، وتبدأ أعراضه بتوقف وتعطيل آلية التعرق نتيجة تعطل الجهاز المنظم للحرارة، فيشكو المريض من صداع ودوار وإغماء وآلام بطيئة، ومن ثَمَّ فقْد الوعي الذي قد يحدث من البداية. وتكون الوقاية بتجنب الخروج ما أمكن أوقات الحر الشديد، استعمال المظلات والخيم والحواجز للوقاية من حر الشمس، شرب المياه والسوائل وخاصة المياه الصحية الغنية بالأملاح والشوارد لتعويض ما فقد منها بالتعرق، الانتباه لظهور أول بوادر وأمراض متلازمات الحر بالبدء بعلاجها فورًا. ومن النصائح الطبية العامة التي يجب على الحاج أخذها بعين الإعتبار: 1- اتّباع الإرشادات الصحية، لا سيما من جهة النظافة العامة والخاصة. 2- تناول الأطعمة والسوائل والمشروبات والألبان النظيفة والمعقمة. 3- تجنب التعرض للحر وأشعة الشمس المباشر واستعمال المظلات والاتقاء بأماكن الظل، مع محاولة التلازم بين التكييف والتبريد بشكل مناسب، وبدون تعرض لتيار المكيف المباشر. 4- تبليل الجسم والرأس والوجه والأطراف بالماء البارد بين الفينة والأخرى. 5- إستشارة الطبيب ومراجعة المراكز الطبية القريبة بمجرد الشعور بأي إنهاك أو إعياء أو أعراض مرضية لأخذ التدابير العلاجية والوقائية في مرحلة المرض المبكرة. 6- الإنتباه والإسراع بنقل المريض لأقرب مركز صحي أو مستشفى، خاصة بحالة ضربة الشمس مع وضعه في جو بارد واستعمال كمادات باردة. وفي الختام نسأل الله عز وجل أن ييسر على الحجاج أداء الفريضة، وأن يقيهم ويحفظهم بحفظه ورعايته، وأن يتقبل منهم عملهم، ويكتب لهم به حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، وأن يعيدهم إلى أهليهم وذويهم سالمين غانمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين