بدأ الحديث في السنوات الأخيرة عن الدبلوماسية الثقافية أو ما يُعرف ب:(القوّة الناعمة) ، وعن أهميتها وفاعليتها وتأثيراتها وأنواع وأنماط أدوارها وتوظيفاتها ونشاطاتها. والسؤال هنا: كيفَ هو –يا ترى- واقع وحال الدبلوماسية الثقافية في الوطن العربي وفي الجزائر على وجه الخصوص؟ وهل يمكن الحديث في الوقت الراهن عن دبلوماسية ثقافية عربية أو جزائرية، ومن جهةٍ أخرى، لماذا هذا النوع من الدبلوماسيات غير متداول في الوطن العربي بالقدر الكافي الّذي يسمح بأن يصبح واقعًا ملموسًا و»قوّة ناعمة» فعلاً. أيضًا كيف يمكن توقع أو اِستشراف أو صناعة آفاق ومستقبل الدبلوماسية الثقافية العربية وبأي آليات/ وبأي أدوات. استطلاع/ نوّارة لحرش حول هذا الشأن «الدبلوماسية الثقافية في الجزائر والعالم العربي». كان ملف هذا العدد من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الأساتذة والدكاترة الباحثين. عبد اللطيف بوروبي أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم السياسية -جامعة قسنطينة3 شكلٌ حديث للنشاط الدبلوماسي وآلية من آليات تنفيذ السياسات الخارجية تظهر في الظرفية الدولية الراهنة أهمية فهم التفاعلات الدولية في المجتمع الدولي، ومُختلف الأنظمة الإقليمية التي تُشكله، أين تم التطرق بالدراسة لمكانة العالم العربي باِعتبار الجزائر جزء فعّال فيه، ببروز أهمية خلق شبكة من التفاعلات الدولية القائمة على حفظ السِلم والأمن الدوليين، وتوظيف نوع مهم من الدبلوماسية الحديثة والمُتمثلة في الدبلوماسية الثقافية، لفهم مُختلف السياسات الدولية وتأثيرها على المنطقة. إذ تختلف أنماط النشاط الدبلوماسي من ثنائية، أو مُتعدّدة الأطراف، أمّا عن أنواع النشاط الدبلوماسي فهي مختلفة من دبلوماسية وقائية لتسوية النزاعات وبناء أشكال مختلفة للسِلم والأمن الدوليين، أو دبلوماسية شعبية تستخدمها الدولة تجاه رعاياها. وتكمن أهمية الربط بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للدول العربية ومنها الجزائر فيما بينها أو مع المنظمات الدولية وقياس تأثير ذلك على بيئة المجتمع الدولي، تجعل من المصالح تختلف وأحيانًا تتناقض مِمَّا يُؤثر على طبيعة التفاعلات الدولية من كونها تعاونية وتحولها إلى صراعية. فتنامي النزاعات -مثلاً- داخل بعض الدول يتطلب إيجاد الآليات الفعّالة في حفظ السلم والأمن الدوليين، من ذلك الدبلوماسية الثقافية كشكلٍ حديث للنشاط الدبلوماسي وكآلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية تُعنى بالعلاقات الودية السلمية، رغم أهمية التذكير بأنّ تطوّر قواعد القانون الدولي بنظرة مثالية للتفاعلات الدولية ومختلف الاِتفاقيات سواء فيينا1961 للعلاقات الدبلوماسية، أو اِتفاقية 1963 للعلاقات القنصلية، أو اِتفاقية 1969 للبعثات الخاصة، أو تلك المُتعلقة ببعثات لدى المنظمات الدولية 1975، مِمَّا جعل تأثير المقاربة القانونية أكثر من واضح في تطورها، وهذا ما يختلف أو يتناقض أحيانًا مع الواقع، أين العلاقات الدولية ومُختلف التفاعلات التي تحدّدها تقوم على القوّة والمصلحة. تكمنُ أهمية الدبلوماسية الثقافية في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي عرفها العالم، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، وسهولة التواصل بين المجتمعات المختلفة، وأهمية خلق اِنطباع ايجابي لدى الآخر (مثل مشروع جورج مارشال الأمريكي 1947 وتقديم مساعدات لأوروبا)، وسهولة التواصل جعلت من العالم قرية كونية أين السرعة في تلقي المعلومة واختزال المسافات، أي الجغرافية وربح الوقت والتكلفة، كلّ هذا جعل من هذه الدبلوماسية مرتبطة بالرأي العالمي ونلحظ ذلك في مختلف المؤتمرات عن المناخ والبيئة، أين تكمن أهمية خلق ثقافة عالمية مشتركة حول القضايا المشتركة خاصةً فيما تعلق ب(التغيرات المناخية والبيئية)، ومن ثمّ ضرورة إيجاد مجتمع عربي مُوحد في توجهاته في ظل أنّ كلّ قواسم الاِتفاق من لغة وهوية ودين توحدنا أكثر مِمَّا تُفرقنا، والتي هي غائبة في ثقافتنا السياسية وتحتاج إلى مراجعة. ولا يكون هذا إلاّ بتفعيل -نوع حديث- آخر والمُتمثل في الدبلوماسية الاِقتصادية وهي تكملة للنشاط الدبلوماسي الثقافي، والتي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية أين اِرتبطت بالتركيز على القوّة الناعمة Soft Power وظهور مفهوم القِوى العظمى المدنية (أين التركيز على القوّة الاِقتصادية عوض القوّة العسكرية مثل ألمانيا واليابان)، حيث تقوم على مجموعة من التصورات بتوجهات إيجابية مثل: - تشجيع وتنمية الروابط الاِقتصادية والتجارية الثنائية أو مُتعدّدة الأطراف سواء «دول» أو تكتلات اِقتصادية بين الدول العربية ومنها الجزائر. - فرض قيود على التحويلات الخارجية للحفاظ على العُملة مع تشجيع الاِستثمار. - تقديم قروض ومنح أقل من السوق من أجل خلق اِنطباع إيجابي. كما يمكن أن تستغل الدبلوماسية الاِقتصادية بتوجهات خارجية سلبية من خلال اِستعمالها كوسيلة ضغط كما هو الحال بالنسبة للحصار الاِقتصادي لتفادي اِستعمال القوّة. مِمَّا سبق، الدبلوماسية إطار قانوني مُحدّد لمختلف التوجهات الرسمية للدول العربية ومنا الجزائر مرتبطة بالسياسات العامة ومختلف القطاعات التي تجسدها. فسواء اِرتبط النشاط الدبلوماسي بنمط العلاقة الثنائية أو مُتعدّدة الأطراف أو بنوعه كما هو الحال بالنسبة لنا، تظل الدبلوماسية الثقافية مهمة فدور الدبلوماسي كمنصب سيادي يُعنى بحماية مصالح دولته ورعاياها، والطابع التمثيلي لوظيفته، كما يسهر على مراقبة ذلك سواء في البعثة الدبلوماسية الدائمة أو المؤقتة. ومن ثمّ فعّالية النشاط الثقافي مشروطة بنشاط اِقتصادي فعّال بين الدول العربية ومنها الجزائر. عبد السلام فيلالي كاتب وأستاذ وباحث في عِلم الاِجتماع –جامعة عنابة لا يمكن الحديث عن دبلوماسية ثقافية في غياب إنتاج ثقافي رائد الدبلوماسية الثقافية، أحد مجالات تحرك الدولة على الصعيد الخارجي من أجل إحداث تأثيرات تخدم مصالحها. في الأيّام الماضية قرأتُ مقالاً حول اِستفادة الاِقتصاد الكوري الجنوبي من الاِنتشار الثقافي الّذي أحدثته السينما. وقرأتُ أيضا عن دور مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، وهي مؤسسة أمريكية، في الترويج لقيم ذات علاقة بزيادة النفوذ والتأثير الغربي بشكلٍ عام في الوطن العربي. ولكن تبقى هوليود أهم معبر عن دور الثقافة في الترويج للثقافة في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، نذكر دورها خاصةً إبان الحرب الباردة. لقد نجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية في نقل تجربتها القائمة على المبادرة والمنافسة والحرية إلى العالم، وقد توجس الأوروبيون كثيراً حين تفاعلوا معها إبان الحرب الثانية، وفي مشهد لشريط وثائقي نُلاحظ مجموعة من الأشخاص يتأففون من شرب كوكا كولا مُفضلين الشامبانيا. بيدَ أنّ هذا كان تصرفًا غير نافذ في المجتمع، بل إنّ العكس صحيح. فقد نجحت هوليود في التسويق للمُنتجات الأمريكية ولثقافتها الاِستهلاكية. وفي اِستشراف آفاق الصعود الصيني، يُؤكد عديد الباحثين في مجال العلاقات الدولية محدودية هذا الصعود على إنجاز تأثير يُنافس الأمريكان، لأنّ الصين لا تملك أدوات القوّة الناعمة التي تمتلكها القوّة الأولى حاليًا. كما يمكن إدراك الإنتاج السينمائي التركي منذ أكثر من عشرين سنة، مع دبلجة المسلسلات التركية إلى اللّغة العربية، ويمكن ذكر دور سينما بوليود حيث نرى أنّها صارت تُرسل نسخًا عن بث قنواتها بلغات عالمية عِدة. في الوطن العربي، لا نستطيع الحديث عن دور للدبلوماسية الثقافية لجهة عدم وجود إنتاج ثقافي رائد في السينما والفن والأدب، وقد لا نستطيع مُقارنته مع نجاح ما حققته السينما الإيرانية. ولهذا يجب وضع خطط فيما يخص الترويج والتسويق خارج منطقتنا العربية. ولو أنّ الأمر في هذا السياق مُرتبط بخاصية كلّ بلد على حِدة، وتحديداً الدول التي تمتلك رصيداً ثقافيًا وحضاريًا عريقًا مثل مصر والعراق. في الجزائر، للأسف الوضع ليس على ما نرغب ونريد أن يكون. النظر في واقع مؤسساتنا ومراكزنا الثقافية في الداخل والخارج وبشكلٍ عام واقع منظوماتنا الثقافية يُقدِم تقييمًا أوليًا، أوّلاً لجهة عدم وجود صناعة سينمائية ثمّ ما تُعانيه دور النشر من عدم وجود سياسة عامة للدعم والتكفل والتشجيع بالإنتاج المحلي داخليًا، وعبر التوزيع في الخارج والترجمة إلى اللغات العالمية. نفس التقييم فيما يخص المسرح والرسم والموسيقى والفنون التقليدية. المجال الوحيد الّذي تمَّ تصديره للخارج هو موسيقى «الراي»، وللأسف لم يكن النجاح من صنع أيادينا. أن تكون لدينا دبلوماسية ثقافية، يعني أن نهتم بالفاعلين في القطاع الثقافي. بعض رؤساء الدول هُم سفراء ثقافة بلدانهم، من خلال اِصطحاب رموزهم ومشاهيرهم والترويج لهذا العمل (السلعة) أو ذاك. نفس المُلاحظة فيما يخص دور الملحقيات الثقافية في السفارات، لننظر إلى نشاط بعض السفراء في بلادنا ولنقارن. عملاً متكاملاً نحتاجه على المدى الطويل للوصول إلى صنع صورة ثقافية خاصة. هذا لهدف يبقى رهين تثمين الفِعل الثقافي والإبداع، بالاِستثمار وتشجيع المواهب وأصحاب الأعمال المُتميزة والناجحة. كثيرٌ من الحسرة تمتزج بهذا الموضوع، لأنّه يستدعي المثل القائل: «لا حياة لمن تنادي». نأمّل أن تتغير مقاربة صُنّاع القرار الجزائري لدور الثقافة في تنمية المجتمع عمومًا والاِقتصاد خصوصاً. هشام ذياب أستاذ وباحث –المركز الجامعي– بريكة مفتاح التقارب بين الشّعوب و صمّام أمان حقيقي للأُمم الدبلوماسية «الثقافية» أو ما يصطلح عليه أيضا ب: «القوّة الناعمة» واحدة من المصطلحات الجديدة في مجال السياسة الخارجية، ظهر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عندما أدرك السياسيون أنّ قوّة الدولة لم تعد تُقاس بالقوّة الاِقتصادية، ولا بالتفوق العسكري، وإنّما بمدى قدرتها الثقافية على إنشاء علاقات بالدول الأخرى، لذا توجَّه المتخصِّصون في السياسة الدولية إلى الثقافة، ونظروا إليها على أنّها «دبلوماسية العصر» وبمثابة «وزارة خارجية الشعوب»، نظراً لما تملكه من مقومات أكثر تأثيراً على الشعوب من العمل الدبلوماسي التقليدي الرسمي، الّذي يتمثل عادةً في وجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية. هذا وباتتْ الدبلوماسيّة الثقافيّة هي مفتاح التقارب بين الشّعوب، وهي صمّام أمان حقيقي للأُمم التي تبحث عن السّلام، فالسياسة لا تكفي لحلّ المشاكل القائمة بين الدّول وهو ما ترجمه الواقع الدولي منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية وإبّان دخول العالم في تجاذب قطبي بين المعسكرين الرأسمالي والاِشتراكي، فقد اِكتشف السياسيّون في تلك المرحلة أنّهم بحاجة إلى وسيلة أكثر فاعلية من طاولات المفاوضات، وأدركوا دور الثقافة في التأثير على الشّعوب وقدرتها على تشكيل العلاقات الدولية، ولذلك تلعب الدبلوماسية الثقافية دورًا في تعزيز قرار السياسة الخارجية للدولة والتي تتعامل عادةً مع ثلاثة أبعاد رئيسة: أوّلها، «البُعد السياسي» وثانيًا «الجانب الاِقتصاديّ، وثالث هذه الأبعاد هو «الجانب الثقافي» الّذي يُعبر عن إحساس الشعوب والنُّخب الحاكمة بأنّ ثقافتها ومبتكراتها هي من المنجزات الإنسانية الحضارية وجزء من عوامل قوّة الدولة المُضافة التي تُساهم في تعزيز سياستها الخارجية التي تسعى من خلالها لتحقيق المكانة والمنزلة الدولية، وباتت ترتبط بتخطيط شامل ومبرمج من قِبل صُنّاع السياسة الخارجية للدولة. ومن خلال هذا السياق نجد أنّ بعض الدول العربية سعت إلى حدٍ كبير لتحقيق هذا المسعى من خلال اِستحداث دوائر للعلاقات الثقافية في إطار هيكلة وزارات الخارجية، على غرار دول الخليج العربي كقطر والإمارات العربية المتحدة، في حين تبقى بعض الدول الأخرى بعيدة نوعًا ما على هذا المسعى بالرغم من توفر الإمكانيات لهذا الغرض، ومنها الجزائر، ذلك أنّ الدبلوماسية الثقافية الحقيقية تعتمد على عنصري التبادل والتبادلية، وربّما يكون الحوار بين الثقافات المثال الأكثر وضوحًا حاليًا، كما أنّها تقوم على معالجة مختلف القضايا المهمة مثل التماسك الاِجتماعي، والعنصرية، وعدم المساواة، والتمييز ضدّ الأقليات والمهاجرين، والبُعد الثقافي للقضايا بين الأديان، ومُعالجة فكرة التعددية والحوار بين الثقافات والمُدن متعدّدة الثقافات... كما يمكن تعزيز ذلك الاِتجاه من خلال التحرك التدريجي نحو الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاِجتماعي، حيث تتضمن الدبلوماسية العامة والثقافية الفعّالة حوارًا بين الثقافات تنطوي على مستوى متزايد من التفاعل، ويمكن تحقيق هذا التفاعل عبر الفضاء الاِفتراضي بشكلٍ فعّال وبتكاليف مناسبة للغاية. وبالرغم من المجهودات المبذولة من طرف الدول العربية ومنها الجزائر التي تشمل كلّ المجهودات التي من شأنها التعريف بثقافاتها، وكسب علاقات متميزة بين مختلف الشعوب، إلاّ أنّ ما تُعانيه هذه الدول من ضعف في المجال العلمي والثقافي وفي مجال الفنون جعل قريناتها من الدول تتفوق عليها كثيراً في هذا المجال، بل بالعكس فقد أجبرتها هذه الدول على فهم حياة وثقافة شعوبها على غرار الشعب الأمريكي والصيني..، التي تمكنت من غزو العقول العربية والسيطرة عليها واتخذتها منطلقًا لممارسة النفوذ عبر مختلف المناطق من العالم لصالح إستراتيجيتها على المستويات كافة. سمية أوشن أستاذة وباحثة في العلوم السياسية -جامعة قسنطينة03 هي الأكثر تأثيراً في الرأي العام إذا ما أحسنا صناعتها وتقديمها تُشكل الثقافة جزءاً مُهمًا من عناصر التعاون والصراع وهي عنصر أساسي للتواصل الاِجتماعي والثقافي، وتبرز أهميتها خاصةً عبر الدبلوماسية الثقافية التي اِنتشرت عبر العالم كفاعل مُؤثر لتعزيز السلام والاِستقرار في جميع أنحاء العالم، لذلك فإنّ مفهوم الدبلوماسية الثقافية يتجاوز مسألة التبادل الثقافي أو مُتابعة البعثات الوطنية التعليمية إلى تقديم ثقافة الوطن وإبداعات أبنائه وقيم المجتمع وتراثه الإنساني وصناعاته الثقافية إلى الجمهور الخارجي، بهدف تعزيز قوّة الدولة ومكانتها وبناء صورة ثقافية جذابة ومُقنعة ومُمتعة في أذهان المُجتمعات الأخرى. إنّ كثيراً من دول العالم أخذت في السنوات الأخيرة خطوات متقدمة في العناية بالدبلوماسية الثقافية ورصدت إمكانات مادية وفنية كبيرة ومُستدامة، باِعتبار أنّ هذه الدبلوماسية هي القوّة الناعمة للدولة الوطنية، حيثُ تُتيح الفرصة لأفراد المجتمع غير الرسميين لأداء أدوار فاعلة في دبلوماسية شعبية ثقافية، كما تُتيح للمرأة أن تلعب دوراً مُؤثراً في نشر الثقافة الوطنية عبر العالم. وتقوم الدبلوماسية الثقافية الحقيقية على عنصري التبادل والتبادلية كما تُعالج قضايا مثل التماسك الاِجتماعي والعنصرية وعدم المساواة والتمييز ضدّ الأقليات والمهاجرين والبُعد الثقافي للقضايا بين الأديان، وحلول ما بعد الصراع، وفكرة التعددية والحوار بين الثقافات والمُدن مُتعدّدة الثقافات. وبخصوص الجزائر فإنّها تسعى للنهوض بالمشروع الوطني الثقافي ولتفعيل وحماية وتعزيز الأمن الثقافي والمكانة السياسية في المجال الخارجي وكلّ هذا يحتاج إلى إعادة النظر في الدبلوماسية الثقافية، كما يحتاج أيضًا إلى بلورة رؤية عصرية مُتماسكة لهذه الدبلوماسية وكذا التعاون والتنسيق بين المؤسسات التعليمية والثقافية والسياسية في هذا المجال. ولذلك فإنّ تعزيز آليات الدبلوماسية الثقافية في الجزائر يستدعي التوجه نحو هدف حضاري شامل له أبعاده السياسية والوطنية والإنسانية وإستراتيجية منهجية جديدة تستوعب جوهر السياسة الخارجية وأهدافها وتطلعاتها المُستقبلية، وتعزيز الذات الوطنية الثقافية وتنفتح وتتفاعل مع الثقافات الأخرى، وتصل بذلك إلى مصادر القوّة والتأثير في فضاءات الرأي العام. ويأتي ذلك عبر تعزيز الإعلام ووسائل التواصل الاِجتماعي التي تعتبر وسيلةً لنقل المعلومات كونها عنصر أساسي في الاِتصال السياسي وأنّها بمثابة حزام النقل في الحوار وتُستخدم كأداة للتفاعل المُتبادل حيث أثبتت فعاليّتها في تعزيز الدبلوماسية الثقافية. الدبلوماسية الثقافية هي الأكثر تأثيراً في الرأي العام إذا ما أحسنت صناعتها وتقديمها، وهي قادرة في هذه الحالة على تغيير قواعد الاِنخراط والتعامل المُؤثر إيجابيًا في المجتمعات الخارجية. لذا فإنّ اِمتلاك واستخدام القوّة الناعمة الثقافية ضرورة حتمية، لكن ذلك له مُتطلباته وشروطه ومعاييره، لا تنحصر فقط في المشاركات الرمزية في التظاهرات والمعارض والنقاشات العالمية الفكرية والتبادل الثقافي، إنّما يستلزم جهوداً دؤوبة ودعما رسميا لتفعيل الثقافة وتطوير حقولها وتحفيز الطاقات والإبداع والإنتاج وجعل الثقافة في مكانة مركزية في المشروع الوطني العام، وإعداد وتدريب العناصر المُكلفة بتنفيذ هذه الدبلوماسية. الثقافة قوّة ناعمة وقضية وطنية باِمتياز، والدبلوماسية الثقافية هي ضرورة لمواجهة التطورات والتغيرات العولمية. إكرام بخوش أستاذة وباحثة أكاديمية في العلوم السياسية -جامعة محمّد خيضر بسكرة التبعية الثقافية للغرب عامل معرقل للدبلوماسية الثقافية العربية في البدايةِ تجدرُ الإشارة إلى أنّ «الدبلوماسية الثقافية» ظهرت لأوّل مرّة في فرنسا في القرن التاسع عشر، ثمّ اِنتقلت إلى باقي الدول الأوروبية ومنها إلى بقية العالم، فالدبلوماسية الثقافية هي تلك العملية التي يتم من خلالها تبادل التقاليد والقيم والأهداف وحتّى الأفكار بهدف تعزيز سُبل التفاهم والتعاون والتقارب، إذن فهي وسيلة من وسائل الحوار الثقافي والمُشاركة الثقافية من أجل نشر ثقافة الدولة بِمَا يخدمُ أهداف المنطقة من خلال التعريف بثقافة الدولة وإيصالها إلى مُختلف دول العالم، بهدف زيادة وتيرة التعاون الاِقتصادي والتجاري والأمني وغيره من أشكال التعاون الدولي، فمن خلال هاتِه الفكرة يُمكنُ القول بأنّ الدبلوماسية الثقافية هي أحد أدوات السياسة الخارجية والوجه الأبرز لسياسات القوّة الناعمة كما يُسميها جوزيف ناي، وأحد أهم مفاتيح العلاقات الدولية في الفترة الراهنة. إنّ نجاح الدبلوماسية الثقافية مُرتبطٌ بمدى اِمتلاك الدولة للأدوات التي تستفيدُ منها الدبلوماسية الثقافية، ويتمُ الترويج لها من خلال الفنون والأفلام والموسيقى وبث الأخبار والبرامج الثقافية والمعارض الفنية بالإضافة إلى البرامج التعليمية والجامعية وبرامج اللغات والتبادلات العلمية والفنية والتعليمية، وحتّى الدبلوماسية الدينية، وهذا ما يُساهم في الترويج لثقافة بلدٍ ما عالميًا، وهو ما نجحت فيه الدول الغربية وحتّى تركيا على سبيل المثال أين نجحت في الترويج لثقافتها المحلية وتصديرها إلى العالم الغربي والعربي من خلال ما سبق ذكره، وهذا ما تعجز الدول العربية وعلى رأسها الجزائر في تحقيقه، ذلك أنّ نوعية الأدوات سالفة الذِكر مازالت لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وهذا ما أثر بشكلٍ سلبي على مسألة الترويج للثقافة العربية والجزائرية إلى العالم الخارجي، من جانب آخر فالدبلوماسية الثقافية في المنطقة العربية مازالت تُعاني من التبعية للدول الغربية أو تبعية المحيط للمركز كما يُسميها سمير أمين، والمقصود بالتبعية هنا هو التبعية الثقافية التي تتعلق بالفكر الاِقتصادي والسياسي والثقافي في المجتمع، ومن أعظم مخاطر التبعية الفكرية أنّها تخترق منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع الإسلامي، وتُدمر مرجعيته الإسلامية العُليا، وتُذيبُ القيم الإسلامية، تحت شِعار التقدم والمدنية والحرية والديمقراطية، كما تُمثل إحدى أكبر المخاطر التي تُواجه المُجتمعات الضعيفة وانصهارها ثقافيًا أمام الأُمم القوية وهذه المشكلة تتفاقمُ خطورتها إذا لم تتوقّف عند حدّها، فهي قد تستمر في كثير من الأحيان حتّى مرحلة الذوبان الكلي للأمّة الضعيفة في الأمّة القوية، وتُمحى هوية الأمّة الضعيفة وكيانها بالكامل. في هذا الصدد يُشير مالك بن نبي إلى أنّ النقص الّذي يُعاني منه الإنسان العربي ليس منطق الفكرة، وإنّما منطق العمل والحركة، فهو لا يُفكر ليعمل، بل ليقول كلاماً مُجرّداً، وأكثر من ذلك أنّه قد يبغض الذين يفكرون تفكيراً مُؤثراً، والسبب يعود لاِفتقادنا الضابط الّذي يربطُ بين الأشياء ووسائلها، وبين الأشياء وأهدافها، وكحل لهذه المشكلة فإنّ مالك بن نبي، يرى بضرورة التخلص من القابلية للاِستعمار لاسيما الحضاري والثقافي، كأحد الشروط للتحرّر من التبعية الغربية والمُحافظة على هويتنا وثقافتنا العربية، من جانبٍ آخر فالدبلوماسية الثقافية ليست ترويجًا للرُؤى والأفكار والقيم وسواها من المضامين الثقافية فحسب بل هي ترويج للخدمات الثقافية واستكشاف لفرص الاِستثمار في المجال الثقافي، والتعريف بالكفاءات المُبدعة وبناء الشَراكات لتحقيق مشاريع ثقافية مُشتركة، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الدول العربية كضرورة للاِرتقاء بهذا النوع من الدبلوماسية.