* الأمير تشالز تنبأ لي بمستقبل وزاري و شجعني على الاستثمار في التكنولوجيا تضع المقاولة الشابة في مجال التكنولوجيا، و الشابة الناشطة جمعويا، إيمان هني منصور، في هذا الحوار مع النصر، مفاتيح و أسرار نجاحها أمام الشباب الجزائريين الراغبين في ولوج عالم الاستثمار و تأسيس مؤسسات ناشئة، كما تروي لنا تفاصيل تخص نشاطها مع عدة منظمات و هيئات بينها وكالة ناسا، و تسرد لنا قصة رحلتها إلى بريطانيا و تكريمها من قبل ولي العهد، وكيف تخطت الخوف من الفشل لترتقي في سلم المقاولاتية النسوية و تحظى بدعوة للالتحاق ببرنامج تيك وومن الأمريكي، الذي فتح لها أبواب العملاق التكنولوجي « غودادي». حاورتها: هدى طابي كلمات بسيطة أعادتني من بريطانيا بفكر مقاولاتي منتج النصر: أنت من بين الجزائريات القلائل اللائي شاركن في تظاهرة «تيك وومن» العالمية، عرفينا بك أكثر؟ إيمان هني منصور: إيمان29 سنة، ابنة مدينة البليدة، درست الإعلام الآلي و تخصصت فيه كمجال مهني، مشواري بدأ فعليا سنة 2012، عندما أسست نادي «المجتمع العلمي للكمبيوتر»، بالجامعة في مبادرة أردت من خلالها إدماج الطلبة بشكل أكبر في النشاط العلمي و تحفيزهم، بعدها بسنة انضممت إلى منظمة «فندر فاملي»، وهي منظمة جزائرية ذات بعد دولي، نعمل من خلالها على تكريس تصدير الأفكار الجزائرية كمنتج آخر بديل للبترول، وقد استحدثنا في إطار نشاطاتها حدثا علميا و تكنولوجيا هاما هو « ويب دايز « أو «أيام الويب»، لإدماج طلبة الجامعات في عالم المقاولاتية و بالأخص المؤسسات التكنولوجية الناشئة، ومن هنا تحديدا اكتشفت المفهوم الواسع و الصحيح للمقاولاتية و « الستارت أب»، وتشكلت لدي صورة أشمل عن الموضوع، حيت تعلمت كيف أستحدث مؤسسة و كيف أبحث عن ممولين و أدير الأعمال و أتواصل مع المجموعة، أي أنني كنت أمارس المقاولاتية دون أن أشعر. في 2015، التحقت بالمنظمة العربية للمرأة في الاعلام الآلي، وهي جمعية ذات طابع دولي، لتشجيع النساء على ولوج عالم التكنلوجيا، وقد باشرت في إطار نشاطي معها العمل على برمجة ورشات تكوين لتلميذات المتوسطات و الثانويات ببليدة، للتعريف بالمجالات المهنية للمعلوماتية و التكنولوجيا، و تحفيزهن على اختيار هذا التخصص كتوجه مستقبلي، عبر تبسيط المفاهيم و تلقينهن طرق إنشاء مواقع الكترونية في يومين. خلال نفس السنة، حصلت على رخصة، لتنظيم فعاليات عملية لصالح وكالة الفضاء « ناسا»، هنا في الجزائر، كما واصلت النشاط في مجال التكوين إلى غاية تاريخ إنشائي لمؤسستي الخاصة سنة 2018، و التي فتحت لي الباب للمشاركة في « تيك وومن» و تظاهرات أخرى دولية، كما استفدت بفضلها من منحة للدراسة في بريطانيا حظيت على هامشها بتكريم و تشجيع ولي العهد الأمير تشارلز. لماذا تأخر ميلاد مشروعك الخاص رغم أنك سباقة لتحفيز الطلبة الجامعيين على الاستثمار؟ كما سبق و ذكرت المؤسسة واسمها «أينو كوم»، تأسست قبل سنتين فقط، و هي عبارة عن وكالة رقمية لمرافقة الشركات في المجال المعلوماتي، من خلال تقديم خدمات متعددة تخص رقمنة العمل لرفع رقم الأعمال بالاستعانة بالإعلام الآلي، صراحة فكرة المشروع كانت تراودني دائما لكنني كنت متخوفة من خوض المغامرة باكرا و الفشل، لذلك أردت أن أحظى بالتكوين اللازم لكن بعد عودتي من إنجلترا ولقائي المشجع و الملهم بالأمير تشالرز، الذي قال لي بأنه يتوقع مني الكثير، وجدتني مستعدة لخوض المجال المهني، حينها التقيت بزميل دراسة قديم دعمني هو أيضا و وقف إلى جانبي و هكذا أسسنا مشروعا مشتركا لإنتاج التكنولوجيا « مواقع الكترونية و أنظمة معلوماتية و تطبيقات و الهويات البصرية للشركات و مساعدتها على تسويق عبر المنصات التفاعلية وغير ذلك». المقاولاتية النسوية في الجزائر ضعيفة و أقرب إلى الوهم تخوّفت من الاستثمار رغم تخصصك و تكوينك، لماذا لا تزال المساهمة النسوية في المجال التكنولوجي محدودة في بلادنا؟ الأمر معقد، ففي جامعاتنا يشكل العنصر النسوي نسبة معتبرة من طلبة التخصصات التقنية، وذلك ربما ينسحب على جميع التخصصات و يرتبط أساسا بنسب النجاح في البكالوريا، أؤكد لكم أن عدد طالبات الإعلام الآلي في الجزائر يفوق عددهن في أمريكا، وهذا واقع عاينته شخصيا، المشكلة هي أن الفتيات يفضلن التوجه نحو قطاعات أخرى بعد التخرج، في مقدمتها التعليم، وذلك راجع لعدة عوامل نفسية و اجتماعية وقفنا عليها خلال عملنا في المنظمة العربية للمرأة في الإعلام الآلي، فالنساء يعتقدن مثلا أن الرجال أفضل في مجال التكنولوجيا و أكثر تفوقا، و هناك أيضا نظرة المجتمع لهذا التخصص الذي يعتبر رجوليا، فغالبية العائلات ترفض السماح للفتيات بالعمل فيه لأنه يتطلب التزاما دائما و تواجدا غير مشروط في الميدان ولو كان ذلك ليلا. التكنولوجيا علم يتطلب تكوينا متواصلا وهو أمر يرتبط بتوفر الوقت، وهنا يحظى الرجل بأولوية في مجتمعنا على حساب المرأة، إذ يسمح له بقضاء ساعات أطول أمام الكمبيوتر والهاتف، في حين يعاب على النساء ذلك. كيف تقيمين واقع المقاولاتية النسوية بناء على تجربتك الشخصية؟ في بلادنا عندما نتحدث عن هذا الشق بلغة الأرقام وبالعودة لإحصائيات السجل التجاري نجد الكثير، لكن في الواقع الأمر لا يتعدى نسبة كبيرة من التصريحات الكاذبة، لرجال يستغلون هوية الزوجة أو الأم أو الأخت للحصول على ترخيص بالنشاط. من جهة ثانية، فإن غالبية المشاريع النسوية المصغرة تتعلق بنشاطات بسيطة « حلويات خياطة وغيرها»، بمعنى أن النساء يفضلن مجال الخدمات على القطاع الصناعي، لأنهن يتخوفن من ولوج عالم صعب يستدعي المخاطرة و يتطلب استثمارا كبيرا، وهو ما خلصت إليه دراسات أجريناها كمنظمة عربية للنساء في مجال الإعلام الآلي قبل مدة، بينت بأن المقاولاتية النسوية في الجزائر ضعيفة من حيث المردودية المالية و التأثير الاقتصادي. على الشباب اللجوء للمسرعات الاقتصادية بدلا من الحاضنات هل يمكننا الحديث مستقبلا عن مشروع من قبيل «سيليكون فالي» خصوصا في ظل تضاعف عدد الشركات الناشئة الناشطة في المجال و ما الذي نحتاجه لتحقيق حلم مماثل؟ أعتقد أنه من الصعب الحديث عن سيليكون فالي، في الجزائر، لأن لكل منطقة في بلادنا خصوصية مختلفة، في أمريكا مثلا نجح المشروع لأن البلد يتوفر على جامعتين تجمعان بين الصناعة و البحث العملي وهما بيركلي و ستانفورد، لكن في بلادنا عدد الجامعات كبير دون تركيز واضح للتخصصات، ما نفتقر إليه فعليا لنقترب من التجربة أو نستنسخها هو «الذكاء الجماعي» نحن نملك كفاءات فردية كبيرة لا تقل شأنا عن ما هو موجود في الخارج، لكن النجاح في هذا العالم مرهون بالذكاء الاجتماعي القادر على انتاج أفكار قابلة للتطبيق، كما أننا نفتقر أيضا لثقافة دعم المشاريع ناهيك عن محدودية الاستثمار المشترك في تطوير المؤسسات الناشئة الناجحة. وماذا عن دور الحاضنات الاقتصادية في الجامعات؟ الحاضنات الاقتصادية لا تزال غير ناجعة في رأيي، لأن من يشرفون على التكوين يجب أن يكونوا مهندسين ناشطين ميدانيا بمعنى أننا يجب أن ننتقل من النظري إلى التطبيق لنتمكن من طرح المشاكل الواقعية و مناقشة حلولها من منظور تقني عملي، أعتقد أننا يجب أن نستفيد من خبرة هؤلاء المهندسين في مجال التعليم بعيدا عن التصنيفات الأكاديمية التي تخضع لها عملية التوظيف. خلاصة القول، هي أن نجاح سوق التكنولوجيا في الجزائر مرهون بالانتقال من مرحلة الاعتماد على الحاضنات إلى المسرعات، وهي آلية دعم و توجيه أسرع يمكنها أن تطور الأفكار إلى مشاريع استثمارية في فترة لا تزيد عن تسعة أشهر، فيما تستهلك الحاضنات حوالي سنتين كاملتين ولذلك أنصح الشباب بالتوجه نحو المسرعات. في أمريكا لا تعتمد الشركات الناشئة على دعم الدولة حدثينا عن تجربتك في «تيك وومن» و عن الوسام الذي قلدك إياه ولي العهد البريطاني، في أي إطار تم ذلك؟ هي خطوات مشيتها في إطار التكوين المتواصل، حيث التحقت بأربعة برامج مختلفة، بالنسبة لتجربتي مع ولي العهد و تكريمي من قبله، فقد جاء ذلك تبعا لمنحة دراسية حصلت عليها بوصفي واحدة من الرواد الشباب المبدعين في ثلاثين دولة عبر العالم، وقد تم اختياري بناء على كثرة نشاطاتي و مساري التطوعي هنا في الجزائر، أتذكر يومها أن الأمير تشارلز قال لي « بأنه يرى في شخصي مشروع أول وزيرة مستقبلية شابة». بعد عودتي إلى الجزائر مباشرة، أطلقت مبادرة « شباب ترست» أو الثقة في الشباب، بهدف تنظيم ورشات عمل للشباب لتشجيعهم على الاستثمار، وهو ما رشحني للالتحاق ببرنامج تكوين آخر في السويد دائما في إطار مشاريع صناعة القادة « ليدر شيب»، كما شاركت في برنامج مماثل في مصر، أين دهشت فعلا لمستوى تقدم الدول الإفريقية في مجال التكنولوجيا و المؤسسات الناشئة. في نهاية 2018، تم اختيار شركتي، من بين 100 مؤسسة ناشئة واعدة وهكذا تلقيت دعوة للمشاركة في برنامج « تيك وومن» بسيلكون فالي أمريكا، و قد اخترت التدريب في شركة « غودادي» بحكم تقاطع نشاط شركتي مع ما ينتجه هذا العملاق العالمي. ما شدني خلال هذه التجربة هو استقلال الأمريكيين اقتصاديا عن الدولة و عدم اتكاليتهم على دعمها، هم أفراد مبادرون وحتى خلال المشاكل التي تواجهها شركاتهم يبحثون عن حلول خاصة دون انتظار تدخل الحكومة، عكسنا تماما في الجزائر. الإنجليزية تفتح الأبواب و تضاعف فرص النجاح في الخارج وماذا عن تجربتك من وكالة « ناسا»؟ يتعلق الأمر بتحديات علمية تتماشى مواضيعها مع الراهن،تطرحها ناسا، ويشارك مهندسون و علماء و باحثون ومختصون كل في مجاله في إيجاد حلول لها خلال 48 ساعة، بالاستعانة بقاعدة بيانات و معطيات الوكالة، و هكذا يتم اختيار ثلاثة فائزين لإنجاز نماذج أولية لمشاريع في ذات الإطار، بعدها يطور النموذج خلال شهر إلى منتج نهائي. بالنسبة لي فقد حصلت على رخصة لتنظيم تحديات الوكالة في الجزائر سنة2015، ولا أزال أنشط في هذا المجال بالتنسيق مع وكالة الفضاء الجزائرية. إلي أي درجة خدمتك اللغة الإنجليزية في مسار نجاحك؟ كثيرا، مع أنني لم أكن أجيدها و أنا طالبة جامعية، لكن بعد أن اجتهدت لتعلمها خلال إعدادي للدكتوراه أدركت أهميتها في مجال البحث و ضرورتها لاغتنام الفرض، الإنجليزية تختزل الجهد و الوقت و تفتح العديد من الأبواب. أنت ابنة البليدة كيف أثرت جائحة كورونا على حياتك و عملك خلال الفترة الماضية؟ أثرت علي بشكل كبير، خصوصا عندما كنت أسمع أخبار إصابة أو وفاة شخص قريب مني، مع ذلك تخطيت الأمر بالمطالعة و التركيز على التكوين و اكتساب المهارات اللغوية الجديدة في الإنجليزية، أما على الصعيد المهني فقد تباطأت وتيرة نشاط الوكالة و انسحب عدد من الفري لنسرز، لكننا صمدنا و توجهنا نحو العمل عن بعد عن طريق المنصات الإلكترونية، كنت في هذه المرحلة مصرة على رفع معنويات الجميع و مرافقتهم نفسيا لتجاوز تبعات الوباء و الحجر.