ووري الثرى بعد ظهر أمس الفنان التشكيلي عمار علالوش بمقبرة زواغي بقسنطينة، بحضور أفراد عائلته و بعض أصدقائه المقربين في أجواء مهيبة، و برحيله تفقد قسنطينة ملهمته و محور عديد إبداعاته، قامة فنية كبيرة، ما جعل الحزن يخيم على الساحة الفنية و الثقافية بالولاية، و الجزائر ككل، كما عبر زملاؤه في الريشة و الألوان و عديد المثقفين. أسماء بوقرن الفقيد توفي مساء أول أمس بشقته بحي فيلالي بقسنطينة، عن عمر ناهز 81 عاما، تاركا خلفه رصيدا كبيرا من اللوحات و المنحوتات ، بعد أن ناضل من أجل الارتقاء بالفنون التشكيلية، مطلقا العنان لطموحه الذي لم يهزمه الزمن، و لا التقدم في السن، و كان من أهم مشاريعه افتتاح فضاء للفنانين التشكيليين بقلب قسنطينة، لعرض إبداعاتهم بشكل دائم، و عرض جميع إبداعاته المرسومة و المكتوبة بمتحف سيرتا و استرجاع أعماله الفنية من تونس، لكن الأجل خطفه قبل أن يجسد كل أحلامه الفنان المبدع و الباحث في الفن التشكيلي الراحل عمار علالوش، ختم آخر حوار أجرته معه النصر بقوله» العمر ليس له معنى و لا دور في حياتنا، سوى أنه يتيح لنا المجال للعمل و الإبداع»، فهو لم يكن يعرف للكسل معنى، و ظل يعمل بجد و كد لسنوات طويلة و لم يستسلم يوما للمرض و لا التقدم في السن. ظل الفقيد وفيا للقلم و الريشة و الألوان و متشبتا بطموحه و أحلامه، شعاره في الحياة « أنا أبدع أنا موجود» ، لم يكن يرى في عامل السن عائقا أمام بلوغ ما يصبو إليه، كان يتمتع بنظرة ثاقبة و يسعى دائما للسفر عبر الزمن بلوحاته التجريدية، و مشاريعه الرامية للنهوض بالفن و ترقية الذوق العام و بعث ثقافة الفن التشكيلي في مدينة العلم و العلماء. الأجل حال دون أن يدشن معرضا لأعمال فنانين راحلين الراحل كان حريصا على إعطاء إشارة افتتاح الصرح الثقافي الذي كانت ستتدعم به مدينة قسنطينة، حيث قال في حديث للنصر مطلع السنة الجارية، و السعادة تغمره بهذا الإنجاز الذي ظل حريصا على تجسيده، بأن هيكلا جديدا سيعطي دفعا للنشاط الثقافي بالمدينة، يتمثل في قاعة لعرض اللوحات التشكيلية و المنحوتات، تقع أسفل ساحة كركري، خلف نزل سيرتا، و اعتبره إضافة نوعية للفن و الثقافة في قسنطينة و الجزائر عموما، و فضاء للم شمل الفنانين التشكيليين و النحاتين و المبدعين من كل حدب و صوب. و وعد الفقيد بأن يستهل نشاطه بتنظيم معرض لأعمال أعلام الفن التشكيلي الراحلين، كمحطة عرفان و تقدير لما قدموه من عطاء، و كان ينتظر بفارغ الصبر تدشينه، غير أن القدر شاء أن يخطفه، قبل أن يفرح بافتتاحه الذي كان مبرمجا خلال السنة الجارية، كما كان يسعى لتدشين معرض افتراضي للأعمال التي جسدها طيلة نصف قرن من عمره الإبداعي، سواء الفنية التشكيلية أو المكتوبة، بإحدى أجنحة المتحف، مشيرا إلى أنه سيحرص على استغلال التكنولوجيا للقيام بزيارات افتراضية للمعرض من مختلف أنحاء العالم، أما مشروعه الآخر الذي طالما تحدث عنه بشغف، فهو استرجاع أعماله الفنية من تونس . ترك إرثا علميا في الفن و العمارة و الحرف حب الراحل للفنون التشكيلية و البحث العلمي، جعله يقوم بدراسات و أبحاث في الفنون و الحرف و الهندسة المعمارية، و كان يستعد لإصدار مؤلف حول التفسيرات الفنية الجديدة للتقنيات الجديدة والممارسات الحالية في الفن التشكيلي الجزائري المرتبطة بالتكنولوجيا و عنصر التفاعل، فمن بين مشاريعه أيضا إثراء المكتبة الجزائرية ب 18 مجلدا ، قال إنها جاهزة للنشر، على غرار كتاب «من فن الطاسيلي إلى الفن المعاصر». الفقيد درس بمعهد العمارة والفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، كما جاء في بوابته الإلكترونية، و لم يبخل في تقديم خلاصة خبراته و تجاربه لعديد الأجيال، فقد كان أستاذا للفنون التشكيلية بالجزائر، و أستاذا بكلية الهندسة المعمارية بقسنطينة، و كان مسؤولا بغرفة الصناعات التقليدية و الحرف ، و شارك حينها في ورشات عمل دولية حول الحرف، كما كان عضوا سابقا في الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية ، و عضوا و مستشارا في الاتحاد الوطني للفنون الثقافية و عضوا مشارك باتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، و رئيسا لاتحاد الفنانين التشكيليين بقسنطينة . إقامة معرض و استرجاع أعماله الفنية من تونس أمنيته الأخيرة فور الإعلان عن فاجعة رحيل الفقيد البالغ من العمر 81 سنة، المنحدر من مدينة الميلية بولاية جيجل، تناقل تلاميذ و أصدقاء و زملاء الخبر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل، معربين عن ألمهم الشديد لفقدان قامة من قامات الفن التشكيلي، و أحد الوجوه البارزة بالمدينة التي طالما أنارتها و أرتقت بذوق أبنائها. و راح آخرون يتذكرون آخر لقاء أو اتصال هاتفي بالراحل، من بينهم صديقه عبد المجيد بن زراري، الذي نشر عبر صفحته في فايسبوك» منذ أيام قلائل تواصلت مع الفنان القدير عمار علالوش لأطمئن على صحته، فأخذ يوصيني «أتهلوا فيا» و كأنه سيفارقنا، و قال لي «أنت يا مجيد نعول عليك و على ربي ديرولي معرض لأعرض فيه أعمالي الفنية في متحف سيرتا، و سيكون آخر معرض لي في حياتي، و تمنى و سعى بكل ما يملك من طاقة لاسترجاع كل أعماله الفنية من الشقيقة تونس، و توسل من مديرية الثقافة لمساعدته، قال لي يا عبد المجيد أريد أن أرجع فني و أعمال لتبقى في أحضان قسنطينة، و بكي لأنه لا يملك المال الكافي لاسترجاعها فأبكاني معه، و قلت له مطمئنا إياه عمي عمار إن شاء الله بعد كورونا أول نشاط نقوم به هو معرضك، ورد علي إن شاء الله و انقطعت المكالمة بعدما و دعني شاكرا على المكالمة، ربي يرحمك عمي عمار». أصدقاء و تلاميذ الفقيد ينعونه الأستاذ الجامعي عبد السلام يخلف نعى الراحل في منشور عبر صفحته الفايسبوكية قائلا» نزل علينا خبر وفاة الفنان التشكيلي «دا عمار علالوش» باردا من خلال صفحته بالفايسبوك، لم نواسيه في مرضه ولم نمنحه قارورة مارتينازي كما يشتهي....للمرة الأخيرة، تفقدُ فيه الجزائر واحدا من أكبر الفنانين، عاش تشكيليا إلى جانب اسياخم و خدة و مسلي وغيرهم، بروحه المرحة ومشاريعه التي لا تنتهي وهي التي منحته كل تلك الطاقة للمواصلة دون هوادة، في مرسمه التقطتُ له الكثير من الصور كالعادة، راح يعد فوق أصابعه المشاريع التي سوف أنفذها معه، فتح رواق الفنون الذي كنتُ قد أعلنت عنه في منشور سابق ، و معرض يمتحف سيرتا يجمع كل أعماله و جلب اللوحات الفنية التي تركها خلفه في بيته بتونس والتي سوف تضيع للأبد، كان يعد بأصابعه لكن الزمن لا يمهل العد فوق ثلاثة، لماذا رحلت يا صديقي ولنا الكثير من الحكايات مع بعض وجملة من المشاريع التي ذهبت دون أن تمنحني فرصة للبدء فيها؟ لماذا في هذا الظرف التافه الذي لن يمنحنا فرصة إلقاء نظرة أخيرة، التفاتة أخيرة، جلسة أخيرة بمقهى طبوش في سان جان، وأنت توقع آخر لوحة ترسم فيها الوجه الحقيقي للحياة ؟». الفنان التشكيلي محمد بصيلة فقدت الصديق و الزميل الذي قدم الكثير للفن التجريدي قال الفنان التشكيلي محمد بصيلة في اتصال بالنصر « حزنت لفقدان الصديق و الزميل عمار علالوش، عملنا سويا، درس في مدرسة البلدية للفنون الجميلة لمدة نحو سنتين و ذلك سنتي 1968 و 1969، تولى عقبها مسؤولية غرفة الحرف في السبعينات، كانت له ورشة للرسم أبدع بين جدرانها في رسم لوحات تجريدية رائعة، فهو رمز للفن التجريدي، ظل يمارس الفن، طموحه إقامة معارض لأعماله خارج الوطن «. و يذكر أن آخر رسالة بعث بها الفنان عمار علالوش إلى المواطنين و الفنانين في الحوار الأخير الذي أجرته معه النصر» كفانا من الكذب و التزييف و الطمع و الصراعات، فلنعمل و نبدع و نطور قدراتنا و بلادنا، و نحمي مساحتها الترابية و الإنسانية، الجزائر يجب أن تتغير و لا نبقى في خندق و ننظر إلى بعضنا البعض، و نقول الجزائر «راحت»، فهي لا تزال قوية و صامدة برجالها». و دعا الفقيد جميع التشكيليين للاتحاد و التعاون و التكامل و تجاوز الخلافات و الصراعات الشخصية، من أجل الارتقاء بالإبداع و تحديد معالمه و أهدافه و مواكبة موجة التغيير التي يشهدها العالم.