الأديب المجهول ومفتي السادة المالكية بالجزائر الأديب الجزائري المجهول، والمعروف باسم أحمد بن عبد الله بن عمّار بن عبد الرّحمان الجزائري، أبو العبّاس، سبق وأن عرّفت بهذا الكاتب في أطروحتي للدكتوراه التي تحمل عنوان "الشعر في مملكة بني نصر بغرناطة 1232 - 1492"، والتي ناقشتها بجامعة مدريد المركزية في 16 جوان 1980، ثمّ نُشِرتْ في كتاب باللغة الاسبانية يحمل عنوان "La Poesia en el Reino Nazari de Granada 1232 - 1492 ؛ ثمّ عرّفت بابن عمّار ثانية في كتابي" دراسات في الأدب المغربي القديم" المنشور عام 1986، بدار البعث بقسنطينة، حيث كنت قد تمكنت في وقت مُبَكّر من الاطلاع على رحلة ابن عمّار، التي تحمل عنوان " نحلة اللبيب باختيار الرّحلة إلى الحبيب ؛ نبذة من الكتاب المسمّى بهذا الاسم ، واستفدت منها في تحرير بحثي حول موضوع استجابة الشعر لمراسم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، في المغرب الإسلامي؛ وبالتالي فاهتمامي بهذا الكاتب الجزائري المغمور، جاء قبل أن يتعرض له بالتعريف الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه " تاريخ الجزائر الثقافي" المنشور عام 2007 . أو غيره من الباحثين الجزائريين، في تاريخ الجزائر المستقلة. الدكتور عبد الله حمادي لقد تعرّض بالترجمة لحياة ابن عمّار بعض الكتاب الجزائريين القدامى وغيرهم من كتاب المغرب العربي، ولعلّ أكثرهم تفصيلا كان صاحب كتاب " تعريف الخلف برجال السلف" حيث اعتمد في كلّ ما ذكره على كلّ ما ورد في رحلة ابن عمّار المنشورة بمطابع فونطانة عام 1902 ، ولعلّه بدوره لم يطلع على الرحلة كاملة، واكتفى بما نُشر منها كنُبذة كما هُوَ مسجَّلٌ كعنوان لرحلة ابن عمّار، التي لم يسعفنا الحظ في العثور على بقيتها، والتي يرجّح بعض المترجمين أن تكون في إحدى خزائن الحجاز أو مصر أو تونس لكون صاحبها يمكن أن يكون قد قضى نحبه إمّا بتونس أو بالحجاز عام 1791 ميلادية. بعد أن كان قد ولد بالجزائر العاصمة عام ميلادية 1709 كما تذكر بعض المصادر.إنّ الحفناوي صاحب أكبر مدوّنة لأعلام الجزائر، منذ القديم إلى عصره، وبدوره لم يترجم لنفسه في مدوّنته، حيث بلغ تعداد تراجمه 418 شخصية علمية جزائرية، نُشر هذا الكتاب بدوره بمطابع الإخوة فونطانة الفرنسية في مطلع القرن العشرين. وقد أفرد الحفناوي ترجمة لابن عمار قائلا في بعض ما ورد فيها: " سيّدي أحمد بن عمّار،هو العلاّمة المحقّق، والفهّامة المُدقّق،أبو العبّاس سيدي أحمد بن عمّار مفتي المالكية، رحمه الله تعالى، ورضي عنه." ثمّ يواصل الحفناوي مُقرّضا لهذه الشخصية الجزائرية الفذّة، التي تشرفت بمقعد الإفتاء أيّام الجزائر العثمانية، وكان له صيتٌ نافذ في الأوساط الأدبية في تلك الحقبة، من تاريخ الجزائر العثمانية، حيث يقول في حقّ ابن عمّار:" كان من نوابغ عصره، وأفاضل مصره، وهبه الله حظّا من سَيَلَان القلم، وطلاقة اللّسان، لحق به شأو لسان الدّين بن الخطيب والفتح بن خاقان.." ؛ لقد رفع الحفناوي من شأن ابن عمّار، فوضعه في منزلة وزير غرناطة وكاتبها العبقري، وشاعرها المُفلق لسان الدّين ابن الخطيب، ثمّ ذهب به بعيدا إلى زمن الأندلس في عصر ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين، ليجعله يُصاقب أمير السجع والبيان، الفتح بن خاقان صاحب كتابيْ: " قلائد العِقيان " و" مطمح الأنفس"، ثمّ يُثني على منزلته في عصره كأنْ يقول: وكان له الفضل:" وكفى به تعريفا ما طبعته الحكومة من كتابه" نحلة اللبيب بأخبار الرّحلة إلى الحبيب"، إذْ فيه من زواهر منظومه، ما يهدي ناظره إلى شموس علومه، وأنوار فُهومه..." . وربّما أقدم من ذكر ابن عمّار، هو شيخ الرحّالة الجزائريين الحسين الورثيلاني، والذي ترافقا للحجّ، حيث يذكر الورثيلاني، لمّا كان في طريقه إلى الحجّ قائلا:" وزرت أيضا شيخنا المحقّق، العلاّمة المدقّق، خاتمة المُحقّقين، وإمام الأجلاّء العارفين، الشيخ خليل المغربي، وهو في العلوم بحر لا ساحل له، وإنّ العلوم كلّها ضرورات عنده، لاسيما علم المعقول، وقد قرأت عليه القطب على الشمسية؛ أعني التصورات والعكوس والتناقض، بحاشية السيّد عليه، وقد أجازني بخط يده، في سائر العلوم، نفعنا الله به، والذي أخذنا معه عليه، هو الفاضل بالاتّفاق، والعلاّمة على الإطلاق سيّدي أحمد بن عمّار.." ، ثمّ أورد الورثيلاني ذكر ابن عمّار أثناء رحلتهما إلى الحجّ، والتي يبدو منها أنّها كانت رحلة للعلم، قبل أن تكون للحجّ، لأنّها مفعمة طوال الطريق بطرح الأسئلة، والبحث عن الأجوبة، وطلب الإجازة، وتصحيح ما أشكل من القضايا الفقهية والدّينية ، حيث جاء ذكر ابن عمّار، في رحلة الورثيلاني، لمّا أشكل على هذا الأخير اختلاف أصحاب المذاهب، عن كيفية الصلاة، فيقول الورثيلاني:"...عن التناقض الذي بين المذاهب، لأنّ النبيّ واحد والمِلّة واحدة، ومع ذلك تناقضت الأحكام وتضادت، والقائل بها في الواقع واحد، وهو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والواحدٌ مثلا، لا يقول في صلاة واحدة باطلة صحيحة، كيف وأنّ مالكا يقول: بأنّ الصلاة التي بسمل المُصلّي في أوّل الفاتحة مكروهة، وأنّ تركها أوْلى ويلزم من ذلك صحّة صلاة تاركها قطعا. وأمّا الإمام الشافعي فيقول ببطلانها، إنْ تركت لأنّها آية من الفاتحة، ومن ترك آية عمدا بطُلت صلاته، ومذهب مالك أنّها ليست آية من الفاتحة، فيا عجبًا كيف تكون الصلاة، في دين واحد باطلة غير باطلة، هذا على من يقول أنّ المذاهب كلّها على الحقّ، إذ قال الإمام الشعراني يجب على كلّ مسلم أن يعتقد أنّ الأئمّة الأربعة كلّهم على الإصابة، في نفس الأمر، فيلزم أنّ بُطلانها...فلمّا ذكرت ذلك بحضرة الشيوخ ...سلّم الكلّ إلاّ الفاضل سيدي أحمد بن عمّار مفتي الجزائر قد أنكر.." ويُفهم من هذا النص أنّ ابن عمّار كان ضمن الرحلة، التي قام بها الورثيلاني، وأنّه كان يشارك في القضايا الفقهية، التي كانت تعترض سبيلهم، وتكون محلّ نقاش فقهي بين العلماء، كما يُفهم من النصّ أنّ ابن عمّار، لا يزال مفتيا للمذهب المالكي ببلاده الجزائر، وله رأيٌ في المسائل المذهبية التي تُطرح. ولعلّ ابن عمّار كان له الفضل، في تحديد تاريخ هذه الرحلة الحجازية، التي جمعته بثلّة من علماء الجزائر، وعلى رأسهم الشيخ الحُسين الورثيلاني، فيقول الحفناوي في ترجمته لابن عمّار:"...اعلم وفّقني الله وإيّاك لمرضاه، وعصم كلامنا من الخطإ والخطل والزّلل، في حركاته وسكناته ولحظاته، إنّي عزمت على الرّحلة إلى الحجاز، عزما نسخت حقيقته المجاز، أوائل سنة 1166 / 1752 م، ستّ وستّين ومائة وألف" ؛ وهذا الكلام قد ورد ذكره في رحلة ابن عمّار، ومن هناك فإنّ كلّ ما أوره الحفناوي في ترجمته لابن عمّار، هو منقول حرفيا من رحلة ابن عمّار التي نُشرت بالجزائر عام 1902 . ومن الذين تعرّضوا بالترجمة والذّكر للعلاّمة الجزائري ابن عمّار، أحد أعيان الجزائر الذي يُعتبر من النّخبة في مطلع القرن العشرين، أَلا وهو الأستاذ أحمد الأكحل في مقال له يحمل عنوان " الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر" ؛حيث يقول:" بمناسبة حلول المولد النبوي الشريف، رأينا أن نعرض لقرّاء مجلّتنا الكرام صفحة ناصعة من صفحات الأدب الجزائري، ليطلعوا فيها على ما لأدب أسلافنا البررة، في هذه البلدة الطيّبة من ميزات، وما يشتمل عليه ذلك الأدب، من الإبداع والثّروة الفكرية، والأسلوب الدّقيق، تدليلا على ما لهم من عقول نيّرة، وأفكار سامية في مُستطاعنا الافتخار بها، وبما خلّفته من آثار خالدة في الأدب " . لقد اختار الأستاذ أحمد الأكحل هذا الموضوع بالذّات، لأنّه كان يشكل علامة بارزة، ودالة على مدى تعلّق الجزائريين، بشمائل المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك مدى ولع الجزائريين عامة، والمثقفين خاصّة، بكيفية الاحتفاء بمراسم المولد النبوي الشريف، والذي ورثوا الاحتفاء به كما يقول الأستاذ منذ عصور خلت، فيقول:" وبهذه المناسبة نحدّثكم عن الموشّحات المولدية، لنُخبة من علماء الجزائر، وشعرائها الأمجاد الأقدمين؛ تلك الموشحات التي لا زالت إلى يومنا هذا تُتلى، ويُترنّم بها في الجوامع والمساجد والمقامات، أيّام المولد النّبوي الكريم" . يقول أحمد الأكحل: وقد جرت هذه العادة الحسنة منذ عهد قديم، وإليكم " ما ذكره العالم الأديب، مُفتي السادة المالكية بالجزائر، سيدي أحمد بن عمّار في كتابه" نحلة اللّبيب بأخبار الرّحلة إلى الحبيب" عن احتفالات المولد النبوي، بالعاصمة الجزائرية في عهده، وقد عاش رحمه الله، في حدود عام 1160 هجرية" ؛ في هذا التّاريخ كان عمر الشاعر ابن عمّار في حدود الأربعين سنة، لأننا نجده في رحلته يحدّد لنا تاريخ رحلته الأولى إلى البقاع المقدّسة بسنة 1166 هجرية . ويضيف الحفناوي تفاصيل أكثر قائلا:" هذا وقد جرت عادة أهل بلادنا الجزائر، حرسها الله من الفتن، وحاطها من الدّوائر، أنّه إذا دخل شهر ربيع الأوّل، انبرى من أدبائها وشعرائها من إليه الإشارة، وعليه المُعوّل، إلى نظم القصائد المديحيات، والموشّحات النبوية، ويُلحّنوها على طريق الموسيقى، بالألحان العجيبة، ويقرؤونها بالأصوات المُطربة، ويصدعون بها في المحافل العظيمة، والمجامع المحفوفة بالفُضلاء، والرّؤساء النظيمة، من المساجد والمكاتب والمزارات، وهم في أكمل زينة، وأجمل زيّ وأحسن شارات، تعظيما لهذا الموسم الذي شرف به الإسلام، واحتفالا بمولده عليه الصلاة والسلام" . وبعد هذا التوضيح يورد لنا كلّ من الحفناوي وأحمد الأكحل، نماذج من الموشحات والمدائح التي كانت تُنشد بمناسبة الاحتفاء بمولد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، من مثل موشحة ابن عمّار المشهورة: يا نسيمًا بات من زهر الرّبا يقتفي الرُّكبان أحْمِلنْ منّي سلامًا طيِّبًا لأُهَيْل البان وهي موشحة طويلة، ذكرها ابن عمّار في رحلته، تدلّ على باع طويل من قبل ابن عمّار، في نسج الموشحات ذات الأصول الأندلسية العريقة. ثمّ قال ابن عمّار" ولي من هذا النمط، وغيره، من التوشيح والقريض قصائد شتّى، في مدحه صلّى الله عليه وسلّم، ضمّنتها بطن ديوان، وكننتها من أوراقه بمصوان ... وهذه الطريقة التي مدحنا بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عليها جرى أهل بلادنا، وأرباب طارفنا من البلاغة وتلادنا" . ويضيف ابن عمّار أنّ صاحب هذه الطريقة المعروفة بالجزائر" وإمام الصنعة، وركّاب صعابها، ومذلّلها، ومسبّل شعابها ومسهّلها، عاشق الجناب المحمّدي، ومادحه بلا معارض، ومُثلث طريقتيْ البوصيري وابن الفارض، الشيخ أبو العبّاس سيدي أحمد المقلاتي، أتحفه بمُنفَهِق رضوانه ...فمن ذلك قوله: نلتُ الغرام بالله حادي القطارْ قفْ لي بتلك الدّيارْ واقر السلامْ سلّمْ على عُرب نجد واذكر صبابة وجدي كيف يُلامْ من بادرته الدّموع شوقًا لتلك الرُّبوعْ مع المقامْ والمُستغرب هنا، أنّ ما ورد في كتاب الحفناوي، وما ذُكر في مقالة أحمد الأكحل هو نفسه، والمرجّح أن الأستاذ أحمد الأكحل الذي نشرت مقالته عام 1952، يكون قد نقل ما ذكره الحفناوي، الذي نشر كتابه في مطلع القرن العشرين، وكلاهما اعتمد على ما ورد في رحلة ابن عمّار، مع بعض الزيادات؛لكن الأستاذ الأكحل يضيف شيئا مُلفتا للانتباه، وهو يذكر العلاّمة سيدي أحمد بن عبد الله الجزائري قائلا:" وهو من كبار تلامذة علاّمة الجزائر سيدي عبد الرّحمان الثعالبي، وله منظومة في علم الكلام تسمّى: "الجزائرية"، ولمّا أتمّ نظمها، بعثها إلى صديقه وقرينه، سيدي محمد السنوسي، دفين تلمسان، فشرحها شرحا حافلا، وأثنى عليه في ديباجتها، وكانت بينهما مُكاتبات. توفي هذا العالم أثناء القرن الثامن الهجري ، وكان قبره في بعض أجِنّة " بئر طريرية " المتطرفة من ضواحي الأبْيار (فحص الجزائر) وكاد أن يُعفى أثره، فوفّق سيّدي الوالد يحيى رحمه الله، إلى نقله من هناك إلى المقبرة التي أُحدثت في الأبيار، تخليدا لذكراه، وصارت المقبرة تُدعى باسمه، ولهذا العالم قصائد في مختلف المواضيع، وتخميس على البردة، ومن موشحاته المولدية التي مطلعها: يا مرحبا بمولده نبيّنا مُحمد لقد أتى سورنا وقد غدا شرورنا وانشرحت صُدورنا طرًّا بهذا المولد ومن شعره أيضا، قوله: إنّ الجزائر في أحْوالها عجبٌ ما إنْ يدوم بها للنّاس مكروهٌ ما حلّ عُسرٌ بها أو ضاق مُتّسعٌ إلاّ ويُسرٌ من الرّحمان يحدوهُ أوردت هذا الشهادة، لأنّها تقدّم لنا معلومة نادرة، عن القائل الحقيقي للبيتين الشهيرين، اللتين تُنسبان خطأ للشيخ عبد الرحمان الثعالبي، والذي لم يُثبت أنه شاعر، بل صاحب البيتين هو شاعر الجزائر، سيدي أحمد بن عبد الله الجزائر، والذي يرجع له الفضل" في سنّ طريقة الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف بالجزائر، واقتدى بها من جاء بعده" . ومن بين الأسماء الشعرية الكبيرة، التي عاصرت ابن عمّار مفتي المالكية بالجزائر؛ هذا المنصب ، كما يقول الأستاذ أحمد الأكحل:" وهناك شيء آخر أدلّ على هذا، وهو إحرازه على منصب الإفتاء المالكي الأعظم، الذي هو عنوان واضح، من عناوين العلم والمعرفة، سيما في ذلك العصر الغاص بالعلماء والأدباء والشعراء." ومن الأسماء اللاّمعة في ذلك العصر، الشاعر الأديب، والعالم الجليل، الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمّد الشهير بابن علي، والذي كان بدوره مفتي السادة الحنفية بالجزائر في حدود عام 1150 هجرية، وكذلك الأستاذ محمّد بن الشاهد الذي عاش في عصر أستاذه سيدي محمد بن علي، وتوفي عام 1192 هجرية، كلّ هذه الأسماء الكبيرة في عالم المعرفة والأدب، كانت لا تتخلف عن موعد الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، ولكل واحد من الأسماء المذكورة دواوين تضمنت موشحات وقصائد، كانت تُتلى كما يقول الأستاذ أحمد الأكحل:" أنّه إذا دخل شهر ربيع الأوّل، انبرى من أدبائها وشعرائها، من إليه الإشارة، وعليه المُعوّل، إلى نظم القصائد المدحيات، والموشحات النبويات، ويُلحّنونها على طريق الموسيقى بالألحان المُعجبة، ويقرؤونها بالأصوات المُطربة، ويصدعون بها في المحافل العظيمة، والمجامع المحفوفة بالفُضلاء والرؤساء النظيمة، من المساجد والمكاتب والمزارات، وهم في أكمل زينة، وأجمل زيٍّ، وأحسن شارات، تعظيما لهذا الموسم، الذي شرف به الإسلام، واحتفالا بمولده، عليه الصلاة والسلام." ثمّ يوضح لنا الأستاذ الأكحل، الكيفية التي تُقام فيها هذه الاحتفالات، بمولده الشريف في الجزائر العثمانية آنذاك، ويقدّم لنا صورة حيّة عمّن يحقّ له الظهور والتميّز في تلك المناسبة العالية المقام قائلا:" وممّا زاد تلك الموشحات والقصائد رونقا، أنّ أولئك الشعراء رحمهم الله، كانت لهم براعة شعرية، وبراعة موسيقية، ويكفي للتدليل عليها أنّهم كانوا، ينظمون قصائدهم وموشحاتهم، فيتبعونها بما يُناسبها من ضوابط التّلحين، حسبما يقتضيه التوقيع الموسيقي" . هكذا نجد كيف تجتمع الموسيقة والموشحات، لأنّ نشأة الممشحات في أصلها جاءت كاستجابة لمتطلبات التلاحين الموسيقية، لذا ارتبطت الموسيقى الأندلسية ارتباطا عضويا بظهور الموشحات وما تلاها من أزجال، ومن هنا نجد الأستاذ الأكحل يوضح لنا كيف كانت تتمّ هذه المقامات الرّوحية، ومن يتولّى الاضطلاع بها في كلّ هذا الموسم النبوي الشريف فيقول:" والقائمون بإنشادها وتلحينها، هم نُخبة من الأدباء المتفنّنين،، وأغلبهم من رجال الديانة، سَدَنة بيوت الله، يُسمّون بالقصّادين، تحت إشراف " باش قصّاد" ؛ أمّا الأجواء الرّوحانية في كذا مناسبة، فتكون محفوفة" ببخورات العنبر، والعود والند، ويصبّون على الحاضرين بالمرشّات مياه الزّهر، والياسمين والورد، ويطعمون الطعام، أو يسقون فيها الحاضرين، بالمياه المُسكرة المُعنْبرة، المعروفة "بالشاربات"، تعظيما لمقام الرسول عليه الصلاة والسلام". ويضيف الرحّلة ابن عمّار، متحدّثا عن رفيق دربه الشاعر الشهير باسم ابن علي قائلا:" هذا الإمام كان خاتمة الشعراء العظام، بهذا الصّقع، ليس لغليل الأدب بعده نقع، وكثيرا ما كنت أرتاح إليه، رحمه الله تعالى، كما يرتاح إليّ، ويا طال ما كان يُفْرِغ من سِجال آدابه عليّ، ومضت لي معه مجالس كقِطَعِ الرّياض، تُكسي النّفس والطّبع منها مطارف ارتياح وارتياض، وشعره كثير، وهو على كثرته يفوق الدرّ والزّهر النّثبر، ونثره على جودته قليل، وسيفه فيه غير كليل، وله ديوان أشعار، تغلو في عُكاظ الأدب، إذا رخُصت الأسعار، وكان رحمه الله تعالى، في نظمه متين الجدّ، لطيف الهَزل، مُحكم النّسج، رقيق الغزل، وقد ترجمته في تأليفي لِواء النّصر في فُضلاء العصر ، وباسمه صدّرت في الكتاب وافتتحت، وبطلّ أدبه رقرقت زهره وفتحتُ" . لقد كان للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في مدينة الجزائر، أيام الأديب الرحّالة ابن عمّار وجيله، من الأدباء والعلماء، طقوسا خاصة، تذكّر بالزمن الأندلسي البهيج، وبالزمن الزيّاني الفائق التعبير، عن مثل هذا الاحتفاء النبوي المتميّز؛ والذي كانت تجتمع فيه العامة والخاصة كما يقول مؤرخ الدولة الزيّانية يحيى بن خلدون في كتابه بُغية الرُوّاد. كما لاحظنا كيف اجتمعت الموشحات والمولديات، والموسيقى، لتعبّر عن هذا الاحتفاء، كما تبيّن أنّ المهمّة كانت منوطة برجال الدّين، من مشايخ وعلماء وشعراء؛ ويزيدنا وضوحا في هذا المجال، ما ورد في مقال قيّم من إبداع الفنّان الجزائري السامق الذكر عمر راسم، حين تحدّث بإسهاب عن الموسيقى الأندلسية، وولوجها إلى الجزائر قائلا:" ولمّا قضت الأقدار، وتشتّتت الأمّة الأندلسية، في بلدان شمال إفريقيا، نُشرت تعاليمها الفنيّة بها، لِما وجدت فيها من الأوساط المُتهيّئة بالطّبع، لقبول تمدُّن الأندلس الزّاهر، فنال كلّ من المغرب الأقصى، والجزائروتونس، أوفر حظ من ذلك، وانتشرت الموسيقى الأندلسية فيها جميعا" . ثمّ يوضّح لنا عمر راسم، ما طرأ من تجديد طبيعي، على هذه الموسيقى الوافدة على أقطار المغرب العربي، حيث يقول:" وقد حدث لهذه الموسيقى في وطنها الجديد، ما لم يكن منه بدٌّ، فوقع من طول المدّة والممارسة، تحريف في نغماتها، وتغيير في تراتيبها، وأنظمتها المُحكمة"؛ وهذا من الأمور الطبيعية، بل من الفطرة والسليقة، حيث يكون مثل هذا الانتقال من برٍّ إلى برٍّ، لديه القابلية للتكيّف مع الأذواق الجديدة، والبيئة الطارئة عليه، لذا يقول عمر راسم:" لقد تغلّب على هذه الموسيقى الأندلسية، الدّخيل البلدي، فامتزجت بطبيعة الحال، بما غيّر طُرقها الفنيّة، ولا سيما في المغرب وتونس؛ إذ تطورت في هاتين البلادين، طِبق طباع أهلها" ، لكنّ الجزائر كما يؤكد عمر راسم، سجّلت الاستثناء، قائلا:" أمّا بلاد الجزائر، وخاصّة عاصمتها، فإنّها بطبيعة حالها، وتقاليد أهلها للفنّ،تقليدا دينيّا، لم تُحرّف، ولم تُغيّر حرفا، ولا صوتا، ممّا ورثته من المهاجرين الأندلسيين، بل نقلت عنهم ألحانهم، ونغماتهم وأناشيدهم، نقلا أمينا، كما نقلت أسانيد الحديث الشريف. وقد كانت الجزائر أيّام سطوتها، ورفاهيتها غرناطة إفريقيا الشمالية. وليس من المبالغة أن نقول: ما بقي إلى الآن بها من آثار تلك الألحان، والموشحات والغناء، هو – على قلّته – صورة صادقة، بدون شكّ، ممّا كانت تتغنّى به غرناطة وإشبيلية، ومالقة وطُليطلة وغيرها." فهذه الشهادة الفريدة من نوعها، وبقلم فنّان عايش الأوساط الفنيّة في الجزائر، لمدّة نصف قرن، تضع أمامنا حقائق تجعلنا نُعاين الفوارق الملحوظة، بين تلك الأنغام الأندلسية المتباينة، في المغرب العربي، وهو تنوع وثراء، كما هو محافظة واستمرارية، على طريقة الأصول المتوارثة، عبر الأجيال، ثمّ يؤكد عمر راسم على سمة المُحافظة في الجزائر على الإرث الموسيقي الأندلسي ليقول:" وشاهدٌ على ذلك أنّي سمعت في غضون ما يزيد على خمسين سنة، ومن أجيال متتابعة، عدّة " أشغال " أندلسية، لم أقف فيما سمعت منها، على فرق واحد، ولو في مدٍّ أو قصرٍ، بين من عرفت من معلّمٍ ومتعلّمٍ، ومن خطإ في نداء، أو زاد في نقطة، في غير محلّها، عُدَّ تلك عليه نقصًا يُسفَّهُ به عند أهل الفنّ" . ثمّ يؤكد عمر راسم، مرّة أخرى، أنّ من يضطلع بهذه المهمّة الفنيّة، هم شيوخ المساجد أو رجال الدّين، حيث يقول:" فإنّي رأيت بعينيّ ديوانا بخطّ العالم الجليل إمام الجامع الكبير، الشيخ عبد الرّحمان الأمين، جدّ شيخنا قدّور الأمين، إمام مسجد سيدي عبد الرّحمان الثعالبي، رحمهم الله جميعا، فإذا فيه 24 صناعة أو لحنا، ولكلّ صناعة نوبات كثيرة منها: ما يزيد " مُصدّراتها" على العشرين؛ وقد كان الشيخ عبد الرّحمان، طيّب الله ثراه، يتقن الفنّ، ويُحسن تلك النوبات كلّها، وبذلك كان عصره رئيس " القصّادين " – باش قصّاد – وهي وظيفة تشريفية، كان يتقلّدها من يتقن الفنّ ويُحسن تأدية تلك النّوبات، ويتولّى بها إدارة جماعة من " القصّادين " الذين يتغنّون بالأناشيد، في مدح خير البريّة، أيام المولد النبوي الشريف، سواء في المساجد أو الأضرحة والزوايا.، لكن أهم من كلّ ذلك، فالأستاذ عمر راسم يؤكد لنا هذه المعلومة التّاريخية الهامة، التي تتعلّق بمفتي المالكية ابن عمّار الجزائري صاحب الرحلة، حيث يقول:" إنّ الذي أدخل الألحان الموسيقية، ثقيلها وخفيفها، حسب القواعد العلمية، في الأناشيد والموشّحات الجديدة، التي تُنشد في الزوايا والأضرحة الجزائرية هو الشاعر ابن عمّار مفتي السادة المالكية، في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي " . إنّ الرحالة الجزائري، ابن عمّار، كونه أديبا وشاعرا، فهو من أئمة الغناء والتلاحين الموسيقية، المعروفة بالأندلسية، والتي كما سبق وأن ذكرنا توارثتها أجيال الجزائر منذ عصور غرناطة، وتلمسان، وخاصة أنّ الكثير ممن تعرّضوا بالترجمة لابن عمّار، يُرجعون أصوله إلى الجاليات الأندلسية، التي تدفقت على الجزائر، منذ سقوط غرناطة، وما قبلها، وقد أوضحت في كتابي الأخير" الشاعر المعتمد بن عبّاد ملك إشبيلية " أنّ الهجرة الأندلسية، إلى بلاد الجزائر، بدأت مع دخول المرابطين إلى الأندلس، وخاصة تلك الطبقات الميسورة، في المجتمع الأندلسي، والتي يأتي في مقدمتها بعض أمراء الطوائف، في المناطق الشرقية من الأندلس مثل دانية التي كان يحكمها علي بن مجاهد العامري الذي فرّ بعائلته وأعوانه وممتلكاته بحرا إلى إمارة الحمّاديين ببجاية فنزلوا في ضيافة المنصور بن النّاصر بن علنّاس ؛ كما تذكر المصادر نزول السلطان الغرناطي عبد الله الزّغل، وحاشيته في إمارة بني زيّان، فرارا من الصراع الأُسري المحتدم آنذاك بين أمراء غرناطة على السلطة، وقضى نحبه بتلمسان، كما لا يخفى، وجود الشاعر الأندلسي الكبير يوسف الثغري بإمارة الزيّانيين، أيام أبي حمّو موسى الزيّاني، فهو من سكّان ثغور Frontera الأندلس، والتي كثير من سكانها قد فرّوا إلى عاصمة الجزائر أيام الحكم العثماني، وصار لهم حيٌّ بأعالي العاصمة، يُعرف باسم Tagara والتي تعني الثغريين، وهم سكان الأندلس الذين نزحوا من مناطقهم المُتاخمة لأراضي قشتالة بإسبانية؛ لذا أرجع بعض الباحثين أصل الرحّالة ابن عمّار إلى أصول أندلسية"، وهو من أسرة عريقة في الجزائر أندلسية الأصل، ارتبط رجالها بالوظائف الدّينية، وبرز منهم علماء مثل أحمد رزوق بن عمّار الذي تولّى الإفتاء سنة 1028 ه، وأحمد بن سيدي عمّار بن داود، الذي كان خطيبا بالجامع الأعظم، بمدينة الجزائر. وكان خاله محمد بن سيدي الهادي، من مشاهير العلماء بالجزائر، في القرن الثاني عشر الهجري." ؛ تُجمع كلّ المصادر التّاريخية أنّ المُهَجَّرين الأندلسيين إلى المغرب الأوسط، نالوا حُظوة عالية المقام، واستبدّوا بكلّ الوظائف، سواء كانت رسمية لدى الحكام، أو كانت حرفية لدى التجّار، فمهارتهم مكنتهم، من احتلال المواقع الأمامية، في سلك الدولة، وخاصة بالجزائر" التي كانت منذ حلول الأتراك بها، لا زال شأنها يعظم، وصيتها يزيد، فصارت حينذاك، أكبر مرسى في السواحل الإفريقية، وذلك بتجارتها، وصنائع سكّانها ومهارتهم، وبسبب قراصنتها الذين كانوا يقطعون البحر، على سفائن الإفرنج؛ فكانت القرصنة، تجارة رابحة، بما يكتسبه القُرصان، من متاع ومُسافرين، يصيرون أسارى، يُباعون، ليُستخدموا في حاضرة الجزائر، أو في البساتين والحقول، في خارج المدينة...فكانت الجزائر في العصر التركي على شكل مثلث، تظهر من بعيد في البحر، كأنّها ثوب أبيضٌ، منشورٌ على سفح جبل، ولهذا يسميها الشاعر ابن مسايب التلمساني، في إحدى قصائده: ببلد الجير ؛ أي لشدّة بياضها. وقد اهتمت الجزائر أيّام مفتي المالكية، الشيخ ابن عمّار، بالمحافظة على " الموسيقى الأندلسية، كما يهتمّ أهل الحديث بصحّة الرواية، فكان ثقات الأمّة، وأتقياؤها وأعيانها وأدباؤها، يتنافسون في حفظها في الصدور وإتقانها. وأشدّهم اهتماما بها: العلماء والشعراء، الذين كثيرا ما تنافسوا في إنشاء " المولديات " وقيسها على نظام الأنغام الأندلسية، ويكفينا دليلا على ذلك، أنّ الذي أدخل الألحان...هو الشاعر والعالم الكبير، سيدي أحمد بن عمّار، مفتي المالكية في أوائل القرن الماضي" . ثمّ يقدّم لنا الفنّان الكبير الشيخ عمر راسم معلومات قيّمة، عن تفشي الغناء الأندلسي، والأناشيد الدّينة، المتوارث من الزّمن الأندلسي الجميل، والمُحافظ عليها بأمانة العلماء، في الجزائر العثمانية، حيث" كان يشارك الأئمّة والفقهاء، وقد سار الكثير منهم على منواله مثل: السيّد أحمد بن قبطان إمام الجامع الجديد، وأستاذ الشيخ محمّد أبي قندورة، مفتي السادة الحنفية سابقا. وآخر فنّان من بقايا السلف ، العالمين بقواعد الفنّ، هو الشّيخ محمّد سفينجة، المتوفي سنة 1909 م، وهو تلميذ الشّيخ محمد المنمش." هؤلاء الأعلام المشاهير، هم من حافظوا على ميراث مدرسة الشيخ الأعظم أحمد بن عمّار، مفتي السادة المالكية، والباعث للتُّراث الفنّي الموسيقي الأندلسي بمدينة الجزائر. فهذا الماضي الزّاهر، الذي عرفته مدينة الجزائر، كان يضاهي في أبّهته وحُسنه الفنيّ، عهد إسحاق النّديم، وإبراهيم بن المهدي والموصلي، كما يقول عمر راسم. ولمّا زار الشيخ محمد عبدو الجزائر" أقام له أحد أعيان العاصمة دعوة، حضرها فنّان ذلك العهد، الشيخ سفينجة، فأراد أحد الحاضرين – الشيخ محمد الكمال بن الخوجة – أن يعتذر للإمام عن لحن المُغنّي، وتحريفه للعربية، فأجاب الأستاذ، بأنّ جميع المغنّين يلحنون، وزاد أنّه يستحسن، نظام موسيقى الجزائر، وأثنى على الشيخ سفينجة، وقال: إنّ غناء الجزائر يشابه غناء الأتراك، وإنّهما عنده أحسن بكثير من الغناء المصري" . هكذا كانت الجزائر في عهد الشاعر الرحّالة ابن عمّار، والجيل الذي تلاه، تحتفي بالموسيقى الأندلسية، وسخرت طبوعها في مناسبات دينية، عزيزة على الشعب الجزائري، مثل مناسبة المولد النبوي الشريف، الذي توارثت الأجيال طقوس الاحتفاء به، منذ ظهوره في الأندلس، بعد نشر الشيخ الإمام العزفي ، لكتابه الشهير، " الدرّ المنظم في مولد النبي المعظم " ؛ وتوفي الإمام العزفي عام 1236 ميلادية. وكتاب العزفي هذا هو الذي أحدث ثورة إصلاحية في الغرب الإسلامي، انتهت بسنّ ظاهرة الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، وعرفت انتشارا في كلّ إمارات المغرب الإسلامي آنذاك ابتداء من إمارة غرناطة بالأندلس، وإمارة بني مرين بالمغرب الأقصى، وكذلك إمارة الزيّانيين بتلمسان؛ ولعلّ للإرث الزيّاني الذي عرف بتميّز احتفالاته بهذه المناسبة، هو الذي رشح منه الكثير إلى الجزائر، في العهد العثماني بواسطة الشاعر ابن عمّار وأمثاله. لكن ابن عمّار، الذي ترجم لعلماء عصره، في كتابه المفقود " لواء النّصر في فُضلاء العصر"؛ نجده لم يعرّج ، ولو بالتلميح، لذكر ترجمة لحياته، لذا تضاربت الأقوال من حول حياته ومساره العلمي، كما أنّ رحلته التي كنّا ننتظر أن نجد فيها حديثا عن مساره، وهو يقصد بيت الله الحرام ، كما فعل زميله الرحالة الورثيلاني، إذا برحلته هي الأخرى يضيع منها الجزء الهام، ولم يبق منها سوى القليل الذي نُقْدم على نشره اليوم، بعد عناء البحث عن الرحلة كاملة؛ ولا نعثر من معلومات سوى عن تكهنات تُخبر أنّها ربّما توجد الرحلة كاملة في أرض الحجاز التي كان موجودا بها في حدود 1172 هجرية، أو ربّما إلى آخر أيّامه، أو بمصر ، أو بتونس التي هاجر إليها قصد الاستيطان بها، لكن إلى يومنا تبقى النسخة الكاملة من رحلة ابن عمّار قيد المفقود، كما تبقى الكثير من مؤلفاته مفقودة، والتي ربّما أهمّها بالنسبة إلينا كتاب " لواء النّصر في فُضلاء العصر" الذي ربّما توجد فيه ترجمة وافية، عن حياته وأعماله الفكرية والأدبية . لقد ذكر بعض الباحثين، وفي مقدّمتهم المرحوم الدكتور أبو القاسم سعد الله الكثير من عناوين مؤلفات ابن عمّار مثل: لواء النصر في فضلاء العصر، وتاريخ باي تونس علي باشا بن حسن، وديوان شعر في المدائح النبوية الذي ذكره في رحلته . أمّا ما تبقى من رحلة ابن عمّار، والتي نُقدم على نشرها اليوم، حتّى لا تبقى قيد الانتظار والنسيان، فهي جزء مهمٌّ من الميراث الثقافي الجزائري في القرن الثامن عشر الميلادي، والذي بشهادة ابن عمّار، أنّه عرف العديد من أعلام الجزائر، الذين تصدروا المشهد الثقافي وعاصروه، وكانت لهم إسهامات إبداعية تمثلت في رصيد هائل من الموشحات والأزجال والقصائد المولدية، كما عكست الرحلة، ثقافة ابن عمّار الأدبية، التي جمعت بين ثقافة المشرق والمغرب والأندلس، وعكست كذلك أسلوبه الذي لم يتخلّص من آثار أساليب السجع والبديع، التي اشتهر بها الأديب الأندلسي الكبير الفتح بن خاقان، وكذلك لسان الدّين بن الخطيب، الذي لا يخفي ابن عمّار إعجابه به، وبالميراث الفنّي الأندلسي بطبوعه، ونوباته، وموشحاته الخالدة، لذا اعتبر هذا الأديب هو الينبوع الثرّ الذي انهمرت منه على الجزائر، تلك النفحات الأندلسية، فانعكست في موروثها الفنّي الذي حافظت عليه، ونقلته إلى الأجيال المتعاقبة بكلّ أمانة وصدق. رحم الله الشيخ الرحالة أحمد بن عمّار الجزائري، وطيّب ثراه، وألحقه بالصّالحين. قسنطينة شهر فبراير 2022