عوضت الوسائل التكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي قاعات التحرير والتغطيات والعمل الميداني خلال الحجر الصحي، وتحولت مقرات معظم الصحف إلى خلايا تنسيق وجمع المادة، وقلصت من جانبها القنوات التلفزيونية التغطيات الإعلامية، واتجهت إلى البث المباشر والبرامج المنوعة والاجتماعية للتكيف مع طبيعة ظرف الحجر الصحي ولم شمل الأسر. وغادر عدد من الصحفيين فور الشروع في تطبيق إجراءات الحجر الصحي قاعات التحرير، لا سيما العاملين في الصحف المكتوبة، ليمارسوا العمل عن بعد، بعد أن تعودوا التوجه صباحا إلى قاعات التحرير للاطلاع على فحوى الصحف والمواقع الإخبارية وتنظيم اجتماعات يومية للاتفاق على خارطة الطريق، ليركن كل واحد في بيته ويمارس رسالته الإعلامية بعيدا عن مقر المؤسسة التزاما بالتدبير الوقائية لمنع انتشار العدوى بفيروس كورونا. وجعل الظرف الصحي الذي تعيشه الجزائر على غرار جل دول العالم، قطاع الإعلام يلج مرحلة جديدة لم تكن معتمدة بشكل واسع، ودون أن يحضر لها مسبق، أصبحت فيها الوسائل التكنولوجية والوسائط الاجتماعية وسيلة أساسية في استقاء المعلومة والاتصال بالمصادر وإجراء الحوارات وإعداد المواضيع التحليلية والخبرية، وعوضت هذه الوسائل قاعات التحرير، كما أصبحت واسطة للتعامل ما بين الصحفيين ورؤساء التحرير. الواتساب والميسنجر والفيسبوك والفيبر تعوض قاعة التحرير وحفز الحجر الصحي الاستعانة أكثر بالوسائل التكنولوجية في الاتصال بالمصادر وإعداد المواضيع اليومية واستقاء المعلومة وتحري الحديث، بالنظر إلى صعوبة التحرك اليومي في ظل الظروف الصحية الحالية التي فرضت الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وأدت إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وفي هذا الصدد تؤكد الزميلة من يومية الشعب «فريال بوشوية» للنصر بأنها أصبحت أكثر اعتمادا على الوسائل التكنولوجية في إعداد المواضيع الإخبارية التي تكلف بها من قبل رئاسة التحرير أو تقترحها شخصيا، وهي تستعملها أيضا في إعداد الحوارات الصحفية، فالعديد من المصادر أصبحت بدورها تحبذ هذه الطريقة عوض المقابلة المباشرة بسبب الظرف الصحي، لضيق الوقت بسبب الارتباطات اليومية. وتقول الزميلة من الشعب بأن العمل عن بعد لا يمكن أن يعوض العمل الميداني، غير أن الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد جعل الجميع يتأقلم مع الوضع ويبحث عن طرق جديدة للتكيف مع المستجدات، لكنها أكدت بأن خبرة الصحفي تلعب دورا هاما في إنجاح العمل عن بعد، وإعداد مواضيع ذات صلة بالحدث وفي ربط العلاقات مع المصادر واقتراح المواضيع ومعالجتها وبالنسبة للزميلة من الشروق اليومي «إلهام بوثلجي» المختصة في تغطية القضايا المختلفة بالمحاكم والمجالس القضائية، فإن التأقلم مع الظرف الصحي لم يكن سريعا على مستوى المؤسسة التي تعمل بها، بسبب سوء التنسيق ما بين الصحفيين والتحرير عند بداية الحجر الصحي، مما كان يتسبب أحيانا في تداخل في المواضيع ومشاكل بين الزملاء، لكن سرعان ما تم تدارك الأمر بعد إنشاء مجموعة عبر الفايسبوك يعقد عبرها يوميا ما يسبها اجتماعات لتقاسم المواضيع والاتفاق على العمل اليومي ويعتمد صحفيو هذه اليومية ايضا على الوسائل التكنولوجيا في التواصل مع المصادر وتحيين المعلومات، إلى جانب الاتصال عبر الهاتف النقال، لإنجاز أعداد يومية تروق للقراء وتلبي تطلعاتهم وتجعلهم على صلة دائمة بالحدث. العمل التناوبي لتفادي الاحتكاك وفضلا عن استخدام الوسائل التكنولوجية، لجأت جل المؤسسات الإعلامية سواء كانت مكتوبة أو مرئية أو مسموعة للعمل التناوبي لتقليل الحركة داخل قاعات التحرير وضمان التباعد الاجتماعي، فعلى سبيل المثال يلتزم صحفيو وكالة الأنباء الجزائرية وفق ما اكده الزميل «رابح ملحة» بالحضور يوميا فقط كل أسبوع، ويسهرون على تغطية الأحداث والندوات التي تنظم من حين إلى آخر، كما يلتزمون بالتأهب اليومي خلال فترات الراحة في حال تم الاتصال بهم من قبل التحرير لتغطية حدث ما. ولجأت مؤسسات إعلامية لاقتناء أجهزة حاسوب محمولة ووزعتها على صحفييها قبل أن يغادروا قاعات التحرير بسبب الحجر الصحي، لمساعدتهم في مواصل النشاط عن بعد، في حين اكتفت قنوات تلفزيونية معروفة بالعدد القليل من الصحفيين ومعدي البرامج لتركز جل عملها على تغطية كل ما يتعلق بتطور الوضع الصحي والانشغالات اليومية للمواطنين في ظل هذه الأوضاع الراهنة. الإعلام يعيش مرحلة جديدة وعلى المؤسسات التكيف معها يرى الأستاذ في معهد الإعلام والاتصال سمير عرجونة بأن ما يمر به قطاع الإعلام بسب الحجر الصحي، يدفع إلى ضرورة مراجعة لأساليب العمل، لأن الأمر أصبح حتمية لا بد منها وليس خيارا، وعلى المؤسسات أن تتجه أكثر إلى الرقمنة، دون التخلي الصحافة التقليدية، أي النسخة الورقية بالنسبة للصحف. ويقترح الحفاظ على الصحافة التقليدية مع الاعتماد على الواب في تلبية تطلعات القراء المختلفة، خاصة الجيل الجديد شريطة تنويع المادة الإعلامية لتكون متميزة ومتجددة عبر المواقع الإلكترونية، مع الحفاظ على القراء التقليديين الذين يتوقون يوميا للمس الجريدة الورقية وتقليب صفحاتها والبحث داخل زواياها عن المعلومات والأخبار الجديدة والتحاليل الصحفية. وفي تقدير المتحدث فإن الإعلام عبر كل العالم لم يمر بأزمة لم يعشها من قبل، بسبب تراجع في الإشهار بحوالي 80 بالمائة جراء توقف نشاط المعلنين، ا يدفع إلى البحث عن حلول بديلة من قبل المؤسسات الإعلامية، لتقليص المصاريف دون المساس بالنوعية، عبر تغيير أساليب العمل والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة للتكيف مع البيئة الجديدة. لطيفة بلحاج - أستاذ الاتصال الحديث بجامعة سطيف الدكتور عبد الله ملوكي: أزمة كورونا أظهرت ضعف الصحافة الاستقصائية والمتخصصة يرى الدّكتور عبد اللّه ملّوكي المتخصّص في الإعلام وتكنولوجيا الاتّصال الحديثة بجامعة سطيف 2، بأن أزمة كورونا أظهرت عدم إلمام بعض الصّحفيين بالمواضيع التي تتطلّب سياقا معرفيا محدّدا، مع التركيز على الجانب الإحصائي خلال المعالجة الاعلامية، وهو ما يطرح تساؤلات حول واقع الصّحافة العلمية والاستقصاء البنّاء في الجزائر، مضيفا أن الأخبار الكاذبة تُعد من بين أبرز القضايا التي زادت من صعوبة العمل الصّحفي ببلادنا. و يؤكد الباحث أن عنصر السلامة المهنية من بين أبرز العوائق التي تواجه الصّحفي بالجزائر، خاصة في ظلّ الأزمات الإنسانية والكوارث الطّبيعية، فعادة ما يجد هذا الأخير في ظلّ وباء كوفيد 19، نفسه في مركز الحدث مواجها للعديد من الحالات المرضية ومعرّضا نفسه للخطر، دون إلمام كامل بكيفية التّعامل مع الوضعية الوبائية التي يواجهها أو كيفية التّخلص من عتاد الوقاية؛ ممّا قد يهدّد سلامته وسلامة عائلته إضافة إلى الأسرة الصّحفية، على عكس مراسلي وصحفي بعض المؤسّسات الإعلامية الأجنبية الذين يخضعون، وفق محدثنا، إلى دورات تدريبية مكثّفة ومتخصّصة تتماشى مع طبيعة السّلامة المهنية وظروف الأزمة التي يواجهها. و أضاف الدكتور ملوكي أن معظم وسائل الإعلام الوطنية ركّزت على الجانب الإحصائي إضافة إلى رصد وتيرة تزايد أو تناقص حالات الإصابة وطرق الوقاية، وما يمكن ملاحظته هنا، مثلما يتابع، نقص التّغطية الإعلامية المرتبطة بمختلف تداعيات وباء كورونا، "ممّا قد يحيل إلى طرح التّساؤل حول واقع الصّحافة العلمية والاستقصاء الصّحفي البنّاء في الجزائر". إلى جانب ذلك، أكد الأستاذ الجامعي أن الصّحفي عادة ما يجد نفسه أمام ضرورة التّعاطي مع مواضيع متعدّدة نظرا لقلّة الكوادر الإعلامية في مؤسّسته، ونظرا لظروف اقتصادية بحتة ممّا يحول دون ظهور الصّحافة المتخصّصة في الجزائر، مشيرا في هذا السياق إلى أن قلّة الموارد المالية والحصص الإشهارية للمؤسسات الإعلامية، تعد من بين أبرز العوائق التي تحول دون تأطير كوادر صحفية متخصّصة في مجالات معيّنة، في حين بعض المؤسّسات الإعلامية الأجنبية عادة ما تركّز على العمل بنظام التّكوين المستمر للصّحفي بما يتماشى مع تطوّرات الأحداث والمهمّات المسندة إليه. الدكتور طرح أيضا مسألة السّبق الصّحفي في ظلّ أزمة وباء كوفيد 19، وقال إنها من بين أبرز العوامل المؤثّرة على الوظيفة الإخبارية والقيمة المضافة للمهنة الإعلامية في المجتمع، بسبب عدم إلمام الصّحفي في بعض الأحيان ومعرفته العميقة ببعض المواضيع المتخصّصّة التي تتطلّب حسب طبيعتها سياقا معرفيا محدّدا، ما قد يوقعه في العديد من المتاهات المرتبطة بالقضايا المهنية والأخلاقية، و "يحيلنا إلى ضرورة وجود الصّحافة العلمية المتخصّصة في الجزائر". و يرى محدثنا أن السّبق الصّحفي يؤثّر على الدور الإيجابي لوسائل الإعلام في تكوين وتثقيف المواطن تجاه العديد من القضايا في واقعه المعيش، إضافة إلى بلورة وصقل سلوكه نحو الأحداث علاوة على المساهمة في مساعدة المواطن على صنع قراره وبناء رأي عام نوعي في المجتمع، ونتيجة لذلك، عادة ما يجد بعض الصّحفيين، مثلما يؤكد الدكتور، أنفسهم أمام مطاردة بعض الأحداث الاجتماعية المثيرة عوض التّركيز على الخطوط العريضة في مجريات الأحداث والتي من شأنها أن تكون بنّاءة في المجتمع. كما تعد الأخبار الكاذبة من بين أبرز القضايا التي زادت من صعوبة العمل الصّحفي في الجزائر، في نظر الدكتور ملوكي، وهو أمر قال إنه يظهر خاصّة خلال الأزمات الإنسانية والكوارث الطّبيعية و منها وباء كورونا، حيث أن لها تداعيات على جودة ونوعية الأخبار في كلّ من البيئة الاجتماعية وعلى سلوك المواطن إضافة إلى تسيير الأزمات في المجتمع. و يرى المتحدث أن الأخبار الكاذبة أدت إلى انتشار العديد من المعلومات المضّللة، ممّا قد يزيد من تأزيم الوضع المرتبط بكلّ من العتمة المعلوماتية والإخبارية، و يحول دون الوصول السّريع إلى الأخبار الصّادقة والحقائق الثّابتة المرتبطة بمختلف القضايا. كما تطرق الدكتور إلى مشكلة عدم امتلاك الصّحفي للدّعائم التكنولوجية اللّازمة والملائمة، والتي من شأنها أن تعمل على رصد وكشف الأخبار الكاذبة ولو بصفة أوّلية، وعدم تماشيه وتأقلمه مع التّطورات التكنولوجية الرّاهنة واعتمادها على الطّرق التّقليدية في تقصي الأخبار، وهو ما يعد بين أبرز العوامل التي قد تعمل على زيادة انتشار الأخبار الكاذبة وعرقلة مهامه ونبل المهنة الصّحفية في المجتمع. من جهة أخرى، أشار الدكتور إلى أنّ الفضاء الرّقمي والمجال العام الافتراضي من خلال منصّات الإعلام الاجتماعي ومختلف شبكات التّواصل، بات يشكّل فضاء رمزيا تناقش من خلاله العديد من القضايا ممّا بات يشكلّ أحد المصادر الإعلامية التي قد تركّز عليها بعض الجهات في صناعاتها الإخبارية والتّعاطي مع مختلف الأحداث، وذلك بطريقة لا تمتّ بصلة إلى المعايير المهنية والمواثيق واللّوائح الأخلاقية المرتبطة بالمهنة الصّحفية. وهنا أكد الأستاذ بجامعة سطيف أنّ استحداث مهن إعلامية جديدة مرتبطة بتدقيق وتقصي الأخبار الكاذبة استنادا إلى صحفيين، فنّيين وتقنيين، بات ضرورة حتمية من أجل إعطاء إضافة نوعية إلى الوظيفتين الإعلامية والصّحفية، داعيا أيضا إلى استحداث قاعدة بيانات رسمية ومهنية متخصّصة تشرف عليها هيئات رسمية مرتبطة بفهرسة الأخبار الكاذبة وأرشفة الاستخدام الأول للأخبار البصرية؛ لكي يستند عليها المهنيون في مجال الصّحافة وحتى المواطن في كشف وتقصّي المعلومات الزّائفة، معتبرا هذا الإجراء أمرا حتميا لأن من شأنه تسهيل مهمّة العاملين في هذا المجال والارتقاء بالمستوى الفكري للمواطن. ي.ب هكذا قلبت جائحة كورونا موازين العمل الصحفي: صحفيون في مواجهة الخطر ومؤسسات تتكيف مع الأزمة فرضت جائحة كورونا ظروف عمل خاصة على الصحفيين و جعلتهم في مواجهة خطر يحيط بهم من كل الجوانب، بحكم طبيعة عملهم التي تحتم التواجد في محيط المستشفيات وداخل المجتمع بكل ما يحمله من احتمالات العدوى، فالنقل اليومي لأخبار الموت والإصابات والتنقل الدائم ما بين المؤسسات الإستشفائية والتواصل المستمرين مع مصابين وعائلاتهم وأوساط طبية، كلها عوامل وضعت الأسرة الإعلامية تحت ضغط الخوف الذي لم يمنع من أداء الواجب، ما جعل الممارسة تتم في ظروف صعبة أبعدت صحفيين عن عائلاتهم و فيما عاش آخرون في عزلة داخل بيوتهم خوفا من نقل العدوى . و عاشت قاعات التحرير أجواء مغايرة بعد أن أفرغها الحجر المنزلي من نسب كبيرة من العاملين بها ، ما حتم الاستعانة بالعمل عن بعد وفرض وتيرة مكثفة على من ضمنوا «المناوبة». النصر تنقل في هذا الملف شهادات صحفيين يعملون في قلب الخطر و مسؤولين في مؤسسات إعلامية يشرحون طرق التكيف وما تم استخلاصه من هذه التجربة الإستثنائية وكيف تم التعامل مع الجائحة مهنيا. جمعتها : هدى طابي - نور الدين عراب مراسل النصر من البليدة: انقطعت عن والدي منذ مارس و خاطرت كثيرا للحصول على المعلومة الصحيحة « ما طبع الأيام الأولى من بداية انتشار الوباء كان القلق و الارتباك، لكن ما تلى ذلك كان أشبه بالعمل في ظروف الحرب، شوارع خالية في مدينة للأشباح لا يكسر صمتها سوى صوت صافرات سيارات الإسعاف، محلات مغلقة و ندرة في المواد الغذائية، وجوه مغطاة بالكمامات، حذر و توجس دائم و شعور مستمر بالخطر، مع انتشار مكثف لعناصر الأمن و تقييض حركة تنقل الأفراد، صحيح أن الولاية عاشت ظروفا صعبة خلال العشرية السوداء، لكن الواقع الذي فرضه الفيروس كان أصعب وأشد»، هكذا وصف مراسل جريدة النصر، بولاية البليدة، نور الدين عراب، ظروف العمل الميداني منذ بداية جائحة كورونا التي قلبت كل الموازين و فرضت شروطا جديدة على العمل الصحفي يصعب معها التفريق بين المصلحة الشخصية التي تقتضي الحفاظ على الصحة و بين ضرورة أداء الواجب المهني. يقول محدثنا، أن أكثر ما أثر عليه مع بداية الجائحة كان ذلك التغيير الجذري و المفاجئ في نمط العيش و العمل، فالتهافت على السلع و المواد الغذائية شوش الأذهان ليصبح بذلك التوفيق بين إتمام المهام الصحفية و رعاية الأسرة أمرا صعبا، كون الجو كان ينذر بالسوء وأقرب إلى أجواء الحروب، خصوصا بعد وضع البليدة تحت الحجر الكلي، فأداء العمل الصحفي أصبح أعقد بسبب ظروف التنقل لأن حواجز الشرطة كانت منتشرة في كل مكان تقريبا، وهو ما تطلب التواصل مع الجهات الأمنية و الولائية للحصول على تراخيص الخروج و العمل، غير أن حالة الحذر كانت عامة و بدا جليا بأن الظروف غير عادية و أن الخروج يجب ان يكون لسبب مهني وجيه فعليا. بالنسبة للنشاط الصحفي، فقد أصبح أصعب مع الوقت، وباتت مهمة توفير المادة مشقة كبيرة نظرا لصعوبة التواصل مع الأطباء و المختصين و خطورة التنقل للمستشفيات، الطواقم الطبية كانت مجندة ليل نهار و التواصل مع أحد المختصين حتى عن طريق الهاتف أصبح امتيازا بسبب انشغالهم الدائم. تحد آخر فرض على الصحفيين الميدانيين كما أضاف المتحدث، و يتعلق الأمر بنقص وسائل الوقاية من كمامات و معقمات، التي يتوقف الحصول عليها على هبة من الهياكل الطبية أو الهلال الأحمر أو من بعض الجمعيات، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل التعقيم، وهو واقع قال بأن الإعلاميين بدأوا تدريجيا في التأقلم معه، إذ تم حسبه ضبط برامج للعمل مع الأطباء بحيث يكون التواصل معهم في أوقات محددة، كما قلت التغطيات الميدانية وأصبحت إلا للضرورة، مع احترام التباعد الاجتماعي، خصوصا وأن الخوف الأكبر لم يكن من المرض بقدر ما كان احتمال نقل العدوى لأفراد العائلة. أخبرنا الصحفي، بأنه تجنب زيارة والديه المقيمين بمدينة بوفاريك لما يزيد عن شهر ونصف، واكتفى بالاتصال بهما هاتفيا، فيما طالبه أقارب له وبالأخص إحدى شقيقاته بالتوقف عن العمل و تجنب الخروج نهائيا خوفا عليه، وقد كان يتعمد الكذب عليها أحيانا و إخبارها بأنه لم يغادر المنزل رغم تواجده في الميدان، حتى أنها اكتشفت الأمر في إحدى المرات بعدما شاهدته على واحدة من القنوات التليفزيونية الخاصة، يقول: « الخروج من المنزل كان يعني المخاطرة بالنفس وبسلامة الآخرين، كنت ألتزم بكل إجراءات الوقاية من ارتداء الكمامات إلى تعقيم الحذاء وتركه خارج المنزل، أغير ملابسي يوميا و لا أقترب من أفراد عائلتي إلا بعد الاستحمام»، يواصل : «المخاطرة تشمل في هذه الحالة أيضا المواقف التي كنا معرضين لها بسبب احتكاكنا ببعض الجهات خلال أدائنا لعملنا، على غرار بعض الجمعيات، شخصيا التقيت في اطار العمل بممثل للهلال الأحمر الجزائري و في اليوم الموالي اتضح بأنه كان مصابا بالعدوى، و هو ما خلف لدي ارتباكا و قلقا، خصوصا في ظل صعوبة الخضوع للفحص بسبب ندرة الاختبارات، فمن كانوا يميلون للشك بحالاتهم كانوا يلجأون في العادة لأشعة السكانير، وهو أيضا أمر صعب ناهيك عن عدم دقة الفحوصات، فاحتمالات وضع المعني تحت الحجر الصحي أو العزل تصبح شبه مؤكدة بمجرد ظهور أية أعراض صدرية مهما كانت. من جانب آخر، كان تأثير الأخبار المغلوطة و الكاذبة، كبيرا على نفسيتنا كصحفيين عاملين في الميدان نخاطر من أجل نقل الحقيقة و نشر الوعي، لقد كنا في مواجهة أخرى على جبهة ثانية مع ظاهرة الفيك نيوز، أذكر أنه مع بداية الجائحة، نشر فيديو على مواقع التواصل يروج لصور جثث مرمية عند مدخل أحد المستشفيات، وقد غادرت البيت مسرعا رغم المخاطر و تنقلت إلى عين المكان للتأكد من الأمر، ليتضح لي بأن الأمر لا يعدو كذبا و قد كان الواقع مغايرا تماما، صحيح أن الوضع كان استثنائيا و المستشفى سجل وفيات لكن ليس بالشكل الذي صورته مواقع التواصل. أذكر أيضا، أنني تنقلت في أحد الأيام إلى مستشفى فرانس فانون، وحاولت الدخول إلى مصلحة الإنعاش أين عزل المصابون بفيروس كورونا، إلا أن أحد الأطباء نصحني بالعدول عن الأمر حفاظا على صحتي النفسية و كي لا أتسبب في نقل العدوى لعائلتي، مشيرا إلى أنه كطبيب لا يعود إلى بيته لذات السبب بل يبيت كغيره من مهنيي القطاع داخل الفنادق، و نصحني بالاكتفاء بالعمل عبر الهاتف. مع مرور الوقت يوضح محدثنا، بأن الصحفيين في البليدة تكيفوا مع الواقع الجديد و كذلك عائلاتهم، إذ أصبح التعايش مع عدوى الفيروس جزءا من يومياتهم، حتى أن هناك فرقا واضحا حسبه، بين الأجواء التي طبعت الأيام الأولى للجائحة و ما يعيشونه اليوم مع تسجيل تحسن طفيف. - راضية بلجدوي مراسلة قناة «الجزائرية وان» بقسنطينة: نعيش بين ناري الواجب والخوف على النفس تؤكد راضية بلجدوي مراسلة قناة « الجزائرية وان» بقسنطينة، بأن طبيعة العمل الصحفي فرضت عليها التواجد في الميدان رغم كل المخاطر التي تترتب عن ذلك، معلقة بالقول، بأن التحدي الذي رفعه الإعلاميون خلال هذه الجائحة، لا يقل أهمية عن دور مهنيي الصحة فالجميع متواجدون في الصفوف الأمامية كل حسب اختصاصه. وعن تجربتها منذ بداية الأزمة تقول، بأنها لم تكن سهلة، خصوصا في ظل شح مصادر المعلومة وندرة وسائل الحماية مشيرة، إلى أنها كانت تستهلك الكمامات و المعقمات بشكل كبير بحكم تواجدها مطولا في الميدان حتى خلال الفترة الليلية أحيانا، وهو ما جعلها تعاني من مشكل الندرة، لدرجة اضطرتها إلى طلب العون من أصدقائها على الفيسبوك لمساعدتها على توفير ما يقيها شر العدوى خلال عملها. محدثتنا قالت، بأن ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس في الولاية، دفعها إلى بذل جهد فكري مضاعف لتثقيف نفسها فيما يخص هذا الطارئ المستجد، حيث بادرت إلى القراءة بخصوصه لتكون خلفية لا بأس بها تسهل عليها التواصل مع المختصين و الأطباء و فهم تطور الأحداث، وهو نشاط كانت تقوم به بالموازاة مع عملها اليومي في تقصي الأخبار و إعداد الروبورتاجات و رصد منحنى العدوى في المدينة، وبعد قرار منع التصريح محليا كان البديل عن الخبر الجاهز هو الروبورتاج سواء الفردي أو بمعية مصالح الأمن و الدرك التي رافقتها حتى أثناء الليل، إضافة إلى الاعتماد على المصادر غير الرسمية من داخل المستشفيات للحصول على معطيات ومعلومات جديدة، وهي مهمة جد صعبة حسبها، على اعتبار أن الروبورتاج التلفزيوني لا يمكن يتم دون دعامة سمعية بصرية تعزز مصداقية المحتوى، مع ذلك فقد واصلت العمل بالاستناد إلى كل ما يمكنها أن تستقيه من أخبار أو فيديوهات أو صور تصلح كقاعدة تنطلق منها بحثا عن المعلومة الحقيقية أو الخبر. وحسب الصحفية، فإن الأيام التي تلت كانت أصعب مع تزايد حالات الإصابة في المدينة التي باتت أقرب إلى بؤرة للوباء، فحياة الصحفي صارت في خطر لكن الخروج ظل ضروريا لإتمام العمل و الالتزام بالواجب المهني، وهنا تشير، إلى أنها عاشت تجارب إنسانية تركت أثرا في نفسها، فبعض الخيرين كما عبرت، كانوا يقدمون الكمامات و المعقمات للصحفي خلال تنقله لعمل معهم، تقول: « نعيش بين نارين منذ بداية الجائحة، نار الواجب الصحفي و المسؤولية الاجتماعية والإعلامية و نار الخوف على النفس و الشعور المتزايد بالذنب تجاه من نحبهم، شخصيا كنت الوحيدة بين أفراد عائلتي التي تغادر المنزل و بالتالي فأنا مصدر الخطر الأول، كل يوم أقرر التوقف عن المخاطرة لأجل المهنة، ثم أعدل عن قراري، أعيش يوميا صراعا نفسيا بسبب فكرة أنني قد أعرض حياة والدي المصاب بضغط الدم و والدتي المصابة بالسكري للخطر، الأمر الوحيد الذي يمنحني الرضا هو قناعتي بأهمية ما أقوم به من خدمة عمومية». من جانب آخر أوضحت راضية بلجدوي، بأن هذا الوضع لم يثن عزيمتها لا كامرأة و لا كصحفية، حتى أنها أخذت على عاتقها مهمة التوعية من خلال الكاميرا و عبر مساهمتها اجتماعيا عن خلال نشر ثقافة الوقاية و التعقيم أينما حلت بغرض العمل، لأنها بذلك تقي نفسها بالدرجة الأول على حد تعبيرها. من جهة أخرى أخبرتنا محدثتنا، بأنها شاركت في سبع حملات تحسيس و توعية بمعية مصالح أمن ولاية سطيف و الحماية المدنية لولاية قسنطينة، وشاركت في إعلان تحسيسي تبثه القنوات الإذاعية، كما كانت جزءا من حملة ثقافية توعوية ضمت فنانين و إعلاميين محليين، و ظهرت في فيديو تحسيسي أعدته منظمة «رواد الخير» بتركيا بمشاركة إعلاميين عرب، ناهيك عن مساهمتها في حملات أطلقتها الكشافة الإسلامية و بعض الصفحات الفيسبوكية. - رضا بوتازرت صحفي بإذاعة البليدة: نحن جنود في مواجهة الفيروس و ضغط غرف الأخبار عنما بدأت الجائحة كان العمل يقتصر حسب رضا بوتازرت، الصحفي بإذاعة البليدة، على بعض الأخبار و المتفرقات عن الفيروس، لكن مع انتشار الوباء في الولاية، أصبحت الإذاعة المحلية أمام مسؤولية أكبر ولذلك تم تركيز كل العمل الميداني و الإذاعي على جائحة كورونا، ومع خروج عدد من الزملاء في عطلة استثنائية فقد أصبح الضغط مضاعفا بين توفير المعلومة و إعداد الروبروتاج الميداني و تقديم نشرات الأخبار في ظل تسارع الأحداث و تجددها على رأس كل ساعة و بشكل يومي، و هو تحد غير مسبوق حسبه، خصوصا مع ضرورة التعايش مع خطر الإصابة بالعدوى و تأثير فكرة احتمال الموت و التقيد بالزمن و نوعية المادة. و بوصفه صحفيا في غرفة الأخبار، قال محدثنا، بأن البرمجة تغيرت جزئيا و تغير معها نمط العمل بشكل تطلب سرعة في التكيف و رفع التحدي بشتى الطرق، وهي تجربة فارقة في المسار المهني لأي إعلامي، إذ تم بهذا الصدد تغيير البرمجة و توقيف كل الحصص و البرامج اليومية في الشبكة العادية، مقابل فتح الأثير لرصد انشغالات المواطنين التي تعتبر انعكاسا لانشغالات الصحفي، في ظل الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية التي خلفها الحجر الصحي في الأيام الأولى، ناهيك عن مشكل نقص مواد الحماية و التعقيم، التي لم توفرها إدارة المؤسسة بادئا، ما اضطر العمال و الصحفيين كما أخبرنا، للضغط من أجل طلبها، وهو ما تحقق في النهاية و رافقه كذلك تعقيم لكل قاعات و ممرات الإذاعة لحماية الطاقم العامل بها، علما أنها مهمة أسهمت فيها جهات عديدة من باب التطوع على غرار محافظة الغابات. و بخصوص العمل خارج المكاتب، فقد وصفه الصحفي، بأنه أشبه بتجربة جندي يغادر أحبته ليتوجه إلى جبهة الحرب، لأن خطر العدوى كان قريبا جدا، وهو ما تطلب تخفيف ضرورات الخروج للشارع و التركيز أكثر على المداخلات الهاتفية، لكن ذلك لم يلغ كما أوضح، حتمية التنقل الميداني لمستشفى بوفاريك للوقوف على تطورات الوضع و نقل الصورة كاملة بعيدا عن المغالطات و الأخبار الكاذبة التي كانت تتداول على مواقع التواصل. و أمام هذا الوضع الذي يعيشه الكثير من الصحفيين في الميدان و التضحية التي يقوم بها البعض لتقديم خدمة نوعية للمواطن، وصف الصحفي، من تخلوا عن زملائهم وواجبهم المهني في هذه الظروف، بالجندي الذي يتخلى عن سلاحه و شرفه خلال المعركة، مشيدا بمساهمة من قرروا المساهمة ولو عن بعد خلال تواجدهم في المنازل بعد استفادتهم من التدابير الوقائية التي تطلبت تسريح نسبة من العمال. - مصطفى آيت موهوب مدير الإعلام بوكالة الأنباء الجزائرية: انتقلنا للعمل عن بعد مبكرا و اعتمدنا التنوع في الأجناس الصحفية يؤكد مدير الإعلام بوكالة الأنباء الجزائرية، مصطفى أيت موهوب، بأن تجربة المؤسسة في ظل الاختبار الذي فرضه فيروس كورونا تعتبر جد بناءة و مثمرة، مشيرا إلى أن التكفير في اعتماد العمل عن بعد كان قد بدأ يوم 16 مارس، أي قبل إقرار رئيس الجمهورية لإجراءات الوقاية بما في ذلك العطل الاستثنائية التي مست 50 بالمائة من الموظفين، حيث تقرر العمل وفق هذا النظام بتاريخ 17 مارس، بعد اجتماع لمجلس إدارة الوكالة نوقش خلاله الوضع و تم استيضاح حجم الخطورة و تحديد آلية العمل في ظل الظروف المستجدة من خلال اقتراح حلول ناجعة، علما أن هذا التوجه ظهر مع بدايات الجائحة ولم يكن مقتصرا على وكالة الأنباء فحسب، بل تبنته أيضا مؤسسات صحفية على غرار « لو سوار دالجيري» و « الخبر»، التي تقدمت بطلب للحصول على تسهيلات و رموز جديدة للولوج إلى شبكة الوكالة في إطار نظام العمل عن بعد. المتحدث قال، بأن مؤسسته لم تواجه صعوبة في انتهاج هذا النمط المهني، بفضل توفرها على إمكانيات تقنية تسمح بالعمل بهذه الطريقة، بما في ذلك أرضية متعددة الوسائط تحصلت عليها وكالة الأنباء سنة 2017، تسمح بالولوج لشبكتها الإخبارية من أي مكان، مع إمكانية إشراف رؤساء التحرير على عمل فرقهم الصحفية عن طريقها ولو عن بعد، إذ تمكنهم من مراقبة المادة الإخبارية و الإعلامية و التواصل بشكل مباشر و مستمر مع الصحفيين و المراسلين، وهو ما سهل مهمة تسيير المرحلة كما عبر مضيفا بالقول :» في البداية أنقصنا طاقم التحرير إلى النصف و من ثم ذهبا إلى أبعد من ذلك و خفضنا عدد الموظفين أكثر بحيث بات الحضور مقتصرا على عدد جد محدود من الصحفيين و المسؤولين، وقد لاحظنا بأن إنتاج البرقيات لم يتأثر أبدا منذ بدأنا اعتماد هذه الطريقة، بل بالعكس زاد خصوصا في المصالح التي تعتمد على العمل المكتبي استنادا إلى وكالات الأنباء الأخرى و المواقع العالمية أي الخبر المستقى من المصادر المفتوحة، و هو منتج تضاعف حقيقة». في ما يتعلق بالعمل الميداني، أوضح المتحدث، بأنه انخفض نوعا ما بسبب توقف مختلف النشاطات و ارتباط كل شيء بفيروس كورونا، ولذلك تم ضبط برمجة مختلفة تقوم على تعزيز المادة المنوعة خاصة الروبورتاجات و التحقيقات و البورتريهات، و يمكن القول حسبه، بأن ما تحقق في فترة شهر ونصف، يعادل ما كان ينجز خلال نهايات الأسبوع طيلة ستة أشهر كاملة. مدير الاعلام بوكالة الأنباء الجزائرية، أشار إلى أن هذه التجربة سمحت بالوقوف على جملة من النقاط و تقييمها، فقد اتضح حسبه، بأن الصحفيين كانوا يضيعون الكثير من الوقت بسبب الاكتظاظ المروري و بأن مردودهم تضاعف خلال فترة الحجر و العمل عن بعد، يقول :» كثفنا أيضا من المادة المنوعة وهو توجه سمح لنا بتعزيز المحتوى الإعلامي للوكالة، حيث تحولنا نحو العمل بالأجناس الصحفية التي لم نكن نوليها اهتماما كبيرا مثل الروبورتاج و التحقيق و الحوار أو اللقاء الصحفي عن بعد، وكانت المحصلة جد مرضية و هامة، كما اكتشفنا بفضلها إمكانيات كبيرة لدى صحفيينا وهو في حد ذاته مكسب». أما في ما يتعلق بإجراءات الوقاية و آلية العمل في ظل النقص العديدي، فقد أوضح المتحدث، بأن الأجواء داخل غرف التحرير كانت تفتقر للحيوية، لكن ذلك لم يؤثر على معنويات العاملين خصوصا وأن نظام العمل كان يعتمد على التداول على العمل الميداني بشكل أسبوعي « مرة واحدة كل أسبوع» وذلك لتقاسم المسؤولية حتى في ما يتعلق بخطر العدوى، كما تم توفير وسائل الوقاية من كمامات و مواد تعقيم و غير ذلك، وفي ما يخص العطل الاستثنائية فقد تركت المؤسسة الرغبة في الاستفادة منها اختيارية، بحيث فضل البعض التوقف عن العمل فيما اختار آخرون المساهمة، خلاصة القول كما عبر هي أن الوكالة كانت سباقة لتطبيق الحجر، كما أن التكيف مع الأوضاع المستجدة تم بسرعة و بسلاسة و ساعد على اكتشاف عدة أمور فيما يخص نجاعة العمل عن بعد و تنويع الأجناس الصحفية و كسر الروتين. - مراد بوكرزازة مدير إذاعة قسنطينة الجهوية: مددنا جسور التضامن و رافقنا المواطن نفسيا خلال الحجر اعتبر الصحفي و مدير إذاعة قسنطينة الجهوية، مراد بوكرزازة، بأن تاريخ هذه المؤسسة و مكانتها كوسيلة إعلام ثقيلة، وضع طاقمها أمام مسؤولية كبيرة منذ بداية الجائحة، خصوصا في ظل الظروف المهنية و الاجتماعية و الاقتصادية التي ترتبت عنها، وهو ما تطلب ضبط برمجة خاصة تتماشى مع الظرف و تكييف المحتوى الإعلامي مع طبيعة الحدث، بما في ذلك عدوى الفيروس و حلول شهر رمضان، مع تبسيط لغة الحوار لتصل الرسائل إلى أكبر عدد من المستمعين. البداية حسبه، كانت بالتركيز على التحسيس من خلال تسجيل عشرات الومضات يوميا لشرح كيفية التعامل مع الوباء، كما تم فتح العديد من البرامج الإذاعية أمام المختصين و الأطباء، ناهيك عن إيلاء أهمية بالغة للمرافقة النفسية للمواطنين طيلة فترة الحجر عن طريق مداخلات نفسانيين متخصصين وباحثين في علم الاجتماع. من جهة ثانية، فقد خصصت فضاءات هامة للعمل التضامني بحيث أطلقت مبادرات لتلبية حاجة المواطنين و سماع انشغالاتهم، إذ كانت الانطلاقة مع حملة لجمعة التبرعات للعائلات المعوزة و قاطني مناطق الظل، وقد امتدت على مدار يوم كامل تحت شعار «جسور المحبة و التضامن»، و جاءت بإشراف من والي قسنطينة و بالتنسيق مع مصالح النشاط الاجتماعي، وسمحت بجمع تبرعات و طرود غذائية لحوالي 500 عائلة وزعت قبل أربعة أيام من رمضان، و أمام نجاح هذه التجربة، نظمت الإذاعة طبعة ثانية للتبرع بالدم جمع بفضلها أكثر من 150 كيس دم لمرضى السرطان و فقر الدم و ضحايا حوادث المرور، ثم تلتها طبعة ثالثة، خصصت لمرضى السرطان بالتنسيق مع جمعية واحة و تكللت بوعود رسمية بمنح قطعة أرض لبناء مستشفى خاص بالأطفال المرضى، و كل ذلك في انتظار طبعتين أخريين تخصان توفير كسوة العيد لأطفال مناطق الظل و الاهتمام بكبار السن. ورغم النقص العددي في غرف تحرير الإذاعة و خطر العدوى القائم، إلا أن المؤسسة كما قال، تتكيف بشكل سلسل مع الوضع، حيث تم توفير جو مهني مناسب و صحي للعمال و الصحفيين المناوبين، كما تقرر عدم السماح باستقبال أكثر من ضيف واحد في استوديوهات الإذاعة مع التحول للعمل عن طريق الهاتف حتى فيما يتعلق بإعداد الروبورتاجات، ليختم المتحدث بوصف ظروف العمل بأنها «تعب اللذيذ». - كمال عمارني رئيس تحرير جريدة « لو سوار دالجيري»: قلصنا عدد الصفحات و المادة العلمية فرضت نفسها جريدة لوسوار دالجيري، قررت تخفيض عدد صفحاتها من 24 إلى 16، وذلك للتكيف مع المرحلة و تخفيف الضغط على قاعة التحرير تماشيا مع خروج صحفيين في عطل استثنائية، و تقليل عدد العمال في المؤسسة كإجراء وقائي لضمان تطبيق التباعد الاجتماعي، كما أوضحه مدير تحريرها الصحفي كمال عمارني، مشيرا إلى أن طاقم التحرير التزم بأكمله بالعمل عن بعد خلال فترة الحجر. عمارني قال، بأن نوعية المادة الصحفية في الجريدة تم تكييفها لتتماشى مع الحدث، خصوصا و أن المؤسسة تضم صحفيين متخصصين في مجال الصحة، و هو ما عزز تواجد المادة العلمية التي فرضت نفسها على كل الأقسام بسبب تداعياتها السياسية و الاقتصادية و التربوية وغير ذلك، بما في ذلك الجانب الرياضي، بالمقابل فقد تم توقيف أقسام أخرى مؤقتا كالقسم الثقافي وذلك بالنظر إلى غياب النشاطات، لكن مع الالتزام بتوفير المعلومة بشكل مستمر ودائم للمواطن لقطع الطريق أمام الأخبار الخاطئة و المغلوطة. وقال المتحدث، بأن التركيز في هذه الفترة كان منصبا على التوعية و شرح ما يحدث، وذلك بالاعتماد على مداخلات و أراء مختصين في الطب و أعضاء اللجنة الوطنية لمراقبة تطورات فيروس كورونا، وهو جانب حظي باهتمام كبير ، من جهة ثانية فقد تم تعويض شح المادة الخبرية أو الحدث بالروبورتاجات بما في ذلك العمل الميداني، الذي كان يتم في إطار منظم مع احترام شروط الوقاية لضمان سلامة الصحفيين، فيما تقرر بالمقابل تجنب العمل و التنقل للأماكن المكتظة حتى وإن تعلق الأمر بالتغطيات الصحفية. رئيس تحرير لوسوار دالجيري، أشار إلى أن هذه الأزمة سمحت بتطوير الموقع الإكتروني للجريدة و تعزيز تواجدها على الوسائط التفاعلية كفيسبوك و تويتر، حيث لعب الموقع دورا كبيرا في توفير المعلومة وكسب الوقت، علما أن الجائحة سرعت تفعيل قرار تطوير الموقع الذي كان قد اتخذ قبل مدة، مع ذلك فإن الاعتماد على الدعامة الإلكترونية لا يلغي حسبه، أهمية النسخة الورقية ذات الدور التثقيفي و البيداغوجي، فالصحافة الورقية كما قال، قاومت و صمدت في ظل هذه الظروف وهو أمر يحسب لها، مضيفا بأنها عززت مصداقيتها حتى وإن كانت قد تأثرت كثيرا بسب مشكل التوزيع مع توقف بعض الموزعين عن العمل و نقص وسائل النقل، ما عرقل وصول الجرائد إلى القراء في بعض المناطق.