منجم عملاق ممزوج بالتلوث البيئي ..وأفران تنصهر فيها أطنان من المشاكل يعتقد كثيرون أن الونزة منجم عملاق من الحديد، لا مكان فيه إلا للون الرمادي والأحمر الأرجواني المتطاير أثناء تفجيرات إستخراجه، وأن يوميات قاطنيها مغلقة داخل محار لا تخرج عن دائرة إنتاج هذه المادة وتنفسها في آن، غير أن المتصفح لدفاترها وأيامها يقف على مجتمع متحرر نابض بالإبداع وحالم بغد متلألئ بجميع ألوان الطيف، وهو إلى جانب ذلك مكبل كباقي سكان بلديات الولاية بانشغالات أخرى ذات الصلة بواقعه، على غرار التهيئة والعمل والسكن والماء ونظافة المحيط ورفع القمامة. روبورتاج : الجموعي ساكر لم يكن يدرك ذلك المهندس الأوروبي أن اكتشافه للحديد بمنطقة الونزة في ثمانينيات القرن ما قبل الماضي، قد أحدث ثورة في المنطقة، فوقع بإكتشافه ذاك على وثيقة الحياة لهذه المدينة التي تقول إحدى الروايات أنها أخذت إسمها من إسم إبنة مكتشف الحديد فيها، ومن هنا إنطلق الفن الرابع والسابع في فترة ما قبل الاستقلال واستمر إلى غاية الثمانينيات، وغير بعيد عن هذا المكان صدحت حناجر الفنانات والفنانين بقاعة الأفراح ذات العمران المتقدم عن عصره، وبهذه النقطة إنطلقت مسيرة أولمبي الونزة الرياضية في عشرينيات القرن الماضي وإنطلقت معه آمال شباب تلك المرحلة والمرحلة اللاحقة، أين بعثت الونزة على أنقاض المعدن النفيس الذي أعاد لها الاعتبار، وجعلها بالمقابل قطبا مهما في معادلة الإنتاج والتسويق للخارج. فطفت هذه المدينة إلى سطح الأحداث بعدما كانت نسيا منسيا، وبدأت الحياة تدب في رحم حقولها المكتشفة التي مدت بها خطوط السكة الحديدية الكهربائية لأول مرة بالجزائر، كما تخلت الجبال والوهاد عن سكونها وانخرطت في موجة الانتاج والإنتاجية مستعينة بلفيف من العمال الذين استقدموا للعمل في الكنز المعدني المكتشف، فنمت أحياء وظهرت مساكن وبناءات هي أقرب للمحتشدات يومذاك، بيد أنها تحولت مع شمس الاستقلال إلى عمارات ومبان راقية تليق بالإنسان وبأهمية المكان، وبنيت مدينة الونزة على منجم من الحديد وأنشئت كبلدية عام 1957، ويقدر تعداد سكانها بأكثر من 58 ألف ساكن يعيشون على 151 ألف كيلومتر مربع، واشتهرت هذه البلدية بمقاومة سكانها للإستعمار الفرنسي وخاض مجاهدوها من أمثال جبار عمر وبوجابر عبد الواحد وبن زين عثمان عدة معارك أشهرها معركة ملاق وبوعمود وجبل الونزة. منجم للحديد وغبار وغياب للتهيئة وبؤس شديد والزائر لمدينة الونزة، يلاحظ أن سكانها تعايشوا مع نعمة الحديد بالرغم من الآثار الجانبية لاستغلاله على صحتهم، فالعديد من المباني إرتدت حلة مستوحاة من غبار الحديد المتصاعد في سمائها، كما تعود مواطنوها على دوي التفجيرات المستعملة في استخراج هذه المادة الأولية، وإرتبط وجودها في الجزائر المستقلة وقبلها بمنجمها للحديد الذي دخل مرحلة الاستغلال في عام 1925، ويعد الممول الرئيس لمركب الحجار للحديد والصلب بإنتاج سنوي فاق 374 ألف طن سنة 2014، وتقدر طاقته الإنتاجية النظرية بمليون ونصف المليون طن سنويا ويشغل حاليا 804 عمال وهو مستغل من قبل شركتي فرفوس وسيدار عن الجانب الجزائري وشركة أرسيلور عن الجانب الأجنبي وفق القاعدة الاستثمارية 51/49 التي تنتهجها الجزائر، ورغم عراقة النشاط المنجمي وارتباط إنسان هذه المدينة به، إلا أن تفجيرات استخراجه تتسبب أحيانا في تشقق أسقف وجدران البيوت المجاورة له، فيما يرى المهتمون بالبيئة بأن إنتاج هذه المادة بقدر ما حققه للمدينة من مكاسب إلا أنه بالمقابل أفرز تسجيل أمراض تنفسية وحساسية لأبناء الجهة وخاصة – السيليكوز-. ويناشد المواطن المتعامل الجزائري والأجنبي الاهتمام بنظافة المحيط وحماية البيئة، ويعيب هؤلاء على المتعاقبين على الولاية عدم إنجاز مؤسسات ومنشآت إقتصادية أخرى لإمتصاص أعداد البطالين التي تتزايد من سنة لأخرى، والرهان منصب على مختلف المشاريع الاستثمارية القادمة لاعطاء دفع لمئات المنتظرين لفرص العمل إذا علمنا أن مصالح البلدية تحصي قرابة 3500 بطال، في حين لا تتوفر هذه الجهة إلا على مؤسسة وطنية أخرى للألات القاطعة – فاموس –. وبين عراقة الحديد بالمدينة هناك بؤس شديد ناتج عن تمركز أكثر من 85 بالمائة من سكانها في المناطق الحضرية، فيما تتوزع النسبة المتبقية على التجمعات الثانوية والمناطق المبعثرة، وتخنق هذه الوضعية صعوبات كبرى للمجالس المسيرة لهذه البلدية التي تجد نفسها في كثير من الأحيان في مواجهة مفتوحة مع الطلب المتزايد للسكن والعمل والتهيئة والصحة وغيرها،وببلدية الونزة 3 مجمعات سكنية بالنواصرية ووادي القصب وعين سيدي صالح التي تحولت إلى شبه حضرية بعدما كانت عبارة عن قرية اشتراكية، وتدعمت البلدية مؤخرا بمشروع لبناء وتجهيز مكتب لاستقبال المواطنين بقيمة 226 مليون سنتيم وهو حاليا في مرحلة التقييم. ويأمل رئيس هذه البلدية إضافة فروع جديدة للفروع الثلاثة الحالية وذلك تماشيا مع المهام الجديدة التي عهدت للبلديات في الفترة الأخيرة، ومنها إستخراج جوازات السفر البيومترية وبطاقات التعريف الوطنية، وبين حلم سكانها اليوم والواقع المعيش مساحة من المشاكل المتراكمة التي كبرت ككرة الثلج مع الأيام وبات من الضروري إيجاد حلول لها، وتأتي مشكلة التهيئة في صدارة اهتمامات المواطنين بعدما أثرت شبكات التطهير والمياه المستحدثة في البنى التحتية للمدينة، كما يشغل بال المواطن الونزي قضية توزيع السكن الهش الذي يشكل هو الآخر صداعا للمسؤولين المحلين ويتمنون غلق ملفه نهائيا بعدما ارتفع في ثالث إحصاء إلى حدود 2300 مسجل حسب رئيس البلدية. 89 مشروعا استثماريا عموميا في عدة قطاعات للبلدية استهلكت هذه البلدية أكثر من 54 بالمائة من المشاريع والاستثمارات العمومية المخصصة لها سواء في إطار البرامج القطاعية أو البلدية، وتضمنت 89 عملية موزعة على عدة قطاعات حسب مديرية التخطيط، وتجري حاليا الأشغال على قدم وساق لإنجاز 1414 مسكن لامتصاص السكن الهش و400 مسكن عمومي إيجاري. وكانت مديرية السكن قد تعهدت في ختام زيارة الوالي للونزة بتوزيع 430 مسكن قبل نهاية السنة الجارية وتسليم المفاتيح لأصحابها الذين ينتظرون على أحر من الجمر، بيد أن بعض مقاولات الإنجاز في موقف لا تحسد عليه بالنظر لنقص اليد العاملة وتحدي تسليم هذه المساكن في آجالها المحددة، كما اقترحت البلدية أكثر من 10 تحاصيص إجتماعية على مساحة 89 هكتار لتوفير 2238 قطعة بناء لطالبي السكن. والزائر لبعض الأحياء القديمة يدرك أن الونزة قد قطعت أشواطا مهمة في مجال السكن وتخلصت رويدا رويدا من بعض تلك المساكن القصديرية الأشبه بالمحتشدات، إذ أزالت الاستثمارات العمومية والمشاريع الممونة من طرف البنك العالمي في التسعينيات وما بعده تلك المساكن وخاصة بحي البياضة القديمة رمز المقاومة إبان الفترة الاستعمارية، وتمكنت الجهات المعنية من إنجاز قرابة 3000 مسكن في هذا المجال وتبقى البلدية بحاجة لحصص إضافية للقضاء نهائيا على السكن الهش والفوضوي. أما في مجال التهيئة العمرانية برمجت مديرية البناء والتعمير 7 أحياء من أصل 26 حيا، وذلك بعد إجراء مسح شامل للمدينة والوقوف على التدهور الذي طالها نتيجة تجديد شبكات المياه والري وحماية المدينة من الفيضانات، وفي هذا الصدد إنتهت أشغال التهيئة ب 3 أحياء مبرمجة، بينما توقفت الأشغال في الحي الرابع لوجود تسربات مائية حسب - المير- فيما ينتظر منذ عدة أشهر سكان حي النهضة والحي االعمراني الانطلاق في المشروع. ويقترح في سياق آخر رئيس البلدية فتح مسالك وطرق فرعية لتخفيف الحركة المرورية على الطريق الرئيس للونزة الذي يتجاوز طوله 7 كلم، كما يحتاج الطريق المؤدي من الونزة إلى بلدية العوينات لعملية إعادة الاعتبار، ويراهن السكان على برمجة مشروع طريق إجتنابي إنطلاقا من النقطة الدائرية إلى قرية عين سيدي صالح وفتح المسالك الريفية لفك العزلة عن المشاتي إذا علمنا أن بلدية الونزة يمر بها طريقان وطنيان رقم 82 و88. القطاع التربوي والمهني من جهته يضم 3 ثانويات و7 متوسطات و27 إبتدائية ومركز للتكوين المهني، وتجري حاليا الأشغال لإنجاز متوسطة ومجمع مدرسي جديد، في حين استفادت الونزة كذلك من 17 قسما توسيعيا أوشك أغلبها على الانتهاء، كما تدعمت ب 3 مطاعم مدرسية بسعة 100 و 200 وجبة يوميا وذلك لضمان تمدرس جيد بمدرسة حي الأمل ومدرسة طريق المريج ومدرسة حي الزوابي، ويعول رئيس البلدية على السلطات بالولاية لبرمجة بناء ثانوية ومتوسطتين وذلك لتخفيف الضغط الحاصل في الطورين ببعض المؤسسات. أما بالنسبة لقطاع الري والمياه فذكر المير أن بلديته ممونة من 15 خزانا وهو رقم غير كاف بالنظر للاحتياجات اليومية للمواطنين التي ستتزايد مستقبلا، ويأمل معالجة التصدعات التي طالت أجزاء من شبكة نقل المياه الحديثة والعمل على إستكمال التوصيل لحيي 6 ماي والأمل، وتطالب البلدية بإلحاح التخلي نهائيا عن الشبكة القديمة لنقل مياه الشرب لإهترائها، وبالتوازي مع ذلك خلق ممرات بمشاريع حماية المدينة من الفيضانات، إلى ذلك علمنا أن البلدية استفادت من مشروع جديد لتزويد منطقة عين سيدي صالح بالشرب بقيمة 207 ملايين سنتيم وهو حاليا في طور الدراسة. قطاع الصحة يضم هو الآخر 5 قاعات علاج و4 عيادات متعددة الخدمات بالحي المركزي والزوابي و6 ماي والأمل، كما يضم مؤسسة استشفائية بطاقة 120 سريرا يسيره طبيب مختص و26 طبيبا عاما وجراحي أسنان و172 عاملا شبه طبي، ويشتكي المرضى من نقص الأطباء المختصين مما يدفع بهذه المؤسسة الى تحويل مرضاها إلى مستشفيات الولايات المجاورة، وعلى صعيد آخر تدعمت البلدية بمشاريع أخرى للتخفيف على المواطنين على غرار إنجاز شبكة الإنارة العمومية إنطلاقا من وسط المدينة باتجاه سوق اهراس وتهيئة مداخل مدينة الونزة وتعبيد الطرق البلدية، ومن المرتقب أن تدخل المحطة البرية صنف ج الخدمة في الفاتح من نوفمبر المقبل بعدما كانت عرضة للاهمال والتخريب لعدة أشهر، كما ستسلم قبل نهاية سنة 2015 المفاتيح ل 430 مستفيدا من السكن في إطار البرنامج الموجه لامتصاص السكن غير اللائق، وسيدشن المسبح نصف الأولمبي الذي بلغت نسبة تقدم الأشغال به ال 20 بالمئة منتصف العام المقبل، وسيعاد الاعتبار لقاعة الأفراح والسينما التي تعد ذاكرة ثمينة للونزويين بعدما تنازلت عليها البلدية لصالح قطاع الثقافة. التجاذبات داخل المجالس المنتخبة أطاحت ب 7 أميار في أقل من عهدتين يحمل المواطن بالونزة المنتخبين المحليين جزءا من المسؤولية في المشاكل التي يتخبط فيها، مؤكدا في هذا الإطار بأن التجاذبات داخل المجالس المنتخبة لهذه البلدية قد أطاحت ب 7 رؤساء بلديات في أقل من عهدتين، وقد إنعكست تلك الوضعية على البلدية والمشاريع المنجزة، كما ساهمت ضغوطات أصحاب المصالح في هذا الفراغ الذي كان قد أشار إليه والي الولاية علي بوقرة لدى زيارته الأولى لهذه البلدية، أي حمل جزءا من المسؤولية في تأخر المشاريع للصراعات داخل المجالس الشعبية المنتخبة، ودعا بالمقابل إلى التحلي بالمسؤولية وتغليب المصلحة العامة وتفادي الصراعات المختلفة التي تؤثر على متابعة المشاريع، وأعاب على بعض المتدخلين من المجتمع المدني حكمهم المسبق على الإطارات والمنتخبين ووصفهم بالمقصرين والعاجزين، ولم يخف في الوقت نفسه إنزعاجه من نوعية الانجاز لبعض المشاريع محملا مكاتب الدراسات مسؤولية متابعتها، معتبرا دائرة الونزة محظوظة وقد استفادت كغيرها من البلديات الكبرى بالولاية من مختلف البرامج التنموية ومنها برنامج تنمية الهضاب العليا ولم تهمش كما قال، غير أن الصراعات التي سادت مجالسها المنتخبة أخرت تجسيد العديد من المشاريع، ودعا إلى إقحام المجتمع المدني في التسيير وجعله قوة اقتراح في إطار الديموقراطية التشاركية، وأوضح المتحدث ان نظرة السلطات استشرافية لدائرة الونزة مثل نظرتها للدوائر الكبرى كتبسة والشريعة وبئر العاتر وتحتاج بلدية الونزة حسب مديرية التخطيط في المديين القريب والمتوسط، لعدة عمليات استثمارية عمومية على الأقل لمواجهة متطلبات السكان وحاجاتهم المستقبلية، إذ تحتاج لمشاريع لانجاز 4546 مسكن بالتجمع الحضري و126 بالمناطق المبعثرة، كما تحتاج لعدة مكاتب بريدية وأزيد من 9885 خط هاتفي، كما بحاجة لمركز للردم التقني وإلى عملية استثمارية لتحويل مرفأ تعبئة خام الحديد إلى خارج المدينة، وتشجير أكثر من 900 هكتار وربط أكثر من 4700 مسكن بالكهرباء و8500 مسكن بالغاز، ولمواجهة النمو الديموغرافي فالقطاع التربوي مطالب ببرمجة ثانوية و35 قسما توسيعيا و10 حجرات في الطور المتوسط.