الدهوارة : بلاد التين و الرمان ، وإقبال على إختيار القبائليات للزواج الدهوارة واحدة من أفقر بلديات ولاية قالمة حسب المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية المتداولة بين الهيئات المكلفة بالإحصاء و التطور الديموغرافي و مستوى المعيشة و الدخل و الخدمات و البنى التحتية . هي منطقة ريفية صغيرة تقع وسط تضاريس جبلية معقدة بين حمام النبائل و وادي الشحم شرقي قالمة سكانها من عرش واحد هو عرش أولاد الشيخ الذين عمروا المنطقة الجبلية الوعرة منذ أمد بعيد و استقروا فيها مكونين مجتمعا قرويا متماسكا له عاداته و تقاليده الضاربة في أعماق التاريخ . ظل المجتمع الصغير يكبر و يتوسع حتى صار حوضا سكانيا يعمر مساحة واسعة تمتد من حمام النبائل غربا إلى وادي الشحم و مجاز الصفا شرقا . و من بوشقوف شمالا إلى حدود ولاية سوق أهراس جنوبا . مع النمو الديموغرافي المتزايد و التحولات المتسارعة التي تعرفها المجتمعات القروية ، بدأت مشاكل الدهوارة تتزايد و تتراكم بمرور الزمن . لكن أهلها ظلوا صابرين ينتظرون أصحاب القرار المحلي من رؤساء دوائر و ولاة متعاقبين لحل مشاكل المنطقة و الاستجابة لمطالب أهلها المنتشرين بين الأودية و رؤوس الجبال رافضين النزوح إلى المدن المجاورة كما فعل سكان الكثير من الأقاليم الريفية النائية بقالمة عقب تردي الأوضاع الأمنية منتصف التسعينات. مطلب سكان الدهوارة اليوم غاز و طريق معبد و طبيب يعالج المرضى و حافلة نقل توصل التلاميذ إلى المؤسسات التربوية و المواطنين إلى مركز الدهوارة و المدن المجاورة و مساكن ريفية و مزيدا من البرامج الزراعية الصغيرة للقضاء على مشاكل البطالة و الفقر و خاصة لدى الشباب الذين قرروا الصمود فوق أرض الأجداد . قليل منهم فقط من إختار العمل خارج الدهوارة لكنه يحن إليها كل صيف عندما تتحول إلى جنة فوق الأرض فيها بساتين التين و الرمان . و مياه عذبة تتدفق من كل مكان تسقي السكان و المواشي و الزرع و تصل خيراتها إلى رواق العطش ببوشقوف تمده بما يكفي من مياه الشرب المعدنية المحملة على صهاريج تنقلها شاحنات صغيرة تملأ طرقات الدهوارة على مدار الساعة و كأنها في رحلة دائمة بين مصانع مياه عملاقة و حواضر كبرى تطلب المزيد. النصر زارت الدهوارة في يوم صيفي حار و تحدثت إلى المسؤولين و السكان حول المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية بالمنطقة و الآفاق المستقبلية و تطلعات الشباب لمستقبل جديد يغير الصورة النمطية للدهوارة و يخرجها من العزلة و الفقر الذي لازمها سنوات طويلة دون أن يتزحزح و تنكمش دائرته. أكثر من نصف سكان الدهوارة يعيشون في تجمعات ريفية معزولة يعيش في بلدية الدهوارة نحو 8 آلاف مواطن منهم 3 آلاف نسمة بمركز البلدية و البقية يعيشون في تجمعات ريفية بعضها قريب من الدهوارة و بعضها مشاتي نائية تعاني من عزلة خانقة لم يجد لها السكان حلا و لم تتمكن المشاريع المحتشمة التي تستفيد منها الدهوارة بين سنة و أخرى من إنهاء المعاناة المزمنة و فك الحصار على ألاف السكان الصامدين فوق أرضهم رغم العزلة و تردي الوضع الاجتماعي بعدة مشاتي لا تصلها وسائل النقل عندما تسقط الأمطار و يشتد الشتاء القطبي الطويل. يقول رئيس بلدية الدهوارة بالنيابة رابح هداهدية الذي إستقبلنا بمكتبه بأن مشكل الدهوارة هو الطرقات المنهارة و المسالك الجبلية الوعرة التي تضررت تحت تأثير عوامل الطبيعة و الزمن و نقص الصيانة و أصبحت فعلا تشكل عائقا كبيرا أمام السكان و جهود التنمية الريفية، مضيفا بان الوضعية المتردية لشبكة الطرقات بالدهوارة قد أثرت كثيرا على السكان و شلت الحركة بين تلك المشاتي و مركز البلدية أين توجد مرافق خدماتية و تعليمية يحتاجها السكان باستمرار. و حسب المتحدث فإن قطاع النقل المدرسي هو الأكثر تضررا من مشكل الطرقات حيث لم تعد حافلات النقل المدرسي قادرة على الوصول إلى منطقة البسباسة التاريخية أكبر تجمع ريفي بالدهوارة يقع على بعد 20 كلم تقريبا و من الصعب الوصول إليه بسبب انهيار الطريق و صعوبة التضاريس. كما تعاني مشاتي أخرى من العزلة بينها الجفارة، الزوبية، جنان الطويل، بوكرفة، سيدي الزين، عين الزيتونة و غيرها من التجمعات الريفية التي يبدو بأنها ستعاني من العزلة سنوات أخرى إذا لم يتدخل قطاع الطرقات مدعوما بميزانية الولاية لضخ الأموال الكافية لتعبيد المسالك الترابية و إصلاح الطرقات القديمة التي انهارت بسبب توقف أعمال الصيانة سنوات طويلة. و لا تملك الدهوارة من الأموال و المعدات ما يسمح لها بفك الخناق المضروب على السكان فهي بلدية فقيرة تعيش من إعانات الدولة لدفع أجور الموظفين و هي تنتظر تدخل السلطات الولائية لإطلاق مشاريع جادة لإعادة الأمل للسكان الذين لم يعودوا قادرين على التحمل سنوات أخرى بتجمعات ريفية نائية بدأت الحياة فيها تتحول من حلم جميل إلى تعاسة و خيبة أمل وسط الشباب المتعلم الذي يعتزم خوض معركة مضنية مع المسؤولين المحليين لإنهاء مشاكل الطرقات بأرياف الدهوارة أو مغادرة أرض الأجداد إلى وجهات أخرى ربما تكون الحياة فيها صعبة لكن فيها طرقات و خدمات. و قد وقفنا فعلا على الوضع الصعب الذي يعيشه سكان مشاتي الدهوارة عندما توجهنا إلى منطقة البسباسة التاريخية عبر مسلك ريفي طويل يبدو أنه كان معبدا قبل سنوات طويلة لكنه تحول اليوم إلى تراب و حفر و مجاري مائية بمقاطع كثيرة و لم نتمكن من السير فيه بعد أن قطعنا مسافة معتبرة و نصحنا أحد السكان بعدم المغامرة باتجاه البسباسة التي تحتضن كل سنة إحتفالات رسمية كبيرة بذكرى مجزرة رهيبة إرتكبها الاستعمار في حق سكان المنطقة في مارس 1956 لكن هذه المكانة التاريخية التي تميز البسباسة لم تشفع لها حتى الآن و مازال سكانها يدفعون الثمن إلى اليوم. و قيل لنا بأن سلطات ولاية قالمة تعتزم إصلاح طريق الدهوارة البسباسة الذي يخترق عدة مشاتي لكن لا أحد يعرف متى تنطلق الأشغال و متى تنتهي عملية بناء طريق جديد ينهي معاناة السكان و يعيد لهم الأمل من جديد. دمرت الطرقات المنهارة كل حافلات النقل المدرسي بالدهوارة تقريبا . و يتوقع أن تواجه البلدية أزمة نقل الموسم الدراسي الجديد بسبب تعطل الحافلات و رفض الخواص إبرام عقود لنقل تلاميذ المشاتي الذين أصبحوا يعتمدون على الجرارات و السيارات النفعية و الأقدام للوصول إلى الدهوارة و مدارس ابتدائية مجاورة بالكاد يصلها المعلمون في فصل الشتاء. مراكز صحية مغلقة و أطباء و ممرضون يرفضون العمل في المشاتي مشكل الدهوارة ليس طرقات منهارة و نقل فقط بل تغطية صحية أيضا . لا أطباء و ممرضين بالمراكز الصحية المغلقة بعدة تجمعات ريفية و مركز البلدية فيه قاعة علاج صغيرة و عيادة طبية خاصة صاحبها طبيب من مدينة عنابة قرر الصمود في الدهوارة منذ 14 سنة و مساعدة السكان لكنه لم يعد قادرا على مواجهة الضغط الكبير في غياب مرافق صحية كبيرة تعالج المرضى و تحولهم إلى المستشفيات الكبرى في حالة الخطر. و حسب رئيس البلدية فإن إقليم الدهوارة بأكمله فيه 6 قاعات علاج واحدة بمركز البلدية و البقية بمشاتي البسباسة، الربيبة، بوكرفة، لقراير و جنان الطويل. و تعمل القاعات الموجودة بالمشاتي مرة واحدة في الأسبوع لكنها تتوقف عن النشاط مدة طويلة و خاصة في فصل الشتاء و نادرا ما يزورها الأطباء و الممرضون بسبب العزلة و نقص وسائل النقل. و توجد ببلدية الدهوارة سيارة إسعاف واحدة تنقل المرضى إلى حمام النبائل في حال استدعت الضرورة ذلك لكن اغلب حالات نقل المرضى تتم بوسائل خاصة، و يطالب السكان ببناء مستشفى صغير و إنهاء معاناة الحوض السكاني الممتد من الدهوارة إلى وادي الشحم و حث الأطباء و الممرضين على العمل المستمر بقاعات العلاج المغلقة و توفير الأدوية و تنظيم قوافل متنقلة تزور المناطق البعيدة لمعاينة الوضع الصحي للسكان كما فعلت الحماية المدنية بداية السنة الجارية. ثروة مائية كبيرة تصدر خارج الدهوارة رغم العزلة و الفقر و ضعف التغطية الصحية فإن الدهوارة تنعم بثروة مائية معدنية هائلة تكفي حاجات السكان بالمشاتي و مركز البلدية و تصدر إلى البلديات المجاورة التي تعاني أزمة عطش مزمنة كما يحدث بحوض بوشقوف. في كل مشته منابع معدنية متفجرة و في كل بيت حنفية دائمة النشاط و في كل بستان تين و رمان أنابيب تبعث الحياة في الكائنات الخضراء و تحولها إلى جنة فوق الأرض، يقولون بأن الماء هو مصدر سعادة أهالي الدهوارة و لولا نعمة الماء لما بقي فيها بشر في ظل العزلة الخانقة و نقص المرافق الصحية و الترفيهية و حتى التعليمية، هنا في الدهوارة أصبح الماء كل شيء تجارة و زراعة و سياحة و صحة و سعادة أيضا. ثروة كبيرة بدأت تتحول إلى مصدر عيش السكان منهم من يبيع الماء للبلديات المجاورة و منهم من يربي الأبقار و الأغنام و الدواجن و الكثير منهم تحول إلى الشجرة المثمرة من تين أسود شهير إلى العنب و الرمان و الزيتون و خضر و فواكه أخرى بدأت تستقطب كبار التجار من عنابة و باتنة يأتون كل صيف لشراء كميات كبيرة من التين و الرمان و يقترحون أسعارا مرتفعة و يتنافسون في ما بينهم للسيطرة على أحد أهم الأقاليم المنتجة لأجود أنواع الخضر و الفواكه بولاية قالمة. و بما أن الطاقة المائية هي كل شيء بالدهوارة فقد أطلقت البلدية عمليات صغيرة لتهيئة المزيد من المنابع الطبيعية و مد القنوات باتجاه السكان و حقولهم لسقي البساتين المنتشرة في كل مكان و حقول الطماطم و الخضر الموسمية الأخرى. و يولي سكان الدهوارة أهمية كبيرة للثروة المائية يحافظون عليها و يستغلون كل قطرة منها في البيع و سقي الموشي و تكثيف الزراعة و هم يطالبون اليوم ببناء سد صغير على الوادي المار بالمنطقة لتوسيع المساحات المسقية و خلق المزيد من الثروة و مناصب العمل للسكان. مشروع الغاز إنطلق ثم توقف ، وحلم الثانوية بدأ يتحقق قبل أشهر قليلة أطلقت سلطات ولاية قالمة مشروع الغاز الطبيعي بالدهوارة في إحتفالية كبيرة . و بدأت شركة الإنجاز في العمل المكثف قبل أن تغادر المنطقة بلا رجعة و السبب حسب مسؤولي بلدية الدهوارة ربما يكون مرتبطا بمشاكل إدارية و تقنية تكون قد إعترضت الشركة و أجبرتها على تأجيل الأشغال إلى وقت لاحق. لا حديث بين سكان الدهوارة إلا على مشروع الغاز المتوقف و آجال استئناف الأشغال و التجمعات الثانوية المبرمجة بعد مركز البلدية التي تعاني أزمة وقود كل شتاء حيث لم تعد أسطوانات الغاز تكفي لمواجهة الطلب المتزايد و خاصة بمركز البلدية. و يأمل السكان في عودة الشركة إلى موقع الإنجاز و إنهاء أشغال الحفر و مد الشبكات قبل حلول الشتاء حيث تعاني شوارع الدهوارة من الحفر و الأتربة و الأوحال و انهيار الأرصفة و لم تسجل بها عملية تهيئة حتى الآن في انتظار مد شبكات الغاز و تجديد شبكات المياه القديمة. خيبة الأمل الناتجة عن توقف مشروع الغاز قابلتها فرحة أخرى بانطلاق مشروع الثانوية الذي انتظره السكان طويلا إلى جانب متوسطة جديدة ستخفف مشكل الاكتظاظ الذي تعاني منه المتوسطة الوحيدة الموجودة بالمنطقة. و يدرس تلاميذ الدهوارة بثانويات وادي الشحم و حمام النبائل و يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مقاعد الدراسة كل يوم في ظل أزمة نقل حادة مازالت دون حل إلى اليوم. إقبال الشباب على الزواج بقبائليات الدهوارة عرش واحد يسمى أولاد الشيخ . سكانه محافظون متضامنون في ما بينهم هادئون و صابرون في مواجهة العزلة و نقص المرافق و قسوة الطبيعة الجبلية ، عرش متماسك له عادات و تقاليد عريقة لم يتخل عنها إلى اليوم كالولائم التي تقام كل سنة بمواقع يعتقد السكان بأنها أرض الأولياء الصالحين الذين ظلوا يحرصون المنطقة الجبلية الصعبة. تشبه الدهوارة قرى منطقة القبائل في كل شيء . الطبيعة الجميلة ، انتشار السكان بين الجبال و البساتين و التقاليد العريقة و روح التضامن و هي العوامل التي استقطبت الفتاة القبائلية و دفعتها إلى الزواج من شباب الدهوارة و الإستقرار بالأرض الجديدة التي لا تختلف كثيرا عن القبائل الكبرى أين تقوم المرأة بدور كبير في مجال الزراعة و تربية المواشي و مساندة الرجل في مواجهة تحديات الحياة. و بدأت قصة الفتاة القبائلية مع الدهوارة منذ سنوات قليلة عن طريق شباب يعملون بمنطقة القبائل في الأسلاك النظامية أو مواقع أخرى . يقولون بأن أول تجربة للزواج من قبائلية و جلبها إلى الدهوارة كانت فأل خير على عرش أولاد الشيخ الذي أعطى الضوء الأخضر لرجاله لجلب المزيد من القبائليات نكاية في الفتاة القالمية التي ترفض الأقاليم الجبلية النائية و تفضل الحواضر و حياة البذخ و الفوضى التي غالبا ما تنتهي بمآسي و مشاكل عائلية مدمرة.