فقدت الساحة الفنية بقسنطينة، ليلة أوّل أمس، أحد أهم الأسماء المختصة في الفن التشكيلي المعاصر، على الصعيد المحلي وحتى الوطني، ويتعلق الأمر بالفنان عمار علالوش، الذي غادر الحياة عن سن 81 سنة، بعد مسيرة حافلة بالعمل والعطاء في مجال الفن التشكيلي والنحت، إذ يعتبر أحد أعمدته في الوقت الحالي بالجزائر. عرف مشوار الفنان عمار علالوش، المولود بمدينة الميلية بولاية جيجل، مسيرة زاخرة، حيث التحق بالدراسة التقنية ودرس بكل من قسنطينة وعنابة، واختار الالتحاق بالمدرسة العليا للهندسة والفنون الجميلة، كما درس وتربص بعدد من المعاهد الفنون الجميلة بأوروبا سواء الغربية أو الشرقية، وبدأ مشواره المهني في المصلحة التقنية للجسور والطرق بقسنطينة، قبل أن يتحول إلى مركز التكوين المهني ثم انتقل للتعليم بالجامعة سواء بمعاهد الفنون الجميلة أو بكلية الهندسة المعمارية والتعمير أو بكلية الإعلام والاتصال بقسنطينة، كما شغل منصب مدير غرفة الحرف بقسنطينة، وعمل كمسؤول بالقسم الفني بالمتحف المركزي للجيش سنوات الثمانينات، وشغل منصب الرئيس الجهوي للاتحاد الوطني لفنون التشكيلية قبل أن ينتخب رئيسا للجمعية الوطنية للفنون التشكيلية، وساهم في تأسيس جمعية أصدقاء متحف سيرتا بقسنطينة، كما كان عضوا في عدد من الجمعيات الدولية المهتمة بهذا الفن. وكان الفنان عمار علالوش يركز في عمله على مواضيع بحد ذاتها، تميل إلى الهندسة المعمارية والفنون وكان يهتم بالبينة والشيء، الفنون والمهن، وكانت أعماله تتسم بالميل إلى الثقافة التقليدية المغاربية التي تتناول مواضيع الحداثة والبحث عن الهوية في ماضي الأجداد، كما اشتغل على مؤلف في هذا المجال بعنوان "الفنون التشكيلية الجزائرية في مواجهة أصولها وتاريخها من الطاسيلي إلى اليوم"، حيث تطرق إلى التأثير والتأثر، عن الخصوصية والعولمة، كما تناول المفاهيم الجديدة في مجال الفن للتقنيات والممارسات الحالية التي لها علاقة بالتكنولوجية وبالتفاعلية. عمار علالوش، صاحب الظل الخفيف والابتسامة التي لا تفارق شفتيه، ناضل من أجل مشروع مغاربي لخلق فضاء للحوار والتواصل بين الفنانين التشكيليين، حيث أكد خلال العديد من المحاضرات التي قدمها في السنوات الأخيرة، على ضرورة اكتشاف ما تزخر به البلدان المغاربية من مبدعين، والتعريف بثقافتها من خلال إقامة معارض مشتركة وبذلك خلق فضاءات للتواصل والنقاش والتبادل المعرفي الثقافي والاستثمار في العقل البشري، وكان يرى أن الفنون التشكيلية في المغرب العربي، لا تحظى بالاهتمام اللازم ويعاني فنانوها من التهميش. وكان حلم علالوش، الذي نعاه كل مثقفو قسنطينةوالجزائر، استرجاع أعماله الفنية التي بقيت في تونس، حيث انتقل الفنان في بداية تسعينيات القرن الماضي، إلى الجارة تونس، فأقام هناك وشارك في العديد من المعارض والمواعيد الفنية وأبدع في العديد من الأعمال الفنية، التي لم يستطع جلبها معه عند العودة إلى الجزائر، كما كان الفنان يسعى ضمن مشروع يهدف إلى جمع شمل الشباب المهتم بهذا الفن وتنظيم الفن التشكيلي الذي يعاني نوعا من الفوضى، حيث كان يرى أنه من الضروري تصفية هذا المجال من الدخلاء لإتاحة الفرصة للمبدعين فقط. وشيعت جنازة الفقيد، من مقر سكناه بحي فيلالي، نحو مقبرة زواغي سليمان، ظهر أمس، في حين عزت وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، الأسرة الفنية وعائلة الفقيد، قائلة "إننا برحيل الفنان عمار علالوش، نكون قد خسرنا قامة من قامات الفن التشكيلي في الجزائر، وفنانا من الذين ناضلوا من أجل توحيد صوت الفنانين الجزائريين، ومن خيرة فناني بلادي، ولا يسعنا في هذا المقام سوى أن نتضرع للمولى عز وجل، سائلين إياه أن يمنَّ على الفقيد بالرحمة والرضوان، ولأهله وذويه من بعده الصبر والسلوان".