تحتفل الجزائر اليوم بذكرى 54 لعيد النصر المصادف لتاريخ 19 مارس من كل سنة، والذي يؤرّخ للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وحكومة الاحتلال الفرنسي بتاريخ 19 مارس 1962م بعد مفاوضات بين الطرفين عرفت باتفاقيات إيفيان. وكانت اتفاقية إيفيان سبقتها مفاوضات سرية أولية وهي عبارة عن مناورات من طرف فرنسا لمعرفة الثورة وقراراتها ثم جاءت المفاوضات الفعلية بفرنسا، حيث بدأت سنة 1960 إذ جرت محادثات في مولان الفرنسية بين الوفد الجزائري ومن بين أعضائه، محمد الصديق بن يحي وأحمد بو منجل وممثلي الحكومة الفرنسية وقد فشل اللقاء بسبب تعنت فرنسا واستكبارها الاستعماري عندما حاولت فرض نظرتها على الجزائريين، وفي فيفري 1961م جرت محادثات في لوسارن بسويسرا بين وفد دبلوماسي جزائري من بين أعضائه الطيب بولحروف، أحمد بو منجل من جهة وجورج بومبيدو الذي كان عضو المجلس الدستوري الفرنسي آنذاك، من الجانب الفرنسي، إلا أنها فشلت هي الأخرى بسبب رغبة فرنسا في فصل الصحراء وتجزئة الجزائر عرقيا وفي جوان 1961م جرت محادثات بمدينة إيفيان الفرنسية بين كريم بلقاسم ومحمد الصديق بن يحي وأحمد فرنسيس وغيرهم من أعضاء الوفد الجزائري وبين لوي جوكس، ورئيس الوفد الفرنسي، من الجانب الفرنسي، واعترفت خلالها فرنسا بأن السياسة الخارجية من صلاحيات الدولة الجزائرية لكنها بقيت متمسكة بالصحراء في حين أصر الوفد الجزائري على التمسك بالوحدة الترابية للجزائر. كما جرت في شهري أكتوبر ونوفمبر 1961 عدة محادثات بال الأول وبال الثاني بسويسرا بين الجزائريين وقد اعترضت هذه المحادثات صعوبات عديدة منها قضية الضمانات والمرافق العسكرية وكذا استغلال الثروات الصحراوية ووقف إطلاق النار وغيرها من الشروط، وقد حاولت فرنسا المراوغة باتخاذها عدة أساليب لعرقلة المسار التفاوضي وإفشال الاتفاقيات بين الحكومة المؤقتة والدولة الفرنسية. وعلى الصعيد الميداني، قابلت هذه العراقيل مظاهرات عديدة اندلعت في الجزائر وفي فرنسا فأنتجت مفاوضات إيفيان الثانية حيث استؤنفت المحادثات من جديد بصفة رسمية يوم 7مارس 1962 بإيفيان بعد سلسلة من المحادثات واللقاءات وقد تمخضت عن اتفاقيات إيفيان الاعتراف الفرنسي بسيادة الجزائر ووحدتها الترابية وأن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الجزائري وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه يوم 19 مارس 1962 وتعتبر المفاوضات التي كللت بالتوقيع على اتفاقيات إيفيان واسترجاع الاستقلال الوطني من أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية التي برزت إلى الوجود أصلا مع إعلان أول نوفمبر 1954 والتي تعد مفخرة للجهاز الدبلوماسي الجزائري وإطاراته، كما يعتبر وقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962 انطلاقة جديدة لدولة فتية رزخت تحت نير الاستعمار ما يقارب 130 سنة، وهي الفترة التي عانى فيها الشعب الجزائري اكبر معاناة عرفها تاريخ البشرية، حيث عمدت القوة الاستعمارية إلى طمس معالم الشخصية الوطنية عبر كامل مراحل تواجدها على أرض الوطن، كما إن ذكرى 19 مارس وهي تعود اليوم، تكون هي اللبنة وحجر الزاوية في الإعلان عن جزائر حرة مستقلة، وأخرجتها إلى الوجود ثورة التحرير الوطنية، بتضحيات جسام فاقت المليون ونصف مليون شهيد.