يعرف سلوك الكثير من الناس تحولات ملحوظة بمجرد تغير المناخ ، نظرا لأن الجهاز العصبي و البيولوجي للجسم يعمل على ضبط نظامه وفق عامل الحرارة الذي يكون خلفية أساسية لحالة الهدوء و السكينة عند البشر في الفصول الباردة كالشتاء و الخريف، مقابل ظهور قلق شديد و كثرة الانفعالات النفسية خلال الصيف، و هو ما أكدته دراسة بولندية حديثة صدرت سنة 2018 ، ربطت عامل الحرارة مباشرة مع ارتفاع حوادث الإجرام بين الناس، و أوضح الفريق الذي عكف على إعداد الدراسة بأنَّ فصل الصيف يتسبّب في زيادة مستويات «الكروتوزول» وهو الهرمون الذي يجعلنا نشعر بالغضب سريعًا، لذلك فكلما اقترب فصل الحر كلما زاد التوتر عند غالبية الناس و هناك من تتعقد الأمور لديهم و تبلغ ذروتها بالشعور بالغضب و الميل إلى العنف سواء مع أنفسهم أو مع الآخرين. منطلق الدراسة كان بناء على العدد الكبير لحوادث العنف والانتحار المسجلة في هذا الفصل، و التي ربطها كثيرون بدرجات الحرارة لكن تفسيرها لم يكن واضحا، إلى أن نجح الفريق العلمي البولندي، في تأكيد الأمر، موضحين بأنَّ مُعدلات «الكورتيزول» وهو هرمون الإجهاد تنخفض كثيرًا في فصل الشتاء، بينما ترتفع في فصل الصيف، الأمر الذي يجعلنا نميل إلى الغضب سريعًا كما أن زيادة درجة حرارة الجسم يتسبّب أيضًا في مضاعفة مُعدل ضربات القلب، وارتفاع نسبة هرمون «التستوستيرون» في الدم بالإضافة للتفاعلات الأيضية، التي تُحفز الجهاز العصبي وتزيد الطاقة داخل الجسم، وكل هذه التفاعلات مسؤولة عن سرعة الاستجابة للقتال و الشجار، وعلى الرغم من ذلك أكدت الدكتورة دومنيكا، عضو بفريق الدراسة أنَّ إفراز هرمون الكورتيزول يعد أمرًا ضروريًا للجسم في حالة ارتفاع درجات الحرارة، لأنه يُساعد على تقليل السخونة والالتهاب مما يحافظ على الصحة العامة، مشيرة إلى أنَّ الهرمون يرتفع في الصباح ويبدأ في الانخفاض تدريجيًا على مدار اليوم ، و لهذا ينصح بتجنب التعرض للشمس خلال ساعات الذروة للحفاظ على مستواه في الجسم. من جهته، أكد الأخصائي النفساني العيادي كمال بن عميرة، من المستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، بأن المرحلة الانتقالية بين فصل الربيع و الصيف و التغير المفاجئ الذي أصبح يطرأ على الجو بسبب اختلاط الفصول نسبيا، كلها عوامل تؤثر بشكل كبير على الأفراد و تحدث اضطرابا نفسيا مصحوبا بتقلب في المزاج و ردود أفعال تنم عن القلق، كما تزيد من حدة الهيجان و العدوانية عند الناس و بالأخص المصابين بأمراض عقلية و اضطرابات ذهنية و أرجع ذلك إلى التغييرات الهرمونية و البيولوجية، التي تحدث في الجسم خلال محاولة التكيف مع حرارة المحيط، وهي ردة فعل تكون مختلفة عند بعض الناس و تكون نتاجا لما يشبه الصدمة، خصوصا في حال الإفراط في التعرض لأشعة الشمس و عدم استهلاك الكميات اللازمة من السوائل و عدم أخذ جرعات الدواء بانتظام بالنسبة للمرضى. و لتفادي حدة القلق ينصح الأخصائي، بضرورة مراقبة الأطفال و منعهم من اللعب تحت أشعة الشمس لأوقات طويلة دون حماية خاصة للرأس، منع كبار السن و المرضى من مغادرة المنازل في ساعات الذروة إلا عند الضرورة القصوى، لتجنب ضربات الشمس و جفاف الجسم الذي يؤثر مباشرة على الجهاز العصبي للإنسان و يخلق حالة من الضغط و الانفعال بسبب الصداع و حسب الأخصائي فإن التأقلم مع درجات الحرارة العالية يعد أمرا جدا صعبا عند غالبية الناس ، لكن التقليل من التعرض لها ممكن.