وثائق تاريخية هامة عن الجزائر عرضت في مزادات عالمية كشف رئيس المركز الوطني للأرشيف عبد المجيد شيخي، بأن مصالحه تدخلت في عديد المرات، لمنع بيع وثائق ومخطوطات هامة تخص تاريخ الجزائر، كانت تتداول في مزادات علنية في دول العالم، منتقدا في حوار خص به النصر، طريقة كتابة تاريخ الجزائر و تقصير الجامعات في ما يخص هذا الجانب، كما تحدث عن أهم محتويات الأرشيف الوطني ومعوقات رقمنته. .النصر: وقفت النصر مؤخرا على واقع كارثي لوثائق تاريخية و إرث إنساني مهمل داخل أقبية مؤسسات وهيئات عمومية، لماذا يزدرى الأرشيف في الجزائر ولما لا تتدخلون لتثمين و جرد ما هو موجود؟ عبد المجيد شيخي: بالفعل هو واقع لا يمكن أن ننكره أو نتجاهله، هناك كم كبير من الوثائق ذات القيمة التاريخية و الإنسانية الهامة مهمل، و السبب هو غياب ثقافة الأرشيف لدى المسؤولين بالدرجة الأولى و المواطنين كذلك، فنحن لا نقيم وزنا للمصادر التاريخية الضرورية لكتابة التاريخ و معرفة مسار الشعب الجزائري على مر العصور، وهو عمل عام لا يمكن للمركز الوطني وحده أن يقوم به، رغم ذلك فهذه الهيئة تقوم منذ أزيد من 10 سنوات بنشر الوعي بأهمية هذه المصادر، لكنه في النهاية مسعى لن يتحقق إلا بتضافر كل الجهود وعلى كافة المستويات، فالمؤسسات مطالبة بتوعية موظفيها، والمواطنون معنيون كذلك بهذا المسعى وإلا ضاع جزء كبير من تاريخنا. أما بالحديث عن الجرد، فهو موجود، لأن المؤسسات عادة تقوم بجرد ما يتوفر لديها من وثائق و تخزنها في مكان معين، مرآب أو غيره، لكن المشكل يكمن في غياب الاهتمام بما هو موجود و الحفاظ عليه من خلال فرزه و تصنيفه و لما لا إثرائه و إعداده ،ليكون في متناول المواطنين و الباحثين على حد سواء وهنا يكمن التحدي الأكبر. توفير الأرشيف كمادة للبحث يتطلب رقمنته، وهي خطوة لم تر النور رغم تفعيل مخطط عصرنة الإدارة لماذا؟ مشكل تأخر مشروع رقمنة الأرشيف مادي، فبالرغم من أن هذه العملية لا تكلف الكثير حوالي 4 إلى 5 مليون دج، وهي قيمة تعتبر مقبولة ،مقارنة مع ما تتطلبه قطاعات أخرى إلا أن المكلفين بإعداد الميزانيات السنوية للمؤسسات و الهيئات لا يأخذون هذا الجانب بعين الاعتبار. فضلا عن ذلك، فإن هناك نقصا فادحا في الموارد البشرية، فمعظم حملة الشهادات في اختصاصات الأرشيف، يفضلون العمل في القطاع الخاص على الوظيف العمومي، بحثا عن محفزات مادية أكبر، وهنا أنوه إلى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هيكلة أجور عمال هذا القطاع و الخروج من ثقافة التطوع. نعتمد على حرفيين لترميم وثائق ذات قيمة تاريخية هامة ألا يعد نقص المختصين في مجال الأرشيف عائقا أمام إثراء المخزون وحماية ما هو موجود؟ بالفعل هو كذلك، الجامعات الجزائرية تكون طلبة في علم المكتبات و الأرشيف، إلا أن هؤلاء الأفراد يركزون على التخرج بالدرج الأولى، لذا يسارعون إلى إعداد مذكرات ماستر و دكتوراه نظرية، لا تعتمد على البحث التطبيقي و التحقيق المعمق الذي من شأنه إثراء قدراته و توفير كفاءات حقيقية. فضلا عن ذلك فإن عددا من التخصصات الدقيقة قد تم التخلي عنها في الجامعات كالترميم مثلا، وهو ما وضعنا أمام حرج حقيقي، يدفعنا في كل مرة إلى الاستعانة بحرفيين بسطاء يعتمدون على تقنيات بدائية و وسائل تقليدية لإنقاذ أو استرجاع وثيقة معينة. هل أفقدنا ذلك الكثير؟ بطبيعة الحال، الأرشيف يتطلب عملا مستمرا وعناية مستمرة بالأوراق القديمة التي تكون عادة مهترئة أو في وضعية سيئة و يستدعي الحفاظ عليها أو استرجاعها تقنيات دقيقة و متطورة. مزادات تداولت وثائق عن تاريخ الجزائر وسجلنا محاولات تهريب عكس دول عديدة يشكل عرض المخطوطات النادرة مصدر دخل، كما هو الحال بالنسبة لبرديات مصر و وثائق أبراهام لنكولن في أمريكا، لماذا لا نحاول توظيف الأرشيف اقتصاديا في بلادنا؟ كما سبق و ذكرت الإشكالية تتعلق بغياب أو ضعف ثقافة الاهتمام بالأرشيف هذا من جهة، لكن من جهة ثانية، لابد من التوضيح بأن تطبيق الفكر الاقتصادي على الأرشيف لا يعني بيعه أو المساومة عليه، لأنه أمر ممنوع في الجزائر، وقد سبق لنا أن تدخلنا خلال مزادات علنية في العديد من دول العالم، لمنع بيع وثائق و مخطوطات هامة تخص تاريخ بلادنا و ساهمنا في استرجاعها. إلى أي فترة تعود هذه الوثائق و هل سجلتم محاولات اتجار بالأرشيف في الجزائر؟ وثائق متنوعة منها ما يمتد إلى القرون الوسطى أو الحقبة العثمانية، فما يبدو لشخص غير مهم، قد يكون ذو قيمة كبيرة بالنسبة للباحثين و جامعي القطع التاريخية، وهو أمر غير شائع عموما في الجزائر، لأننا لا نقيم التاريخ بالشكل الصحيح و السبب هو أن طريقة كتابته ذاتها خاطئة. أما عن التجاوزات، بالفعل سجلنا حالات لمحاولة تسريب أو تهريب وثائق تاريخية. ماذا تقصد بأن طريقة كتابة التاريخ في الجزائر خاطئة؟ طريقة كتابة التاريخ بها نقائص كبيرة، والسبب هو تكوين الباحثين و سعيهم وراء الشهادات، لكن دون التركيز على المحتوى الأكاديمي في حد ذاته، لذا فالبحوث و المذكرات لا تثري المكتبة الوطنية و المعرفة التاريخية. بمعنى أبسط هناك تقريبا توجه موحد، لذا غالبية الباحثين في الجزائر يقبلون على دراسة تاريخ الثورة التحريرية و كتابته مع أن تاريخ الجزائر يمتد إلى آلاف السنين، تعاقبت خلالها على أراضيها حضارات كثيرة. صحيح أن كتابة الثورة أمر ضروري، وقد كان هناك عمل جبار في هذا المجال من قبل الباحثين، لكن من الواجب الآن الالتفات إلى جوانب أخرى من التاريخ، لا أقول أننا وثقنا كل شيء، لكن أقول بأننا نعرف ما يجب أن يعرف، و من مسؤولية الجامعات اليوم أن تضبط سياسات البحث لديها، لتشمل جميع مراحل التاريخ، بشكل لا يمجد مرحلة و يتجاهل مراحل أخرى، لأنها ضرورة تاريخية حضارية و اجتماعية ملحة. كيف ذلك؟ كمثال بسيط، مرحلة العصور الوسطى في أوروبا كانت فترة تخلف، لكنها بالمقابل كانت تشكل عصر النهضة عندنا وبالتالي وجب علينا أن نعيد تشكيل جدولنا الزمني، حيث ينطلق البحث التاريخي و الاجتماعي من تلك المرحلة، وصولا إلى مرحلة الاستعمار، و ليس تجاوز كل المراحل السابقة و تركيز البحث على مرحلة واحدة. هذا التنظيم الكرونولوجي من شأنه أن يساعدنا على فهم تطورات و تغيرات اجتماعية عديدة، لا يمكن استيعابها إذا ما كنا نجهل واقع الجزائر في عهد الرستميين و الحماديين و الزيانيين وحتى البيزنطيين على سبيل الحصر، لأن هذه التطورات التاريخية مجتمعة، تفسر نمو شخصية الفرد و اختلاف المفاهيم لديه، بما في ذلك دور المرأة و تطور زيها ، معاني أوشامها وحليها، تنامي السلطة الأبوية و تراجع حرية المرأة الجزائرية، فضلا عن أمور أخرى تتعلق بفهم الشريعة و علاقة كل ذلك بطبيعة المجتمع اليوم. ما هي أثمن الوثائق أو المخطوطات التي يتوفر عليها الأرشيف الوطني و إلى أي فترة تعود؟ لا يمكن تحديد حجم الأرشيف، كما لا نستطيع تحديد قيمة مصدر تاريخي على حساب آخر، فهي ليست أوراقا نقدية، كل وثيقة لها قيمتها بالنسبة للمهتمين بدراسة محتوياتها، نحن مثلا نملك في رصيدنا وثائق و مخطوطات تعود لفترات تاريخية هامة، منها العهد الروماني و العثماني، قد نجد وثيقة تساوي قيمتها التاريخية بالنسبة للباحثين ما يعادل جميع محتويات الأرشيف الوطني على سعته. من جهة ثانية نملك وثائق أخرى نعرف أهميتها، لكن لا نستطيع تحديد قيمتها بالنسبة للبحث بسبب مشكل اللغة. ماذا تعني بمشكل اللغة؟ أقصد بأن هناك نقصا في المختصين في اللغات القديمة مثل اليونانية و العثمانية مثلا، بالمقابل هناك وثائق عديدة تتحدث عن الجزائر في هذه الحقبة، و دراستها و فهمها من شأنه أن يساعد بشكل كبير في عملية كتابة التاريخ و فهم الأحداث.