يشير الخبراء إلى أن الجزائريين يرمون يوميا بين مليونين إلى خمسة ملايين خبزة في المزابل، وفي المقابل يصل حجم استهلاك المادة إلى 27 مليون رغيف يوميا بمتوسط يلامس الكيلوغرام للفرد الواحد، ما يجعل الجزائري أول مستهلك للخبز و أول مبذر له في نفس الوقت، وهي مفارقة تطرح تساؤلات حول الحاجة إلى دعم الخبز أو على الأقل إلى الأشكال الحالية للدعم، ما دامت نسبة 20 بالمائة منه تهدر. فتلك المادة المقدسة في القاموس الغذائي لكل الشعوب تحوّلت في الجزائر إلى مجرد فائض عن الحاجة يتم التخلّص منه دون تفكير، في سلوكات تعكس حالة من عدم التحكم في الحاجات الغذائية، ويكفي النظر إلى حاوية قمامة في أي شارع مهما كان مستوى سكانه الاجتماعي للتأكد من أن الظاهرة تكاد تكون عامة. الدولة وفي خضم الأزمة الاقتصادية وما تتطلبه من إجراءات تقشف طمأنت بأنها لن ترفع يدها عن المواد الأساسية وعلى رأسها الخبز، لكن هذه السياسية الاجتماعية وإن كانت في صالح فئات كثيرة تحتاج على الأقل إلى إعادة نظر وفق ما يراه مختصون، لأنه من غير المنطقي الحديث عن ترشيد النفقات والخبز يرمى في المزابل فيما تواصل الخزينة العمومية الإنفاق على فاتورة غذائية دسمة يأتي استيراد القمح على رأسها، فإلى جانب كوننا أول مستهلك للخبز ندرج سنويا ضمن الأربع دول الأكثر استيرادا للقمح. كميات مهولة من المادة تخرج من الأفران يوميا لكن نسبة كبيرة منها لا تستقر في بطون البشر، بل تتحول إلى غذاء للمواشي التي يفترض أن تدرج ضمن احتياطات دعم هذه المادة الأساسية وميزانيات العائلات، ما دامت تشاركنا استهلاكها إلى درجة أننا نخصها بحصة يومية، نحفظها في أكياس توضع بأماكن معروفة حتى نضمن وصولها إلى الحيوانات، أو نرميها من النوافذ كي يتلقفها مرب أو وسيط وجد في بيع اليابس من خبزنا ثروة تغنيه عن العمل، وبلغ الأمر حد اعتبار جامع الخبز بمثابة مكلف بمهمة تطهير مدننا من آثار سوء الاستهلاك. المزابل أيضا تنال حصتها من مائدة الجزائريين بما تحتويه من خبز بحجة أن المادة تصبح غير صالحة للاستهلاك بعد يوم من اقتنائها، وإذا كان الخبازون يعترفون بأن الخبز صناعة تراجعت بسبب نقص العمالة المؤهلة وثقافة احتقار بعض المهن، ولا ينكرون بأن المادة تصبح مطاطية بعد ساعات من طهيها، بسبب التخلي عن الطرق التقليدية للصنع، فإن مختصي التغذية يرون بأن الجزائري لا يحسن صناعة الخبز ولا حفظه ولا حتى استهلاكه، أما الواقع فيؤكد بأنه يحسن تبذيره والتخلص منه ما دام لا يكلفه الكثير، عكس ما نجده في دول أخرى حتى الأكثر تطورا، فسعر 8.5 دج أو لنقل العشرة دنانير المطبقة بشكل غير رسمي منذ حوالي سنتين، يعد الأقل عالميا في نظر الخبراء ومن أسباب " الاستخفاف" بالخبز في بلادنا. صحيح أن المواطن يستهجن رمي الخبز لكنه يقوم بهذا الفعل يوميا وفي مواعيد تكاد تكون مضبوطة، فيما يستغل عمال النظافة و قناصو الفرص الأمر لممارسة تجارة مبنية على أنقاض ثقافة استهلاكية حولت خبزنا إلى مجرد قمامة وعلف، والغريب أننا نجد من يرمي الخبز هو نفسه من يستهجن الظاهرة ويقبّل الرغيف إن داسه في الشارع لكنه يضعه في نفس الشارع فوق حجر معتقدا بأنه بذلك يصونه.