أبرزوا حاجة المجتمع إلى كفاءتها باحثون يتوقعون عودة النخبة للمشهد السياسي لعبت النخبة الطلابية و المثقفة، أدوارا مهمة في تاريخ الجزائر المعاصر، يؤكد مؤرخ أنها بدأت مباشرة بعد الاحتلال الفرنسي بالاعتراض على طمس الهوية الجزائرية، لتتطور تدريجيا إلى مقاومة سياسية ومسلحة، و يرى باحث في علم الاجتماع أن مجتمعنا صار بأمس الحاجة لنخبته التي ظلت «مهمشة» لسنوات وبمقدورها اليوم المشاركة في ترقية النسيج المؤسساتي، كما يتوقع أستاذ في العلوم السياسية أن هذه النخبة قد تتصالح مع الفعل السياسي من بوابة التشريعيات المقبلة، لتُنهي حالة من العزوف يرجعها لأزمة ثقة استمرت لعقود. أستاذ علم الاجتماع جيملي بوبكر المجتمع الجزائري بحاجة لنخبته يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2، البروفيسور جيملي بوبكر، أن النخبة لم تحتل المكانة اللائقة بها داخل النسيج المؤسساتي بالجزائر، ما جعلها غير قادرة على لعب الدور المنوط بها و تقديم بدائل، مؤكدا أن الوقت قد حان لإشراك خريجي الجامعة وذوي الكفاءات في ترقية المجتمع الجزائري. ويقول الأستاذ إن النخبة تعرضت إلى الإقصاء و التهميش خلال السنوات الماضية، ما لم يسمح لها باحتلال المكانة التي تليق بها و لعب الدور المنتظر منها، على عكس ما نراه في الدول المتقدمة، و هو وضع أكد المتحدث أنه يتطلب إعادة الاعتبار للمؤسسة الجامعية لتقود القاطرة لا أن تظل في المؤخرة. و يقدم البروفيسور مثالا يقول إنه يبين بوضوح التهميش الذي تعرضت له النخبة، حيث يتجلى حسبه، من خلال عمليات التوظيف التي كانت تستهدف أكثر حاملي شهادات ذات مستوى ضعيف، عوض خريجي الجامعات الذين يفترض أن يكونوا موارد ذات أهمية تخدم المجتمع. من جهة أخرى، يرى الأستاذ الجامعي أنه ليس من وظيفة النخبة أن تكون حاضرة على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، فهناك نخبوي ليست لديه ملكة الكتابة ولا فن الخطابة، لكنه قادر على صناعة محرك، وفق المتحدث. وقد شهدت السنوات الماضية، محاولة لقطع الجسور بين الجامعة وكافة الهيئات الاقتصادية و الخدماتية، في نظر البروفيسور جيملي، الذي أرجع ذلك إلى عدم حاجة هذه الهيئات لموارد بشرية عالية المستوى وذات روح قيادية، مقابل كثرة الطلب على الموارد الأقل شأنا، وكل ذلك، لأن "النخبة تزعج" بحسب تعبير الأستاذ. ويضيف الأستاذ الجامعي في حديثه للنصر، أن العديد من أفراد النخبة يرفضون الانخراط في مختلف المؤسسات المجتمعية بسبب الفساد الذي كان سائدا، ليردف قائلا "لقد حرم أصحاب القرار، المجتمع من خدمات النخبة التي درست لكي تخدم مجتمعها أولا، وهي القادرة على إيجاد حلول لمشاكله (..) لقد تم وضع حواجز بين النخبة والمجتمع ما منعها من تأدية ما هو منتظر منها». و يؤكد البروفيسور أنه من الضروري «إعطاء حرية المبادرة للنخبة وعدم إقصائها لاعتبارات إيديولوجية»، مع إيلاء أهمية أكبر للكفاءات العلمية المنتجة و للجامعة بصفة خاصة، داخل المجتمع، و ذلك في الجانبين المادي و المعنوي. و يقترح الأستاذ جيملي، إشراك النخبة في مختلف القطاعات وضمان فعالية القرارات المتخذة لفائدتها، مؤكدا أن ذلك من شأنه تحسين أداء المؤسسات الاجتماعية، ومضيفا "عندما تتلاقح الخلفية النظرية والعلمية للنخب مع الواقع والدراسات الميدانية، سيكون أي قانون أو برنامج أو سياسة، مبنيا قبل إصداره، على تحديد احتياجات المجتمع قبل المرور إلى عملية تنفيذ ذكية». و يخلص البروفيسور في علم الاجتماع، إلى أنه ينبغي توسيع الاستشارة داخل مختلف هيئات المجتمع، لتشمل المختصين من أفراد النخبة، والقادرين على تقديم بدائل مختلفة للوصول إلى تحسين الآداءات و القرارات وبالتالي ترقية المجتمع، قبل أن يتابع "حان الوقت لفتح المجال للنخبة داخل المجتمع والاعتماد على معيار الكفاءة في المقام الأول". ياسمين.ب الأستاذ والمؤرخ لزهر بديدة النخبة الطلابية لعبت دورا بارزا في الثورة التحريرية يصف المؤرخ والأستاذ بجامعة الجزائر 2، لزهر بديدة، الدور الذي لعبته النخبة الطلابية إبان الثورة التحريرية بالبارز، كما يؤكد أن هذا الدور كان قد بدأ مباشرة بعد الاحتلال الفرنسي وساهم في منع محاولات فرنسا لتجهيل الشعب الجزائري و تجنيده. ويوضح الباحث في التاريخ، أن النخبة بمفهومها الواسع شملت خلال فترة الاستعمار الفرنسي، المثقفين و الأئمة والقضاة والمسؤولين عن الأوقاف، حيث قاوموا الاحتلال بكل الوسائل، سياسيا و عسكريا، على غرار حمدان خوجة، أحد روّاد الحركة الوطنية الجزائرية. وقد تصدت النخبة لمحاولات تجهيل الجزائريين، يضيف الأستاذ، فتمسكت بالمدارس والزوايا والتعليم، لكي يبقى المجتمع الجزائري محافظا على هويته المبنية على الإسلام واللغة العربية والعادات والتقاليد. و تطور أداء النخبة سياسيا وثقافيا في ما بعد، حيث ظهر ما عُرف بحركة الفتيان سنة 1871، و قادها نخبويّون من أمثال بن بريهمات وشرشالي و كذلك الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، حيث عرفت إرسال العرائض إلى السلطات الفرنسية المركزية للمطالبة بالحقوق المادية والمعنوية للجزائريين، وهي حركة شارك فيها أئمة وعلماء من ندرومة والعاصمة وقسنطينة وغيرها، مثلما يبرز الباحث. وكان لهذه الحركة التي استمرت حتى مطلع القرن العشرين، دور مهم، خاصة في ما تعلق بفكرة التجنيد التي حاولت فرنسا فرضها على الجزائريين خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت هذه الحركة في طليعة الرافضين للفكرة وحرّكت الشارع الجزائري للخروج في مظاهرات بالجزائر العاصمة وقسنطينة و غيرهما من المدن الكبرى. ويؤكد المؤرخ، أن الإضراب الطلابي العام الذي دعا إليه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 19 ماي 1956، وجاء دعما لمطالب جبهة التحرير الوطني، سبقته حركة طلابية بالجزائر وخارجها بدأت سنة 1912 من القاهرة، حيث كانت هذه التنظيمات تتمتع بالروح الوحدوية الشاملة المغاربية، لكن الاستخبارات الفرنسية استطاعت أن تفرّق النخب المغاربية في الخمسينيات. ويضيف الأستاذ بديدة في حديثه للنصر، أن الجزائريين وبعدما يئسوا من إمكانية التوحد مع المغاربة وقتها، أسسوا نجم شمال أفريقيا ثم الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين. ويؤكد المؤرخ، أن حزب الشمال الأفريقي عندما فكّر في الدخول للجزائر، قرر مصالي الحاج أن يقحم فيه النخبة فانضم إليه إبراهيم معيزة وغيره، حتى أن حزب الشعب الجزائري الذي تأسس بعد حظر نجم شمال أفريقيا، سيُر بين سنتي 1940 و 1945 من طرف النخبة الطلابية من أمثال محمد الأمين دباغين، سعيد عمارة و محمد بلوزداد. كما يبرز محدثنا أن غالبية القيادات في الثورة كانت من الطلبة، على غرار فرحات عباس وسعد دحلب ومحمد اليزيد، حيث أنهم ومباشرة بعد اندلاع الثورة كانوا متواجدين في الصفوف الأولى للقتال وفي كل هياكل الثورة سواء بجبهة التحرير الوطني أو في الحكومة المؤقتة وكذلك في الجانب الإعلامي، ويضيف الأستاذ قائلا «لقد كان للنخبة الطلابية دور بارز في الثورة (..) ومن أبرز الأسماء عبد الحميد مهري». ويرى الباحث في التاريخ، أن أداء النخبة ما قبل سنة 1962، كان أفضل مما أصبحت عليه بعد الاستقلال، فخلال الاستعمار كان هناك برنامج و رؤية ناضلت النخبة لتحقيقها، لكنها تفرقت في ما بعد إلى مجموعات متناثرة، وقلة من كانت تملك رؤية ومشروعا، أما التنظيمات الطلابية فأصبحت، مثلما يضيف الباحث، تركز على مطالب مادية محدودة. ياسمين.ب أستاذ العلوم السياسية بن خليف عبد الوهاب التشريعيات المقبلة فرصة لإعادة النخبة للمشهد السياسي يعتبِر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، بن خليف عبد الوهاب، أن الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في الثاني عشر جوان المقبل، فرصة لعودة النخبة إلى المشهد السياسي، وذلك بعد انسحابها منه طيلة العقدين الماضيين لأسباب قال إنها تتعلق بفقدان الثقة في العملية السياسية، وكذلك بعوامل أمنية واقتصادية. ويرى الأستاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الجامعة الجزائرية منذ الاستقلال وإلى غاية بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان لها دور كبير في تأطير المجتمع، حتى أن المستوى العلمي للمتخرجين منها كان عاليا ومعترفا به في الخارج، لذلك فإن العديد من الإطارات التي تتبوأ مناصب كبيرة وحساسة في دول أجنبية، تخرجت من الجامعة الجزائرية. ويضيف الأستاذ أن الوضع بدأ في التغير مع دخول الجزائر في دوامة الإرهاب والعنف، ما أدى إلى تراجع كبير في دور الجامعة والنخب بصفة عامة، كما هاجرت الآلاف من الأدمغة للخارج، ما انعكس في تراجع حضورها على مستوى المشهد السياسي بالبلاد. ويتابع الأستاذ بن خليف، بالقول إن هناك نفورا للنخبة عن السياسة، سجل خلال ال 20 سنة الأخيرة وبالأخص في العشرية الماضية، حيث لوحظ تغوّل للمال الفاسد داخل الإدارة والأحزاب السياسية، ما كان له تأثير سلبي على دور النخب في العمل السياسي. و يضيف الأستاذ "هذا الوضع دفع بالكثير من الجامعيين إلى الانسحاب من السياسة والاستحقاقات الانتخابية، فقد رأينا كيف أن أستاذا بدرجة بروفيسور يوضع في المرتبة الخامسة وحتى الثامنة في قوائم الترشح للأحزاب، بينما يوضع التاجر و رجل الأعمال في المرتبة الأولى (..) هذا الأمر كان له مع مرور الوقت، تأثير واضح بعزوف الطبقة المثقفة والجامعيين عن المشاركة السياسية والتأطير الحزبي وكذلك عن الأداء الانتخابي". و ذكر المختص أنه لا يمكن تحميل النخبة أكثر من طاقتها، فالعديد من أفرادها يعيشون، برأيه، ظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة، كما أنها اضطرت إلى الانسحاب تماما من المشهد السياسي و الإعلامي و إلى أن تتقوقع على نفسها، لأنها لم تكن تثق في العملية السياسية. و يبرز أستاذ العلوم السياسية أن المطلوب الآن، إعادة الثقة المفقودة من خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، و التي ستكون وفق بن خليف، بمثابة امتحان سيساهم النجاح فيه في العودة التدريجية للنخبة الجزائرية إلى الفعل السياسي. و في هذا الشأن، ذكر الأستاذ بجامعة الجزائر 3، أن النخبة ستقتحم بقوة المشهد السياسي في حال توفرت ضمانات وشروط لتحقيق انتخابات نزيهة، مضيفا بأن الملاحَظ هو أن الكثير من النخب المتخرجة من الجامعات الجزائرية، ومعظمها من الشباب، قررت خوض غمار التشريعيات المقبلة، سواء مع قوائم حرة أو ضمن أحزاب سياسية، وهو مؤشر على بداية عودة المثقف للمشهد السياسي، مثلما يخلص محدثنا. ياسمين.ب إضراب الطلبة في 19 ماي 1956 النخبة تختار الوطن وتصفع الدعاية الفرنسية تمر اليوم 65 سنة على الإضراب العام الذي شنه الطلبة الجزائريون في 19 ماي من سنة 1956 استجابة لدعوة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، و يعتبر هذا الإضراب تاريخيا بمثابة مرحلة جديدة في حياة الثورة التحريرية التي جمعت في تلك السنة مختلف أطياف وشرائح المجتمع الجزائري. فاجأ الطلبة الجزائريون في 19 ماي من سنة 1956 المستعمر الفرنسي الذي كان يعتقد بأن هذه الفئة من أبناء الشعب الجزائري وبحكم المكانة العلمية والاجتماعية التي كانوا يتمتعون بها لن تلتحق بكفاح شعبها ضد الهيمنة والاستعمار. لكن الطلبة استجابوا بشكل إرادي وسريع للدعوة التي وجهها الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ومن ورائه جبهة التحرير الوطني لنخبة المجتمع الجزائري في ذلك الوقت من أجل اللحاق بصفوف إخوانهم المجاهدين من أبناء الشعب الذين كانوا يخوضون حربا ضروسا ضد المستعمر منذ الفاتح نوفمبر من سنة 1954. وعلى هذا المنوال فقد ترك الطلبة مقاعد الجامعات في الجزائروفرنسا ودول أخرى على غرار تونس ومصر، ليدعموا صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني في مختلف مستوياته كل حسب اختصاصه ومكانه والحاجة إليه، وتوسع الإضراب بعد ذلك ليشمل طلاب الثانويات أيضا. المئات بل الآلاف من الطلبة الذين كانوا يشاهدون يوميا المجازر والمحارق الكبيرة التي كان ينفذها المستعمر الفرنسي ضد أبناء شعبهم قرروا في لحظة تاريخية حاسمة ومصيرية التخلي عن الطموح الشخصي العلمي والمكانة الاجتماعية والانخراط في نضال وكفاح الشعب الجزائري من اجل استرجاع سيادته وكرامته. فانضموا إلى صفوف جيش التحرير في الجبال داخل الوطن، وفي هياكله في الخارج وعلى الحدود ليقدموا الإسهام والدعم اللازمين له في تلك المرحلة التي كانت صعبة للغاية في السنة الثانية من عمر الثورة التحريرية المباركة، وفي وقت كانت فيه الإدارة الاستعمارية قد حشدت قوة كبيرة للقضاء على الثورة. لقد فضل الطلبة دعم المجهود التحرري والحربي لجيش التحرير وجبهة التحرير الوطني بعدما شاهدوا تلك المجازر بحق زملاء ورفقاء لهم من النخبة المتعلمة والمثقفة التي لم يرحمها النظام الاستعماري وقام بتصفيتها على غرار ما حدث للطالب النابغة إبراهيم زدور بن القاسم في الشهر الأول للثورة حيث اختطفته الشرطة الفرنسية وقامت بتعذيبه لأيام قبل أن ترمي جثته في وادي قرب برج الكيفان بضواحي العاصمة. كما قامت فرنسا بتصفية الطبيب والمناضل بن عودة بن زرجب في يناير من العام 1956 بالقرب من مدينة تلمسان مسقط رأسه، لا لشيء سوى لأنه انخرط مع أبناء شعبه في كفاحهم ضد الاستعمار، وهو أول طبيب يغتال من طرف فرنسا أثناء الثورة. وقد ذكر النداء الذي وجهه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين هذين الشهيدين كمثال عن النخبة المثقفة التي فتكت بها فرنسا دون رحمة، ما يؤشر على أن النظام الاستعماري لن يرحم أولئك الذين يدرسون في الجامعات والثانويات في المستقبل في حال تغيرت الظروف. ومن الناحية السياسية والإعلامية شكل إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 والتحاقهم بالكفاح التحرري مرحلة مهمة في تاريخ الثورة، و دعما ماديا ومعنويا كبيرا للمجاهدين في الجبال والمناضلين ولكافة الشعب الذي عاني منذ نوفمبر 1954 ويلات التقتيل والتهجير والتشريد دون رحمة، وبالمقابل كان الإضراب ضربة قاصمة للمستعمر ودعايته المغرضة. وكانت هذه الخطوة جد مهمة في سياق مسار مقارعة المستعمر وانضمام كافة شرائح وفئات الشعب لهذا المجهود، إذ أن نفس السنة شهدت التحاق الكثير من التيارات الوطنية النضالية بركب الثورة التحريرية على غرار العلماء، وتيار فرحات عباس، والمركزيين من حزب الشعب وغيرهم، وهو ما رفع من معنويات المجاهدين وقيادة الثورة والشعب عموما ووحد كلمتهم في مواجهة المستعمر عسكريا، سياسيا و إعلاميا. من الناحية العملية الميدانية قدم الطلبة الذين التحقوا بجبهة الكفاح في الجبال وفي القواعد الأخرى دعما لا يقدر للثورة، فقد كان منهم المهندس والمختص في الفيزياء والطبيب والممرض والمعلم والقانوني والإعلامي وغيرهم، وهؤلاء كلهم ساهموا في مواقعهم وحسب اختصاصهم في دعم المجهود العسكري لجيش التحرير الوطني وأحسن مثال على ذلك ما قدمه الشهيد طالب عبد الرحمان الذي كان مختصا في صناعة القنابل والمتفجرات. وقد ساهم الطلبة الجزائريون المنتفضون بحكم أنهم فئة مثقفة في إيصال صوت الشعب الجزائري وثورته إلى العالم عبر النشاطات الدبلوماسية والفنية التي قاموا بها في مختلف دول العالم في الفترة التي تلت 19 ماي من سنة 1956. ستبقى أسماء مثل محمد الصديق بن يحيى، أحمد طالب الإبراهيمي، لمين خان، طالب عبد الرحمان، عبد السلام بلعيد وغيرهم، خالدة و لامعة في تاريخ الجزائر لأنها كانت وراء تنظيم إضراب الطلبة في 19 ماي 1956، و لكون البعض منهم استجاب دون تفكير لنداء الاتحاد العام للطلبة المسلمين وهو في الأصل نداء الوطن في مرحلة تاريخية مصيرية. إلياس -ب المجاهد الرائد عمار ملاح يؤكد التحاق الطلبة بالثورة أعطى بعدا سياسيا وإعلاميا للقضية الجزائرية ساهم التحاق الطلبة الجزائريين بالثورة التحريرية في 19 ماي 1956 في إعطاء «بعد سياسي وإعلامي للقضية الجزائرية»، حسب المجاهد الرائد عمار ملاح (اسمه الحقيقي محمد الصالح ملاح) الذي أدلى بشهادة حية بباتنة لوأج عشية إحياء الذكرى ال 65 ليوم الطالب. فحسب المجاهد الرائد عمار ملاح، فقد مكن قرار الطلبة الجريء الذي لم تكن تتوقعه السلطات الاستعمارية من تدعيم الثورة بطاقات فكرية وعلمية اتخذت من الدعاية والإعلام منبرا لتنوير الرأي العام العالمي وخاصة الفرنسي من خلال نقل أخبار حرب التحرير سواء عن طريق المناشير أو المقالات الصحفية لإسماع صوت الشعب الجزائري والتحسيس بقضيته التي كانت تهدف إلى تقرير المصير وتحقيق الاستقلال. ويعتقد المجاهد ملاح أن القرار سمح بتقوية صفوف جيش التحرير الوطني من الناحية العملية بانضمام الطلبة إليه كمجندين وصانعي قنابل وأطباء وممرضين. وتذكر بفخر واعتزاز كيف تخرجت الإطارات الأولى لسلك الدبلوماسية الجزائرية في عهد الجزائر المستقلة من مشتلة الطلبة الجزائريين الذين قاطعوا الدراسة في 19 ماي 1956 . ويؤكد المجاهد عمار كما يحلو للكثيرين بباتنة ومنطقة الأوراس مناداته بأن أمثاله من الطلبة الذين لبوا نداء مقاطعة الدراسة والالتحاق بالثورة التحريرية المجيدة منذ 65 سنة قد أدوا واجبهم تجاه الوطن، وعلى أجيال اليوم الوفاء لرسالة الطالب الشهيد الذي ضحى من أجل استقلال وسيادة الجزائر. فكما ساهم الطلبة بالأمس في دعم الثورة والانخراط في الكفاح المسلح ضد عدو حقود استيطاني احتل الوطن واستباح أرضه، على طلبة اليوم مستقبل الأمة العمل من أجل رفع التحدي والتسلح بالعلم والمعرفة لبناء جزائر قوية. ويتذكر عمار الذي وثق لأغلب الأحداث التي عاشها كطالب مقاطع للدراسة في النهائي بالثانوية الفرانكو- إسلامية بقسنطينة ثم مجاهدا بجبال الأوراس أول عهده بالكفاح المسلح الذي بدأه كاتبا ثم أحد إطارات الثورة ليصبح بعد ذلك عضوا في الولاية الأولى التاريخية رفقة الطاهر زبيري ومحمد الصالح يحياوي وإسماعيل محفوظ المجاهد الصيدلاني الطبيب. وقد ساهم عمار ملاح المولود في 15 فيفري 1938 بتاحمامت مدينة المعذر حاليا بولاية باتنة، بعدة مؤلفات عن الثورة التحريرية في منطقة الأوراس كان آخرها كتاب صدر له حديثا بعنوان «الرائد عمار ملاح وثورة التحرير المباركة» فيما انتهى من تأليف كتابين آخرين ينتظر طبعهما الأول بعنوان «مجاهدو وشهداء الأوراس» والآخر «الناحية الثالثة بوعريف». وأج المؤرخ عمار محند نداء الإضراب يجب أن يدرس في الثانويات والجامعات أكد مؤرخون أن النداء الذي أطلقه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين لإضراب مفتوح في 19 ماي 1956 خلال حرب التحرير الوطنية «لخص عدالة» القضية الوطنية في وجه الاستعمار الفرنسي وبرهن على وعي الطلبة وتلاميذ الثانويات الذين التحقوا بالكفاح المسلح، وبأن هذا النداء «يجب أن يدرس في الثانويات والجامعات». وأكد المؤرخ في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران عمار محند عامر في حوار لوأج بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال 65 لإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 أن النداء الذي أطلقه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين «يلخص عدالة القضية الجزائرية في وجه الاستعمار الفرنسي ونضج والتزام الشبيبة التي استجابت بسرعة لنداء جبهة التحرير الوطني، معتبرا أن هذا النداء «يجب أن يدرس في الثانويات والجامعات». ولدى تطرقه للنداء لهذا الإضراب خلال ثورة التحرير والتزام تلاميذ الثانويات والطلبة في صفوف جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، أكد السيد محند عامر أن هذا الإضراب «أعطى نفسا جديدا لجبهة التحرير الوطني وقفزة نوعية». «وبفضل هذا الإضراب المفتوح برهن قادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني أن الشباب المتعلم «ملتزم وأنه لعب دوره الطبيعي وهو بجانب المجاهدات والمجاهدين»، يضيف المتحدث. ومن جانبه، اعتبر أستاذ التاريخ بجامعة الشلف محمد بن عنتر خلال مداخلة له يوم الاثنين الماضي في المتحف الوطني للمجاهدين بالعاصمة أن ثورة التحرير الوطني «كانت الحرب الوحيدة في العالم التي عرفت مشاركة كافة طبقات المجتمع». من جانبه، كشف الدكتور عمار طالبي في شهادة له أنه كان في تونس في 19 ماي 1965 طالبا بجامعه الزيتونة. وكان مكلفا بالشؤون الثقافية في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريينبتونس. وقال: «خلال مرحلة الإضراب كانت حالة الطلبة الجزائريين مزرية للغاية لكنهم وجدوا مساعدة ودعم اتحاد الطلبة التونسيين». وفي تصريح لوأج أكد الدبلوماسي السابق وسفير الجزائر بجنوب إفريقيا نور الدين جودي أنه كان بصدد إنهاء تكوينه كأستاذ للأدب والحضارة البريطانية بلندن لما دعته جبهة التحرير الوطني أواسط 1955 ونصبته ممثلا لها في بريطانيا العظمى، مضيفا «كان دوري تحسيس الرأي العام بهذا البلد حول معركتنا حيث أقمت علاقات مع أعضاء البرلمان البريطاني الذين ساعدوني كثيرا». ق.و/وأج قصة كتاب «دماء الحرية» للطالب الكاتب حمادي بغريش في مثل هذا اليوم من عام 1956 أعلن الطلبة الجزائريون إضرابهم العام عن مواصلة الدراسة و الالتحاق بالثورة التحريرية(1954-1962) مفضلين الموت إلى جانب إخوانهم المجاهدين على الحياة بدون معنى مثلما صرح بذلك أحد قادتهم الذي وقع على بيان الإضراب باسم مكتب الجزائر للاتحاد العام للطلبة المسلين الجزائريين، و هو الطبيب الأمين خان. و إن احتفال الجزائر كل سنة بهذا اليوم تحت مسمى عيد الطالب، فإنها بذلك تعلن اعترافها الرسمي بدور الطلبة في الكفاح الوطني سواء من خلال التحاقهم الفعلي بالمجاهدين في الجبال فكان منهم الشهداء و الأبطال، أو بانضمامهم- إن كانوا يدرسون في الخارج- إلى مختلف خلايا جبهة التحرير الوطني في مختلف البلدان العربية و الأجنبية، و التزامهم الكامل بخدمة القضية الجزائرية و انتزاع الاعتراف الدولي بها عن طريق مختلف النشاطات التي يقومون بها سواء كانت عسكرية أم سياسية أم اجتماعية أم إعلامية أم فنية، حيث قدم الطلبة الجزائريون إسهامات عديدة تحتاج من المؤرخين و الباحثين إبرازها و تحليلها، و قد ارتأينا في مثل هذه المناسبة أن نقدم وقفة مع أحد الطلبة و المثقفين الجزائريين ممن لم ينصفهم التاريخ رغم قيامه بدور كبير في الثورة التحريرية بنشاطاته السياسية و الفنية و بكتاباته و مقالاته الصحفية المدوية التي حفل بها كتابه الموسوم بعنوان (دماء للحرية) إنه الطالب الكاتب المجاهد حمادي بغريش (02-03-1933 إلى 20-09-1962)،و الذي كانت له نشاطات كثيرة في الدعاية للثورة التحريرية و التعريف بها سواء بكتابة القصص و المقالات و نشرها في مختلف الصحف خاصة جريدة الصباح التونسية أو بتقديم البرامج الإذاعية أو عرض المسرحيات و كذلك المشاركة في مختلف الأنشطة الطلابية ممثلا للطلبة الجزائريين في عدد من الدول الصديقة مثل العراق و لبنان و سوريا و مصر و تركيا و يوغسلافيا بالإضافة إلى تونس و المغرب و ليبيا و غيرها، و يعد حمادي بغريش من الطلبة المتخرجين من معهد ابن باديس في قسنطينة قبل اندلاع الثورة التحريرية، كما أنه حاصل على شهادة الأهلية من جامع الزيتونة سنة 1954 ، و كذا شهادة التحصيل سنة 1957 كما أنه يعد من أوائل الطلبة الجزائريين الذين تحصلوا على شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة بغداد في العراق . بقلم أ.د.أحسن ثليلاني و من نتائج نشاطاته الثورية الفاعلة و القوية ، فإن السلطات الاستعمارية الفرنسية قد انزعجت كثيرا منه مما جعلها تقوم بالانتقام من والده البشير بغريش(إمام مدينة رمضان جمال بولاية سكيكدة في الشمال القسنطيني) فقامت باعتقاله ثم قتله دون محاكمة سنة 1958. بداية حكايتي مع حمادي بغريش إن الغريب في مسيرة الطالب الكاتب حمادي بغريش أنه قد ظل مجهولا مغمورا لا أحد يذكره أو يأتي على سيرته و آثاره، بل و لم يبادر أي أحد لطبع مخطوط كتابه (دماء للحرية) و كأن حياته قد انتهت تماما بمجرد وفاته فجأة في حادث سيارة عند مدخل بلدية الحدائق بولاية سكيكدة يوم 20/09/1962 أي بعد أيام من استقلال الجزائر التي جاءها على عجل من لبنان في مهمة نظامية لتحضير الانتخابات، حيث تم دفنه في مقبرة بلدية رمضان جمال بفرقة من الجيش الجزائري، و كان يمكن أن تدفن سيرته و أعماله معه في قبره لولا أن أحد الباحثين هو الأستاذ يوسف وغليسي ذكر اسمه صدفة أمامي حوالي سنة 2000 لأنه وجد إشارة بسيطة إليه بإحدى المراجع، فسألني عنه إن كنت أعرفه لأنه هو أيضا لا يعرفه. و فقد انطلقت أسأل عنه كل من يحمل لقب بغريش، فما هداني أحد من أقاربه إليه فهم أيضا لا يعرفونه، و لم يتسامعوا بنشاطاته، و هو ما جعلني أبحث عنه بين الطلبة الجزائريين الذين كانوا يدرسون في تونس إبان الثورة الجزائرية، و صادف أن كنت يوما مشاركا في ملتقى (الأدب و الثورة) بولاية قالمة في الشرق الجزائري ، فالتقيت هناك بالأديب الطاهر وطار و سألته عن هذا الإسم ، فأخبرني أنه كان بالفعل معهم في تونس، و وجهني إلى الشاعر عبد القادر السائحي الذي كان معنا في الملتقى، لأنه أكثر علما بالموضوع، و قد تعجبت كثيرا عندما أجابني السائحي قائلا( على الخبير وقعت) ثم راح يسرد لي حكاية الطالب الكاتب حمادي بغريش من أولها إلى آخرها، كما أخبرني أنه يحوز على مخطوط كتابه( دماء للحرية) و أنه قد عجز عن طبعه أو إيصاله إلى أهل المرحوم حمادي بغريش، فطمأنته إلى أنني أرأس جمعية ثقافية اسمها (جمعية الحداثة) و أننا نملك الإمكانيات لعقد ندوة حول حمادي بغريش ضمن مهرجان الربيع الثقافي لمدينة سيدي مزغيش الذي كنت أشرف عليه كل سنة، فاتفقنا على ذلك لتبدأ رحلتنا في استعادة روح حمادي بغريش و آثاره، بعدما تم دفن جثمانه. الرحلة العجيبة الغريبة لمخطوط كتاب (دماء للحرية) إن رحلة هذا المخطوط تصلح أن تكون فيلما سينمائيا عجائبيا رهيبا، و هي تتلخص فيما كتبه المستشار (سعد الدين نويوات) عبر رسالة حملها لنا الشاعر عبد القادر السائحي و قرأها على مسامعنا في الندوة التي أقمناها بسيدي مزغيش حول حمادي بغريش في ربيع 2001، قبل أن تنشر في مقدمة كتاب(دماء للحرية) الصادر بدعم من وزارة الثقافة عام 2003 من الصفحة 08 إلى 18، حيث ذكر المستشار نويوات أنه صديق قديم للمرحوم حمادي بغريش الذي كان يدرس معه بمعهد ابن باديس قبل الثورة، و أنهما بعد ذلك قد افترقا سنوات طويلةو لم يلتقيا إلا مرتين الأولى في القاهرة عندما كان بغريش في طريقه إلى بغداد ، و الثانية في بيروتبلبنان سنة 1962 عندما كان بغريش يهم بالعودة للجزائر و هي العودة التي توفي إثرها مباشرة كما نعلم، غير أنه في هذا اللقاء الأخير مع صديقه الديبلوماسي سعد الدين نويوات الذي كان مسؤول مكتب الحكومة الجزائرية المؤقتة ببيروت ، قد أخبره بأنه سيترك لديه ملفا- هو مخطوط كتاب دماء للحرية- على أن يرسل في طلبه حين وصوله للجزائر أو يعود ليأخذه منه، إلا أن بغريش قد توفي بعد عودته كما نعلم في حين ظل ملفه الذي يضم مخطوط كتابه تائها بين أيدي الناس مدة 40 سنة. يقول الديبلوماسي و المستشار سعد الدين نويوات إن بغريش قد جاء إلى مكتب الحكومة المؤقتة في بيروت يوم سفره للجزائرليسلمه مخطوط الكتاب و قد وضعه في ظرف مغلوق عليه إسم سعد الدين نويوات، لكنه لم يجده، فقام بتسليم الظرف لمستخدم في المكتب غير مداوم، و هو فلسطيني من أصل جزائري يدعى محمود مزيان الذي كان يعمل كفدائي فلسطيني في لبنان و استشهد في إحدى معارك الحدود بعد أن أصبح من قادة حركة فتح، و قبل أن يلفظ أنفاسه عهد بأشيائه و من بينها الظرف الذي فيه مخطوط الكتاب إلى إحدى الممرضات الكنديات و اسمها (جنفياف) و هي إحدى المبشرات التي تلقب نفسها (الأم تيريزا) يقول نويوات إنه التقى بتلك الممرضة في الأردن و قد أصبح يعمل ديبلوماسيا هناك قبيل حوادث أيلول الأسود سنة 1970، فلما سمعت إسمه أخبرته باستشهاد محمود مزيان و بالأشياء التي تسلمتها منه و من ضمنها غلاف عليه إسمه و عنوان مكتب الحكومة المؤقتة ببيروت، كما أخبرته أنها ذهبت إلى العنوان المذكور فلم تجد فيه غير ملحق إعلامي رفض استلام الغلاف و نصحها بتسليمه إلى السفارة الجزائرية ، و لكن موظف السفارة أيضا رفض استلامه بحجة أن المرسل إليه ليس من موظفيها و نصحها بإرساله للمعني بواسطة وزارة الخارجية الجزائرية، و عندما سألها نويوات إن كانت ماتزال تحتفظ بالغلاف ، أخبرته أنها سوف تأتي به في الشهر القادم حينما تعود من عطلتها في لبنان، و لكنها لم تعد بسبب اندلاع حوادث أيلول الأسود ممثلة في تلك الحرب الأهلية بين الأشقاء الفلسطينيين و الأردنيين. و يروي سعد الدين نويوات أنه انتقل بعدها للعمل كسفير للجزائر في اليمن، و مرت الشهور و الأعوام قبل أن يلتقي مجددا بالممرضة (جنفياف)بأحد القرى اليمنية، حيث أصبحت عجوزا وحيدة تدير مستوصف القرية الصغير، فروت له حوادث لبنان، ثم تذكرت الغلاف، فأخرجته من صندوق خشبي، و ناولته إياه قائلة بلهجة جزائرية( اتهليت فيه مليح) أي حافظت عليه جيدا، كما أخبرته أنها قد جاءت إلى اليمن منذ سنتين قدمت إليها من الجزائر حيث عملت في بعض مناطقها مدة 05 خمس أعوام. يقول السفير المستشار سعد الدين نويوات إنه فتح الظرف فوجد بداخله كراسة من الحجم الكبير تحتضن صفحاتها قصص و مقالات فقيدنا الراحل حمادي بغريش و قد رتبها بنفسه و اختار لها عنوان(دماء للحرية)، كما يقول – نويوات- إن ذلك المخطوط قد طاف معه عشر سنوات أخرى بحيث إنه قد حاول جاهدا إيصاله إلى أهل حمادي بغريش لكنه لم يفلح إلى ذلك سبيلا ، فقد سلمه إلى 07 سبعة من أصدقاء الفقيد ليبلغوه إلى أهله، لكن مع الأسف كان في كل مرة يعاد إليه، حتى تعرف مؤخرا إلى الأخ محمد رزاق و هو مدير جريدة المجاهد و الذي قام بتسليم المخطوط للشاعر عبد القادر السائحي و الذي أوصله مشكورا إلينا في الندوة التي أقمناها ضمن فعاليات مهرجان الربيع الثقافي لمدينة سيدي مزغيش العام 2001 بإشراف جمعية الحداثة التي كنت أرأسها، حيث استمعنا جميعا لسيرة الطالب الكاتب حمادي بغريش و تعرفنا على مخطوط كتابه و رحلته العجيبة، كما قمنا بتكريم ابنه الأستاذ أحسن بغريش، و قد تفضلت وزارة الثقافة بعدها بطبع الكتاب مشكورة. أدب النضال و المقاومة، أو جدلية الحبر و الدم في كتاب ( دماء للحرية) لحمادي بغريش يقع كتاب (دماء للحرية) للطالب الكاتب حمادي بغريش في 200 صفحة من الحجم المتوسط، و هو يضم قصصا و مقالات نضالية ثورية كتبها بغريش و نشرها في عدد من الصحف العربية ثم قام بجمعها و تصفيفها بنفسه، و من المؤكد أن كلمة الإهداء التي خطها بغريش و صدر بها كتابه تعطينا فكرة عن مضمون كتابه و هاجسه المركزي حيث يقول في الصفحة 03 :( إلى الأسر الجزائرية التي شردها الاستعمار فهامت على وجهها، و صمدت، ثم عادت ليحتضنها الوطن. إلى الأيتام و الأرامل ، و إلى الضحايا و الشهداء، إلى شعبي البطل الثائر..الذي استطاع بعد كفاح طويل أن يسترد كرامته، و أن يصنع مجدا، و يخرج من بحر الدماء شمسا للحرية بددت الظلم و أضاءت ربوع الجزائر.. إلى أنشودة الحرية و النصر التي رددها كل مجاهد و إلى كل شهيد في أرض الجزائر)إنها إذن كتابات تحاكي الرصاص و الدماء و تلتحم مع الثورة التحريرية التحاما كليا في صورة من الالتزام المطلق الذي عبر عنه الطلبة الجزائريون بخط أول نوفمبر العظيم ، لذلك جاء العنوان (دماء للحرية) معبرا عن المحتوى العام للكتاب و الذي يضم حوالي 50 خمسين نصا يوقع جدلية الحبر و الدم في سيرة هذا الكاتب الملتزم . و مادامت المناسبة للحديث عن دور الطلبة الجزائريين في دعم الثورة التحريرية ، فإننا سنورد هذا المقتطف مما خطه بغريش في مقالة له بعنوان( لو كنت ثائرا) مؤرخة في تونس يوم 08 جوان 1956 أي بعد بيان الإضراب بأيام قليلة- يقول فيه:(تذكرت يوم 20 أوت 55 و حوادثه التي تدمي القلب و أنا أمزق ورقة الإجابة في الامتحان، و أخرج من قاعة الدرس بعد أن قرر الطلبة الإضراب العام و انقطاعهم عن التعليم .. و كل أمنيتي أن أكون جنديا في صفوف المجاهدين ، أخوض معهم غمار المعارك ، فأنتقم من المستعمرين ، و آخذ بثأر الضحايا الأبرياء). و بعد فإن أرشيف الثورة الجزائرية و على الرغم من مرور حوالي 60 سنة من الاستقلال إلا أنه مازال بعيدا عن متناول المؤرخين و الباحثين، و هو ما يدفعنا للبحث أكثر و الحفر عميقا في ثنايا التاريخ من أجل بناء الذاكرة الوطنية لشعبنا البطل ، فما الطالب الكاتب المجاهد حمادي بغريش رحمه الله إلا قطرة من بحر في سيرة ملايين الشهداء و الأبطال، و الحمد لله الذي سخرني لطبع كتابه و التعريف به، و شكرا لكل من ساهم من قريب أو من بعيد في إيصال صوته. أ.د.أحسن ثليلاني كاتب جزائري و رئيس مؤسسة الشهيد زيغود يوسف التاريخية طلبة من مختلف التخصصات يتحدثون للنصر هذه أسباب ضعف المساهمة الطلابية في الحياة العامة يؤكد طلبة جامعيون من مختلف التخصصات بأن تراجع مساهمة الطالب الجزائري في الحياة العامة، و ضعف أدائه مقارنة بما كان عليه خلال الثورة التحريرية و مطلع الاستقلال، راجع بالأساس إلى غياب الثقة فيه و الميل إلى تقزيم دوره وقدرته على تقديم البدائل، ناهيك عن وجود عوامل أخرى اقتصادية و اجتماعية، خلفت مجتمعة، نوعا من العزلة التي زادت أكثر بفعل انسحاب الجامعة سياسيا و قلة الاحتكاك بينها وبين المحيط الاقتصادي. هذا الوضع حسبهم، هو ما حصر اهتمامات الطلبة في تحسين ظروف التمدرس و الإقامة، و ترك للنقابات مهمة ممارسة المعارضة بطريقة تحكمها كما قالوا، خلفيات ومصالح، لا تعني السواد الأعظم من الجامعيين في شيء، ولعل ذلك هو ما شوه علاقة الطلبة بالسياسة و حول ممارستها بالنسبة لهم إلى شبهة، في حين يبقى انخراطهم في المجتمع المدني محدودا و يحتكم أكثر لشخصية كل طالب و طبيعة تنشئته الاجتماعية، إذ يفضل كثيرون النشاط ضمن النوادي العلمية داخل الحرم الجامعي على المساهمة خارجها، بسبب انعدام الثقة في صورتهم و اختزالها ضمن إطار ضيق يقدمهم على أنهم فئة غير منتجة تدمن مواقع التواصل و تعيش في عالمها السطحي في حين أن المشكل الحقيقي يرتبط أساسا بغياب التكوين و التدريب بعيدا عن القالب البيداغوجي. جمعتها: هدى طابي برهان بوشلاغم طالب دكتوراه تخصص إعلام واتصال اختيار الطالب لدور المتفرج وليد جهله بدوره النخبوي يعتبر الناشط الجمعوي و الثقافي و طالب الدكتوراه بقسم الإعلام والاتصال، برهان بوشلاغم، بأن مساهمة الطلبة الجزائريين في الحياة العامة ضعيفة وتبرز أكثر من خلال النشاطات التي يقومون بها أو يشرفون على تنظيمها في الجامعة، بالمقابل تبقى مشاركتهم كشباب فقط أي دون العباءة الطلابية أهم و أكثر، حيث يزيد اهتمامهم بالمجتمع المدني و جمعياته و مبادراته، مع ذلك نلمس دائما عزوفا في ما يخص الإقبال على الممارسة السياسية و حتى الاهتمام بهذا المجال عموما. المتحدث قال، إن غالبية الطلبة لا يدركون تصنيفهم النخبوي ولا يعرفون أهمية موقعهم، وذلك راجع إلى ضعف التحسيس بأهمية الفكر المقاولاتي و تكريس الانخراط الاجتماعي و الكينونة كشريك فعال في الحياة خارج الجامعة، ناهيك عن الدور البارز الذي يلعبه تراجع أداء هذا الصرح اجتماعيا واقتصاديا، في عملية التأثير و التأثر كذلك، ولعل ذلك ما دفع هؤلاء إلى اختيار التموقع داخل خانة المتفرج و المتابعة على الانخراط فعليا في صناعة الحدث، و صب كامل اهتمامهم على محاولة إيجاد مكان لهم ضمن الخارطة الاقتصادية، علما أن المشاركة الجمعوية تستهوي كما هو ملاحظ فئة الفتيات الجامعيات أكثر من الذكور. من جهة ثانية، يقول الشاب، بأن عملية بناء شخصية الطالب منذ مرحلة التعليم الابتدائي وصولا إلى الجامعة، لها علاقة بتشكيل اهتماماته، فغياب النشاطات الإضافية و نقص التفاعل مع المحيط الاجتماعي طيلة سنوات التمدرس هو ما يكرس عدم الاهتمام بهذا النوع من المساهمة عند الأفراد و يقلل من اهتمامهم بها، وهو سلوك يستمر إلى غاية الجامعة و ما بعدها أحيانا، مضيفا، بأن العزوف عن المشاركة اجتماعيا وسياسيا من قبل هذه الفئة، يرتبط كذلك بانعدام الثقة في المنظومة القائمة، وهو مشكل ساهمت الإشاعة في خلقه، تماما كما ساهم ضعف المعارضة و انقسامها وعدم استقرارها في تشويش أو تشويه علاقتهم بالسياسة على وجه الخصوص، و دفعهم للابتعاد عن الخوض في مجالاتها وعلى كافة المستويات بما في ذلك المستوى الجامعي الذي تمثله الخلفية النقابية. و قال الطالب، إن غياب التكوين و شح الندوات والدورات التكوينية والملتقيات السياسية والفكرية، كرس أيضا هذا الفتور في العلاقة، فالالتزام بمبدأ عدم تسييس الجامعة عزلها كثيرا في السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس سلبا على وعي الطلبة و استعدادهم أو قابليتهم للانخراط، فالنقابات مثلا تحصر نشاطاتها في الغالب في رفع المطالب أو التحرك خلال فترات معينة تتزامن مع الحملات الانتخابية، لكنها لا تقدم الكثير فعليا في ما يتعلق بشق تكوين الطلبة. عفاف عريبة طالبة دكتوراه تخصص علم النفس هناك انحصار للوعي السياسي و المجتمعي في الجامعة ترى عفاف عريبة، طالبة دكتوراه بقسم علم النفس تخصص أرطوفونيا وعضوة في نادي علمي جامعي، بأن طبيعة النظام البيداغوجي في الجامعة الجزائرية وبالأخص في مرحلة الدكتوراه، يفرض على الطالب الابتعاد عن الحدث أو بالأحرى الاختيار بين التركيز في الدراسة أو الاندماج أكثر في الحياة العامة. مضيفة ، بأن هناك فرقا كبيرا بين صورة الطالب أيام الثورة و قبيل الاستقلال و صورته الآن، فجامعي اليومي يفتقر للعمق في التعاطي مع القضايا المجتمعية ويفضل الابتعاد عن النقاشات اليومية، وهو ما حوله إلى عنصر مستهلك للأفكار وليس منتجا لها، مؤكدة أن هذه الوضعية أفرزتها أسباب عديدة بينها طبيعة التنشئة و مفهوم الجامعة بالنسبة للكثيرين، زيادة على طريقة تقييمهم للنشاط الطلابي و استيعابهم لتأثيره أو علاقته بصناعة التغيير، وهو واقع خلفه انحصار الوعي السياسي والمجتمعي في الجامعة. أضف إلى ذلك، فإن واقع حياة الطالب كان له تأثير كبير على تشكيل وعيه، كما يلعب التهميش الاقتصادي و البطالة دورا في تكريس انفصال الطالب عن محيطه في ظل تزايد رغبته في الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل، في مجتمعات يرى أنها تقدر تكوينه و تخصصه و تمنحه فرصة حقيقية و ملموسة لإحداث الفرق، و بالتالي الشعور بالقيمة والأهمية التي ستدفعه لاحقا للسعي من أجل تقديم قيمة مضافة على مستويات مختلفة، سواء تعلق الأمر بالانخراط سياسيا أو مدنيا، فسبب عزوف غالبية الجامعيين عن المساهمة في الحياة العامة بشكل أكبر، نابع كما قالت، من غياب ثقافة المشاركة اجتماعيا، علما بأن لمواقع التواصل الاجتماعي كذلك تأثير سلبي لا يمكن إغفاله، لأن التوظيف المفرط و غير السليم للمنصات التفاعلية على اختلافها، تسبب بطريقة غير مباشرة في تسطيح الوعي و امتصاص الطاقة والوقت اللذين يفترض أن يستثمرهما الطالب في تفاصيل أهم لها علاقة بحياته وبمستقبله. فجخي أحمد مروان سنة أولى ماستر فيزياء نظرية ممارسات بعض التنظيمات شوهت علاقة الطلبة بالسياسة يقول، فجخي أحمد مروان، وهو طالب سنة أولى ماستر، تخصص فيزياء نظرية، و عضو في أحد النوادي العلمية بالجامعة، بأن هناك انسحابا شبه مطلق للطلبة من الحياة العامة و ميلا إلى الانحصار في المحيط الجامعي الضيق، والسبب حسبه، راجع إلى مجموعة من التراكمات التي خلفت خيبة اجتماعية شاملة، معلقا بأن علاقة الطالب بمجتمعه انعكست على أدائه كفرد فيه محدثنا قال، بأن الصورة التي يرسمها المجتمع عن هذه الفئة من الشباب مجحفة و ظالمة، كونها تجنح إلى السلبية و التعميم وهو تصور لا يعكس حقيقة كل الطلبة في رأيه، مؤكدا، بأنها أحكام مسبقة، تركز بالأساس على تقييم صورة ظاهرية صنعتها مجموعة معزولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو قالب ضيق لا يشمل اللوحة كاملة و يضاعف الظل على الزوايا الإيجابية بما في ذلك المساهمات العلمية و النشاطات الدورية الهادفة لكثير من الطلبة. و أضاف، بأن التأثير الطلابي يرتبط بمدى تقبل الطالب لماهيته كعنصر محسوب على النخبة واعتزازه بالانتماء لمؤسسة الجامعة، ناهيك عن طبيعة تعاطيه مع محيطه الجامعي و نظرته لتخصصه، لأن ذلك يعزز ثقته في النفس و في محيطه الواسع، فغالبية الطلبة كما قال، لا يدرسون تخصصات يحبونها و يتعاملون مع الجامعة كمؤسسة بيداغوجية بعيدة عن الحدث ولا تعدو كونها جسرا للولوج إلى عالم الشغل وذلك راجع إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون داخلها و خارجها، وما لها من تأثير مباشر على استعدادهم لتجاوز همومهم اليومية « النقل و الإطعام و الإقامة و التمدرس» و الانتقال للمستوى الثاني، وهو الكينونة كعناصر تأثير في القضايا و المحطات الاجتماعية و السياسية. محدثنا قال، بأن الأحداث التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كان لها أيضا تأثير كبير على فهم الطلبة لدورهم و مدى تقبلهم له، فما حدث في البداية كان عبارة عن إعادة بناء الشخصية و ترميم الثقة، لكن الظروف التي تعاقبت، أفرزت نوعا من الصدمة و تسببت في تقوقع الطلبة مجددا داخل الأقسام الدراسية، خصوصا وأن التجربة خارج الجامعة لم تكن أفضل من النموذج السائد داخلها، على اعتبار أن بعض التنظيمات الطلابية التي تعد الواجهة السياسية الفاعلة في هذا المحيط، لم تقدم لهم صورة مشجعة ولا إيجابية وهو تحديدا ما وسع شرخ الثقة، و خلف العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية، و كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المدني، وقد أوضح مروان، بأن هناك نقابات تستخدم الطلبة كأداة ضغط خلال الإضرابات و غيرها لتحقيق مآرب أخرى، بمعنى أنها ترفع درع الطالب لتلقي الضربات فيما تغنم هي المكاسب على طاولات الحوار، وهو تحديدا ما حول الانتماء للتنظيمات في الجامعة إلى شبهة، حتى أن المصداقية باتت تكمن في الابتعاد عن أي تنظيم يذكر. هديل مشري سنة ثالثة ليسانس قانون عام نظرة المجتمع المجحفة للطالب عزلته داخل محيطه الجامعي بالنسبة لهديل مشري، طالبة قانون عام سنة ثالثة ليسانس بكلية الحقوق فإن مشاركة الطلبة في الحياة العامة متفاوتة و تختلف بحسب شخصية كل طالب، علما أن هناك نظرة إجحاف في حق الطالب من قبل الكثير من الناس، فغالبية الجزائريين يميلون مثلا إلى تقزيم أهمية بعض التخصصات الجامعية كالحقوق مثلا و يعتبرونها شعبة عقيمة، وهو تحديد ما يخلق الهوة بين الطالب و مجتمعه، لأنه يدرك مكانته فيه و يعرف بأنه لا يحظى بالتقدير الكافي وبالتالي فهو يفضل الانعزال داخل محيطه الطلابي و التركز على مساره الأكاديمي بدلا من الاحتكاك أكثر بالمجتمع المدني أو أي مجال نشاط آخر. وتقول هديل، بأن النظرة الاجتماعية للطالب كثيرا ما تختزله في المظهر الخارجي و في الصورة الشاذة التي يقدمها البعض على تطبيقات تيك توك و إنستغرام و غير ذلك، مع أن الواقع مخالف لذلك، فرغم ضعف مساهمة الطلبة اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا، إلا أن ذلك لا ينفي وجود فئة منهم تتابع مستجدات الراهن المعيش في البلاد و تنشط بطريقة إيجابية سواء داخل الحرم الجامعي في النوادي العلمية، أو خارجه من خلال الانخراط في الجمعيات الخيرية و النوادي الثقافية و السينمائية و الفكرية و حتى تلك التي تعنى بالبيئة و المحيط و الطفل، وعليه يمكن القول بأن ما يحتاجه الطلبة للعب دور أكبر في الحياة العامة هو الثقة و التشجيع. محدثتنا، تطرقت كذلك إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على شخصية الطلبة و اهتماماتهم، مؤكدة بأن هذه المنصات، عزلت بدورها الكثير من الشباب و حصرت انشغالاتهم في مجالات محدودة، مع ذلك فهي تبقى نافذتهم الوحيدة على المجتمع و على العالم ككل، و للأمر علاقة حسبها، بوضعية الطلبة الاقتصادية و بمعاناتهم الدائمة من شبح البطالة المحتومة، فضعف الاحتكاك بين الجامعة و المحيط الاقتصادي غيب دور الطالب وقلل من أهمية مساهمته و أدائه، كما أن الغياب الكلي للنشاط السياسي على مستوى هذه المؤسسة، ساهم في بقاء المجال السياسي بعيدا جدا عن صلب اهتمامات الغالبية خصوصا وأن هناك نوعا من الغموض أو عدم الفهم لماهية الممارسة أو المساهمة السياسية الطلابية، وجهلا شبه مطلق بطرق دخول هذا المعترك.