دعا الأديب والشاعر والمترجم فصيل الأحمر، وزير الثقافة عزالدين ميهوبي، إلى كسر هيمنة ما أسماهم بلوبيهات تسيطر على القطاع، وقال في حوار ل السياسي أن هذا المنطق هو الذي فرخ سيطرة لبعض الكتاب على الساحة، ولم يفتح المجال لمنطقية الأحقية للأجود والأكفأ للوجود على الساحة الثقافية الوطنية، كما تطرق الأحمر إلى مشاركته الأخيرة في المهرجان الدولي لأدب الكتاب الشباب بالعاصمة، وما حمله في جعبته في هذه المناسبة، كما كشف عن بعض الطقوس التي من خلالها يعيش فيها حالاته الإبداعية في الكتابة، ليعرّج صاحب المولود الجديد حالة حب إلى عدة إشكاليات تطرح نفسها بإلحاح في أوساط النقاد والأدباء الجزائريين، على غرار السؤال من يصنع الأديب؟ هل هو النص أو الجائزة والإعلام؟، مدليا برأيه في مفهوم اخر ضجّت به الساحة الثقافية مؤخرا ديكتاتورية المثقف ، والذي يرى فيه الأديب على أنه مصطنع ومبالغ فيه إلى حدّ بعيد، مذكرا بأن هذا المفهوم مرتبط دائما بالإمبراطوريات الديكتاتورية وليس بالمثقف الذي يكون عادة مهمّشا في خضّمها. مضى المهرجان الدولي لأدب الشباب بالجزائر قبل أيام، كيف كانت مشاركة الأستاذ فيصل الأحمر في هذه المناسبة؟ وما حمله في جعبته؟ الدعوة التي جاءتني أوردت اسمي ضمن ثلاثة محاور: شاركت في ندوة حول الجوائز الأدبية مع الكتاب المحترمين: واسيني الأعرج وإسماعيل يبرير والكويتي سعود السنعوسي، وهي ندوة هامة تعرضت لأطياف متنوعة من المسائل المتعلقة بظروف تنظيم وإسداء الجوائز، وكذلك التعليقات التي نسمعها دائما حول الإستحقاق من عدمه... الخ. كما شاركت في ندوة ثنائية مع واسيني الأعرج أيضا في مدينة شرشال حيث كان يتم تنظيم أنشطة موازية للمهرجان قدمت فيها شهادة حول تجربتي في كتابة الخيال العلمي، ذلك النوع الهام جدا الذي ارتبط اسمي به في الجزائر إلى حدّ ما، والذي يبدو أنه لم يشهد الانطلاقة الحقيقية له عندنا. أما في جلسات المقهى الأدبي، فقد برمجت في لقاء مع المهتمين حول روايتي الجديدة حالة حب . بذكر روايتك الجديدة حالة حب أعتقد أن العنوان مستقى من قصيدة توجد في ديوانك مجنون وسيلة ، فما هو فحواها؟ علاقة الرواية بالقصيدة خيط هش، لأن كلاهما تتحدث عن غرابة الوقوع في الحب والعجب الذي تتميّز به لحظة الوقوع تلك، كلنا نعيشها وتتكرر أحيانا (وكثيرا ما تفعل) ونعيد عيشها في إطار استثنائها الكبير، والرواية نص ذو خلفية نفسية وفلسفية معينة، إذّ أنه توغّل بطيء في صلب العلاقة بين الرجل والمرأة، مع محاولة رصد متناهي في الدقة لذبذبات القلب الغريبة العجيبة غير المتوقعة. الرواية تدور حول كاتب يعيش حالة غريبة من التعلق بشخصية يكتب عنها في قصة، ويعيش صلة متوترة مع زوجته في البيت وينزلق شيئا فشيئا صوب نوع من الجنون أو الهوس أو الوسواس القهري أو ربما الإنزلاق العجائبي (بكل بساطة)، أثناء غوصه في النص وعيشه لقصة حقيقية مع بطلته التي تمتلك حياته كلها، ثم يجد نفسه يقع في فتنة أخرى هي امرأة ثانية يحاول محوَها بقصة ثالثة، ثم يجد نفسه موزّعا بين هذه الشخصيات في محاولة لإيجاد الإجابة شبه المستحيلة عن السؤال: ما الذي يحرك هذه المشاعر الغريبة؟. الملاحظ أنك كاتب، شاعر وروائي، مترجم، أكاديمي وناقد في نفس الوقت، ما سرّ إلمامك بهذه التوليفة التي ربما فشل فيها العديد من المثقفين في التمكن بها؟ أنا فعلا موزّع بين هذه الأقاليم التأليفية، وقد بدأ الأمر يرهقني مع مرور الوقت، ومن نتائج الإرهاق أنني لم أترجم جديدا منذ أربع سنوات تقريبا، وإقبالي على النقد يكاد يكون للحاجة فقط، فالإشتغال في الفضاء الجامعي يجعلك تمارس هذا النوع من النقد والدراسة بالضرورة، إلا أنني لا أنظر إلى نفسي كناقد بل ممارس حر وهاو لهذا النوع من الإشتغال اللغوي، وإذا كان لا بدّ أن أستبقي الأهم فسأكون روائيا وشاعرا بالدرجة الأولى، ولا بدّ من الاعتراف بأن هنالك أنواع من القول تفرض نفسها سريعة شفافة مقتطفة كأنما بشيء من الحرص على طريقة الأداء أكثر من الاهتمام بالرسالة والمضمون واستيفاء القول والمعنى والشرح والتشريح: ذلك هو ما يأتي شعرا. وهنالك ما يتسع ويصف ويتمدد ويعالج بالتفاصيل ويستوفي الحكاية ويهتم بالترتيب والتبرير والتركيب، وذلك ما يأتي قصة ورواية عموما. أما كيف تأتيني هذه الحالات الكتابية، فالله أعلم بها. هذه هي طقوسي عندما أكون غائصا في الكتابة كان الشاعر الأمريكي ادجار آلان بو يضع قطا على كتفه أثناء الكتابة، والأديب النرويجي أبسن كان يضع أمامه صورة للأديب سترندبرج وهو أعدى أعدائه ليكتب نكاية فيه، وكل أديب أو مبدع له طقوس خاصة في عالم الكتابة، ما هي عادات وطقوس الأستاذ الأحمر حينما يكون غارقا في الكتابة؟ لي طقس واحد، ولكنه طقس مركب أكره الكتابة وسط الصمت والضوء الساطع، أحب الكتابة ليلا أو صباحا، كثيرا ما أتزوّد للكتابة بالموسيقى وهي أفضل أشكال الضجيج المحيط بي أثناء الكتابة، وقد أجلس ببعض المقاهي المفتوحة كثيرة النوافذ أو على باحات المقاهي أو المطاعم أو القاعات العمومية، لا أدري لماذا يحدث هذا ولكنني مرتاح أكثر في هذا النوع من الأماكن التي تتحول بسرعة إلى رحم من ضجيج يغلف حالتي الكتابية، أحب الكتابة في وقت متأخر من الليل، يروقني ذلك الصفاء، كذلك تروقني الطاقة الإيجابية التي تأتي مع الساعات الأولى من النهار، ولي شرط سلبي واحد أنا أكره البشر والحيوانات، وإذا وجد حيوان في محيطي لا أستطيع التركيز على شيء.. حتى لو كان صديقي الجندب الذي تربينا أنا وفصيلته في بيت قديم واحد.. المهم الوجود الحيواني يوترني إلى درجة الاحتباس التام . فلسفة الإعلام مبنية على خلق ضجات لصالح أدباء على حساب آخرين طرح العديد من الأدباء والكتاب خلال المهرجان إشكالية الجوائز والإعلام في صناعة أسماء الأدباء، كيف يرى بدوره الأستاذ فيصل هذه الصناعة التي يراها البعض على أنها مبنية على التواجد الإعلامي وليس مرجعها محتوى النص؟ المشكلة ليست في الأدباء الذين تصنعهم الجوائز، بل في أولئك الذين لا تصلهم فرصة الإعلام لأن الإعلام مبرمج على إثارة الضجات منعدمة التكاليف، قال الجميع فلنقل هذه هي فلسفة الإعلامي، هنالك شيء هام نغفل عليه ونتحدث عن الجوائز، أقصد طبعا حرص المعنيين بشكل ما على خلق ميكانيزمات لضمان التوزيع الأمثل للكتاب، لأنه إذا كان الكتاب غير موزع فإن كل المشاكل مطروحة وكثيرة، ولا أمل في الخلاص الوشيك. أتساءل مرارا عن مقياس الجوائز عندنا في ظل الغياب التام لكل أصناف الثقافة ولكل الميكانيزمات القليلة والضرورية التي تجعل الكاتب موجودا وعلى صلة صحية بقارئه، وهو مفتقد عندنا في ظل وضع كهذا يصبح السؤال الذي نطرحه هنا كسؤال العاري عن ربطة العنق. النقد الأدبي مشكلة مطروحة يعاني منها الجميع يبقى النقد معضلة عويصة طرحها أيضا الروائيون الجزائريون خلال مهرجان الشباب إذ اشتكوا من عدم وجود نقاد متخصصين في هذا المجال على الساحة الثقافية الوطنية، إلى ما يعود هذا الغياب في رأيك؟ هي فعلا مشكلة مطروحة سببها البون الشاسع بين النقد الأكاديمي الممارس بجودة عالية في الجامعة وبين التغطية الصحفية السريعة وغير المتخصصة في كثير من الحالات التي نراها على صفحات الجرائد، الأمم الأخرى عرفت كيف تضع قوائم نقد هو في منتصف الطريق بين فائدة الأول وفعالية الثاني على المستوى التداولي (التجاري)، فنجد دوريات للقارئ العام تقدّم نقدا ليس أكاديميا متخصصا ولا يخلو من جدية الطرح، ويكون ذا فعالية كبيرة على مستوى ربط الصلات بين الكتاب والقراء، وهو دور تقوم به جميع المنابر الإعلامية بجودة كبيرة، هذا النوع من النقد هو الذي يعوزنا نحن هنا ولا حل له خارج السياسة العامة للبلاد. هذا هو التحدي الذي ينتظر الوزير عز الدين ميهوبي كيف ترى الساحة الثقافية الجزائرية في ظل الوزير الجديد عز الدين ميهوبي؟ وما هو المنتظر منه من قِبل المثقفين؟ هنالك تحدّي كبير يواجه الوزير الكاتب عز الدين ميهوبي، وهو التقليل من عمل اللوبيهات الثقافية التي اتّسعت دوائر عملها بشكل مريع، التحدي الكبير الذي نتمنى لصديقنا أن يضع فيه خطوة أولى هو كسر هيمنة هذه اللوبيهات لفائدة منطق الأحقية والكفاءة في الأداء، وهو ما يجب محاربته في الميدان الثقافي. ديكتاورية المثقف عنوان كاذب تطرح إشكالية عميقة على الساحة الأدبية والثقافية العربية، والتي يسميها البعض ب دكتاتورية المثقف ، كيف يرى الأستاذ هذا التوصيف وانعكاساته على الساحة الثقافية الجزائرية؟ دكتاتورية المثقف عنوان كاذب لأن الدكتاتورية الحقيقية هي دكتاتورية السياسي أو دكتاتورية الإمبراطورية العسكرية، هذه الأخيرة معروفة على انها دائما تعمل على تحقير وتهميش لدور المثقف بطرق مكيافيلية كثيرة. أكتب في الرواية لأنني أكره ثباتة الأشياء ما هو محرك الرواية عندك؟ هل هو ذاتي أم موضوعي أم أنه نوع من البحث الجمالي البحت؟ كان المحرك الأساسي لي لكتابة روايتي سؤال جوهري: لماذا يبدو الإنسان ثابتا عموما في فكره وعقيدته وذوقه ومقاربته للأشياء في حين يتجدد الحب فيه، وتنبعث الطاقات العاطفية بين جوانحه حتى نكاد نعتقد أنه شخص مختلف وأنه قلب جديد يولد داخل جسم قديم غائر في القدم؟ كان السؤال يتجزأ فيولد سؤالا آخر لعب دورا كبيرا في رسم هندسة الرواية عموما: ما هو الجزء الذي يبرر في قلب الإنسان الانتقال من لعبة حب إلى أخرى؟ وما الذي يصل به حدّ قبول قيم مناقضة لما نشأ عليه أو ما اقتنع به بعمق؟ سارت الرواية وسط هذه المحاور في محاولة لأخذ صورة لهذا الإنسان العربي المسلم المتدين المبدع، المتماشي مع قيم عصره والحامل لبرنامج معقد من التناقضات الناجمة عن التجاذبات العديدة للوقت الحالي، أو ربما لوضعه تحت المجهر من أجل كشف تفاصيل بواعثه وتحدياتها.
رواية نفسية هي إذن حالة حب ؟ الأقرب أن تكون رواية عاطفية إذا كان هذا التصنيف الكلاسيكي الفج لا يزال فعالا، وهي لا تخلو من جانب عجائبي يخترق حجب الواقع والواقعية لكشف تفاصيل أشياء هي من الحساسية واللطافة والخفاء بحيث تحتاج إلى عيون العجائبية كي تتمكن من رؤيتها. أسئلة قصيرة قلت يوما إن الشعر هو تسلية جميلة داخل مستشفى الحياة، ما تعني بالحياة كمستشفى؟ هو تصوير للحياة التي هي سلاسل من الأمراض والمشاكل والنكسات التي تنتهي إلى الموت، كذلك مخرج نصف الأمراض هو الموت، تصبح الحياة بهذا القياس توطئة طويلة لبلوغ الموت، أي: كأننا في مستشفى، هي صورة أدبية ولعبة كلامية على كل حال.
ماذا يعني الموت للأستاذ فيصل؟ تعلمت من الهنود عادة إدراج تفاصيل الموتى ضمن الحياة، ملابسهم.. صورهم.. أخبارهم.. تسمية المواليد بأسمائهم... الخ، والحكمة لديهم هي: لا تنسى أن الموت جزء لا يتجزأ من الحياة. لمن تكتب الشعر؟ لذلك الجزء مني الذي لا حظَّ له كي يتكلم... أحاول إعطاءه لسانا