سوف نستقبل بعد أيام قلائل، يوماً عظيماً من أيام الله تعالى، يوماً مشهوداً، ألا وهو يوم عرفة، وبعده سيقدم يوم عيد الأضحى المبارك، وهو يوم الحج الأكبر، ويوم النحر، ولكلٍ من اليومين أحكام تخصه، ولعلنا نتطرق إلى بعض تلك الأحكام المهمة التي تهم المسلم، ويريد تحريها، ومعرفة أحكامها، حتى تكون عبادته لربه تبارك وتعالى على بصيرة وهدى ونور، وأعظم ما فيهما من أحكام، الأحكام التي تتعلق بالصيام، فأقول بادئ ذي بدء، للصيام فوائد ومزايا كثيرة، ينبغي للمسلم تتبعها وتقصيها، حتى يعمل بها، ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: (فمن تطوع خيراً فهو خير له) (البقرة)، وقوله جلّ شأنه: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، (الحج). فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقرباً إلى الله وتعبداً له وزيادة في الأجر والثواب فعطاء الله لا ممسك له، وثوابه لا حدود له، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح يرجو بذلك أحد أمرين: فضل صوم يوم عرفه وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، (رواه مسلم). فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات. صوم يوم عرفة للحاج فيستحب صيام يوم عرفه لغير الحاج أما الحاج فعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشراب وتجهيز ذلك، فيأخذ منه جُل الوقت، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة)، (رواه أحمد وابن ماجة وفي صحته نظر)، وأيضاً مثله عند الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات)، ويعضدهما حديث: (أن الناس شكوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون)، (رواه البخاري ومسلم). فعندما شك الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة جاءه قدح لبن فشربه حتى يرى الناس أنه لم يصم، وقال بعض العلماء أن صيام يوم عرفة للحاج محرم، لأن النهي في الحدث السابق للتحريم، وكره صيامه آخرين ، قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- إفطار يوم عرفة بعرفة.