بقدر ما تبنت الحكومة، بفرضها ضريبة على الثروة، إجراء تطبقه مختلف دول العالم، بقدر ما فتحت الأبواب من أجل تمكين المجموعة الوطنية من استعادة حق مغفل من أبنائها «الناجحين». فقد تعوّد الجزائريون مهما كان مستواهم الاقتصادي على الأخذ ثم الأخذ من دولة مانحة، متساهلة في تحصيل المستحقات، ويكفي أن نضرب أمثلة عن مواطنين يحصلون على سكنات بالمجان ويرفضون دفع إيجارها الرمزي أو يماطلون في دفع فواتير الكهرباء والغاز التي استهلكوا ما يقابلها، وقد تجد من يفلسف الأمر ويتحدث عن حقه في ثروات البلاد! ويكفي أن نتحدث عن رجال مال راكموا ثروات بفضل تسهيلات تمنحها الدولة لكنهم يتهربون من دفع الضرائب أو التصريح بالعمال. وتعكس هذه الحالات فهما خاطئا للحقوق والواجبات، وخللا في العقد الاجتماعي الذي يربط الجزائريين ويحكم بينهم، فالأخذ يقابله العطاء، والتقصير في أداء الواجب تجاه "الدولة"، ليس شطارة كما هو رائج في قواميس هذه الأيام بل خطيئة، فالمتهرّب من الضرائب في أوروبا قد ينتحر إذا اكتشف أمره، لأن التهرّب عيب فوق الاحتمال، ينجرّ عنه ازدراء اجتماعي يفوق في قسوته الردع القانوني، لأن المجتمع يعتبره لصّا، واللّص غير مرحّب به في المجتمعات التي لم تفقد البوصلة. و إذا كانت الحكومة قد لجأت إلى ما لجأت إليه تحت مطرقة الأزمة، فإن الجزائريين، في مختلف المواقع، في حاجة إلى اكتساب ثقافة جديدة وإحداث قطيعة مع ممارسات تقع تحت عنوان التنكيل بالمصلحة العامة. فممارسة نشاط ربحي تترتب عنه واجبات، على رأسها الضرائب التي لا يدفعها بانتظام سوى الموظف الذي تُقتطع ضريبته قبل حصوله على الراتب، بل أن الكثير من فقهاء السياسة والمال في بلادنا، باتوا "يحلّلون" التماطل في إعادة القروض أو استخدامها في وجهات غير وجهتها، فيصبح المستفيد ثريا في أيام معدودات، يلبس شخصيته الجديدة دون قلق أو خوف يقتضيهما الالتزام تجاه الهيئة الدائنة. كما يتطلب النشاط المذكور ممارسة شفافة تمكن من مراقبة عائداته، والأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام عن ملاحقة العدالة في بلد متوسطي جار لرياضيين أجانب قصروا في إبلاغ مصالح الضرائب عن مداخيل متأتية من حقوق استخدام صوّرهم، تبيّن ما معنى أن تقيم في بلد وتجني فيه الأرباح، وتبسّط مفهوم الحق و الواجب. لكنها تدفع إلى الحسرة حين ترى أصحاب الملايير الذين نبتوا فجأة يستأثرون بما جنوا أو يحصرونه بين ذوي القربى. نعم، بإمكان أصحاب المال والأعمال لعب أدوار في الحياة العامة، لكن قبل ذلك عليهم عدم التقصير تجاه المجتمع، وقد تكون الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة في قانون المالية 2018 عملا بيداغوجيا، يُيسر فهم الواجبات على أمل أن تتحوّل العملية إلى ثقافة تلقى القبول لدى الجميع وتمكن من القضاء على آفات التهرب والتحايل، فيكف ملاك القصور عن التزاحم على السكنات الاجتماعية، ويكف المقتدرون عن مزاحمة الفقراء على قفف رمضان ومنح التمدرس. ويفهم الجميع أن عبارة المواطن الصالح لا تقال للسخرية، لأن بناء الأوطان والحفاظ على أمنها يقتضي هذه الصفة التي هي ثروة لا تزول.