عيادات مفتوحة بالأرصفة والصيادلة يحذرون من التسممات تحولت بعض الأرصفة بمدينة قسنطينة إلى عيادات مفتوحة يستشير فيها مواطنون شيوخا في طرق التداوي بالأعشاب الطازجة المعروضة في محيط الأسواق وعلى أطراف بعض الشوارع، مفضلين الأخذ بنصائح باعة على اللجوء إلى الأعشاب المعدة طبيا لاستعمالات مختلفة. الباعة يؤكدون معرفتهم التامة باستخدامات مختلف الأعشاب بحكم ممارستهم للنشاط منذ عشرات السنين، فيما يحذر الصيادلة من الاستعمالات الخاطئة لأعشاب قد تتحول إلى سموم، أما المواطنون فيرون في ما هو معروض أعشابا خالصة خالية من المواد الكيميائية ويفضلونها طازجة ، إضافة إلى عامل السعر الذي يدفع إلى خارج الصيدليات. ففي الوقت الذي أصبحت الأعشاب المعلبة أو الأدوية المصنوعة من مكونات نباتية تأخذ حيزا كبيرا في الصيدليات، لا تزال الأعشاب التقليدية المعروضة على الطاولات كالتيزانة، الزعتر، الخزامة، الريحان و غيرها تٌحافظ على مكانتها و تلقى رواجا خاصة في فصل الشتاء، إذ يلجأ إليها الأشخاص كعشبة التيزانة لمعالجة التهاب اللوزتين و الزكام، ظنا منهم أنها طبيعية و لا تخضع لأي مكون كيميائي، يُقلل من فوائدها الصحية، كما أنهم تعودوا على اقتنائها منذ الأزل من باعة يمتهنون بيع الأعشاب على حافة الأرصفة، و ذلك على اعتبار أن الأمر يتعلق بشيوخ لهم خبرة كبيرة في المجال، حيث يستشيرونهم في كيفية ودواعي استعمالها و الآثار الجانبية التي يمكن أن تحدثها. النصر قامت باستطلاع وسط مدينة قسنطينة للتأكد من مدى انتعاش هذه التجارة، و حاولت البحث عن تُجار الأعشاب الطبيعية، إذ توجهنا إلى الأماكن المعروفة منذ سنوات بمزاولة هذا النوع من النشاط، حيث قال لنا مواطنون أنهم أشخاص أصبحوا معروفين لدى القسنطينيين منذ عشرات السنين، غير أنفهم تقدموا كثيرا في السن، و بالرغم من ذلك لم يتخلوا عنها و منهم من يعتمدها كمدخل رزقه الوحيد. جمال بوريو هو تاجر أعشاب بسوق العصر بقسنطينة، في 66 سنة من العمر، قال بأنه بدأ هذا النشاط منذ أن كان في 15 من العمر بذات المكان الذي لم يغيره إلى حد الآن، و يعتبر مصدر دخله الوحيد، الذي يعيل به أسرته المكونة من أربعة أبناء، حيث يعرض مختلف الأعشاب الطبيعية من ريحان، و إكليل و نعناع، وكذا الرند ، بسعر 50 دينارا للحزمة الواحدة، موضحا بأنه يقوم بشرائها بالجملة من أمام بلدية قسنطينة ، إذ تعرف إقبالا حسبه على مدار العام نظرا لسعرها الزهيد، كما أن المواطنين يفضلونها باعتبارها طبيعية مئة بالمائة، مضيفا بأن الزبائن يطلبونها على مدار العام لمعالجة بعض الأمراض كآلام المعدة و القولون، كما أنهم يستشيرونه حول كيفية استعمالها و فوائدها، على اعتبار أنه له كما يقول خبرة كبيرة في المجال. وأكد بائع وجدناه أمام مدخل سوق الإخوة بطو يبلغ من العمر 77 سنة، بأنه يزاول هذا النشاط منذ أن كان صغيرا، و يعتبر جبل بونعجة في ميلة مصدر الأعشاب التي يبيعها، حيث يعرض مختلف أنواع الأعشاب من الاكليل ، الدرياس « المعروف ببونافع» و النعناع و كذا الشيح و الرند، قائلا بأنه يُقصده الكثير خاصة الأشخاص المسنين، موضحا بأنه يقدم لهم دائما النصائح و كذا فوائد كل عشبة، مشيرا بأن الشيح مفيد لآلام البطن و الاكليل للقولون و بونافع لآلام المفاصل. المساحات المخصصة لبيع الأعشاب التقليدية تتحول إلى منبر لتبادل النصائح بين المشترين في حد ذاتهم، اذ لاحظنا في عين المكان، امرأة و رجل يتجادلان بخصوص طريقة استعمال عود الدرياس في معالجة آلام المفاصل، حيث أطلعته على طرق أخرى لاستعماله، قائلة بأنها لم تعد تكتفي بالدهن به مباشرة و إنما تقوم بغليه في الزيت و استعمال هذا الاخير كمرهم. كما صادفنا عددا من المشترين تحدثنا إلى البعض منهم، و قالوا بأنهم تعودوا على اقتناء الأعشاب الطبيعية الطازجة باعتبار أنه لا تيضاف لها أي مكون آخر و تأتي مباشرة من المصدر إلى المستهلك، حيث تكون فعاليتها أفضل من تلك التي تُباع في الصيدليات على حد قولهم، إضافة إلى أن سعرها رمزي يترواح بين 30 و 50 دينارا. الصيدليات بدورها أصبحت تُخصص حيزا كبيرا لعُلب الأعشاب الطبية بمختلف أنواعها، فبعد أن كانت تقتصر فقط على التيزانة، أصبحت تعرض مختلف الأنواع لكن في شكل علب أو مشروب أو حتى مرهم، كما لاحظنا وجود أدوية مصنوعة من مستخلصات نباتية، نريمان صيدلانية بوسط مدينة قسنطينة، قالت بأن الأعشاب التي تُباع في الصيدليات تختلف عن تلك الموجودة في المحلات أو المعروضة فوق الطاولات، باعتبارها أعشاب صحية و تخضع لتحاليل في المخبر، كما أن الكميات الموضوعة في العلب مدروسة، وهي مرفقة بطريقة و احتياطات الاستعمال، و كذا الآثار الجانبية و مدة الصلاحية، مضيفة بأنه لا تُضاف لها أية مواد كيمائية كما يُروج له، محدثتنا قالت بأن الأعشاب الطبية، أصبحت تلقى إقبالا من قبل المواطن، خاصة المتعلقة بتخفيض الوزن و معالجة الأرق و السعال و الزكام و تقوية الذاكرة، باعتبارها صحية و لا تُشكل أي خطر على الإنسان، على عكس المعروضة في الخارج و التي يجهل الكثير طريقة و دواعي استعمالها، مشيرة بأنها قد تُشكل خطورة كبيرة على صحة الإنسان و تعقد وضعه الصحي خاصة إذا كان يعاني من أمراض أخرى، فاستعماله يتطلب استشارة أطباء و مختصين سيما إذا كان الشخص يتناول دواء آخر، كما أن الكثير يجهل طريقة استعمالها حيث يقوم بغليها و شربها، و هذا خطأ حسبها لأن كل عشبة لها خصوصية معينة، و غليها قد يتسبب في إصابة الإنسان بتسممات، لأن معظم الأعشاب الطبية تترك سموما عند غليها في درجة حرارة معينة، حيث نصحت بتجنب غلي الأعشاب، و هو ما سبق و أن حذر منه أخصائيون في علم السموم.