علت في الآونة الأخيرة أصوات معارضة لبناء المساجد في المدن والقرى الأمريكية. وتظاهر مئات الآلاف في نيويورك الأسبوع الماضي ضد مشروع لبناء مركز إسلامي أطلق عليه »غراوند زيرو«، يضم مسجدا ومركزا ثقافيا ومسبحا بالقرب من موقع برجي التجارة. وخلال الشهور القليلة الماضية تعرض مسلمو أمريكا لمعارضة شديدة غير مسبوقة لخططهم الرامية لبناء مساجد في منهاتن السفلى وبروكلين، ومحاولتهم تحويل إحدى الكنائس الخالية في جزيرة ستاتين مسجداً. وخلال الأسبوع الماضي تظاهر العديد من الأمريكيين ضد إقامة ثلاثة مساجد أخرى جديدة في البلاد. كما تظاهر المئات في مدينة صغيرة في ولاية تنسي ضد مسجد مقترح هناك، ويعارض بعض سكان منطقة تميكولا في كاليفورنيا خطة وضعتها الجالية المسلمة هناك لتشييد مسجد كبير، زاعمين أنه قد يصبح مكاناً للإسلام المتشدد. تصاعد التوتر وشهد الأسبوع الماضي تظاهرة كبرى في نيويورك ضد مشروع لبناء مركز إسلامي بطوابق عدة بقيمة 100 مليون دولار، يضم مسجدا ومركزا ثقافيا ومسبحا ومعرض فنون. ويتجذر الاحتجاج من كون المركز المزمع إقامته على بعد خطوات من مركز التجارة العالمي المنهار. واللافت للنظر اشتراك العديد من السياسيين البارزين في هذه التظاهرات، من ضمنهم المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، سارة بالين التي انضمت للمتظاهرين المحتجين. ولم يبد مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية، البروفيسور أكبر أحمد، اندهاشه من هذه الاحتجاجات، فقد قضى السنوات الأخيرة متنقلاً ضمن فريق من الباحثين بين أكثر من 100 مسجد في 75 مدينة أمريكية، ليكتشفوا ازدياد وتيرة معارضة إقامة المساجد، إضافة إلى تعرض القائمة منها لهجمات متكررة. ويقول أحمد »حيثما وجد مسجد كان هناك توتر«. ويعتقد أحمد أن معظم الأمريكيين ليس لديهم سوى فكرة واهية عما يدور داخل تلك المساجد االتي يصل تعدادها في الوقت الراهن إلى 2000 مسجد، ولهذا السبب يشعرون بالخوف من الإسلام ويلجأون إلى معاداته. ويضيف أن مشاركة شخصيات عامة في هذه الاحتجاجات، مثل بالين، من شأنه أن يؤجج المشكلة كثيراً. وكتبت بالين الأحد الماضي على موقع »تويتر« أن تشييد مسجد بالقرب من موقع برج التجارة العالمي السابق أمر »يجرح القلوب«! وانضمت بالين لما يطلق عليه »لجنة العمل السياسي« وبعض أفراد أسر ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر للاحتجاج شفهياً ضد بناء مركز ديني في ذلك المكان. وتقول بالين »نرجو من المسلمين المسالمين أن يتفهموا أن بناء مسجد في الموقع صفر تقصد أرض برجي التجارة العالمية استفزاز لا مبرر له، إنه يحرق القلوب، نرجو التخلي عنه لكي ننسى الماضي«! جرح سبتمبر ويقول أحمد أن »تعليقات بالين تعكس بوضوح مرة أخرى ذلك المفهوم بأن المساجد مرتبطة بالعنف والإرهاب«، وعلى الرغم من ذلك يتفهم أحمد تلك الاحتجاجات والتوترات حول المركز المقترح، لأن »جرح« هجمات الحادي عشر من سبتمبر لا يزال »جديدا«. وتدافع بالين عن تعليقاتها تلك على »فيس بوك« قائلة إنها تحترم »الحرية والتسامح الديني، بيد أن بناء مسجد على الموقع صفر يعتبر أمراً أخلاقياً«. ويعتقد رئيس المعهد العربي الأمريكي، جيمس زغبي، أنه لا توجد شخصيات بما فيه الكفاية في الحياة العامة الأمريكية للدفاع عن حرية العبادة للمسلمين، ويرى أن هناك آراء قليلة جداً منحازة للمسلمين في الجدل العام ونتيجة لذلك فإن المسلمين »صاروا يتخوفون على أمنهم الشخصي في هذه البلاد«. ويقول المتحدث الرسمي باسم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، إبراهيم هوبر، إن المناهضين لبناء المساجد يشعرون بحرية تامة في التعبير عن آرائهم داخل مجتمعاتهم السكانية، ويضيف أن المساجد تعرضت في الماضي لاعتراضات كثيرة لكنها لم تكن تتعدى شكاوى من إعاقة المصلين للحركة المروريةو »أما في الوقت الراهن فيشعر المعارضون بارتياح بالغ في التعبير علناً ضد بناء المساجد«. والجديد في الأمر أن الكثير من المعارضين لا يعتبرون أنفسهم متعصبين، والكثير منهم يعتقد أن المساجد تعمل على إنتاج »إرهابيين محليين«. ويقول أحمد أنه ينبغي تدريب القادة الدينيين المسلمين لتبصير المصلين طالما أنهم يؤثرون في الشباب المسلم، ويضيف أن معارضة بناء المساجد في البلاد لن تجلب على أمريكا سوى الانتقادات من الخارج بأنها تكره الإسلام والمسلمين. ويعارض مدير مركز التعددية الإسلامية ستيفن سليمان شوارتز (اعتنق الإسلام حديثاً)، بناء مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي، واصفاً إياه بأنه »عمل لا يسهم في المصالحة«. ويقول ينبغي ألا يشيد المسلمون مساجد كبيرة جديدة في البلاد في الوقت الراهن على الاقل، لأن ذلك من شأنه أن يؤجج التوتر مع المجتمعات غير المسلمة. وفي ولاية تنسي خرج مئات عدة من السكان الأسبوع الماضي إلى الشوارع احتجاجاً على شراء أرض لإقامة مركز إسلامي محلي، كما خرجت مظاهرة احتجاج مؤيدة لبناء المسجد. ويقول أحد المحتجين من غير المسلمين أن »تشييد مسجد يشير إلى أن المسلمين تمكنوا من إخضاع هذه البلاد، يعتقدون الآن أنهم فتحوا تنسي«! وعلى إثر هذه الأحداث تم تأجيل البت في خطة بناء المسجد في هذه الولاية. وزار أحمد العام الماضي مسجداً في كولومبيا بتنسي تم إحراقه عام 2008 ورسم عليه البعض الصليب المعقوف. ويقول أحمد أن »الأقلية المسلمة في هذه الولايات أصابها الخوف والصدمة مما حدث، فمعظمهم ولد وترعرع في أمريكا وعاشوا حياة سعيدة في مجتمعهم الصغير، ويتساءلون: إلى أين نذهب؟ هذا وطننا«.