النشر والنقد في الجزائر يخضعان إلى الشللية و القبلية تتحدث و تكتب بتلقائية مفرطة، في بعض الأحيان تجدها تكتب كطفل يحتل جسد امرأة و في أحيان أخرى تتقمص دور المحقق لتشعل فتيل شوق يتجدد مع إشراقة كل رواية بوليسية، تتحدى غرور الحياة و مكائدها بكبرياء يلبسها أخر صيحات الموضة و يشرق بإطلالتها الأنيقة كتابة و جسدا، وعدت في يوم ما باعتلاء منارة الإبداع و توجت أميرة على مملكة الكتابة، لكنها خذلت بإنتاج روايات بوليسية و كتب للأطفال و نصوص قصصية منها من تحدى شقوق الجدران و الرفوف و برز إلى العلن و منها ما بقي حبيس الأدراج .، هي نسيمة بولوفة الكاتبة الجزائرية التي تقبلت «هدية مسمومة» في ريعان شبابها و بقيت تتحدى دور النشر الموغلة في تجاهلها بالكتابة، التقيناها فكان لنا معها هذا الحوار. أجرى الحوار: عثمان بوعبدالله - ظهرت في الساحة الأدبية منذ مدة تزيد عن العقدين، حصلت على جائزة الإبداع علي معاشي، و أصدرت مجموعة من الأعمال القصصية و الروائية «الحاجز الآخر» و «قبلة خطيرة» و كتاب موجه للأطفال بعنوان «الفراغ وحش ضار»، لكن غيابك في الفترة الأخيرة عن المكتبات و معارض الكتب بإصدارات جديدة يدفعنا إلى التساؤل : أين أنت؟ ملاحظة جيدة، منذ فترة لم أصدر أي عمل جديد، بدأت كتابة رواية واقعية اجتماعية، لم أشتغل بها بصورة جيدة، ضف إلى ذلك لم يرد القدر أن أكملها، إذ أصيب جهاز حاسوبي بفيروس خطير قمت برسلكته و كنت أعتقد أني أمتلك نسخة مما كتبته من رواية دروب الأوهام في «فلاش ديسك»، غير أن الطامة الكبرى أني لم أجد أي أثر كل شيء اختفى، عادة ما أدون ما أكتبه ورقيا ثم أنتقل للحاسوب غير أن هذه المرة أردت أن أستفيد من التكنولوجيا فأضعت جهود شهور في لمح البصر، حاولت أن أعيد كتابتها لم أفلح كل كتابة هي وليدة لحظة ما، بالمقابل وجدت أني كتبت عددا لا بأس به من القصة الومضة، جمعتها في مجموعة تحت عنوان حين تضحك، للأسف ليس لي ناشر، لذلك هي نائمة الآن في درج من الأدراج. -ما مصير روايتك البوليسية «الهدية المسمومة» وهل من اعمال أخرى في الأفق؟ رواية الهدية المسمومة صدرت منذ سنتين تحت عنوان نبضات آخر الليل، أي غيرت العنوان بناء على نصائح بعض الأصدقاء، نشرتها على حسابي الخاص، لم أجد ناشرا شجاعا يقبل بها، فتوليت أمرها، للأسف تسيطر في الساحة الأحكام المسبقة كون الرواية البوليسية ليس لها قراء، هذا خطأ، أثناء مشاركتي بمعرض الكتاب لاحظت الإقبال الجماهيري المدهش هذا ما ساهم في رفع معنوياتي كثيرا، أما التوزيع فلا أمتلك موزعا، أقوم بنفسي بتوزيعها لما يتوفر الوقت و هذا مرهق جدا لأي كاتب، لأن دوره يكمن في الكتابة، أما أن يتعداها إلى النشر و التوزيع فذلك هدر للطاقة. -هناك من يشير إلى تقارب بين أسلوبك في الرواية و أسلوب «أغاتا كريستي» ؟ أنا شخصيا لا تعجبني مقارنة إنسان بإنسان أخر لأن كل شخص هو نسخة متفردة لا تتكرر، و من يمشي في ظل شخص آخر تقليدا له سيختفي مع سطوع الشمس و لا يظهر له أي أثر، قرأ مؤخرا الناقد المصري عبد المنعم رمضان روايتي، بعث لي رسالة يقول لي فيها «أنت تكتبين الرواية البوليسية بطريقة نسوية، و هذا نادر جدا، حتى أغاتا كريستي تكتب الرواية البوليسية على الطريقة الرجالية بنفس رجالي»، بكل صراحة راقت لي هذه الملاحظة لابد أن يمتلك كل كاتب بصمته الخاصة التي تتجلى بأسلوبه الخاص و حساسيته المختلفة عن غيره، أحداث قصصي تقع بالعاصمة المدينة التي تربيت و ترعرعت فيها، أبطالها جزائريون يحملون السيكولوجية الجزائرية، بما أنني أهوى علم الاجتماع و علم النفس كثيرا ما أقحم القصص الاجتماعية و البسيكولوجية في أحداث الرواية البوليسية. -ألا تعتبرين أن جنوحك لأسلوب الرواية البوليسية يخفي رغبة ذاتية في التحرر في مجتمع مليء بالقيود؟ نحن نعيش في مجتمع متناقض و منافق بدرجة عالية، يجد الكاتب صعوبة في فرض نفسه في العالم الغربي فما بالك في العالم العربي، تزداد الصعوبة لما تكون المرأة كاتبة لأن نظرة المجتمع لها تختلف عن نظرته للرجل، كل ما تكتبه قد يضعه تحت مجهر التحقيق، كيف يعقل أن نحقق فيما يجري في الخيال، يحتاج الخيال لمسحة شاسعة من الحرية، للتطرق لخبايا المجتمع الذي يهوى أن يلبس قناع الزيف، قطعا أنا أجري حربا ضد نفسي قبل أن أجري حربا ضد أي شخص، أي أحاول إقناع نفسي بأني إمرأة حرة في عقلها بما يتوافق و معتقداتي الدينية، لكي أستمر في رحلتي الشاقة . -يعتبر الفضاء الأزرق و النشر الإلكتروني فضاء رحبا للمبدعين و الكتاب يعفيهم من ضوابط النشر و الطبع، كما أنه يمنح للكاتب خاصية التفاعل مع قرائه، فهل تجدينه متنفسا أمام معضلة النشر و التوزيع التي يشتكي منها الكثير من المبدعين الشباب، أم أنه مجرد وسيلة للتواصل لا تفي بغرض الإبداع و الكتابة؟ و كيف ترين واقع النشر و التوزيع في الجزائر؟ أنا شخصيا امرأة غير اجتماعية لا أمتلك الذكاء الذي يساعدني في تحقيق طموحي الأدبي، ضف لذلك أعاني من جرعة زائدة من الكبرياء، مما قد يعطي الانطباع للآخرين بأني متعالية و متكبرة، لكن الفايسبوك هو بمثابة نافذة يطل من خلالها الكاتب على قرائه بلا حواجز، و بدون موانع، تظهر حقيقته عارية، للأسف نحن نعيش في مجتمع قبلي و شللي، أي لتكتب تحتاج لواسطة الأصحاب و الأحباب لكي توصل أعمالك للقراء و هذا ما أرفضه إطلاقا، ربما لذلك بقيت كاتبة مهمشة لا توجه لها الدعوات في الملتقيات بكل صراحة لم أعد أهتم بأمر الدعوات ربما في السابق نعم، لكنني ممتنة للفايس الذي منحني صوتا أعبر بواسطته عما يختلج بأعماقي. -برأيك ما مصير الكتاب الجزائريين الذين يفضلون مثلك وضع نصوصهم في الرفوف و انتظار ساعة الفرج؟ يمتلك كل شخص حرية اختياره، ..( تضحك) عن أي حرية نتكلم لا أصدقها، يتمنى كل كاتب أن يجد ناشرا و موزعا، يساعده في البروز و إن لم يتوفر هذا الناشر، ماذا بوسع الكاتب أن يفعل؟... أن ينشر على حسابه الخاص؟ ... إن العملية مكلفة ذهنيا جسديا و ماديا، ثم بعد النشر لا يضمن الكاتب أن ما أنفقه قد يعود له، إنها مغامرة مرهقة تنهك الأعصاب و الجيب، لا يمكن تكرارها عدة مرات، غالبا دور النشر الجزائرية يكون أصحابها بزناسية فيبحثون عن الربح دون الاهتمام بمعاناة الكاتب. -نفهم من قولك أن الكثير من الكتاب يعانون من خيبة أمل، لعدم وصول أعمالهم إلى المكتبات و القارئ، أين يكمن الخلل؟ هل له علاقة بدور النشر و التوزيع أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى أمور أخرى قد تتعلق ربما بنقص المقروئية و انصراف المجتمع عن المجال الأدبي و الفكري في ظل الغزو الاعلامي و الثقافي بالوسائط الجديدة التي تكون قد أزاحت الكتاب من الحياة اليومية؟ لا يحق لنا القول بأنه لا يوجد قراء، لأن الواقع يثبت العكس و الدليل تزايد الجمهور من يوم لآخر، لكن سأقول إن الخطأ يقع على دور النشر و التوزيع التي لا تؤدي وظيفتها بصورة جيدة، أغلب هذه الدور تعتمد على مساعدات الدولة، أما الخواص فلم نر و لم نسمع عن رجال أعمال يمولون قطاع الكتاب، قد يمولون الكرة، أو أي شيء آخر غير الكتاب لأن الوعي قليل، قطعا من يستثمر في الثقافة يحتاج لسنوات بل أجيال ليستطيع جني ما حصده، ليس من السهل بناء الإنسان المحب لوطنه و للحياة. -ألا ترين أن الكتابات الأدبية أصبحت بحاجة إلى «ماركوتينغ» لنجاحها، فالكثير من الكتاب المبدعين لم يجدوا لهم مكانة لعدم اهتمامهم بهذا الجانب في حين ذاع صيت كتاب آخرين رغم تواضع منتوجهم الأدبي ؟ طبعا تنفق بعض دور نشر الملايين، مثلا لما صدرت رواية هاري بوتر تبعتها حملة إعلامية ضخمة، و بالمقابل لم تضع تلك الأموال في الهواء، جنت الرواية النجاح المبهر، بالجزائر أيضا لاحظت أن بعض الكتابات محدودة المستوى لكن تمتلك ترسانة حربية مبهرة تقوم بفرضها، سواء بالترجمة التوزيع الجيد، الحضور الإعلامي المكثف، إنها حظوظ. -يتنوع عطاؤك الأدبي بين كتابة الرواية و القصة و النص المسرحي و السينمائي، لكن ما يميزك هو الإهتمام بأدب الأطفال فما الدافع إلى ذلك؟ كثيرا ما أسمع أن أنسب نوع بالنسبة لي هو الكتابة للأطفال، ربما لأنني و إلى غاية هذا السن أحتفظ بطفلة صغيرة في أعماقي، إضافة لميلي للانعزال وإصراري على الانزواء الذي يساعدني في المحافظة على البراءة، تحتاج و تعتمد الكتابة للطفل على كثير من البراءة . -آلا ترين أن أدب الطفل في مرحلة عصيبة، لنقص الاهتمام من قبل الكتاب و الأولياء و كذا لظهور تكنولوجيات الاعلام و الاتصال الجديدة كبديل؟ لا يشبه طفل اليوم طفل الأمس إنه ذكي جدا، من يكتب له لابد أن يضع هذا نصب عينيه، ثم أن الحياة متجددة تسير نحو التطور التكنولوجي المذهل لماذا لا نستغل التكنولوجيا لتقديم عمل في المستوى، عوض أن يسيرا في خطين متوازيين لم لا يحصل التطابق و التضافر، فتظهر القصص المسموعة المرئية المرفقة بالألعاب و بالحيل السينمائية الضخمة. -هناك من يتحدث عن صراع أجيال بين الكتاب الجزائريين، برأيك هناك من يربط بعض الصراعات بالغيرة و الحسد لنجاحات بعض الكتاب الشباب،و كل ذلك في غياب النقد ؟ أنا شخصيا لا أنتمي لأي جيل و لا لأي شلة و لا أحب الخوض في المعارك الدونكيشوتية، أحب أن أنظر للدائرة من الخارج دون أن أسعى إلى الدخول فيها، أعيش في عالمي الداخلي الخاص النقي أخاف خوفا شديدا على نصاعتي، أقنع نفسي أن الحياة عبارة عن فناء فلا داعي للحسد و الغيرة. -و ما هي نظرتك لواقع النقد الأدبي في الجزائر؟ لم أعرف النقد يوما، لم يكلف أي ناقد نفسه عناء الكتابة عني، أفتخر بهذا، يخضع النقد للشللية و لنظام القبيلة، ينتظر الناقد أن ينجح كاتب ما في الخارج ليحصل على شهادة ميلاده من وطنه، لا يصنع النقاد النجوم بل كل شخص يصنع نفسه، لما يحسون بسطوع نجم ما، يتحككون به للاستفادة من ضوئه. -تجمعين كذلك بين الكتابة الأدبية و العمل التلفزيوني في حصة ما وراء الستار بالتلفزيون الجزائري، هل أضافت لك تجربة العمل التلفزيوني وفتحت لك أفق الكتابة الأدبية أم أنها قيدت ابداعك و جعلتك مشتتة الاهتمام بين المجالين؟ لقد تم توقيف البرنامج مؤخرا، بالفعل التلفزيون علمني لغة الاقتصاد و التكثيف، كما علمني تقنية المونتاج، الاهتمام أكثر بالصورة، أكتب ما أشاهده كشريط متسلسل. - لا شك أن الاعلام بصفة عامة و الإعلام المرئي المسموع يعتبر رافدا مهما في توصيل الأعمال الأدبية الى القارئ و احاطتها بالأضواء لإثراء الساحة الثقافية و الإبداعية، إلى أي مدى يمكن التسليم بهذا الكلام في الجزائر؟ نحن نسير نحو الصورة؛ أجل الإعلام قد يعد ركيزة مهمة لترويج الكتب، هو يدخل بيوت الملايين من البشر، يجعل العالم عبارة عن قرية صغيرة.