تحقيق: ياسمين بوالجدري * تصوير: الشريف قليب لا يزال العديد من مواطني قسنطينة ينظرون إلى «التيليفيريك» بعين الريبة، فرغم مُضيّ 7 سنوات كاملة على استغلاله، يشهد الجهاز توقفات مفاجئة سببها انقطاعات التيار، التي تُحمل الإدارة مسؤولية حدوثها لشركة سونلغاز، غير أن هذه التوقفات أثارت تساؤلات كثيرة عن مدى جاهزية العمال للتدخل في الحالات الطارئة و إنقاذ الركاب، خاصة و أن مصالح الحماية المدنية تتحدث عن غياب مخطط إنقاذ، تؤكد الإدارة بالمقابل أنه موجود منذ مدة. استبشر مواطنو قسنطينة الذين تعودوا على العلو الشاهق للجسور المعلقة، خيرا بتدشين جهاز التيليفيريك سنة 2008، بعد أن ساهمت هذه الوسيلة العصرية، في فك الخناق المفروض على الجهة الشرقية التي تعرف أزمتي نقل و مرور مزمنتين، تقلصتا بفضل عربات المصعد الهوائي الرابطة بين محطة الأمير عبد القادر «الفوبور» و محطة طاطاش بلقاسم وسط المدينة، مرورا بالمستشفى الجامعي ابن باديس، حيث حدد سعر التذكرة ب 20 دينارا للفرد و أحصت شركة "غارافانتا» السويسرية المنجزة، 12 مليون راكب استعملوه حتى سنة 2013 فقط، ليحتل تيليفيريك قسنطينة المراتب الأولى عالميا من حيث الاستغلال، خصوصا و أنه أنشئ بغرض النقل حضري و ليس من أجل السياحة مثل باقي الولايات. و لم تدم فرحة القسنطينيين طويلا بالتيليفيريك، فبالإضافة لعمليات الغلق المبرمجة من أجل إجراء المراقبة التقنية و الصيانة الدورية، و كذلك التوقفات الآلية الناجمة عن عبث الركاب بالعربات، طال الجهاز توقفات أخرى لم يفهم المواطنون في البداية سببها، ليتبين فيما بعد أنها راجعة إلى انقطاعات التيار، التي كشفت أن المصعد الهوائي غير مزود بمحول كهربائي مستقل، اتهمت سونلغاز بأنها لم تستجب لمطلب قُدّم لها في هذا الشأن، رغم أن مديرية توزيع الكهرباء و الغاز بقسنطينة سبق و قالت أنها راسلت مؤسسة ميترو الجزائر سنة 2007، من أجل إنجاز مجمع كهربائي و مركزين لتحويل الطاقة غير أن ذلك لم يحدث، ليجد المواطن القسنطيني نفسه مجبرا على ركوب وسيلة عصرية تختصر الوقت و الجهد و المال، لكنها قد تتوقف به في أية لحظة بسبب انقطاع في التيار. تأمين الركاب محل جدل بعد 7 سنوات من استغلاله كانت الساعة تشير إلى التاسعة و الربع صباحا عندما ركبنا «التيليفيريك» من المحطة الرئيسية بحي الأمير عبد القادر «الفوبور».. لم يكن عدد الزبائن كبيرا جدا لكن اضطررنا للانتظار لبضع دقائق قبل وصول العربة، و لدى الركوب لاحظنا دخول المواطنين بطريقة أكثر تنظيما مما كان يشهده الجهاز في بداية استغلاله، حيث جلس الجميع بهدوء و يتعلق الأمر بسيدتين و شيخ و بعض الشباب بالإضافة لطفلة، يبدو أنها تعودت على استعمال هذه الوسيلة و لم تكن على غرار البقية خائفة من ركوب عربة المصعد الهوائي. بعد رحلة دامت حوالي 5 دقائق، هبطنا بالمحطة الأخيرة بحي طاطاش بلقاسم وسط المدينة، حيث لم تعرف رحلتنا أية توقفات لكن و بمجرد الوصول، لاحظنا أن العربات القادمة خلفنا توقفت لمرتين متتاليتين في ظرف أقل من أربع دقائق، فانتظرنا بالمخرج و بدأنا نلاحظ تعابير الركاب الذين كانوا على متنها، إذ لم يظهر على ملامحهم أي توتر.. اقتربنا من البعض في محاولة لاستقصاء انطباعاتهم، حيث ذكر رجل أنه تعود على التوقفات التي أصبحت "أمرا عاديا" و "جزء من الرحلة"، حتى أن أبناءه الصغار لا يشعرون بأي خوف أثناءها و يستغلون مدة التوقف القصيرة للاستمتاع بالمناظر الجميلة المطلة على وادي الرمال، على عكس زوجته التي قال أنها لم تركب يوما هذه الوسيلة بسبب "فوبيا» الأماكن المرتفعة. تحدثنا بعدها إلى نسوة و شباب و شيوخ ركبوا العربات التي توقفت في الهواء، بحيث لم تختلف إجاباتهم و أجمعوا على أن الموت مسألة "قضاء و قدر" و "مكتوب"، لذلك فهم لا يخشون أبدا من توقف المصعد خاصة بعدما تعودوا على استعماله بشكل شبه يومي، لكن شابا قال لنا أنه شعر بالخوف و اضطر لإغماض عينيه فوق منطقة "الريميس»، ليتمكن من التحكم في نفسه بهذا العلو الشاهق، في حين ذكرت فتيات وجدناهن أنهم مجبرات على استعمال التيليفيريك بسبب نقص وسائل النقل و قرب المعهد الذي يدرسن به من محطة طاطاش بلقاسم «الروتيار»، حيث علقت إحداهن أنها تخشى فعلا من سقوط العربات و تصاب مرات عدة بالدوار لدى اهتزاز العربات عند توقفها في الهواء. إغماءات بالجملة و نسوة يقاطعن التيليفيريك وسّعنا استطلاعنا إلى عدد أكبر من المواطنين، فتحدثنا إلى نسوة ذكرن أنهم قاطعن الجهاز منذ مدة، ليس لسبب مرضيّ يتعلق ب «فوبيا» المرتفعات أو الأماكن المغلقة، لكن نتيجة خوف له مسبباته المنطقية، بحيث ذكرن أن اهتزاز العربات بمجرد توقفها و نتيجة لهبوب الرياح، يوحي فعلا بأنها قد تسقط في أية لحظة، خصوصا و أن مدة التوقف تتعدى أحيانا خمس دقائق، و ذلك في ظل غياب أية تطمينات أو توضيحات باستعمال الميكروفونات المثبتة بالعربات، ما يجعل تلك الدقائق بمثابة ساعات في نظر ركاب منهم من يحاول إخفاء خوفه، و من يُظهر توتره بل و يغمى عليه لدقائق، خاصة بالنسبة لفئة النساء كبار السن، اللاتي قاطع الكثير منهن التيليفيريك و بتن يفضلن تكبد مشاقّ التنقل على متن السيارات و الحافلات رغم قلتها و تدني الخدمات المقدمة مقارنة، يضاف لذلك التخوفات الناجمة عما أشيع حول تأثر إحدى أعمدة الجهاز بسبب التسربات المائية و هو أمر سبق و نفته الإدارة. و قد اقتربنا من بعض أعوان الحراسة بمحطات تيليفيريك قسنطينة، حيث أكد لنا هؤلاء تسجيل حالات إغماء عديدة، لكنها مؤقتة و يتعافى أصحابها بمجرد الوصول للمحطات، بحيث لم تستدع يوما تدخل مصالح الحماية المدنية، محدثونا قالوا أن التيليفيريك و بالرغم من التوقفات التي تمسه، لا يزال يستقطب جميع شرائح المجتمع، مضيفين بأن مظاهر التدافع التي كانت مُسجلة ببداية استغلاله، بدأت تختفي تدريجيا لتعايش المواطنين معه، رغم غياب الوعي من قبل أولياء لم يقدروا بعد خطورة و خصوصية هذه الوسيلة، بعدم مرافقة أبنائهم لدى الدخول و تركهم يتجولون و يجرون بحرية داخل المحطة، و هو ما يستدعي في كل مرة تدخل الأعوان. الحماية المدنية تحذر من «غياب» مخطط إنقاذ الملازم الأول طافر نور الدين المكلف بالإعلام بالمديرية الولائية للحماية المدنية، ذكر أن المرسوم رقم 11/359 المؤرخ في 19 أكتوبر 2011، و المحدد لأحكام السلامة المتعلقة بنقل الأشخاص بوسائل النقل الموجهة و المتمثلة في التيليفيريك و الترامواي و الميترو، يفرض وضع مخطط إنقاذ خاص بهذه الوسائل، و هو ما كان سببا في توجيه مراسلة للمؤسسة العمومية للنقل الحضري المسيرة لجهاز التيليفيريك و ذلك في 19 ماي 2013، و على أساس هذه المراسلة ظلت مصالح الحماية المدنية تنتظر تلقي ممثلين عن المؤسسة للإعداد للمخطط، لكنها لم تتلق أي رد، رغم برمجة مناورات بالتيليفيريك مع المؤسسة حول إجلاء الركاب في حالات الطوارئ و ذلك من قبل فرقة التسلق بالمسالك الوعرة، لكن مهمة الإنقاذ تبقى من اختصاص أعوان المصعد الهوائي الذين تلقوا تكوينا في الخارج. محدثنا قال أن مخطط الإنقاذ الخاص بالتيليفيريك ضروري و يتوجب على مصالحه حيازة عينة منه مثلما هو معمول به بالترامواي، حيث اطلعنا على مخططه الذي يتألف من 64 صفحة، تضمنت جميع تفاصيل الجهاز و طرق التدخل و كيفية التنسيق بين مصالح الأمن و الحماية المدنية و الترامواي في الحالات الطارئة، و هي وثيقة مصادق و مؤشر عليها من الجهة المستغلة و ممثل الوالي، و أضاف السيد طافر أن عدم حيازة مصالحه و الجهات المعنية الأخرى على مخطط إنقاذ، سيجعل التدخلات غير منظمة و غير فعالة و قد تشهد تداخلا في الصلاحيات، محملا المسؤولية للجهة المسيرة في أية مخاطر قد تحدث للركاب لدى الطوارئ. حديث عن «هجرة» العمال و المدير السابق لا يزال متابعا أسرّ لنا مصدر عمالي من داخل تيليفيريك قسنطينة، بأن هذا الأخير لا يزال يعرف «هجرة» للعمال باتجاه قطاعات أخرى خاصة نحو الترامواي، و يتعلق الأمر أساسا بموظفين في مصلحتي الاستغلال و الصيانة، جلّهم شباب فضلوا الحصول على مناصب عمل أخرى بمرتبات أكبر، سيما بعد عدم استجابة الإدارة للمطالب المرفوعة في الإضراب الذي شنوه منذ حوالي عامين للمطالبة برفع الأجور و تلقي بعض المنح، و أضاف مصدرنا أنه لم يتبق سوى 3 عمال إنقاذ، لكن عملهم غير مدرج في القانون الداخلي للشركة و الاتفاقية الجماعية، و هو ما يجعلهم، حسب مصدرنا، «غير محميين» قانونا في حال تعرضهم لمكروه أثناء التدخل، و هي كلها مشاكل تكون وراء إقالة المدير السابق للتيليفيريك، الذي توبع فيما بعد بثلاث تهم تتعلق بسوء التسيير، حصل فيها على البراءة لكن الإدارة طعنت في الحكم و أدخلته مرة في أروقة المحاكم. الإدارة تطمئن "لن نتردد في وقف العربات حفاظا على سلامة الركاب" السيد خرشي عبد الحميد مدير المؤسسة العمومية للنقل الحضري المسيرة لجهاز تيليفيريك قسنطينة، قال أن هذا الأخير وُضع بولايات أخرى لأغراض سياحية، لكنه أنشئ بقسنطينة كوسيلة نقل حضري تعرف استعمالا كبيرا من قبل المواطنين، لذلك يتطلب استغلالها "الحذر و الحيطة"، و إخضاعها دوريا للصيانة حفاظا على سلامة و أمن الركاب، نافيا ما قيل على لسان الحماية المدنية بغياب مخطط إنقاذ، إذ أكد أن هذا الأخير موجود و أطلعنا على ملف مُعنون ب "الإجلاء بعربات تيليفيريك قسنطينة"، أعدته مؤسسة مختصة تدعى «IC3M» و ممضي من المدير العام السابق المتوفى قبل أكثر من سنتين. و بعد أن نفى تسجيل نزيف للعمال، تابع المسؤول قائلا بأن هناك 12 عون مختص في الإنقاذ تلقوا تكوينا، و هم مستعدون، حسبه، للتدخل في الحالات الطارئة، و ذلك موازاة مع القيام بعمليات مراقبة تقنية تشرف عليها كل 6 أشهر، هيئة المراقبة التقنية «فيريتال» المفوّضة من وزارة النقل، مستغربا ما جاء على لسان ممثل الحماية المدنية، حيث قال أن مصالحه تتعاون معهم دوريا بإجراء مناورات، ليختم كلامه قائلا «التيليفيريك وسيلة حساسة و إذا اضطررنا لوقفها حفاظا على سلامة المواطنين سنفعل دون تردد».