* الوضع المعقّد الذي يعرفه العالم يقتضي تعزيز أمننا القومي رئيس الجمهورية يشدد على المعالجةِ المسؤولةِ المُنصفةِ لملفات الذاكرة جرائمُ الاستعمارِ لن يطالَها النسيان ولن تسقطَ بالتقادم أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أن جرائمِ الاستعمارِ البشعةِ، لن يطالَها النسيان، ولن تَسقطَ بالتقادم، وشدّد على ضرورة « المعالجةِ المسؤولةِ المُنصفةِ والنزيهة، لملف الذاكرة والتاريخ في أَجْواءِ المصارحةِ والثِّقةِ»، مجددا التأكيد على أن هذه المَسألةٌ ستظلُّ في صُلب اهتمامات الدولة، داعيا إلى استكمال المساعي لاسترجاعِ الأرشيف، واستجلاءِ مصير المفقودين أثناء حرب التحرير المجيدة، وتعويضِ ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف . جدد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تمسكه بمعالجة الذاكرة الوطنية، وعدم التفريط في أي من الملفات المطروحة للنقاش مع الجانب الفرنسي، وذلك في رسالة بعث بها، أمس، بمناسبة إحياء الذكرى ال 60 لعيد النصر المصادف ليوم 19 مارس من كل سنة، والذي أكد أن الشعب الجزائري يستمد منه القوة َ والعزيمةَ، لمجابهةِ آثارِ دَمارٍ وَاسِعٍ مَهُول وخَرابٍ شَامِلٍ فَظِيعْ. وأكد الرئيس تبون في رسالته، أن جرائمِ الاستعمارِ البشعةِ، لن يَطالَها النسيانُ، ولن تَسقُطَ بالتقادم، مشددا على انه لا مناص من المعالجةِ المسؤولةِ المُنصفةِ والنزيهة، لملف الذاكرة والتاريخ في أَجْواء المصارحةِ والثِّقةِ، وفي هذا المنحى، جدد رئيس الجمهورية التأكيد أن هذه المَسألةٌ ستظلُّ في صُلب اهتماماتِه وسيواصل «بدون هوادة وبِلا تفريطٍ»، استكمالَ المساعي بالإصرار على حقِّ الجزائر في استرجاعِ الأرشيف، واستجلاءِ مصير المفقودين أثناء حرب التحرير المجيدة، وتعويضِ ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف، واعتبر الرئيس تبون، بان هذا الالتزام هو صَوْن للأمانة، وحِفْظ لوديعةِ الشهداء الأبرار. كما عرج رئيس الجمهورية، على الظُّروف الخاصة المعقَّدة التي يشهدها العالم، والمُتغيِّراتٍ الإقليميةٍ والدولية التي وصف بأنها «حاسمة»، مؤكدا تطلعه إلى بناءِ جزائرَ صاعدةٍ، وهو ما يَسْتوجِبُ إعادةَ الاعتبارِ لقيمة الجهد والعمل، والحرصَ على تعزيز أمنِنا القومي بتَعَدُّدِ جوانبه وفي كُلَ أبعاده، من العوارضِ والطوارئ المحتمَلَة، والسَّهرَ على وحدة الصَفِّ، وتكاتُفِ جُهودنا، وتعميق الشُّعُور بالواجِبِ الوطني، والاضطلاع بالمسؤوليات على أتمِّ وجه، في مختلف القطاعات، وفي كُل المواقع تجاه الأمة والوطن. وقال الرئيس تبون، إن الاحتفاءَ بهذه المناسبةِ التاريخيةِ المُتجدِّدة وغيرها من أعيادنا الوطنية، يُعيد إلى أَذْهانِنا» تضحيات الشجعان الأبطال الذين تَدَافَعُوا إلى جَبَهاتِ القتال، في الجبال والأحراش والأودية.. فَعَانَوْا وتحمَّلوا - بِعزَّةٍ ومَجْدٍ - مَشاقَّ طريقِ الحُرِّيةِ والكرامة»، مشيرا إلى ارتباط صلةَ الأبناءِ والأحفاد بأولئك الأمجاد الأفذاذ، وبالإرثَ التاريخيّ العظيم للجزائر. وشدد بهذا الخصوص، على أن تلك الروابط القوية بين الجزائريين وتاريخهم الوطني الخالد، يعد الأساس الصلب الذي تقوم تَقُومُ عليه اليوم الدَّولةُ الوطنيةُ المستقلة، التي صَمَدَتْ وانْتَصرتْ بمرجعيةِ نوفمبر، أمام الهزَّاتِ والمِحَنِ، وهي اليومَ –كما أضاف الرئيس- «مُدْرِكةٌ للتحوُّلاتِ العميقةِ على الصَّعيدِ الإقليمي والدولي، وتَتَّجِهُ في كَنَفِ الأمنِ للعمل عَلَى تَهْيِئَةِ الأسبابِ الْتِي تَحْفظُ للجزائرِ مكانتَها وموقعها في سياقٍ عالميٍّ، تَطبعُه التقلُّبات والاضطرابات، وفي عالمٍ لَنْ يَكونَ في المستقبل، بِنَفْسِ التأثيرات التي تَحكَّمَتْ منذ عُقُودٍ في العلاقاتِ الدولية، ولا بِنَفْسِ مُرتكزات التوازناتِ السِّياسية والاقتصادية العالمية». وأشار الرئيس، إلى أن الجزائر تحتفل بمرور ستين سنة على يوم وطنيٍّ تاريخيٍّ، خَلّدتْه تضحياتُ الشعب الجزائري وقوافل الشهداء الأبرار رمزًا للنَّصرِ، وللخَلاصِ مِن هيمنةِ الاستعمارِ البغيض، حيث كان إعلانُ وقفِ إطلاقِ النار، بعد مفاوضاتِ إيفيان، نَصْرًا وإيذانًا بدَحْر ظُلْمِ وظَلاَمِ المُعتدين على أَرْضِنا الطاهرة، الذين رَاوَدَهم وَهْمُ مَسْخِ هُويتِنا، وطَمْسِ حضارتِنا وثقافتِنا وتُراثِنا، فَخَابُوا أمامَ إرادةِ شعبٍ حُرٍّ ومُصمِّمٍ على البقاء حرًا أصيلا. وقال رئيس الجمهورية، إن هذه اللحظةَ التاريخيةَ في مسيرةِ الأُمَّةِ المُظفَّرة، ما كانتْ لتكون بذلك الصدى المُدَوِّي العظيم الممتدِّ إلى أصقاع الدنيا، لَوْ لم تَكُن تَتْوِيجًا سَاطعًا، لثورةٍ ملحميةٍ مجيدة، ومُحصِّلةً حتميةً، لِتَضحياتٍ سَخيَّةٍ مريرةٍ، تَوالتْ مُنذ أنْ وطأَتْ أقدامُ المستعمر أَدِيمَ وطننا المفدى، عَبْر مقاوماتٍ شعبيةٍ بطولية، ترسَّختْ في سِجِّلاتِ الذَّاكِرة والتاريخ، لتَسْتلهِمَ منها الأجيالُ - اليومَ وغدًا - الوفاءَ للشهداء، وتَبْعثَ في نُفُوسِ شَبَابِنا الهِمَّةَ والنَّخْوةَ، وإرادةَ البِنَاءِ والنماء. ع سمير الباحث في التاريخ الدكتور جمال يحياوي لا وجود لبنود سرّية في اتفاقيات إيفيان * الصحفي السويسري هنري فافرو سهّل فقط الاتصالات * محاضر جلسات التفاوض متاحة أمام الباحثين في كتب و وثائق صحفية فنّد الأكاديمي والباحث في التاريخ الدكتور جمال يحياوي، وجود أي بنود سرّية لاتفاقيات إيفيان، مؤكدا بأن عبقرية المفاوض الجزائري وحنكته جعلته يتخلى عن عروض الوساطة خلال مختلف مراحل المفاوضات مع إدارة الاحتلال الفرنسي، مبرزا بأن الطرف الجزائري تمكن من إحباط كل محاولات الوفد الفرنسي الرامية لفرض منطقه. حاوره عبد الحكيم أسابع وأكد الدكتور يحياوي في حديث خص به النصر، أن النص الوحيد لاتفاقيات إيفيان الموقع من طرف رئيس الوفد الجزائري المفاوض، كريم بلقاسم، و التي استجابت لكل الشروط بحق تقرير مصير الشعب الجزائري، قد تم نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية. النصر: كما هو معروف فقد توّجت مفاوضات إيفيان بين الجزائروفرنسا، بالاتفاق على تنظيم استفتاء لتقرير المصير صوّت فيه الجزائريون لصالح الاستقلال عن فرنسا، ما مدى صحة ما تردد عن " لعب الوسيط السويسري " دور، في تقريب وجهات النظر بين الطرفين؟ د. ج. يحياوي: اتفاقيات إيفيان، جاءت تتويجا لمسار نضالي وسياسي ودبلوماسي، خاضته أبرز الوجوه القيادية لثورة التحرير، والمفاوضات التي توجت بتوقيع اتفاق إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في ال 19 مارس 1962، لم تبدأ في إيفيان، فالاتصالات واللقاءات المختلفة بدأت في تونس مع أحد مفجري ثورة التحرير وهو مصطفى بن بوالعيد، بعد إلقاء القبض عليه، ثم انتهت مع آخر مفجري الثورة وهو القائد البطل كريم بلقاسم، والهدف الرئيسي من هذه المفاوضات يرمي إلى الاستجابة لما جاء في بيان أول نوفمبر الذي أكد على المفاوضات، و بشروط مسبقة اشترطتها قيادة الثورة، التي شددت على ضرورة مراعاة الوحدة الترابية للجزائر وعدم التنازل على شبر واحد منها، وأن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري هو جبهة التحرير الوطني، ممثلة فيما بعد في الحكومة المؤقتة، وعليه فإن فكرة الوسيط لم تكن مطروحة على الإطلاق. صحيح لقد كانت ثمة عروض وساطات من طرف دول الجوار غير أن الطرف الجزائري صمم أن يكون هو المفاوض، واستطاع بعد سنوات أن يفرض هذا الشرط، وجاء اختيار سويسرا، لإقامة الوفد الجزائري المفاوض، لكون هذا البلد حياديا، لذلك وجب التأكيد بأن المساعدات التي قدمتها سويسرا للوفد الجزائري المفاوض، لم ترق إلى وساطة ولم تتعد مجرد ربط اتصالات، وهي الاتصالات التي جاءت بعد محادثات سابقة، في بلغراد وفي روما وفي القاهرة وفي تونس وفي فرنسا وفي سويسرا، أين لا يمكن أن نقلل من الدور السويسري في ربط اتصالات غير رسمية بين القادة الجزائريين و المسؤولين الفرنسيين في جنيف من خلال الصحفي السويسري هنري فافرو ( توفي في 15 جانفي 2017)، ولم يكن دور هذا الصحفي وسيطا أو مفوضا كما نعرفه الآن في النزاعات بين الدول. فعبقرية المفاوض الجزائري كانت تنطلق من أنه هو الذي يقود المفاوضات دون وساطة بدليل أن رئيس الوفد الجزائري المفاوض هو عقيد عسكري من مفجري الثورة من الميدان، وهذه هي العبقرية التي لا نجدها عند الحركات التحررية الأخرى، إذ لأول مرة نجد حركة تحررية تقدم من حمل السلاح للتفاوض مع إدارة الاحتلال وتجعله هو من يقرر شروط المفاوضات، ومكان المفاوضات، ولم تتم الاستعانة ببعض أصدقاء الجزائر والمتعاطفين مع ثورتها سوى لربط الاتصال. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأشقاء العرب قد قدموا دعما لوجستيا كبيرا للثورة الجزائرية، على غرار أمير قطر أحمد بن علي الذي قدم قصره في سويسرا للوفد الجزائري المفاوض حتى يجري مفاوضاته انطلاقا من التراب السويسري في أريحية تامة، وكل هذه الأعمال نحترمها ونجل قيمتها لكن بالنسبة لنا لا ترقى إلى مستوى الوساطة لأن الوساطة الحقيقية مثل ما نراه اليوم في القضايا الدولية حيث أن الوسيط هو الذي يتكفل بإدارة الملفات و يوصل الاقتراحات من طرف إلى طرف ثان ويشرف في النهاية على توقيع الاتفاق لكن هذا لم يحدث بالنسبة لمفاوضات إيفيان أو المفاوضات التي سبقتها، فالمفاوض جزائري والشروط جزائرية والأرض محايدة وهي سويسرا. النصر: ألم تساهم أعمال الكواليس المسهلة للتواصل، التي قامت بها أطراف عربية في دفع المفاوضات التي جرت على مراحل، لتتوّج في المرحلة الأخيرة بالتوقيع على اتفاقيات إيفيان يوم 18 مارس 1962؟ د. ج. يحياوي: كل ما وقع أن كل الدول العربية وقفت مع القضية الجزائرية وقدمت لها كما أسلفت دعما لوجيستيكيا ، ماديا فقط وهو دعم لا يستهان به كالدعم الذي قدمته دولة الكويت ومصر والعراق والمملكة العربية السعودية وتونس التي تكفلت باستقبال الوفود وتوفير وسائل التنقل والسفر1955 مع مصطفى بن بولعيد لما ألقي القبض عليه والاتصالات مع عبان رمضان ويوسف بن خدة في الجزائر العاصمة ثم مع خيضر في القاهرة وفي بلغراد ثم مع بولحروف في روما ثم أحمد فرنسيس في روما وفي بلغراد وفي مختلف المدن، جرت دائما دون وسيط، وقد قامت بها شخصيات جزائرية إما سياسية أو عسكرية كالوزراء في الحكومة المؤقتة المكلفون بمهمة، إلى غاية مفاوضات إيفيان الأخيرة، ولم نشهد وجود وسيط من أي دولة كانت رغم المساعدات التي قدمتها هذه الدول لأن القرار السيد بالنسبة للجزائريين كان هو المطلب الرئيسي للمفاوضات. النصر: من أين اكتسب هؤلاء الشباب الذين قادوا المفاوضات وكانت تتراوح أعمارهم بين 30 و 40 سنة، كل تلك الحنكة السياسية في التفاوض؟ د. ج. يحياوي: أبانت مختلف مراحل المفاوضات التي أجراها المفاوض الجزائري عن تميزه بحنكة و عبقرية مشهود لها في التصدي لمحاولات فرنسا فرض منطقها في هذه المفاوضات، لا سيما في قضايا هامة ذات العلاقة بالسيادة والوحدة الترابية للبلاد التي رفضوا تقديم أي تنازل بشأنها، وقد كان من بين أعضاء الوفد الجزائري الذي ترأسه كريم بلقاسم، وزراء في الحكومة المؤقتة وخبراء وتقنيون، وعلى سبيل الذكر فإن الصغير مصطفاي الذي لا يعرفه أغلب الجزائريين، كان من أعضاء الوفد وهو خبير في المالية، وقد لعب دورا كبيرا في هذه المفاوضات شأنه شأن علي منجلي وقايد أحمد ورضا مالك والطيب بولحروف وغيرهم ... وكل هذه الشخصيات ساهمت في هذه المفاوضات بكل حنكة، رغم أنهم لم يتخرجوا من كليات للعلوم السياسية ولا من معاهد الدبلوماسية ولكن استطاعوا الوقوف في وجه وفد الفرنسي، وتصدوا لكل مناورات لويس جوكس الذي ترأس الوفد و تريكو، وهو مستشار ديغول وهو معروف بصفته كمنظر سياسي ولديه كتاب "دروب السياسة والسلم". وعبقرية أعضاء الوفد الجزائري تتمكن في تمسكهم بالشروط التي وضعها النوفمبريون من الأوائل الذين فجروا الثورة، الذين كانوا قد حددوا معالم هذا التفاوض وشروطه من أول يوم قبل انطلاق الرصاصة ، كمسألة السيادة الوطنية الكاملة غير المنقوصة والوحدة الترابية للبلاد، وقضية الأقليات إلى جانب مسألة الثروات الطبيعية والحدود الثابتة وهي نفس العناصر التي مازالت تعد لحد الساعة، من القضايا الشائكة والكبرى والحروب في العالم، ، ولذلك فإن المفاوض الجزائري كان لديه هذه الأرضية وهذا الإرث التاريخي من النضال الدبلوماسي. وقد أدركت قيادة الثورة الممثلة في هذا الوفد و منذ البداية ضرورة العمل الدبلوماسي ولهذا، فإن القيادة المسؤولة الأولى التي فجرت الثورة الممثلة في مجموعة الستة في الداخل والذين انتدبوا ثلاثة أعضاء في الخارج ( ثلاثة من ستة) أي أن 50 بالمائة من قيادة الثورة كانوا خارج الوطن لإدراكهم لهذه الأعمال، وكانوا أشاروا في كل أدبيات الثورة سواء في بيان أول نوفمبر أو في قرار مؤتمر الصومام وفي اجتماعات مجلس طرابلس كانوا يتكلمون على ضرورة تجنيد الأصدقاء و خاصة العالم العربي والإسلامي، كالدول التي ذكرتها، وهي قطروالكويت والسعودية ومصر وتونس والعراق تجنيدهم من جهة، للدفاع عن عدالة القضية الجزائرية، وأيضا الضغط من خلال الهيئات العالمية والمنظمات الإنسانية في المنابر الدولية وبالتالي فتكليف هذه العناصر سمح مثلا لمناضل شاب قادم من قالمة وهو سي الطيب بولحروف بأن يقوم بأدوار كبيرة في سويسراوفرنسا وإيطاليا قد يعجز عنها الدبلوماسيون اليوم، الذين يملكون جوازات سفر دبلوماسية والسيارات والمكاتب وكل ما يتطلبه العمل الدبلوماسي ونفس الشيء قام به دبلوماسيون شباب في مواقع أخرى خلال الثورة، وقد كان الإرث التاريخي والنضال الوطني قبل 1954 وبيان أول نوفمبر هو الأساس لكل عمل دبلوماسي وثوري. النصر: تحدثت بعض الكتابات وبعض التحاليل التي تطرقت إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية عن وجود بنود سرية في اتفاقيات إيفيان، التي رسمت استقلال الجزائر. ما مصداقية هذه الطروحات؟ د. ج. يحياوي: هناك نص واحد لاتفاقيات إيفيان ولا يوجد غيره والفاعلون الذين شكلوا الوفد المفاوض عاشوا بعد الاستقلال مدد متفاوتة وتكلموا في هذا الأمر والنص تم نشره وهو موقع من طرف رئيس الوفد الجزائري المفاوض: كريم بلقاسم، و حتى الناطق الرسمي للوفد المفاوض، المرحوم رضا مالك، صرح أكثر من مرة " لا يوجد نص آخر نعرفه " ، فإذا كان الأعضاء الفاعلون يتكلمون عن نص واحد، ومن بينهم رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة، فإن كل من كتب عن اتفاقيات إيفيان أو عاش المرحلة يتكلم على نص واحد فقط. الحاصل أننا نعيش مرحلة التأويلات وهناك للأسف أشخاص يبتعدون عن تناول الوقائع التاريخية ويكتفون بالتأويل، والمؤسف أنهم يؤولون ما هو غير موجود، وبكل تأكيد ولغاية الآن لا يوجد مؤرخ واحد أو باحث في التاريخ وحتى من الفرنسيين أنفسهم بعد 60 سنة قد تكلم عن ملحق أو بنود سرية في اتفاقيات إيفيان.. وللعلم فقد تم نشر النص الوحيد المكتوب والمؤطر لاتفاقيات إيفيان في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية كما تم نشره فيما بعد في مؤلفات ومذكرات من عاشوا الحدث وبالطبع ولا أحد تكلم عما نسمع من تحليلات سياسية ظرفية. النصر: وهل توجد وثائق أو محاضر خاصة بتفاصيل مجريات المفاوضات، متاحة مثلا على مستوى الأرشيف الفرنسي أو الأرشيف السويسري ؟ د. ج. يحياوي: نعم ويوجد لدي الآن كتاب لفايس فيه جزء كبير من محاضر اتفاقيات إيفيان الأولى، يسجل فيه كل التدخلات دقيقة بدقيقة كما قام صحفيون سويسريون وحتى أوليفيي فيرون بنشر بعض الجلسات وهي ضمن مادة كتاب فايس المعنون ب " نحو السلم في الجزائر". ع.أ وزير المجاهدين العيد ربيقة يؤكد الجزائر الجديدة تخطو خطواتها لمواصلة رسالة الانتصار أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، أول أمس الخميس، أن الجزائر الجديدة تخطو اليوم خطواتها ب»سكينة وهدوء» من أجل خلق مجتمع كفيل بالاعتماد على نفسه لمواصلة رسالة الانتصار والبناء والتجديد وفاء لعهد الشهداء. وفي كلمة له خلال ندوة تاريخية إحياء للذكرى 60 لعيد النصر تحت شعار: «19 مارس 1962.. ثمرة كفاح ونتاج تضحيات»، أوضح السيد ربيقة أن الجزائر الجديدة تخطو اليوم خطواتها «بسكينة وهدوء لتحقيق الغاية المثلى للإرادة الشعبية بتجسيد المعاني السامية للديمقراطية البناءة والفاعلة في خلق مجتمع كفيل بالاعتماد على نفسه لمواصلة رسالة الانتصار والبناء والتجديد وفاء للعهد مع الوطن ولشهداء الجزائر الغالية». وقال الوزير بأن «عظمة 19 مارس 1962 متجذرة في وجدان كل جزائرية وجزائري ويبعث فيهم الشعور بالعزة والافتخار بانتصار إرادة أبناء الجزائر في معركة التحرير ثم معركة المفاوضات وسيظل يوم النصر قيمة تاريخية وإنسانية خالدة في تاريخ أمتنا»، معتبرا بأنه «جدير بنا أن نتمعن منجزات هذا اليوم بعد انقضاء 60 سنة، لنرى فضائل هذا النصر على مسيرة الجزائر المستقلة مثلما أرادها شهداء نوفمبر». وفي معرض تطرقه إلى مسار مفاوضات إيفيان، أكد بأن قرار الثورة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات في حد ذاته «كان أمرا مهما بل، مصيريا بالنسبة للجزائريين مع مستعمر لم يكن لينصاع للتفاوض لولا قوة الثورة وتمرس قادتها وتحكم جيش التحرير الوطني في ترجيح الكفة في الميدان لصالحه...». وتابع في هذا الخصوص: «وبعد عدة جولات شاقة وعسيرة أبدى المفاوض الجزائري حنكة سياسية وعبقرية دبلوماسية عالية وأكثر من ذلك إصرارا على ربح معركة المفاوضات التي توجت بوقف إطلاق النار، بعد تحقيق المكاسب التي وضعها بيان أول نوفمبر أهدافا لا حياد عنها مهما تعقدت الظروف، وتشعبت المسالك وهي الدفاع عن وحدة التراب الوطني والأمة الجزائرية والسيادة الوطنية الكاملة». وأبرز وزير المجاهدين أن المعركة السياسية «كانت حدا فاصلا بين إرادة أصحاب الحق في العيش الحر الكريم وإرادة وأد الكرامة الإنسانية واستعباد الشعوب فكانت الغلبة للحق الذي لم ولن يغيب عن هذه الأرض المجاهدة». وكانت الندوة مناسبة كرمت فيها الوزارة كلا من المجاهدين علي بوغزالة ودحو ولد قابلية ومحمد مقراني عرفانا وتقديرا لما قدموه من أجل استقلال الوطن وكرامة وعزة شعبه. وقد أبرز هؤلاء المجاهدون دور المفاوض الجزائري الذي لم يكل أو يمل في فرض شروطه على المستعمر من خلال عدم التفريط في شبر من أرض الجزائر والتمسك بالاستقلال التام غير منقوص. وأج المؤرخ الأمين بلغيث للنصر الإعلام الفرنسي لازال إلى اليوم يروّج الطرح الاستعماري * التأليف التاريخي المشترك خطر على الذاكرة ينفي الدكتور محمد الأمين بلغيث، مؤرخ و أستاذ بجامعة الجزائر 1، أن تكون اتفاقيات إيفيان قد تضمنت بنودا سرية، مؤكدا بأن فك الارتباط مع مستعمر الأمس، متوقف على مراجعة الجوانب الثقافية لهذه الصلة، خصوصا و أن الطرف الآخر، لا يزال يروج إعلاميا وحتى أكاديميا لأطروحة «حرب الجزائر، حرب أهلية»، و يحاول التشويش على مسائل الثقافة و كتابة التاريخ و الذاكرة، عبر تسريب ثقافة مناهضة لقيم الجزائريين، من خلال تقارير مؤرخي البلاط أو الاعتماد على التأليف المشترك، كما يذهب إليه المجاهد أحمد مهساس، حسبه. حاورته هدى طابي النصر: أي حقيقة تاريخية تختفي وراء ما يشاع عن البنود السرية في إعلان إيفيان، و عن حقيقة رفض قيادة الأركان له ؟ محمد الأمين بلغيث: ليس هناك ما تخفيه اتفاقيات إيفيان، فمعظم ما جاء فيها، يمكن أن نتجاوزه بعد الاستقلال، كما قال كريم بلقاسم نفسه، و أعتقد أن ضريبة الحرية كانت مرتفعة « ملايين الشهداء و آلاف الأرامل و الشهداء واليتامى و آلاف اللاجئين»، مع ذلك فإن مسؤولية عدم فك الارتباط مع المستعمر السابق، تقع على عاتق من أداروا شؤون البلاد في جميع القطاعات، وإن كان لكل مؤسسة أعذارها و لكل زمن خصوصيته، و الأمر متروك للتاريخ و لضمائر الخلق. الفرنسية غنيمة حرب مسمومة ماذا عن الشق الثقافي للاتفاقية و ما علاقته بالمعطيات الحالية ؟ الشق الثقافي متجذر، و ما زاد الطين بلة، هو عدم الاتفاق على كيفية التخلص من لغة الاستعمار التي سماها بعض مثقفينا «غنيمة حرب»، لكنها غنيمة حرب مسمومة، فالسلعة تبدأ باللغة وتنتهي عند البنك، كما كان يفكر ديغول، و نحن الآن أمام معضلة فك الارتباط مع لغة ميتة، نريد أن نتقدم بها بعيدا عن لغتنا العربية، التي وسعت كل مصطلحات الحضارة لأكثر من ألف عام. هل يستوجب فك الارتباط مع فرنسا إعادة فتح الاتفاقية و مناقشة بنودها بشكل أعمق ؟ فك الارتباط يبدأ بإعطاء اللغة العربية مكانتها في وطنها أولا، و الاقتناع و لو متأخرين، بأن الفرنسية هي الطوق الذي يربط المصالح فقط مع إدراك كره مستعمر الأمس لنا. . كيف يمكننا دفع ملف الجرائم الاستعمارية النووية في الجنوب الجزائري، و فرض الحق في التعويض؟ أعتقد أن أولى الأولويات هي تكوين ملفات و جمع شهادات دامغة عن جرائم فرنسا النووية و جرائم جيشها المهزوم، ثم بعد ذلك نتحدث بشيء ملموس لا بيد فارغة. ماذا تريد بعض التيارات في فرنسا من محاولة تقزيم حرب التحرير و تقديمها على أنها حرب أهلية، مع الإصرار على منح الأقدام السوداء أدوارا بطولية وهمية؟ كنت قبل يومين، في مداخلة عن بعد مع قناة «فرانس 24 « و كانت ملامح الضيف الثاني تبين بأنه جزائري ، مع ذلك فقد اتضح بأنه يمثل الطرح الفرنسي أو طرح ماكرون تحديدا، و في المداخلات التي جرت وجها لوجه، كان هذا الضيف يتكلم عن حروب أهلية في الجزائر، و هو بالمناسبة توصيف لأحداث لا تُذكر بهذه المصطلحات في الكتابات الفرنسية الجادة، لكن الإعلام الفرنسي مر بمجموعة من الحقب، كان فيها الحديث الغالب على ما وقع في الجزائر بين نوفمبر 1954 و جويلية 1962 ، يقدم أو يسمى بأحداث الجزائر، و كانت تطلق على المجاهدين، تسمية إرهابيين أو خارجين عن القانون. و هي نمطية لم يتخلص منها حتى كتاب و مؤرخون فرنسيون من الصنف الأول. لهذا يردد إلى غاية اليوم، أبناء الجيل الخامس من الفرنسيين و أعوانهم من الحركى، عبارة «حوادث الجزائر»، لتنتقل الأطروحة الجديدة لتناول ما يطلقون عليه الحرب الأهلية القائمة في الجزائر، و هو طرح يقدم الكولون وأصحاب الجزائر الفرنسية، على أنهم هم الجزائريون الحقيقيون ويصنف ما دونهم ك» خارجين عن القانون و فلاقة»، والأغرب من هذا، أن خصوم الدولة الوطنية ، يرددون اليوم نفس المصطلحات، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي. ماهي القراءات التي تصلح لتحليل خطاب بن يامين سطورا في وثائقي «كانت حرب الجزائر « الذي بثته القناة الفرنسية الثانية منتصف الشهر الجاري ، ناهيك عن التحامل الذي جاء في تقريره الأخير للرئيس ماكرون؟ للأمانة، في الحلقة الأولى من الوثائقي كان سطورا هادئا ومتحفظا في بعض الأحيان، لكنه كان يعلم التخبط الذي يعرفه المجتمع الفرنسي حين يتعلق الأمر بالجزائر، و لو في أبسط الوقائع، فما بالنا ونحن نتحدث عن ثورة غيرت موازين العلاقات بين ضفتي المتوسط، و أعادت الجزائر للعرب قاطبة، ريادة الفعل الثوري، لأن الثورة الجزائرية، كما قال المؤرخ سطورا نفسه، في مقال مشهور له بمجلة « لو نوفال أوبسيرفاتور»، هي ثورة كل العرب، كما حاولت السيدتان اللتان ظهرتا في الحلقة الأولى من الوثائقي، الابتعاد عن سياسة اللغو و الإنكار التي تعبر عن فلسفة الفرنسيين المجسدة بوضوح مفضوح منذ دخول ماكرون إلى الإليزيه. كنت قد كتبت مقالا حول تقرير سطورا في وقته، أي منذ سنة تقريبا، حيث ذكرت في حديثي مع المجاهد أحمد مهساس ما قاله وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير، بخصوص مستقبل العلاقات بين الجزائروفرنسا، بعد رحيل جيل نوفمبر، و رد علي مبتسما حينها و قال ‹›كوشنير لم يأت بالجديد، فالفكرة التي عبر عنها كانت موجودة في الجزائر قبل الثورة، فقد برزت في الأربعينيات حينما كان الفرنسيون يعتقدون بأن القضاء على جيل الحركة الوطنية الجزائرية، سوف يقضي على روح المقاومة››، مضيفا « حتى الديمقراطيين الفرنسيين أنفسهم، كانوا يفكرون وفق أطروحات كوشنير، و قد قالوا لنا بعد الاستقلال، أنتم قمتم بالثورة، لكن الشباب الجديد سوف يفضل العيش مع فرنسا. إن الفرنسيين متشبعون بالفكر الاستعماري، و حتى الديمقراطيين منهم من يعتقدون بأنهم أصحاب مهمة حضارية''. من هذا المنطلق، يحرص أحمد مهساس، على مسائل الثقافة وكتابة التاريخ والذاكرة، و يطرح مسألة خطورة كتابة التاريخ، اعتمادا على التأليف المشترك، مثلما حدث في السنوات الأخيرة، بين بعض المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، واعتبر هذا المنهج الجديد بمثابة محاولة لتسريب ثقافة مناهضة لقيم الجزائريين. من هذه المقدمة أقول، بأن الجزائر حٌبلى بالأفكار، ومتخوفة من هذه المبادرة، خاصة بعد أن زكى الرئيس الفرنسي ماكرون شخصية معروفة تلقى القبول عند السلطتين الفرنسية والجزائرية، رغم أنه يعتبر عند غالبية مؤرخي فرنسا « مؤرخ بلاط»، وقد رأينا و شاهدنا سيل الدراسات والمقالات التي فجرها التقرير الذي لا يعبر حقيقة عن الصورة الجميلة الموجودة عند بعض السياسيين، وبعض المؤرخين الجزائريين. الأغرب هو تكرارهم الدائم، لفكرة أن الثورة كانت حربا كلاسيكية للتحرر من الظاهرة الاستعمارية، و في نفس الوقت كانت حربا أهلية، وحتى لا نجانب الصواب، فإن سطورا قال بصريح العبارة، من الصعب أن نتفق كلنا حول الجزائر وهو نفس ما ذهب إليه بيير نورا، ويبقى عمل المؤرخين مجديا، من أجل أن تكون الصورة واضحة، فالمؤرخ الفرنسي حين يتحدث عن الجزائر، يتناول بالأحداث ثلاث عمالات فرنسية، هي قطعة من فرنسا، و ليست بنفس الصورة التي كانت عليها تونس و المغرب والهند الصينية ، وهذا هو الفارق، كما قال سطورا. الضعف الذي ظهرت به فرنسا منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية ، هل يضعنا أمام ضرورة تغيير لغة الحوار مع مستعمر الأمس، خصوصا في ما يتعلق بمطلب الاعتراف بالجرائم و تعويض الضحايا؟ فرنسا العجوز معروفة بتدحرج مكانتها ضمن التيار الغربي عامة»الحلف الأطلسي الناتو» من جهة، و ضعف نخبتها السياسة في الأدوار الدولية من جهة ثانية، فهذه النخبة لا تظهر تعاليها، إلا مع الأفارقة أو مستعمراتها السابقة التي تتململ من أجل التخلص من الوصاية الفرنسية عليها، و هو مطلب يبدو بأنه لن يتحقق في القريب العاجل، رغم الفرصة و لحظة الوعي التي عرفتها إفريقيا أثناء الثورة السلمية العابرة للقارات في 22 فيفري2019. و الملاحظ أن الذي يتصدى بشكل واضح للدب الروسي، هي أمريكا التي لا ترى في فرنسا سوى منطقة حررها الأمريكان بمساعدة الأفارقة، وإلا لكان الفرنسيون يتحدثون الألمانية اليوم، كما يحلو للأمريكان السخرية منهم. فرنسا الآن تعرف أنها مجرد رقم داخل الناتو، وهذا الرقم قابل لأن يضرب بصفر، فتكون النتيجة، كما قال خبير عسكري فرنسي كان وزيرا سابقا للدفاع، مخيبة ، ففرنسا مجرد واجهة في السياسة العسكرية الأمريكية، لهذا أظهرت ضعفا واضحا في هذه الأزمة، و بوتين يهين في كل مرة الرئيس الفرنسي، كما توحي بذلك الطرق التي يستقبله بها في الكرملين. و أعتقد أن الجزائر الآن، على المحك، فدول عديدة تخطب ودها، لتكون وسيطا مهما بين أوكرانيا والعملاق الروسي.